هل تلجأ بكين للانتقام بسلاح السندات الأميركية؟

بحوزتها 1.1 تريليون دولار وتسييلها السريع قد يزعزع العالم

تمتلك الصين نحو 1.12 تريليون دولار من السندات الأميركية في حيازتها بحسب الأرقام المعلنة في نهاية مارس (رويترز)
تمتلك الصين نحو 1.12 تريليون دولار من السندات الأميركية في حيازتها بحسب الأرقام المعلنة في نهاية مارس (رويترز)
TT

هل تلجأ بكين للانتقام بسلاح السندات الأميركية؟

تمتلك الصين نحو 1.12 تريليون دولار من السندات الأميركية في حيازتها بحسب الأرقام المعلنة في نهاية مارس (رويترز)
تمتلك الصين نحو 1.12 تريليون دولار من السندات الأميركية في حيازتها بحسب الأرقام المعلنة في نهاية مارس (رويترز)

أثارت الحرب التجارية بين بكين وواشنطن قلقا في أسواق المال من أن تقرر الصين استخدام ما بحوزتها من سندات خزانة أميركية تفوق قيمتها 1.1 تريليون دولار كسلاح للرد على الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة الرئيس دونالد ترمب على البضائع الصينية.
وقرار التخلص من كم ضخم من الأصول، فيما يطلق عليه «الخيار النووي»، سيزعزع على الأرجح استقرار أسواق المال العالمية ويدفع أسعار الفائدة للصعود ويفضي بالتوترات بين أكبر اقتصادين في العالم إلى مصير مجهول.
وتخفف الصين محفظتها من سندات الخزانة منذ بعض الوقت، لكن أغلب المحللين يستبعدون على الأرجح قيامها بخفض حاد لحيازتها منها. وليس هناك دليل على أن بكين تتطلع بشكل جدي لإغراق الأسواق بالسندات الأميركية التي لديها.
وحول محفظة الصين من سندات الخزانة، فإنه قبل نحو عشر سنوات، تخطت الصين اليابان كأكبر حائز أجنبي للدين الحكومي الأميركي. وبحسب بيانات من وزارة الخزانة الأميركية، فاقت حيازاتها 1.12 تريليون دولار في نهاية مارس (آذار). وحلت اليابان ثانية بفارق طفيف عند نحو 1.08 تريليون دولار.
وبلغت حيازات الصين الذروة أواخر 2013 عند نحو 1.32 تريليون دولار، وانخفضت منذ ذلك الحين نحو 15 في المائة. وفي مارس كانت عند أدنى مستوياتها في نحو عامين.
وتراجعت حصتها في سوق سندات الخزانة بشكل أسرع بسبب الإصدار المطرد للدين الأميركي الضروري لتمويل العجز المتزايد في الميزانية الاتحادية.
ويملك ثاني أكبر اقتصاد في العالم نحو سبعة في المائة من الدين العام الأميركي القائم والبالغ 16.18 تريليون دولار، وهي أقل حصة له في 14 عاما، ودون ذروة بلغت 14 في المائة في 2011، لكن نصيبه من الكعكة يظل الأكبر بعد مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) الذي يملك سندات خزانة بقيمة 2.15 تريليون دولار أو 13.5 في المائة من السوق.
ومن المتوقع أن يتواصل تسارع إصدار سندات الخزانة بعد خفض كبير في الضرائب أُقر في ديسمبر (كانون الأول) 2017، لذا من المرجح أن تتراجع حصة الصين في السوق بشكل أكبر.
*من أين جاءت؟ وما تأثيرها؟
أما لماذا تملك الصين كل هذا القدر من الدين الأميركي؟ فإنه كمُصدر صاف إلى الولايات المتحدة وباقي دول العالم، فلدى الصين أكبر رصيد من احتياطيات النقد الأجنبي والذي يتجاوز الثلاثة تريليونات دولار. والكثير من تلك الاحتياطيات مقومة بالدولار الأميركي وقد تجمعت من خلال فوائض تجارية مستمرة مع الولايات المتحدة منذ أوائل تسعينات القرن الماضي.
وسوق سندات الخزانة الأميركية موضع طبيعي لكثير من دولارات الصين، باعتبار أن هذه السوق هي بدرجة كبيرة التجمع الأكبر والأكثر سيولة للأصول الآمنة في العالم.
إضافة إلى ذلك، فإنه منذ الأزمة المالية العالمية بين 2007 و2009 تدر سندات الخزانة الأميركية عوائد تفوق السندات التي تصدرها الاقتصادات المتقدمة الأخرى مثل اليابان وألمانيا، وهو عامل جذب آخر.
ويتفق أغلب المحللين على أن بيعا واسع النطاق من بكين سيربك سوق سندات الخزانة الأميركية وغيرها. فحدوث تحول مفاجئ في ميزان العرض والطلب قد يدفع أسعار سندات الخزانة للنزول، ويؤدي إلى ارتفاع العوائد التي تتحرك عكس اتجاه الأسعار. وسيتسبب ذلك في زيادة في تكاليف الاقتراض بالنسبة للحكومة الأميركية. ولأن عوائد سندات الخزانة معيار قياسي لائتمان المستهلكين والشركات في الولايات المتحدة، فإن أسعار الفائدة سترتفع على شتى الأصول، من سندات الشركات إلى الرهون العقارية لأصحاب المنازل، مما سيبطئ الاقتصاد على الأرجح.
وستضعف مثل هذه الخطوة الصادمة ثقة المستثمرين عالميا في الدولار الأميركي باعتباره عملة الاحتياطي الرئيسية في العالم.
لكن يقول أغلب المحللين أيضا إن الصين لم تقرر بيع سندات الخزانة الأميركية لأن حدوث انخفاض مفاجئ في أسعارها سيقلل قيمة ما يتبقى بحوزة الصين منها. أيضا، عملة الصين اليوان ليست معومة بالكامل. وتستخدم بكين حيازتها من سندات الخزانة الأميركية كأداة مهمة لحفظ استقرار اليوان في إطار نطاق مستهدف مقابل الدولار على وجه الخصوص.
ويزعم بعض المنتقدين أن الصين تستخدم سندات الخزانة الأميركية واحتياطياتها الأخرى من العملة لمنع ارتفاع اليوان، مما يزيد جاذبية صادراتها. وفي نفس الوقت، فإن السماح للعملة بالنزول بشكل كبير ينذر بخطر حدوث مشاكل أخرى مثل نزوح رؤوس الأموال الأجنبية.
وأي انخفاض حاد في العملة الأميركية قد يجبر بكين على الدفاع عن اليوان، مما قد يعني التخلص من مزيد من حصتها في سندات الخزانة. وفي 2016 نزلت حيازات الصين من سندات الخزانة الأميركية بشكل حاد بلغ نحو 200 مليار دولار في الفترة من مايو (أيار) إلى نوفمبر (تشرين الثاني) من ذلك العام في ظل انخفاض حاد لليوان على خلفية مخاوف بشأن الاقتصاد الصيني.
وأخيرا، فإن أي آثار سلبية على الاقتصاد الأميركي سيكون لها صدى في الصين لأن الولايات المتحدة هي السوق لما يقرب من خُمس صادرات الصين.


مقالات ذات صلة

وزيرا خارجية السعودية وفرنسا يناقشان المستجدات الإقليمية

الخليج الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي (الشرق الأوسط)

وزيرا خارجية السعودية وفرنسا يناقشان المستجدات الإقليمية

ناقش الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي هاتفياً مع نظيره الفرنسي جان نويل بارو المستجدات الإقليمية والموضوعات المشتركة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
تحليل إخباري الأمير محمد بن سلمان والرئيس إيمانويل ماكرون أمام قصر الإليزيه في يونيو 2023 (إ.ب.أ)

تحليل إخباري مساعٍ فرنسية لرفع العلاقة مع السعودية إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية»

السعودية وفرنسا تسعيان لرفع علاقاتهما إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية»، و«الإليزيه» يقول إن باريس تريد أن تكون «شريكاً موثوقاً به» للسعودية في «كل المجالات».

ميشال أبونجم (باريس)
الخليج الأمير خالد بن سلمان خلال استقباله سيباستيان ليكورنو في الرياض (واس)

وزير الدفاع السعودي ونظيره الفرنسي يبحثان في الرياض أفق التعاون العسكري

بحث الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي مع سيباستيان ليكورنو وزير القوات المسلحة الفرنسية، مستجدات الأوضاع الإقليمية وجهود إحلال السلام في المنطقة والعالم.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق أعضاء اللجنة الوزارية أعربوا عن رغبتهم في تعزيز التعاون بما يعكس الهوية الثقافية والتاريخية الفريدة للمنطقة (واس)

التزام سعودي - فرنسي للارتقاء بالشراكة الثنائية بشأن «العلا»

أكد أعضاء اللجنة الوزارية السعودية - الفرنسية بشأن تطوير «العلا»، السبت، التزامهم بالعمل للارتقاء بالشراكة الثنائية إلى مستويات أعلى.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الخليج وزير الخارجية السعودي مع نظيره الفرنسي خلال لقاء جمعهما على غداء عمل في باريس (واس)

وزير الخارجية السعودي يبحث مع نظيره الفرنسي تطورات غزة ولبنان

بحث الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي مع نظيره الفرنسي جان نويل، الجمعة، التطورات في قطاع غزة وعلى الساحة اللبنانية، والجهود المبذولة بشأنها.

«الشرق الأوسط» (باريس)

تعاون استراتيجي سعودي أذربيجاني لتعزيز الاقتصاد والطاقة المتجددة

جاء حديث نائب وزير الخارجية الأذربيجاني على هامش مشاركته في «كوب 16» الذي اختتم أعماله مؤخراً بالرياض (الشرق الأوسط)
جاء حديث نائب وزير الخارجية الأذربيجاني على هامش مشاركته في «كوب 16» الذي اختتم أعماله مؤخراً بالرياض (الشرق الأوسط)
TT

تعاون استراتيجي سعودي أذربيجاني لتعزيز الاقتصاد والطاقة المتجددة

جاء حديث نائب وزير الخارجية الأذربيجاني على هامش مشاركته في «كوب 16» الذي اختتم أعماله مؤخراً بالرياض (الشرق الأوسط)
جاء حديث نائب وزير الخارجية الأذربيجاني على هامش مشاركته في «كوب 16» الذي اختتم أعماله مؤخراً بالرياض (الشرق الأوسط)

أكدت أذربيجان أهمية تطوير شراكتها الاستراتيجية مع السعودية في مختلف المجالات، خاصة في الجوانب الاقتصادية والتجارية والطاقة المتجددة، بما يعكس توجه البلدين نحو تعزيز التعاون الإقليمي والدولي.

وشدد يالتشين رفييف، نائب وزير الخارجية الأذربيجاني لشؤون الأمن الدولي والتعاون الاقتصادي، على أن البلدين يواصلان استكشاف فرص جديدة لتوسيع مجالات التعاون المشترك، ولا سيما في قطاع الطاقة المتجددة والمناخ.

وأوضح رفييف، في حديث، لـ«الشرق الأوسط»، خلال مشاركته في مؤتمر المناخ «كوب 16» بالرياض، أن المشاورات الثنائية السنوية بين الرياض وباكو تسهم في تقييم وتطوير العلاقات بين البلدين. وناقش، مع نظيره السعودي وليد الخريجي، ونائب وزير الطاقة ماجد العتيبي، الخطط المشتركة لتعزيز التعاون، بما يشمل تنفيذ مشاريع منسقة بين البلدين.

وأشار رفييف إلى نجاح الشراكة بين أذربيجان والسعودية في مجال الطاقة المتجددة، حيث تقود شركة «أكوا باور» السعودية مشروع تطوير محطة طاقة الرياح البحرية بقدرة 240 ميغاواط في أذربيجان. كما شهد مؤتمر المناخ الأخير توقيع مذكرة تفاهم بين «أكوا باور» و«مصدر» الإماراتية وشركة «سوكار غرين» الأذربيجانية لتطوير مشاريع طاقة الرياح البحرية بقدرة 3.5 غيغاواط في بحر قزوين، وهو المشروع الأول من نوعه في أذربيجان.

وأضاف المسؤول الأذربيجاني أن بلاده أصبحت مركزاً إقليمياً في جنوب القوقاز وآسيا الوسطى، حيث تعمل بصفتها بوابة لربط دول الخليج بآسيا الوسطى. وأكد أن أذربيجان تسهم بشكل كبير في الأجندة الدولية، من خلال دورها في حركة عدم الانحياز، التي ترأستها لأكثر من أربع سنوات، ودورها الفاعل في تحقيق أهداف تمويل المناخ للدول النامية.

يالتشين رفييف نائب وزير الخارجية الأذربيجاني لشؤون الأمن الدولي والتعاون الاقتصادي

وشدد رفييف، في حديثه، على أن أذربيجان تسعى لتوسيع شراكاتها مع السعودية، معتمدين على موقعها الجيوسياسي وقدراتها في المساهمة بالاقتصاد العالمي، في ظل تصاعد دورها الإقليمي والدولي.

وتابع: «عُقد مؤتمر (كوب29) في باكو، في أذربيجان، وكان منصة مهمة للتواصل بين البلدين لتعزيز المصالح المشتركة». وقال: «نجح المؤتمر بفضل دعم إخوتنا وأخواتنا السعوديين، وانبثق من ذلك تصور جديد للتعاون بين البلدين، وهو قيد الدراسة».

وتابع رفييف: «أذربيجان بوابة لدول الخليج إلى آسيا الوسطى. سنلعب دوراً مهماً في ربط هاتين المنطقتين المهمتين مع بعضهما البعض، حيث تسهم أذربيجان بشكل كبير في الأجندة العالمية، من خلال مساهمتها الأخيرة في المفاوضات المناخية الدولية، التي أسفرت عن جمع هدف مالي جديد بقيمة 300 مليار دولار من الدول المتقدمة للدول النامية».

واستطرد في الحوار حول دور بلاده في المهام الدولية، وقال: «لعبت أذربيجان دورًا مهماً بصفتها رئيساً لحركة عدم الانحياز لأكثر من أربع سنوات. قمنا برئاسة هذه المنظمة التي تضم 121 دولة عضواً، وخلال فترة أربع سنوات ونصف السنة أثبتنا، مرة أخرى، أننا قادرون على لعب دور عالمي».

وزاد: «استطعنا أن نجمع الدول المتقدمة والنامية معاً، بما في ذلك أثناء فترة جائحة (كوفيد-19). وخلال الوباء، حوّلنا التحديات المتعلقة بالجائحة إلى فرص تعاون. أطلقنا في الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان قراراً حَظِي بدعم جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالإجماع. وكل هذا أظهر أن أذربيجان ليست أذربيجان السابقة، إنها الآن أقوى وقائدة إقليمية».