القيود على «هواوي» تُلهب الحرب التكنولوجية بين أميركا والصين

شاب صيني مع جهازي «هواوي» امام محل للشركة في بكين (أب)
شاب صيني مع جهازي «هواوي» امام محل للشركة في بكين (أب)
TT

القيود على «هواوي» تُلهب الحرب التكنولوجية بين أميركا والصين

شاب صيني مع جهازي «هواوي» امام محل للشركة في بكين (أب)
شاب صيني مع جهازي «هواوي» امام محل للشركة في بكين (أب)

يقف الاقتصاد العالمي اليوم على أعتاب ثورة تكنولوجية كبرى، عنوانها شبكة الجيل الخامس (5G) والإمكانات الهائلة التي ستطلقها في قطاعات الصحة والنقل والتواصل والتعليم والسفر وغيرها. ارتبط اسم هذه الشبكة بعملاق الاتصالات الصيني «هواوي»، الذي تفوّق على شركات «سيليكون فالي» الأميركية ويُشارك في بناء البنى التحتية اللازمة لإطلاق هذه الشبكة في دول آسيوية وأفريقية وبعض الدول الأوروبية.
وبخلاف هذا الترحيب، قوبلت الشركة الصينية بحذر أميركي شديد مع اشتداد الحرب التجارية الأميركية - الصينية. وحظر الرئيس دونالد ترمب على المجموعات الأميركية الخوض في أي نوع من التجارة في قطاع الاتصالات مع شركات أجنبية تعتبر «خطرة على الأمن القومي الأميركي»، في إجراء استهدف خصوصا «هواوي». كما أدرجت وزارة التجارة الأميركية الشركة الصينية على لائحة الشركات المشبوهة التي لا يمكن التعامل معها قبل الحصول على ضوء أخضر من السلطات، وشمل هذا الحظر تحديداً تبادل الخبرات التكنولوجية. ما هي تداعيات هذا التصعيد على مستقبل «هواوي» كرائد عالمي لتكنولوجيا الاتصالات؟ وهل ينعكس التوتر التجاري على تحالفات واشنطن؟ وهل لا تزال الإنترنت تحت الهيمنة الأميركية؟

في خضمّ حربها الإلكترونية، شنّت واشنطن هجومين كبيرين استهدفا بكين وأكبر شركة صينية تنافس على الصعيد التكنولوجي العالمي، «هواوي تكنولوجيز».
جاء الهجوم الأول في 15 مايو (أيار) بتوقيع الرئيس دونالد ترمب، أمراً تنفيذياً يمنح وزارة التجارة الأميركية سلطة إعاقة صفقات معينة تتضمن تكنولوجيا معلومات واتصالات جرى تطويرها أو تصميمها أو تصنيعها من جانب شركات تخضع لولاية قضائية تخص دولة معادية.
ومع أن الأمر التنفيذي لم يذكر الصين و«هواوي» صراحةً، كان المقصود من ورائه واضحاً: تمهيد الطريق أمام الولايات المتحدة كي تحظر مشاركة «هواوي» في شبكات الجيل الخامس بداخلها والعناصر المحورية الأخرى في البنية التحتية. وفي اليوم ذاته، أعلنت وزارة التجارة الأميركية إضافتها «هواوي» و70 من الشركات التابعة لها إلى «قائمة الكيانات»، ما يعني أنه سيتعين على أي شركة أميركية ترغب في تصدير تكنولوجيا أو خدمات أو منتجات لـ«هواوي» الحصول على تصريح خاص من وزارة التجارة أولاً.
ومن شأن القرارين إلحاق ضرر كبير بـ«هواوي» والاقتصاد الصيني خصوصاً إذا اختارت الولايات المتحدة تنفيذهما بصرامة. ومع ذلك ورغم تركز معظم الاهتمام الإعلامي على الأمر التنفيذي، فإن الخطر الأكبر الذي يحدق بـ«هواوي» وقطاع التكنولوجيا الصيني يتعلق بتصنيف وزارة التجارة، الأمر الذي قد يدفع الكثير من شركات الاستيراد الأميركية والتي تعتمد عليها «هواوي» وشركات تكنولوجية أخرى إلى وقف التعاون مع الصين لتجنب مشقة اجتياز قواعد معقدة. علاوة على ذلك، فإن هذه المحاولات الأميركية لوقف سلاسل الإمداد ستؤجج بدورها المشاعر القومية داخل الصين وتدفعها نحو تطوير المزيد من المعدات التكنولوجية بالداخل، ما سيؤدي بدوره إلى توسيع دائرة الحرب التكنولوجية المستعرة بين واشنطن وبكين.
الواضح أن الولايات المتحدة والصين في قلب «حرب باردة» تكنولوجية. أما «هواوي»، فهي الشركة التي تشكل محور تركيز الهجمات الأميركية. ويبدو أن كونها الشركة التكنولوجية الصينية الأكبر الأكثر ابتكاراً وتنافسية على المستوى العالمي، جعلها رمزاً للصعود التكنولوجي الصيني.
تجدر الإشارة إلى أن الأمر التنفيذي الصادر من ترمب يتسم بنطاق بالغ الاتساع، ويسمح لوزارة التجارة بإعاقة صفقات مع شركات صينية بما فيها «هواوي» ويمكن أن تشكل مخاطرة تخريب أمام البنية التحتية الأميركية في مجال الاتصالات عن بُعد، بجانب إمكانية أن تشكل «مخاطرة غير مقبولة على الأمن الوطني للولايات المتحدة أو أمن وسلامة أفراد أميركيين» أو «مخاطرة لا داعي لها تحمل تداعيات كارثية على الأمن أو البنية التحتية الحساسة أو الاقتصاد الرقمي للولايات المتحدة».
ويبدو النطاق الواسع للأمر التنفيذي الصادر عن ترمب شبيهاً بقانون الأمن السيبراني القوي الذي أصدرته الصين، واتهمته الولايات المتحدة بالغموض والاتساع البالغ لنطاقه. ويعني النطاق الواسع للأمر الذي أصدره ترمب أنه يمكن استغلاله في منع استخدام أي معدات تنتجها شركة صينية في البنية التحتية المرتبطة بتكنولوجيا المعلومات داخل الولايات المتحدة وليس شبكات الجيل الخامس فحسب. وسيكون من المهم متابعة كيفية تفسير وزارة الخارجية للأمر التنفيذي مع شروعها في إصدار إرشادات وقواعد، الأمر الذي قد ينتهي به الحال إلى شمول معدات تكنولوجية في صغر أجهزة «راوتر» منزلية ومفاتيح كهربية. يذكر أن وزارة التجارة يتعين عليها إصدار هذه التوجيهات في غضون 150 يوماً من صدور القرار التنفيذي، ما يعني أن هذه التوجيهات قد تصدر في أي لحظة ما بين اليوم و12 أكتوبر (تشرين الأول).

فوضى أمام «هواوي» وشركات التوريد
يفرض الأمر التنفيذي قيوداً أشد صرامة على قدرة «هواوي» المحدودة بالفعل على البيع للولايات المتحدة، لكن نظراً إلى أن مبيعات الشركة في الولايات المتحدة تشكّل بالفعل نسبة صغيرة نسبياً من مجمل أرباحها، فإن هذه الخطوة تحمل في واقع الأمر تعقيدات أقل بكثير من قرار وضع الشركة على «قائمة الكيانات» الخاصة بوزارة التجارة. الحقيقة أن الإجراء الأخير يضرب علاقة «هواوي» بالولايات المتحدة في أكثر منطقة حساسة بالنسبة إلى الشركة: جهات التوريد. جدير بالذكر أن «هواوي» واحدة من كبرى شركات التكنولوجيا تنافسيةً على الساحة العالمية فيما يخص بناء معدات شبكات الجيل الخامس والهواتف الذكية، بل وتصميم رقائق بعينها، لكنها تعتمد بشدة على سلاسل العرض العالمية المرتبطة بقطاع التكنولوجيا، والتي تتضمن بدورها الكثير من المعدات والتكنولوجيا والمعرفة الأميركية. في الواقع، نشرت «هواوي» قائمة بأكبر 92 شركة توريد لها في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018 وكان من بينها 33 شركة أميركية.
من ناحية أخرى، فإن الاحتمالات الكثيرة التي قد تترتب على إدراج الولايات المتحدة لشركة «هواوي» على «قائمة الكيانات» تخلق حالة من الشك والريبة أمام الشركات المشاركة في قطاع التكنولوجيا. وربما يمثل هذا القرار خطوة أخرى قدماً باتجاه سيناريو متطرف تحاول خلاله الولايات المتحدة منع «هواوي» من الحصول على تقنيات ومعدات أميركية تعلق بنطاق واسع من المنتجات. يشار إلى أنه سبق أن أقدمت واشنطن على خطوة مشابهة عام 2018، عندما حظرت وزارة التجارة لفترة مؤقتة عدداً من المميزات التصديرية لشركة صينية أخرى في مجال التكنولوجيا هي «زد تي إي».
ومع ذلك، بمقدور وزارة التجارة اختيار سبيل المرونة في قراراتها بالسماح بالصفقات على نحو يقلص مخاطرة الثأر الصيني والأضرار المترتبة على ذلك بالنسبة إلى الشركات الأميركية العاملة في الصين، وإن كان هذا لن يكون بالأمر السهل.
وأخيراً، بمقدور وزارة التجارة الأميركية أيضاً محاولة ممارسة نفوذ على «هواوي» في خضمّ التحقيقات الجارية والقضايا الجنائية المتعلقة بخروقات محتملة للعقوبات الأميركية، وهو أحد المبررات القانونية التي جرى الدفع بها لتبرير إدراج «هواوي» على «قائمة الكيانات».
ومع ذلك، فإنه حتى إذا أبدت وزارة التجارة مرونة في التصاريح التي تصدرها، فإن التصنيف الجديد سيظل صداعاً في رؤوس الموردين، علماً بأن شركات أميركية ضخمة مثل «كوالكوم» توظّف جيوشاً من المحامين لاجتياز القوانين الأميركية المعقدة الخاصة بالسيطرة على الصادرات، لكن الشركات متوسطة وصغيرة الحجم بالولايات المتحدة قد تختار تجنب التعاون مع «هواوي» لتفادي هذه التعقيدات. علاوة على ذلك، فإن القيود المفروضة على التصدير تتضمن صادرات اعتبارية، ما يحدّ من أو يحظر أي تعاون بين «هواوي» ومؤسسات أميركية مثل شركة «فيوتشر وي» المعنية بجهود البحث والتطوير التكنولوجي حتى في الأغراض البحثية. وشرعت جامعات أميركية بالفعل في تقليص مشروعاتها التعاونية مع «هواوي». وفيما وراء الولايات المتحدة، من المحتمل أن تجد شركات أميركية نفسها محصورة بين الولايات المتحدة و«هواوي» وربما تجد نفسها مجبرة على عدم بيع منتجات تحوي تقنيات أو عناصر مصنوعة داخل الولايات المتحدة إلى «هواوي».

خيارات الرد المعقدة
تأتي التحركات ضد «هواوي» والقطاع التكنولوجي الصيني في خضم فترة شديدة التوتر من المحادثات التجارية الأميركية - الصينية. كانت واشنطن قد منحت بكين فترة أربعة أسابيع للتوصل إلى اتفاق قبل أن تفرض الأولى تعريفات إضافية على جميع الواردات المتبقية من الصين. ويدفع هذا الأمر بالصين إلى وضع معقد. في العادة، تستجيب الصين للإجراءات الأجنبية ضد شركاتها من خلال فرض ضغوط انتقائية على الشركات والمواطنين التابعين للدولة المعنية داخل الصين. على سبيل المثال، ردت الصين بقوة على دور كندا في احتجاز المسؤولة المالية في «هواوي» بناءً على طلب من الولايات المتحدة بزيادة إجراءات إلقاء القبض على مواطنين كنديين وحظر استيراد سلع كندية معينة.
حتى هذه النقطة، كانت الصين تأمل النجاح في التوصل لاتفاق تجاري مع الولايات المتحدة، وبالتالي حرصت على تجنب اتخاذ أي خطوة من شأنها نسف العملية برمتها، لكن حالة ضبط النفس تلك من غير المحتمل أن تستمر إلى الأبد. إذا لم تثمر المحادثات التجارية الأميركية - الصينية اتفاقاً وخضعت جميع السلع الصينية لتعريفات أميركية إضافية، فإن بكين قد لا ترى مفراً سوى زيادة الضغوط على الولايات المتحدة والرد بالمثل. والملاحظ بالفعل أن وسائل الإعلام الرسمية الصينية صعّدت في الأسابيع الأخيرة من النبرة القومية في خطابها، الأمر الذي زاد احتمالات إقدام بكين على التحرك ضد أصول أو مواطنين أميركيين بالصين.

ما النهاية؟
في نهاية الأمر، وحتى إذا نجحت الولايات المتحدة والصين في تسوية خلافاتهما التجارية، ستمضي المعركة المستعرة بينهما على التفوق الاقتصادي والتقني.
على الصعيد التكنولوجي العالمي، يتمثل التساؤل القائم في: إلى أي مدى ستمضي الولايات المتحدة والصين في محاولة فصل قطاع شديد العولمة يقوم على سلاسل إنتاج طويلة ومعقدة؟ المؤكد أن واشنطن ستدرس إصدار تنظيمات جديدة ترمي لتقليص التكنولوجيا الأميركية الحساسة التي تصل إلى الصين وتعين الشركات الصينية بل وتعكف اليوم على صياغة قواعد جديدة للسيطرة على الصادرات تخص تقنيات صاعدة، لكن واشنطن ستبقى عاجزة عن تفكيك شبكة القطاع التكنولوجي العالمية المعقدة بمفردها.
ومن شأن حملة أميركية لمنع وصول الصين إلى التقنيات والمنتجات الأميركية، تأجيج المشاعر القومية داخل الصين إزاء جهود التطوير التكنولوجي، وسيدفع ذلك بكين نحو تعزيز دعمها للشركات العاملة في مجال التكنولوجيا وتحسين قدرات البلاد على إنتاج أشباه الموصلات من خلال مبادرات على غرار «صنع في الصين 2025»، والتي ترغب الولايات المتحدة في أن توقفها الصين في إطار الحرب التجارية بينهما.
أيضاً، تحاول الصين العمل على إقرار المعايير الصينية عالمياً بحيث تتمكن الشركات الصينية من بيع منتجاتها في أسواق أجنبية دونما خوف من ادعاء واشنطن أنها خرقت براءات اختراع أميركية.
من جانبه، ينظر الكثير من شركات التوريد التكنولوجية والاقتصادية العالمية إلى الصين باعتبارها السوق المستقبلية الأهم في مجال التكنولوجيا بالنظر إلى أن أسواق الدول المتقدمة أصبحت مشبعة. وعليه، فإن شركات التوريد في اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وفيتنام وباقي دول العالم لديها حافز اقتصادي كبير تجاه عدم قطع علاقاتها الاقتصادية مع الصين تماماً، بل السعي لتحقيق توازن في علاقاتها مع الولايات المتحدة والصين.
لهذا، ربما شركات ودول أجنبية نفسها بحاجة إلى المرور عبر مجموعة معقدة ومتنامية ومتداخلة وربما متعارضة من قواعد وتنظيمات السيطرة على الصادرات. وسيكون من الصعب تفكيك هذه القواعد والتنظيمات وكذلك سلاسل الإمداد الفعلية التي بُنيت على مدار سنوات العولمة، لكن في الوقت الحالي تحاول الولايات المتحدة تمزيق العولمة وربما تبدأ بـ«هواوي».
*محلل شؤون دولية في مركز «ستراتفور»
* ترجمة خاصة لمقال من مركز «ستراتفور»



المرتزقة في ليبيا... عصف الحرب المأكول

TT

المرتزقة في ليبيا... عصف الحرب المأكول

بعد 9 أشهر من الحرب التي شنها قائد «الجيش الوطني الليبي»، المشير خليفة حفتر، على العاصمة الليبية طرابلس، في 4 أبريل (نيسان) 2019، مدعوماً بمقاتلين من مجموعة «فاغنر» الروسية، دفعت أنقرة بمرتزقة ينتمون لمجموعات سورية معارضة، أبرزها فصيل «السلطان مراد»، الذي غالبية عناصره من تركمان سوريا، إلى ليبيا. وبعد اقتتال دام 14 شهراً، نجحت القوات التابعة لحكومة فايز السراج، في إجبار قوات «الجيش الوطني» على التراجع خارج الحدود الإدارية لطرابلس.

وفي تحقيق لـ«الشرق الأوسط» تجري أحداثه بين ليبيا وسوريا والسودان وتشاد ومصر، تكشف شهادات موثقة، كيف انخرط مقاتلون من تلك البلدان في حرب ليست حربهم، لأسباب تتراوح بين «آيديولوجية قتالية»، أو «ترغيب مالي»، وكيف انتهى بعضهم محتجزين في قواعد عسكرية بليبيا، وأضحوا الحلقة الأضعف بعدما كان دورهم محورياً في بداية الصراع.

وفي يناير (كانون الثاني) 2024، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن عدد عناصر «المرتزقة السوريين» في طرابلس تجاوز 7 آلاف سابقاً، لكن فرّ منهم نحو 3 آلاف وتحولوا إلى لاجئين في شمال أفريقيا وأوروبا.

مرتزقة الحرب الليبية.. وقود المعارك وعبء الانتصارات والهزائم