مصر تودّع سامي رافع مصمم نُصب «الجندي المجهول»

رحيل الفنان التشكيلي عن عمر يناهز 88 عاماً

مصر تودّع سامي رافع مصمم نُصب «الجندي المجهول»
TT

مصر تودّع سامي رافع مصمم نُصب «الجندي المجهول»

مصر تودّع سامي رافع مصمم نُصب «الجندي المجهول»

ودّعت مصر مساء أول من أمس، الفنان التشكيلي الكبير سامي رافع، الذي غيّبه الموت عن عمر يناهز 88 عاماً، بعد صراع مع المرض، تاركاً خلفه إرثاً تشكيلياً هائلاً من الأعمال الفنية البارزة، التي تزين الميادين والشوارع والأنفاق والمتاحف المصرية.
ونعت نقابة الفنانين التشكيليين الفنان الدكتور سامي رافع، وقالت في بيان صحافي مساء أول من أمس: «تتقدم النقابة العامة للفنانين التشكيليين بخالص العزاء للحركة الفنية التشكيلية، وأسرة الفنون الجميلة، وقسم الديكور، ولأسرته، بخالص العزاء».
ونظمت «التشكيليين» مراسم عزاء الفنان الراحل أمس بمقر النقابة بدار الأوبرا المصرية.
ونعى الفنان الراحل زملاؤه وتلاميذه على مواقع التوصل الاجتماعي، وأعربوا عن تقديرهم البالغ لإنجازاته الكبيرة في مجال الفن التشكيلي، وأبرزها النصب التذكاري للجندي المجهول في مدينة نصر (شرق القاهرة).
وقال الدكتور أشرف رضا، الأستاذ بكلية الفنون الجميلة، على حسابه الشخصي على موقع «فيسبوك»: «الفنان الكبير سامي رافع، أستاذ ورئيس قسم الديكور السابق بالفنون الجميلة، وأحد أعمدة الكلية ونقابة الفنانين التشكيليين، ليس فقط مصمم نصب الجندي المجهول (الهرم الرابع)، أو مصمم جداريات مترو الأنفاق، أو مصمم ديكورات المسرح والأوبرات الشهيرة، أو ملصقات وشعارات وطوابع... سامي رافع مدرسة فنية متكاملة».
كما علّق الفنان جلال الشايب، أستاذ الديكور بكلية الفنون الجميلة، على حسابه الشخصي على «فيسبوك» قائلاً: «بوفاة الفنان الكبير سامي رافع (1931 - 2019)، يكون رحل بالكامل جيل الخمسينات من أساتذة قسم الديكور بكلية الفنون الجميلة، هذا الجيل الرائع الذي وُلد في الثلاثينات، ونشأ وتعلم في مدارس العهد الملكي أو الزمن الجميل، وتفتحت عيونه ومداركه في الخمسينات، وانفجرت طاقاته الإبداعية بلا قيود مع ثورة 23 يوليو (تموز) 1952 وحلم القومية العربية لعبد الناصر والآمال العظيمة المجهضة، وانكسر مع الهزيمة في الستينات، ووجد نفسه غريباً داخل وطنه في السبعينات مع دولة (العلم والإيمان) للسادات، ليستسلم في النهاية للانحدار في عهد مبارك ويطوي أحلامه ويرضى بالمتاح».
جدير بالذكر أن الفنان التشكيلي الراحل، بدأ في شهر مايو (أيار) عام 1975، تصميم النصب التذكاري للجندي المجهول الكائن بمدينة نصر، والذي يعد أكثر أعماله شهرة.
وحرص رافع في تصميم النصب التذكاري، المصنوع من حجر البازلت وخرسانة، على هيئة هرم مجوّف من الداخل، بارتفاع 33.64 متر وقاعدة بعرض 14.30 متر، على إبراز الهوية المصرية، وهو ما جعل لجنة التحكيم المكلفة باختيار أفضل نصب لحرب أكتوبر (تشرين الأول)، تختار تصميم الفنان الراحل. وأكد حينها الفنان بيكار الذي كان عضواً في اللجنة، في إحدى مقالاته الصحافية «أنه اندهش بحصول سامي على الجائزة الأولى على الرغم من أنه فنان متخصص في الديكور والتصميم، وليس في صناعة التماثيل».
وبعيداً عن النصب التذكاري للجندي المجهول، أبدع رافع أعمالاً أخرى مهمة، منها تصميم ديكور «أوبرا عايدة» على خشبة مسرح الجمهورية 1984، وتصميم عملتين فضيتين الأولى من فئة الجنية بمناسبة مرور 75 عاماً على إنشاء كلية الفنون الجميلة بالقاهرة عام 1984، والثانية فئة خمسة جنيهات بمناسبة مرور خط مترو الأنفاق تحت النيل 1999، وأيضاً تصميم الرسوم الحائطية للخط الثاني لمترو الأنفاق بالقاهرة، الذي يضم 19 محطة تبلغ مساحة الرسوم فيها 3250 متراً مربعاً في الفترة 1992 - 2001.
وله أيضاً العديد من الأعمال الفنية بالمتحف المصري، ودار الأوبرا المصرية، ومتاحف الكليات، وغيرها. كما شارك في عدد كبير من المعارض المصرية والدولية وبعض من المؤلفات والأنشطة الثقافية.
وحصل رافع المولود في عام 1931 على الجائزة الأولى لإعلان السلام العالمي من هيئة «اليونيسكو» عام 1962، و14 جائزة لطوابع البريد التذكارية، بالإضافة إلى الجائزة الأولى عن النصب التذكاري للجندي المجهول من وزارة الإسكان، إضافة إلى الجائزة الأولى لشعار الأزهر في عيده الألفي عام 1982.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».