الحوثيون يعاودون تجنيد اللاجئين الأفارقة إجبارياً

عائلات تشكو ترويع الميليشيات وأخرى تستجيب للمغريات المالية

عناصر أمنية في أحد شوارع صنعاء (إ.ب.أ)
عناصر أمنية في أحد شوارع صنعاء (إ.ب.أ)
TT
20

الحوثيون يعاودون تجنيد اللاجئين الأفارقة إجبارياً

عناصر أمنية في أحد شوارع صنعاء (إ.ب.أ)
عناصر أمنية في أحد شوارع صنعاء (إ.ب.أ)

عاودت ميليشيات الحوثي من جديد تدعيم صفوفها بمقاتلين أفارقة من خلال تجنيدهم تحت الضغط والإجبار، والزج بهم للقتال في صفوفها على مختلف الجبهات، خصوصاً بعد الخسائر البشرية الكبيرة التي تكبّدتها في مختلف ميادين المواجهات.
مصادر خاصة أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الميليشيات دشنت على مدى الأسبوعين الماضيين حملات تجنيد جديدة إجبارية لشباب وأطفال أفارقة في العاصمة صنعاء ومناطق أخرى خاضعة لسيطرتها تحت شعار: «انفروا خفاقاً وثقالاً»، بعد أن أثبتت فشلها الذريع في إقناع القبائل اليمنية بمتابعة انخراط أبنائها في القتال معها.
وأشارت المصادر إلى مواصلة الميليشيات رفد جبهاتها بمقاتلين أفارقة جدد مقابل إغراءات مالية تصل إلى ما بين 80 و100 دولار لكل مقاتل أفريقي ينخرط في القتال بصفوفها.
وعينت الميليشيات الحوثية مؤخراً، بحسب المصادر، مشرفين على عمليات التجنيد ممن لديهم خبرات باللاجئين الأفارقة، بهدف إتمام مهمة الحشد والتعبئة للاجئين وفرز وتصنيف المجندين وفق خبراتهم في حمل السلاح، ونقلتهم إلى الجبهات.
ووفق المصادر نفسها، شملت حملات التجنيد أفارقة من مختلف الأعمار من الموجودين بصفتهم لاجئين في عدد من أحياء صنعاء ومناطق أخرى خاضعة لسيطرة الميليشيات.
وأكد شهود عيان بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الميليشيات بدأت في حشد مئات المرتزقة الأفارقة، لإشراكهم في القتال مع قواتها. وأشار الشهود إلى أن معظم العناصر الذين حشدهم المتمردون ينتمون إلى الجنسيتين «الإثيوبية» و«الصومالية».
ووفقاً للشهود، تقوم الميليشيات الإيرانية بعد تسجيلهم بإجراء دورات تدريبية للمجندين الأفارقة الجدد، وعددهم يتجاوز الـ76 مجنداً، إلى جانب مجندين آخرين في أماكن سرية وغير مكشوفة.
وأشار الشهود، الذين تحتفظ «الشرق الأوسط» بأسمائهم حرصاً على سلامتهم، إلى اتخاذ بعض منازل قيادات ميليشياوية أماكن يتلقى فيها المجندون دورات ودروس شحن طائفي.
بدورها؛ شكت عائلات من جنسيات صومالية وإثيوبية في حي «الصافية» وأحياء أخرى بصنعاء من تعرضهم مؤخراً لعمليات ترويع وابتزاز من قبل الميليشيات، لإجبارهم على تجنيد أبنائهم للقتال معها. وأكد أفراد من تلك العائلات لـ«الشرق الأوسط» تعرضهم لظروف معيشية صعبة وقاسية في صنعاء منذ الانقلاب الحوثي على الشرعية واجتياح صنعاء ومدن يمنية أخرى.
وفي محصلة ما أوردوه، ورغم الظروف التي يعانونها؛ «تريد الجماعات الحوثية أن تضم أولادنا للقتال في حروبها... يعني هربنا من حرب ومواجهات في بلدنا إلى حرب أخرى ومواجهات في اليمن».
وتتحدث العائلات عن استمرار مداهمات ميليشيا الحوثي منذ مطلع شهر رمضان المبارك حاراتها ومساكنها بهدف إخافتهم والضغط عليهم للرضوخ لتجنيد أبنائهم.
وبحسب عضو في المجلس المحلي بأمانة العاصمة، فقد كثفت قيادات حوثية من الصفين الثاني والثالث من زياراتهم حديثاً أحياء في صنعاء يقطنها لاجئون من جنسيات أفريقية، في محاولة جديدة منها لإقناعهم بشكل أو بآخر بالمشاركة فيما سموه «الحشد البشري والتعبئة العامة للجبهات»، مقابل مبالغ مالية ومساعدات غذائية ستمنحها الميليشيات لكل أسرة وافقت على رفد الجبهات بالمقاتلين.
وأكد عضو المجلس المحلي، الذي فضل عدم الكشف عن هويته لـ«الشرق الأوسط» أن اللاجئين الذين يقطنون أحياء متفرقة بصنعاء، يتعرضون في هذه الأثناء لحملات تجنيد واسعة من قبل الميليشيات التي تعمد إلى ترويعهم من أجل الزج بهم إلى القتال.
وأوضح أن الميليشيات لم تقف عند الزيارات واقتحام المنازل فحسب؛ بل عمدت أيضاً إلى ملاحقة الشباب والأطفال الأفارقة الذين تركوا منازلهم هرباً منهم، وجرى خطف بعضهم من أماكن أعمالهم ببعض شوارع وأسواق صنعاء واقتيادهم إلى جهات غير معروفة.
وأشار المسؤول المحلي إلى وجود حالة خوف وهلع شديدة في أوساط الجالية الأفريقية التي يتعرض أبناؤها للاعتداءات والإهانات المباشرة من قبل الميليشيات في حال رفضهم الانصياع لطلباتها.
وازداد عدد اللاجئين الأفارقة في الأراضي اليمنية خلال العامين الماضيين، رغم الحرب والانقلاب اللذين يعاني منهما اليمنيون منذ نحو 4 أعوام.
وقدرت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين عدد اللاجئين الأفارقة الموجودين في اليمن بأكثر من 171 ألف لاجئ، معظمهم صوماليون وإثيوبيون. وأشارت المفوضية إلى أنه عدد يفوق تعداد من كانوا موجودين من قبل.
وتتداول تقارير منظمات محلية يمنية أعداداً مهولة لتدفق اللاجئين الأفارقة إلى اليمن. وأكدت ارتفاع عدد اللاجئين وطالبي اللجوء من دول القرن الأفريقي إلى أكثر مليون لاجئ، وهو العدد الذي تقول المفوضية في اليمن إنه يشكل حالياً موضع اهتمام من قبلها.
وخلال سنوات أربع ماضية فقط، وصل عدد اللاجئين إلى اليمن من دول القرن الأفريقي، وفق المفوضية، إلى قرابة ربع مليون شخص، بواقع 65 ألف لاجئ عام 2013، و91 ألفاً و500 لاجئ عام 2014، و82 ألفاً و446 لاجئ عام 2015، و255 ألفاً عام 2017، معظمهم من دولتي إثيوبيا والصومال.
وتعدّ منظمات محلية مهتمة بشؤون اللاجئين أن اليمن منذ مطلع التسعينات أصبح ملاذاً آمناً للاجئين من دول شرق أفريقيا والقرن الأفريقي. في حين يعدّ عدد كبير من اللاجئين اليمن بلاد الأحلام، ويلجأون إليه إما للعمل بحرية، أو للحصول على اللجوء والدعم والمعونات الخارجية. ورأت أن هناك عدداً أكبر من الصوماليين غير المسجلين لدى الحكومة اليمنية والمنظمات الدولية والذين تعج بهم مختلف المدن اليمنية.
ويأتي لجوء الميليشيا الحوثية لتجنيد اللاجئين الأفارقة الشباب والأطفال في الوقت الذي فشلت فيه مؤخراً، بحسب مراقبين، في إقناع اليمنيين بلانخراط في صفوفها والقتال على جبهاتها.
ويؤكد مراقبون أن جماعة الحوثي تعاني في الوقت الحاضر من أزمة حادة، تتمثل في نقص عدد المقاتلين المنضوين بصفوفها نتيجة اشتداد المعارك وإحراز قوات الشرعية تقدمات كبيرة بمختلف الجبهات، الأمر الذي دفع بالميليشيات إلى الاستعانة بأعداد كبيرة من اللاجئين الأفارقة لإجبارهم على القتال معها.
ويتخذ معظم المهاجرين الأفارقة من خط «المخا - البرح» منفذاً للعبور إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الجماعة الحوثية في محافظة إب؛ ومنها إلى ذمار والبيضاء وصنعاء، أو إلى صعدة وحجة، مشياً على الأقدام.
وأكدت مصادر مقربة من جماعة الحوثي لـ«الشرق الأوسط» أن العاصمة صنعاء شكلت النصيب الأوفر فيما يتعلق بتجنيد شريحة الشباب والأطفال الأفارقة، تلتها محافظة الحديدة بالمرتبة الثانية، ثم محافظتا تعز وإب، والبيضاء في المرتبة الأخيرة.
ووفقاً للمصادر ذاتها، فإن الحوثيين استطاعوا تحت قوة الضغط والترهيب والإغراء بالمال والمساعدات الغذائية أن يكسبوا كثيراً من المقاتلين الأفارقة بمن فيهم «صغار السن» في صنعاء، ودفعهم بشكل إجباري نحو التجنيد والقتال في الصفوف الأمامية معهم.
وزجت الميليشيات بالطفل الصومالي «علاء عطا الله» المكنى «أبو جهاد» في الخطوط الأمامية للقتال بصفوفها في جبهة تعز، وعاد علاء أواخر العام الماضي أشلاء مقطعة مصحوبة بموكب احتفالي مغطى بالألوان الخضراء وسط طلقات ابتهاجية حوثية، كما يفيد والده لـ«الشرق الأوسط» وعيناه تذرف دموع الحزن والحسرة والندامة.
من جهته، يكشف مسؤول بوزارة الصحة (الخاضعة لسيطرة الانقلابيين) عن أن هيئات «مستشفى الثورة العام» و«الجمهوري» و«العسكري» بصنعاء استقبلت منذ مطلع العام الحالي وحتى نهاية أبريل (نيسان) الماضي أكثر من 22 جثة لمجندين أفارقة بينهم أطفال، في حين استقبلت العام الماضي أكثر من 98 جثة لمجندين أفارقة من مختلف الأعمار لقوا حتفهم أثناء قتالهم بصفوف الجماعة بجبهات مختلفة كالحديدة وتعز والبيضاء ونهم وحجة... غيرها.
ولم يقف الحد عند استغلال الميليشيات الحوثية فاقة وظروف اللاجئين الأفارقة وإجبارهم بقوة السلاح وبالمال والمساعدات على الانخراط في صفوفها، بل سعت دولة عربية هي الأخرى، (بحسب مركز عربي للدراسات والبحوث)، إلى لعب الدور ذاته من خلال استغلالها فقر وعوز سكان دول أفريقية بعضها مجاور لليمن، في تقديم الدعم المادي لهم مقابل تجنيدهم وإرسالهم للقتال بصفوف الميليشيات الحوثية ضد التحالف بقيادة السعودية والإمارات لإعادة الشرعية في اليمن.
وكشف مركز «المزماة العربي للدراسات والبحوث»، في تقرير صادر عنه، عن قيام أذرع تابعة لدولة «قطر» في الصومال، وتشاد، وإريتريا، ومالي، وإثيوبيا، ونيجيريا، بتشكيل شبكات سرية مهمتها استقطاب الشباب والجماعات شديدة الفقر والحاجة في تلك الدول، لتجنيدها وتدريبها عسكرياً وإرسالها بعد مدها بكل الإمكانات للقتال مع جماعة الحوثي الانقلابية في اليمن.
وعدّ المركز تلك الأعمال مشاركة قطرية فعلية للميليشيات في «مسلسلها الإجرامي المستمر بقتل الشعب اليمني، وخيانة كبرى لليمنيين أولاً؛ وللأمة العربية والإسلامية بالدرجة الثانية»، وعدتها «انتهاكاً صارخا لكل الأعراف والمعاهدات والقوانين الدولية واتفاقيات حقوق الإنسان».
وصنف المركز تلك التصرفات بـ«الأعمال الإجرامية»، وقال إنها تدخل في نطاق المتاجرة بالبشر واستغلال فقر الناس وحاجتهم ودفعهم إلى محارق الموت.
وأعلنت الحكومة اليمنية في وقت سابق عن وجود أدلة جديدة لديها تثبت تورط الحوثيين في «تجنيد لاجئين أفارقة»، وذكرت أنها تجهز ملفاً متكاملاً يثبت تورط الميليشيا الانقلابية المرتبطة بالنظام الإيراني في تجنيد أجانب لقتال القوات الشرعية.
وقال الجيش الوطني إنه قتل وضبط خلال فترات سابقة أعداداً كبيرة من الأفارقة الذين يقاتلون في صفوف الميليشيات بعدد من جبهات القتال.
وكشف العميد ركن عبده مجلي، المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة اليمنية، في تصريحات صحافية سابقة، عن أن ميليشيا الحوثي أدخلت خلال الأيام الماضية العشرات من المقاتلين الأجانب من القارة الأفريقية إلى مدينة الحديدة من الجهة الشمالية للمدينة. وأشار إلى أن هذه الخطوة تأتي بهدف تكثيف الميليشيا تعزيزاتها العسكرية والقيام بأعمال قتالية داخل المدينة.
وبالتوازي؛ أكدت تقارير يمنية ضبط الجيش اليمني لاجئين إثيوبيين يحملون هويات عسكرية. وكشفت التحقيقات عن قيام جهات تابعة للميليشيات باستقدام أعداد كبيرة من القوات المدربة، وإدخالها الأراضي اليمنية بحجة بحثهم عن الرزق والعمل. وتطرقت التقارير إلى وجود دور فاعل لإيران ودول عربية أخرى في تمويل المرتزقة الأفارقة.
وفيما يتعلق بالأجانب القابعين في سجون مصلحة الجوازات والهجرة والجنسية في صنعاء، كشف مصدر مسؤول في المصلحة (الخاضعة لسيطرة الميليشيات) لـ«الشرق الأوسط» عن وجود أكثر من 1800 معتقل بسجون المصلحة من جنسيات عربية مختلفة.
وقال إن معظم السجناء من الجنسيات الصومالية والإثيوبية والسورية والعراقية، فيما يعود البقية إلى السودانية والمصرية واللبنانية والأردنية. وأشار المصدر إلى أن السجناء مخالفون لنظام الإقامة ودخلوا اليمن بطرق غير شرعية، ولفت إلى أن غالبيتهم ممن تم ترحيلهم أو فروا إلى اليمن من دول مجاورة.
وأضاف: «بدلاً من أن تقوم الميليشيات بالتنسيق مع سفارات بلدانهم أو مكاتب الأمم المتحدة لترحيلهم، نقلت منتصف العام الماضي نحو 600 سجين منهم (أغلبهم من الجنسيات الأفريقية) إلى أماكن مجهولة، وسط تأكيدات باستخدامهم في المواجهات المسلحة على أكثر من جبهة».
وبحسب المسؤول الحكومي: «تلجأ الميليشيات بين الحين والآخر لتنفيذ دورات ودروس طائفية لسجناء المصلحة، في محاولة منها لإغوائهم بأنهم هم المنقذون الوحيدون للأمة العربية والإسلامية من كل المخاطر المحدقة بها، وتغري بعض المعتقلين بالذهاب إلى جبهات القتال ومن ثم العودة مقابل منحهم فرص العودة إلى بلدانهم».
وفي خضم ذلك، تبدي منظمات دولية بصنعاء تخوفها من إرسال الميليشيات الحوثية معتقلين أجانب للقتال في صفوفها على بعض الجبهات. وتسعى تلك المنظمات في الوقت الحالي لتقصي ذلك الأمر، خصوصاً بعد تلقيها بلاغات عدة تفيد بأن الجماعة الحوثية قادت أعداداً من المهاجرين الأفارقة إلى معسكراتها لتدريبهم والزج بهم في مناطق الصراع.


مقالات ذات صلة

ما تأثير العقوبات الأميركية واستهداف المنشآت الاقتصادية على الحوثيين؟

تحليل إخباري كان ميناء رأس عيسى قبل استيلاء الحوثيين عليه يستخدم لتصدير النفط اليمني (رويترز)

ما تأثير العقوبات الأميركية واستهداف المنشآت الاقتصادية على الحوثيين؟

بينما تسعى الولايات المتحدة لاستنزاف الجماعة الحوثية مالياً بالعقوبات وباستهداف المنشآت الاقتصادية؛ يتوقع خبراء اقتصاديون تأثيرات متفاوتة على الجماعة والسكان.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

​العليمي يؤكد جهوزية القوات المسلحة لخوض معركة الخلاص

تحدث الدكتور رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني عن عناصر مشجعة لتعديل موازين القوى على الأرض في مقدمتها توافق المكونات الوطنية

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي مشاهد لصاروخ سقط في جبل المحويت كشفت عن أرقام مكتوبة بخط بدائي باللغة العربية (الإرياني)

مسؤول يمني: الحوثيون يحاولون إلصاق جرائمهم بالقوات الأميركية

أكد وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني أن جماعة الحوثي تحاول إلصاق جرائمها في المناطق المدنية بالقوات الأميركية لخلق حالة من السخط تجاه العملية العسكرية الجارية.

«الشرق الأوسط» (عدن)
المشرق العربي العقيد محمد جابر خلال مشاركته أخيراً لحشد القبائل اليمنية لمواجهة الحوثيين (الشرق الأوسط) play-circle

دعوة القبائل اليمنية لسحب أبنائهم من محارق الموت الحوثية

دعا مسؤولون يمنيون القبائل اليمنية في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي، إلى سرعة سحب أبنائهم من المعسكرات التابعة للجماعة وأهمية الابتعاد عن مواقعهم.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي أتباع الجماعة الحوثية يتوعدون ترمب بالهزيمة في تجمع أسبوعي وسط العاصمة صنعاء (أ.ف.ب)

قدرات الحوثيين العسكرية أمام اختبار الصمود تحت ضربات ترمب

أدَّت الضربات الأميركية التي أمر بها ترمب ضد الحوثيين إلى استنزاف قدرات الجماعة، واختراق تحصيناتها الأمنية؛ حيث باتت تواجه حالياً تحديات في تكثيف الهجمات.

وضاح الجليل (عدن)

الرئاسة اليمنية تشير إلى احتمال قريب للخلاص من الحوثيين

مقاتلة تقلع من على متن حاملة طائرات أميركية لضرب الحوثيين في اليمن (الجيش الأميركي)
مقاتلة تقلع من على متن حاملة طائرات أميركية لضرب الحوثيين في اليمن (الجيش الأميركي)
TT
20

الرئاسة اليمنية تشير إلى احتمال قريب للخلاص من الحوثيين

مقاتلة تقلع من على متن حاملة طائرات أميركية لضرب الحوثيين في اليمن (الجيش الأميركي)
مقاتلة تقلع من على متن حاملة طائرات أميركية لضرب الحوثيين في اليمن (الجيش الأميركي)

وسط إشارات من رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، إلى احتمالية الخلاص من الجماعة الحوثية في بلاده خلال العام الحالي، ضربت الغارات الأميركية مساء الأربعاء - فجر الخميس أهدافاً مفترضة للجماعة في صنعاء ومحيطها، وصولاً إلى معقلهم الرئيسي في صعدة.

وفي حين لمحت تصريحات العليمي إلى وجود مشاورات بخصوص ما يجب فعله على الأرض بالتوازي مع الحملة الجوية الأميركية ضد الحوثيين، تحدث إعلام الجماعة عن سقوط 3 جرحى جراء الغارات الأخيرة في صنعاء وصعدة.

وكان الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، أمر ببدء حملة ضد الحوثيين المدعومين من إيران في 15 مارس (آذار) الماضي وتوعدهم بـ«القوة المميتة»، في سياق سعيه إلى إرغامهم على التوقف عن تهديد الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، والكف عن مهاجمة إسرائيل تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة.

ووفق ما أورده الإعلام الحوثي، فقد استهدفت 6 غارات أميركية فجر الخميس منطقة براش شرق جبل نقم بضواحي صنعاء، وهي منطقة تحوي تحصينات جبلية وأنفاقاً لتخزين الأسلحة والذخائر، وسبق أن استُهدفت المنطقة أكثر من مرة منذ بدء حملة ترمب ضد الجماعة.

دخان يتصاعد بسبب ضربة ليلية أميركية استهدفت موقعاً مفترضاً للحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
دخان يتصاعد بسبب ضربة ليلية أميركية استهدفت موقعاً مفترضاً للحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

وفي مدينة صنعاء، اعترف الحوثيون بالتعرض لـ3 غارات على جبل نقم الذي يضم مستودعات محصنة للأسلحة، إلى جانب ضربة استهدفت موقعاً في حي الجراف شمال المدينة لم تتطرق الجماعة إلى طبيعته.

وفي معقلِ الجماعة الرئيسي محافظةِ صعدة (شمال)، اعترفت الجماعة بالتعرض لـ3 غارات شمال مركز المحافظة (مدينة صعدة) فجر الخميس، وذلك بعد ساعات من التعرض لـ6 غارات بمنطقة السهلين التابعة لعزلة آل سالم بمديرية كتاف.

وفي ظل التعتيم الحوثي على الخسائر العسكرية على مستوى العتاد والعناصر، فقد اكتفى إعلام الجماعة بالإشارة إلى إصابة 3 أشخاص جراء الضربات في صنعاء وصعدة، وتضرر منازل بسبب الضربة في حي الجراف.

مواجهة ممتدة

وتزعم الجماعة الحوثية أنها مستعدة لمواجهة «طويلة الأمد» مع واشنطن، فيما يرجح مراقبون يمنيون أنها تعرضت لخسائر كبيرة على صعيد العتاد والعناصر خلال الأسابيع الستة الماضية؛ بما فيها على مستوى خطوطها الأمامية مع القوات الحكومية في مأرب والحديدة والجوف.

وتعرضت الجماعة منذ بدء حملة ترمب لأكثر من ألف غارة جوية وضربة بحرية، وفق ما أقر به زعيمها عبد الملك الحوثي، كانت أشدها قسوة الضربات التي دمرت الأسبوع الماضي ميناء رأس عيسى النفطي شمال الحديدة.

وتحدث الحوثيون عن مقتل أكثر من 215 شخصاً وإصابة أكثر من 400 آخرين من المدنيين منذ منتصف مارس الماضي، وزعم القطاع الصحي التابع لهم أن من بين القتلى نساءً وأطفالاً، فيما لم يُتحقق من هذه المعلومات من مصادر مستقلة.

وكانت الجماعة تلقت نحو ألف غارة وضربة جوية في عهد الرئيس الأميركي السابق، جو بايدن، بين 12 يناير (كانون الثاني) 2024، و20 يناير 2025، قبل أن تتوقف الضربات على أثر هدنة غزة المنهارة بين إسرائيل وحركة «حماس».

في مقابل ذلك، تصدر الجماعة بيانات شبه يومية تزعم فيها مهاجمة القوات الأميركية في البحر الأحمر والبحر العربي، كما تزعم إسقاط 22 مسيّرة منذ بدء تصعيدها البحري في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

وأطلق الحوثيون 14 صاروخاً باليستياً باتجاه إسرائيل منذ 17 مارس الماضي، دون التسبب في أي إصابات مؤثرة، إلى جانب تبني إطلاق عدد من المسيّرات خلال المدة نفسها.

دفن شخص في مقبرة بصنعاء قال الحوثيون إنه قتل بغارة أميركية (إ.ب.أ)
دفن شخص في مقبرة بصنعاء قال الحوثيون إنه قتل بغارة أميركية (إ.ب.أ)

وكانت الجماعة منذ انخرطت في الصراع البحري والإقليمي بعد 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، أطلقت نحو 200 صاروخ ومسيّرة باتجاه إسرائيل، دون أثر عسكري، باستثناء مقتل شخص واحد خلال يوليو (تموز) الماضي بانفجار مسيّرة في شقة بتل أبيب.

وتوقف الحوثيون عن هجماتهم في 19 يناير الماضي عقب اتفاق الهدنة بين إسرائيل وحركة «حماس»، لكنهم عادوا للهجمات إثر تعذر تنفيذ المرحلة الثانية من الهدنة، وقرار ترمب شن حملته ضدهم.

احتمالية الخلاص

وتتفاءل الأوساط السياسية اليمنية؛ وفي مقدمهم رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، بأن يكون العام الحالي هو عام الحسم ضد الجماعة الحوثية، خصوصاً بعد المتغيرات الإقليمية وعودة ترمب إلى البيت الأبيض.

وترى المكونات اليمنية الشرعية أن الضربات الأميركية غير كافية لإنهاء تهديد الجماعة المدعومة من إيران، وأن الحل الأمثل هو دعم القوات الشرعية لتحرير الحديدة وصنعاء وبقية المناطق الخاضعة للجماعة بالقوة.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي مجتمعاً مع قادة الأحزاب والمكونات السياسية (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي مجتمعاً مع قادة الأحزاب والمكونات السياسية (سبأ)

وفي أحدث تصريحات للعليمي، خلال لقائه في الرياض قيادات التكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية، قال إن «المهم اليوم ما يتعلق بالفاعلية الإجرائية على الأرض، التي نتشاور بشأنها الآن، حيث نؤكد أن الشروط الموضوعية كافة باتت مواتية ليكون هذا العام هو عام الحسم، والخلاص، وإنهاء معاناة شعبنا التي طال أمدها».

ووفق الإعلام الحكومي، فقد أشار العليمي إلى ما وصفه بـ«التراكم المحقق في مسار المعركة على الصعيدين المحلي والدولي، وفي مقدم ذلك تصويب السردية المضللة بشأن الوضع اليمني، وإعادة تعريف الميليشيات الحوثية بصفتها تهديداً دائماً وليس مؤقتاً للأمن والسلم الدوليين».

ورأى العليمي أن من ثمار جهود «المجلس» الذي يقوده «التحول الإيجابي في موقف المجتمع الدولي؛ سواء على صعيد تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، وعلى صعيد الانتقال من سياسة الاحتواء، إلى خيار الردع الحازم»، في إشارة إلى الحملة الأميركية المتصاعدة.

وحض رئيس مجلس الحكم اليمني على «الاستثمار الفاعل في المتغيرات المشجعة، وعدم تفويت فرصة إدارتها الجماعية بكفاءة وحنكة؛ لتحقيق أكبر قدر من المكاسب، وبأقل تكلفة ممكنة».

الحوثيون متهمون بالتسبب في مقتل نحو 350 ألف يمني خلال 10 سنوات من انقلابهم (أ.ب)
الحوثيون متهمون بالتسبب في مقتل نحو 350 ألف يمني خلال 10 سنوات من انقلابهم (أ.ب)

كما شدد العليمي على «تصفير» الخلافات كافة بين القوى الوطنية، و«التفرغ لمعركة استعادة الدولة، حيث تكمن الشراكة الحقيقية في تحقيق تطلعات الشعب، وإنجاز استحقاقات التحرير، وبناء الدولة العادلة، القائمة على المواطنة المتساوية، وتجريم العنصرية بأشكالها كافة»؛ وفق قوله.

وفي حين تربط الجماعة الحوثية توقف هجماتها بإنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وإدخال المساعدات، فإنه لا يوجد سقف زمني واضح حتى الآن لنهاية حملة ترمب، وسط تكهنات لا تستبعد أن تدعم واشنطن حملة برية تقودها القوات الحكومية اليمنية لإنهاء نفوذ الجماعة العسكري.