الميكروبوتات... تصاميم ثورية لأجهزة استشعار متناهية الصغر

رقائق تحتوي الآلاف من «الحصى الذكية» توظف في المجالات الهندسية والطبية

{ميكروبوت} إلى جانب «براميسيوم»، وهو كائن هدبي مجهري دقيق يعيش في البرك ومجاري المياه العذبة
{ميكروبوت} إلى جانب «براميسيوم»، وهو كائن هدبي مجهري دقيق يعيش في البرك ومجاري المياه العذبة
TT

الميكروبوتات... تصاميم ثورية لأجهزة استشعار متناهية الصغر

{ميكروبوت} إلى جانب «براميسيوم»، وهو كائن هدبي مجهري دقيق يعيش في البرك ومجاري المياه العذبة
{ميكروبوت} إلى جانب «براميسيوم»، وهو كائن هدبي مجهري دقيق يعيش في البرك ومجاري المياه العذبة

قد يتاح لكم في وقت قريب الاستعانة بأجهزة استشعار متناهية الصغر بأرجل دقيقة، مخبأة في رقائق سيليكونية لصيانة بطارية هاتفكم الخلوي، أو لدراسة دماغكم.
- ميكروبوتات دقيقة
في البداية، تستلقي روبوتات مارك ميسكين دون حركة ومن ثمّ تنبعث الروح في أطرافها، تماماً كما حصل مع فرنكنشتاين. وتجتمع هذه الروبوتات التي توازي ذرّة الغبار حجماً، إلى جانب بعضها البعض بالمئات على رقاقة سيليكون واحدة تشبه تلك المستخدمة في صناعة رقائق الكومبيوتر. ثم، وكأنها تعود إلى الحياة، تحرّر نفسها وتبدأ بالزحف.
يقول ميسكين، أستاذ محاضر في هندسة الكهرباء والأنظمة في جامعة بنسلفانيا: «يمكننا استخدام قطعتكم المفضّلة من الإلكترونيات المصنوعة من السيليكون، وتزويدها بأرجل ومن ثمّ بناء الملايين منها. هذه هي رؤيتنا».
يرى ميسكين في مستقبل هذه الميكروبوتات التي لا يتجاوز واحدها الخليّة حجماً، عدداً هائلاً من الاستخدامات.
فقد تستطيع مثلاً أن تزحف نحو بطاريات الهواتف الخلوية لتنظيفها وتجديدها. من ناحية أخرى، فإنها قد تمثّل هبة لعلماء الأعصاب عند حفرها في عمق الدماغ لقياس الإشارات الدماغية. كما يمكن وضع الملايين منها في طبق مختبري لاستخدامها في اختبارات الأفكار الجديدة في مجال الشبكات والاتصالات.
يمثّل هذا البحث، الذي عُرض خلال اجتماع الجمعية الأميركية للفيزياء في بوسطن في مارس (آذار)، الخطوة الأخيرة في رؤية الفيزيائي الشهير ريتشارد فينمان التي أرسى أولى دعاماتها في محاضرة عنوانها «هناك الكثير من المساحة في القعر» ألقاها عام 1959 تناولت كيف يمكن لتخزين المعلومات في أجسام بحجم الذرّة وآلات جزيئية أن يُحْدِث تحوّلاً في عالم التكنولوجيا.
خلال 50 عاماً، أثمرت توقّعات فينمان حول تخزين المعلومات بشكل كبير، ولكنّ ميسكين يرى أنّ «الهدف التالي، أي تقليص حجم الآلات، لا يزال في بداياته».
تستفيد الروبوتات الجديدة من التقنية الأساسية نفسها التي استخدمت في رقائق الكومبيوتر. فقد قال بول ماك أوين، فيزيائي من جامعة كورنيل: «ما نقوم به هو سرقة 60 عاماً من السيليكون. إذ ليس من الصعب علينا أن نصنع رقاقة سيليكونية بعرض 100 ميكرومتر (ميكرون). ولكنّ ما لم يكن موجوداً من قبل هو الهيكل الخارجي لأذرع الروبوت، أي المحرّكات».
خلال عمله في مختبرات ماك أوين، طوّر ميسكين تقنية لوضع طبقات من البلاتينيوم والتيتانيوم على رقاقة من السيليكون. وعند تطبيق قوة كهربائية على الرقاقة، ينقبض البلاتينيوم بينما يحافظ التيتانيوم على صلابته، مما يؤدي إلى طي سطح الرقاقة، وتتحوّل هذه الطيّة إلى قوة دافعة تحرّك أطراف الروبوتات الذي يوازي الواحد منها مئات الذرات سمكا.
- محركات فريدة
الفكرة ليست بجديدة، فقد تحدّث باحثون مثل كريس بيستر من جامعة كاليفورنيا، بيركلي، لعقود عن «الغبار الذكي» الذي يتألف من أجهزة استشعار متناهية الصغر مهمتها مراقبة الأحوال البيئية. ولكن بتطوير نسخات عملية، توسّع مبدأ «الغبار الذكي» ليصبح «حصى ذكية» تتسع في البطاريات.
عمل ميسكين على حلّ لغز الطاقة، ففضّل التخلّي عن البطاريات، وشغّل الروبوتات بواسطة أشعة ليزر مسلّطة على ألواح شمسية دقيقة تحملها على ظهرها.
تعليقاً على عمل ميسكين وماك أوين ومساعديهما، قال بيستر: «أظنّ أنّ الأمر ممتع جدّاً. لقد صنعوا روبوتاً متناهي الصغر يمكن التحكّم به من خلال تسليط الضوء عليه، واستخدامه في تطبيقات مهمّة كثيرة». ولأنّ الروبوتات مصنوعة من تقنية السيليكون التقليدية، لا شكّ في أنّ الباحثين سيعمدون إلى تزويدها بأجهزة استشعار لقياس درجة حرارتها أو نبضاتها الكهربائية.
كشف ميسكين أنّ زملاءه في الهندسة الكهربائية يميلون غالباً إلى التشكيك بابتكاره عندما يلاحظون أن الميكروبوتات تعمل بفرق جهد كهربائي لا يشكل سوى جزء صغير من الفولت وتستهلك قدرة مقدارها 10 من المليار من الواط الواحد، ويسألون: «هل تقصد أنك تستطيع استعمال رقاقاتنا وتزويدها بأرجل؟ ومن ثمّ يمكنك إرشادها وتحويلها إلى كومبيوتر صغير يقوم بمهام أخرى» فيجيبهم بـ«نعم، طبعاً» لافتاً إلى أنّ «الناس يشعرون بحماس كبير».
ولكن الأمر لا يخلو من التحديات، لأنّ استخدام الليزر كمصدر طاقة لتشغيل هذه الروبوتات سيحول دون حقنها في الدماغ مثلاً. ويرى ميسكين أنّ الحقول المغناطيسية قد تكون البديل المناسب في هذه الحالة. كما أنّه يرغب في صناعة روبوتات أخرى قادرة على السباحة بدل الزحف. وتعتبر السباحة عملاً شاقاً بالنسبة للآلات الدقيقة لأنّ المياه تصبح لزجة كالعسل.
ولكن على الرغم من ذلك، لا يزال ميسكين يرى أنّه قادر على تقديم ميكروبوتات حقيقية خلال سنوات قليلة، ويقول: «يكمن هذا الأمر في حجم الابتكار المطلوب. إنّ ما أحبه في هذا المشروع هو عدم توفر معظم العناصر الوظيفية، لذا، نستخدم الأجزاء الموجودة ونجمعها مع بعضها البعض».

- خدمة «نيويورك تايمز».


مقالات ذات صلة

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

تكنولوجيا تيم كوك في صورة جماعية مع طالبات أكاديمية «أبل» في العاصمة السعودية الرياض (الشرق الأوسط)

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

نصح تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة «أبل»، مطوري التطبيقات في المنطقة باحتضان العملية بدلاً من التركيز على النتائج.

مساعد الزياني (دبي)
تكنولوجيا خوارزمية «تيك توك» تُحدث ثورة في تجربة المستخدم مقدمة محتوى مخصصاً بدقة عالية بفضل الذكاء الاصطناعي (أ.ف.ب)

خوارزمية «تيك توك» سر نجاح التطبيق وتحدياته المستقبلية

بينما تواجه «تيك توك» (TikTok) معركة قانونية مع الحكومة الأميركية، يظل العنصر الأبرز الذي ساهم في نجاح التطبيق عالمياً هو خوارزميته العبقرية. هذه الخوارزمية…

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
خاص تم تحسين هذه النماذج لمحاكاة سيناريوهات المناخ مثل توقع مسارات الأعاصير مما يسهم في تعزيز الاستعداد للكوارث (شاترستوك)

خاص «آي بي إم» و«ناسا» تسخّران نماذج الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات المناخية

«الشرق الأوسط» تزور مختبرات أبحاث «IBM» في زيوريخ وتطلع على أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي لفهم ديناميكيات المناخ والتنبؤ به.

نسيم رمضان (زيوريخ)
خاص يمثل تحول الترميز الطبي في السعودية خطوة حاسمة نحو تحسين كفاءة النظام الصحي ودقته (شاترستوك)

خاص ما دور «الترميز الطبي» في تحقيق «رؤية 2030» لنظام صحي مستدام؟

من معالجة اللغة الطبيعية إلى التطبيب عن بُعد، يشكل «الترميز الطبي» عامل تغيير مهماً نحو قطاع طبي متطور ومستدام في السعودية.

نسيم رمضان (لندن)
خاص من خلال الاستثمارات الاستراتيجية والشراكات وتطوير البنية التحتية ترسم السعودية مساراً نحو أن تصبح قائداً عالمياً في التكنولوجيا (شاترستوك)

خاص كيف يحقق «الاستقلال في الذكاء الاصطناعي» رؤية السعودية للمستقبل؟

يُعد «استقلال الذكاء الاصطناعي» ركيزة أساسية في استراتيجية المملكة مستفيدة من قوتها الاقتصادية والمبادرات المستقبلية لتوطين إنتاج رقائق الذكاء الاصطناعي.

نسيم رمضان (لندن)

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً