خالد حمدي شاب ثلاثيني، يأتي يومياً من حي بولاق الشّعبي في محافظة الجيزة، يقف على كوبري قصر النيل بوسط القاهرة حاملاً كاميرته الفوتوغرافية، يلتقط صوراً للرّاغبين من المارة عقب استقبالهم بابتسامة هي جزء من مدونة سلوك غير مكتوبة اتفق عليها مع زملائه المصورين الذين ينتشرون على الكوبري ومنطقة كورنيش النيل يرسمون مشهداً حضارياً يعيدون من خلاله مهنة «المصور الاجتماعي المتجول»، الذي كان يجوب المناطق السياحية والحدائق العامة والمتنزهات بكاميرته البدائية يلتقط الصور التذكارية للزّبائن والعائلات قبل انتشار الهواتف الذكية التي تتطوّر جودة عدسات كاميراتها يومياً. يبدو المشهد أعلى كوبري قصر النيل الذي يصل بين طرف ميدان التحرير في وسط القاهرة ومبنى دار الأوبرا المصرية مختلفاً بوجود أكثر من 20 شاباً في أعمار مختلفة، ينتشرون حاملين كاميراتهم بين طرفي الكوبري الذي يشكّل أحد أهم معالم وسط العاصمة بأسديه الشهيرين اللذين يقبعان على مدخله.
وتشكّل مساحة الكوبري الذي يمر وسط نهر النيل متنفساً للرّاغبين في التنزه ورؤية المشاهد المختلفة ومعالم المنطقة التي يزداد جمالها ليلاً، وهو ما يدفع خالد وزملاءه إلى بدء الحضور مع غروب الشمس، فرغم ازدحام الكوبري طوال الوقت بالمركبات المارة من الاتجاهين فإن إقبال المتنزهين يبدأ مع انقضاء ساعات النهار ويزداد الإقبال تدريجياً إلى أن يمتلئ الكوبري العتيق بمئات الهاربين من سخونة المنازل في فصل الصيف، والباحثين عن خصوصية نسمات نهر النيل.
يقول حمدي لـ«الشرق الأوسط»: «أحضر من منزلي يومياً عند غروب الشمس، وأظل أعمل في التقاط الصور للزبائن حتى السّاعات الأولى من صباح اليوم التالي، ومنذ أن احترفت التصوير، وأنا أشعر أنّني حقّقت شيئاً هاماً، لأنّي أعمل عملاً أحبه وأجني منه مالاً جيّداً، فقد كنت أعمل من قبل في ورشة لصناعة الحقائب اليدوية النسائية إلى أن اشتريت الكاميرا وبدأت التدرب على التصوير وحضور الورش التدريبية». مضيفاً: «تبلغ تكلفة الصورة الواحدة 10 جنيهات (الدولار بنحو 17 جنيهاً مصرياً)، وغالباً يرغب الشّخص في التقاط نحو خمس صور مختلفة على الأقل، ويتنوّع الزبائن الرّاغبين في التقاط صورهم ما بين عائلات يرغبون في توثيق لحظة وجودهم معاً بكاميرا احترافية تكون مختلفة كثيراً عن (السيلفي)، ويشكل العشاق أكثر الفئات إقبالاً على التصوير، وكذلك السّياح الأجانب والعرب، إضافة إلى الكثير من الشّباب المتنزهين أو الذين يزورون القاهرة من محافظات أخرى، والعرائس والعرسان الذين يمرون على الكوبري بسيارة الزفاف».
كريم هشام، شاب من مدينة الإسكندرية عمره 20 سنة، طلب التقاط صورة مع خلفية لبعض معالم المكان، منها برج الجزيرة والأسدين. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «كنت أمرّ من على الكوبري للتنزه خلال تجوّلي في منطقة وسط القاهرة، ولفت نظري وقوف عدد كبير من الشّباب حاملين كاميراتهم، وأعجبني المشهد جداً، فأردت التقاط صورة مع معالم المكان، ورغم أنّني أملك هاتفاً به كاميرا ذات جودة عالية؛ فإن الصور التي يلتقطها الشباب تكون مختلفة لأنها احترافية تُظهر تفاصيل أكثر دقة في الخلفية ومعالم المنطقة لا يمكن أن تظهر بنفس الجودة بتصوير السيلفي».
ووضع شباب من المصورين المنتشرين على كوبري قصر النيل ومنطقة كورنيش النيل في وسط العاصمة، ما يشبه مدونة سلوك غير مكتوبة يلزمون بها كل مصور جديد ينضم إليهم، الحفاظ على مظهره الحضاري، والتعامل مع رواد المكان وعابريه بطريقة مهذبة، وعدم مضايقة أي منهم أو الإلحاح في طلب التقاط الصّور، بل الاكتفاء بالابتسام وتحريك الكاميرا في إشارة لافتة تمثّل دعوة صامتة للشّخص إذا كان يريد التقاط صورته، وكذلك عدم مضايقة السّياح أو النساء والفتيات الذين يتجوّلون على الكوبري.
أمّا حازم زارع (21 سنة)، فيقول لـ«الشرق الأوسط»: «نحاول أن تتناسب سلوكياتنا مع طبيعة المكان الحضارية، ولا نضطر إلى سؤال الناس إذا ما كانوا يريدون التقاط صورهم، فالمشهد ونحن نلتقط الصّور يشرح نفسه، والناس تُقبل من نفسها على طلب التقاط صورها، وعندما يأتي شاب جديد للانضمام إلينا نبلغه بكل تفاصيل طريقة عملنا والتعامل مع الرواد بشكل حضاري».
يوسف بدر، أحد الشّباب الذين جذبتهم مهنة التصوير وتجربة رفاقه على كوبري قصر النيل، رغم أنّ عمره 17 سنة، وما يزال طالباً في الثانوية العامة، فإنه اشترى كاميرا وشارك في بعض ورش تعلم التصوير ليحقق دخلاً إضافياً، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «منذ أن بدأت التقاط الصور الفوتوغرافية شعرت أنني أعيد اكتشاف ذاتي، وتطورت جودة بورتريهات الأشخاص الذين أرسمهم لأن نظرتي للناس من خلال عدسة الكاميرا جعلتني أركز في تفاصيل جديدة بوجوههم كأنني أراها بشكل مختلف تضفي عليه معالم المكان أبعاداً جديدة».
«المصوّر المتجول» يعود إلى كورنيش القاهرة
20 شاباً ينتشرون على كوبري «قصر النيل»
«المصوّر المتجول» يعود إلى كورنيش القاهرة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة