تلخص المنطقة التاريخية في محافظة جدة، حكاية الإرث الحضاري الذي منح المكان خصوصية وتفرداً يظهران في أزقتها الضيقة ومبانيها الأثرية وعاداتها الاجتماعية التي طبعت ساكنيها بطابع متميز على مدى عقود، ومنها عادات رمضان التي فقدت جانباً من بريقها حالياً.
في تلك البقعة الصغيرة كانت أجواء رمضان مختلفة بتجمع الأهل طيلة الشهر على مائدة الإفطار والأكلات المخصصة للشهر الفضيل وهدايا الجيران وألعاب الأطفال وصوت المسحراتي.
المهندس سامي نوار رئيس بلدية جدة التاريخية سابقاً قال لـ«الشرق الأوسط» إن الوضع في جدة التاريخية حالياً اختلف كثيراً عما كان في السابق، وبدأ المجتمع ينشغل بالكثير من الأشياء التي تلبي احتياجاته وترتكز على الأجهزة الذكية والتلفاز، فتغيرت الأولويات لدى العامة، وهذا التغير انعكس بشكل لافت على اندثار كثير من المظاهر القديمة التي تتلاشى على مدار العام، وتوقظه المدينة التاريخية في العديد من المناسبات ومنها رمضان.
وأشار إلى وجود اختلاف كبير بين عادات رمضان حالياً وما كانت عليه قبل نحو 60 عاماً، ومن ذلك توزيع الأطعمة على الجيران قبل صوت مدفع رمضان. وتابع: «عندما كنا أطفالاً كنا نتسابق بعد صلاة العصر في توزيع الأطعمة التي تطبخ في دارنا، لعدد من الجيران، وكانوا يقومون بالشيء ذاته، والمتعة هنا لا تكمن في نقل الطعام، بل فيما نتحصل عليه من قروش إكرامية لنا على هذا المجهود».
ومن ضمن الاختلافات التي يسردها نوار، التجمع في بيت العائلة طيلة أيام شهر رمضان على مائدة الإفطار، مع اختفاء الكثير من الأكلات القديمة التي كانت في تلك الحقبة رئيسية، إضافة إلى تجمع الصبية في باحة الحي يمرحون ويلعبون على ضوء الفوانيس التي كانت منتشرة في الشوارع، ليختتم اليوم مع صوت المسحراتي وترانيمه التي ينادي بها للتنبيه إلى موعد السحور ومنها «سحورك يا صائم».
ومن أبرز الوجبات في تلك الحقبة إن توفر المال، كباب ميرو، وهو لحم يتم فرمه مع بعض الخضراوات ووضعه في أسياخ على الفحم، إضافة إلى «السقدانة» التي تحضر بماء ونشا وحليب، والخشاف.
وذكر خالد سلوم من سكان البلد، أن كثيراً من ملامح رمضان تغيرت واندثر بعضها، ولعل أبرزها جلسة المركاز والتجمع في أحد المواقع وغالباً بجوار العمدة، كما اختفت العديد من الألعاب القديمة ومنها لعبة «العصفور» التي يقبل عليها الشباب.
اكتسبت المنطقة التاريخية في جدة أهمية خاصة منذ تأسيسها قبل قرون، وظلت على مدى الأيام مرسى الباحثين عن تحقيق الأحلام، لإطلالتها على البحر الأحمر، وقربها من مكة المكرمة، وأصبحت المدينة الصغيرة داخل السور تستقطب أبناء المدن المجاورة لها والقادمين من خارج حدودها لممارسة التجارة أو التعلم في أحد المدارس الصغيرة، قبل ظهور المدرسة الرئيسية «الفلاح» عام 1323هـ، أي قبل 117 عاماً، وازدادت جدة أهمية حتى أصبحت واحدة من أكبر المدن وأهمها في عهد الدولة السعودية.
ولا تزيد مساحة المنطقة التاريخية عن 1.2 كيلومتر مربع، وتضم أربعة أحياء هي الشام والمظلوم والبحر واليمن، وكانت ببيوتها من الطين التي شكلت أزقة وحواري يحيط بها سور شيده حسين الكردي أحد أمراء المماليك لتحصينها من هجمات البرتغاليين، وكان للسور ستة أبراج فتحت له ستة أبواب هي باب مكة وباب المدينة وباب شريف وباب جديد وباب البنط وباب المغاربة.
«تاريخية جدة» تحن إلى أكلاتها الرمضانية ولهو الصبية والمسحراتي
السقدانة والكباب الميرو أبرز الوجبات قديماً
«تاريخية جدة» تحن إلى أكلاتها الرمضانية ولهو الصبية والمسحراتي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة