الأحزاب التونسية تفشل في تشكيل تحالفات سياسية عشية الانتخابات البرلمانية

عدد اللوائح المستقلة تجاوز «الائتلافية»

الأحزاب التونسية تفشل في تشكيل تحالفات سياسية عشية الانتخابات البرلمانية
TT

الأحزاب التونسية تفشل في تشكيل تحالفات سياسية عشية الانتخابات البرلمانية

الأحزاب التونسية تفشل في تشكيل تحالفات سياسية عشية الانتخابات البرلمانية

أفرزت عملية الإعلان عن اللوائح الانتخابية المرشحة لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة في تونس من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، عن حقيقة رافقت المشهد السياسي في البلاد منذ عقود، وتمثلت في فشل معظم التحالفات بين الأحزاب التونسية. وتأكد هذا الواقع من خلال وجود 151 لائحة انتخابية ائتلافية (مشكَّلة من حزبين سياسيين أو أكثر) فقط، مقابل توجه القيادات السياسية إلى الترشح في لوائح مستقلة بلغ عددها 459 لائحة، أي تقريبا 3 أضعاف اللوائح الائتلافية، أو لوائح تحت غطاء الأحزاب (890 لائحة).
ولم تنجح كثير من التحالفات السياسية في التقدم بترشحات انتخابية موحدة لمواجهة خصومها السياسيين، إذ انفرط عقد الاتحاد من أجل تونس بصفة مبكرة بعد تخلي حركة نداء تونس بقيادة الباجي قائد السبسي، وهو أبرز حزب سياسي يقود هذا الاتحاد، عن بقية الأحزاب، واتخاذ مكتبه السياسي خيار التقدم بلوائح انتخابية منفردة.
وفشل حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي (حركة التجديد سابقا) بدوره في الاستفادة من خروج حركة نداء تونس، وبالتالي قيادة بقية الأحزاب، وهي الحزب الاشتراكي اليساري بزعامة محمد الكيلاني، وحزب العمل الوطني الديمقراطي بزعامة عبد الرزاق الهمام إلى تحالف سياسي. وباءت المحاولة بالفشل، ولم تجد الصدى الكافي وأجهضت قبل أن تنطلق.
وبشأن فشل تلك التحالفات السياسية، أشار عالم الاجتماع التونسي المنصف وناس، في دراسات علمية نشرت بعد الثورة، إلى شخصية التونسي المتأثرة بمنهج الزعامة على طريقة الحبيب بورقيبة الزعيم التاريخي لتونس. وقال وناس إن كل تونسي زُرع بداخله «زعيم صغير»، وهو يردد بداخله في كل موقع سياسي أو اجتماعي يحتله أنه «الزعيم»، وهذا ما أفشل، على حد قوله، معظم التحالفات السياسية، سواء خلال انتخابات 2011 أو كذلك من خلال اللوائح الانتخابية المرشحة لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة.
ويتضح من خلال عدد اللوائح الانتخابية الحزبية (890 لائحة) أن معظم الأحزاب السياسية التونسية قررت خوض منافسات الانتخابات البرلمانية بصفة منفردة، وذلك على غرار حركة النهضة التي تبرأت من حزبي المؤتمر من أجل الجمهورية، والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، بعد الحديث عن إمكانية عودة تحالف الترويكا الحكومي وتحوله إلى ترويكا انتخابية جديدة، إلا أن حسابات سياسية عدة فرقت بين الأحزاب الثلاثة التي عانت من ويلات حكمها، بزعامة حركة النهضة، إثر فوزها في انتخابات المجلس التأسيسي (البرلمان) التي جرت في 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2011.
واستعانت النهضة بوزرائها السابقين لترؤس معظم اللوائح الانتخابية، في محاولة لاستقطاب أصوات الناخبين، من خلال إشعاع قياداتها، والاعتماد على قاعدة انتخابية ثابتة.
وباستثناء تحالف الجبهة الشعبية، الذي فضل المنافسة ضمن لوائح موحدة، فقد غلب منطق الحسابات السياسية والمحاصصة بين الأطراف الممثلة للأحزاب السياسية داخل تلك الأحزاب التي تنشط بها، وهو ما يهدد (حسب متابعين للمشهد السياسي) العملية الانتخابية برمتها، ويعيد إليها أجواء انتخابات 2011، خاصة على مستوى تشتت الأصوات واستفادة الأحزاب الكبرى من هذا الوضع.
ويضم تحالف الجبهة الشعبية، الذي يتزعمه حمة الهمامي، 11 حزبا سياسيا موزعة بين اليسار والقوميين، ويسعى إلى التحول من قوة احتجاج اجتماعي إلى بديل سياسي واقتصادي مؤثر.
واتجهت عدة أحزاب، من بينها الحزب الجمهوري بزعامة أحمد نجيب الشابي، وحزب التحالف الديمقراطي الذي يرأسه محمد الحامدي، والتيار الديمقراطي بقيادة محمد عبو، نحو الاعتماد على وجوه سياسية جديدة وكفاءات ذات إشعاع وقبول على مستوى الجهات، باعتبار أن حسم الانتخابات البرلمانية يمر حتما عبر الجهات ذات الثقل السياسي والاجتماعي والانتخابي.
كما اعتمدت أحزاب أخرى على طاقات شابة وكفاءات نسائية في محاولة لاستمالة هذه الشرائح الاجتماعية وضمان مشاركتها في الانتخابات المقبلة. وقدرت نسبة التجديد في اللوائح الانتخابية لبعض الأحزاب السياسية في حدود 70%.
ومن المتوقع (حسب خبراء في القانون الدستوري ومحللين سياسيين متابعين للمشهد السياسي التونسي) أن تكون عملية إقناع الناخبين التونسيين أصعب بكثير مقارنة مع انتخابات المجلس التأسيسي لسنة 2011. بحكم أن الواقع السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي صعب للغاية، وهذا الأمر سيعسر مسؤولية الأحزاب السياسية، ويجعل برامجها تتسم بقدر كبير من الواقعية خشية رد فعل التونسيين تجاه الوعود التي لم تر النور خلال السنوات الماضية.
ومن المنتظر أن تنطلق الحملة الانتخابية المتعلقة بالانتخابات البرلمانية بداية شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، في ظل صراع سياسي قوي بين ثلاثة اتجاهات سياسية كبرى ممثلة في حركة النهضة، وحركة نداء تونس، وتحالف الجبهة الشعبية.
وقال جمال العرفاوي المحلل السياسي التونسي لـ«الشرق الأوسط» إن الصراع السياسي المقبل سيكون صراع برامج بامتياز، حيث سيقدم كل حزب من الأحزاب السياسية قراءته للواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في البلاد.
وتوقع العرفاوي أن تكون نسبة الإحجام عن التصويت والحضور في الموعد الانتخابي كبيرة، وذلك تماشيا مع حجم الإحباط الذي وسم معظم برامج التنمية والتشغيل، وارتباك الحكومات المتعاقبة وعدم حسمها لملفات كثيرة، على رأسها ملف الإرهاب.
وقال العرفاوي إنه من المخاطرة السياسية، خلال هذا الظرف، تقديم وعود عريضة مماثلة لما طرحته الأحزاب السياسية مباشرة بعد الثورة، وقال إن تلك الأحزاب ستضطر للنزول إلى الواقع تماشيا مع الظروف المتعثرة على أكثر من صعيد.
ورغم توضح الصورة لدى الأحزاب السياسية الكبرى التي تحاول المحافظة على التوازن على مستوى الدوائر الانتخابية البالغ عددها 27 دائرة انتخابية داخل الجمهورية، مع إضافة 6 دوائر انتخابية في الخارج، فإن جل المؤشرات تؤكد على اختلاف صورة المشهد السياسي المنتظر خلال ثاني انتخابات تجري في تونس بعد الثورة، فأصوات الناخبين لن تعطي بالطريقة نفسها التي كانت عليها خلال انتخابات 2011، حيث إن حركة النهضة استفادت مما يسمى بالتصويت العقابي للمؤسسات التي حكمت تونس، من خلال النظام السابق، كما شهدت تعاطف كثير من الفئات التونسية نتيجة المنافي والسجون التي تعرضت لها. إلا أن تجربة الحكم التي قادتها حركة النهضة بمعية حزبي المؤتمر من أجل الجمهورية (حزب المنصف المرزوقي) والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات (حزب مصطفى بن جعفر)، وما أسفرت عنه من خروج قسري من سدة الحكم، وتحميلها مسؤولية عن تدهور الأوضاع السياسية والأمنية، وتنامي مظاهر الإرهاب، وتغول المجموعات المسلحة، وتدني القدرة الشرائية وغلاء المعيشة، وتعذر تحقيق نتائج إيجابية على مستوى التنمية والتشغيل، كل هذه الظروف قد تجعل النتائج مختلفة في الانتخابات البرلمانية التي ستجري يوم 26 أكتوبر المقبل.



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.