«داعش» يدفع خلاياه إلى وسط أفريقيا

استهداف الكونغو الديمقراطية «مؤشر خطر»

«داعش» يتبنى استهداف كنائس في سريلانكا... من مواقع تابعة للتنظيم
«داعش» يتبنى استهداف كنائس في سريلانكا... من مواقع تابعة للتنظيم
TT

«داعش» يدفع خلاياه إلى وسط أفريقيا

«داعش» يتبنى استهداف كنائس في سريلانكا... من مواقع تابعة للتنظيم
«داعش» يتبنى استهداف كنائس في سريلانكا... من مواقع تابعة للتنظيم

في مؤشر خطير، دفع تنظيم «داعش» الإرهابي عناصره وخلاياه إلى الكونغو الديمقراطية سعياً للتمدد هناك، بحثاً عن مناطق ينتشر فيها، عقب هزائم سوريا والعراق، معتمداً في ذلك على الذراع الموالية له؛ جماعة «بوكو حرام»، وفرعه في «الصحراء الكبرى»، وعناصره في الصومال، و«أنصار السنة» في موزمبيق.
وأعلنت وكالة «أعماق» التابعة لـ«داعش» أخيراً تبني التنظيم لأول هجوم له في الكونغو الديمقراطية على معسكر للجيش بالمنطقة الحدودية مع أوغندا، أودى بحياة 3 جنود... «أعماق» بثت فيديو لمجموعة من العناصر تحمل السلاح، وتطالب المؤيدين للتنظيم بأفريقيا بأن ينضموا إلى «دولتهم الجديدة بوسط أفريقيا»، المسماة بـ«مدينة التوحيد والموحدين»، على حد زعمها، وانتشر هذا الإصدار على مواقع تابعة لـ«داعش»، تحدث فيه شخص باللغة العربية داعياً مؤيدي التنظيم للهجرة إلى أرض الكونغو الديمقراطية لـ«الجهاد».

تمدد زائف

وأكد اللواء محمد قشقوش، الخبير العسكري والاستراتيجي أستاذ الأمن القومي الزائر بأكاديمية ناصر العسكرية العليا بمصر، أن «تبني (داعش) لعملية الكونغو تأكيد زائف على أنه لم ينتهِ»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «الخطورة تكمن في (العمليات الخاطفة) التي قد تتم من عناصر تم تجنيدها إلكترونياً بهدف تنفيذ هجمات إرهابية».
وقال مراقبون إن «القارة الأفريقية تشهد، منذ منتصف عام 2018، تصاعداً في العمليات الإرهابية، وبدأت تشهد انتشاراً للكثير من التنظيمات الإرهابية... وإعلان (داعش) عن تنفيذه أول عملية في الكونغو الديمقراطية منحى خطير في أفريقيا، خصوصاً مع عودة المقاتلين الأفارقة في صفوف التنظيم».
وأكد المراقبون أن «التقديرات الأولية تشير إلى أن عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ ظهوره إلى الآن يصل إلى 6 آلاف مقاتل، وفقاً لتقارير مراكز بحثية غربية، ويمثل عودة ما تبقى منهم إلى أفريقيا مشكلة كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن الكثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت»، لافتين إلى أن «مساعي التنظيم للتمدد داخل القارة الأفريقية سوف تتواصل خلال المرحلة المقبلة، خصوصاً كلما تعرّض لمزيد من الضربات العسكرية في المناطق التقليدية، التي سبق أن سيطر عليها، وما زال يوجَد فيها عبر (خلاياه النائمة)، على نحو يفرض على الدول الأفريقية رفع مستوى التنسيق الأمني فيما بينها، للتعامل مع المعطيات الجديدة التي فرضتها الهزائم العسكرية التي مُني بها (داعش) في المنطقة».
وأكدت دراسة حديثة لمرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية أن «تنظيم (داعش) يحاول أن يتمدد عبر الكونغو الديمقراطية مستغلاً وجود بعض المناطق التي تعاني من صراعات داخلية، وهي البيئات المفضلة لمثل هذه التنظيمات، فتوجد في الكونغو الديمقراطية جماعات مسلحة... ومنذ عام 2014 سقط نتيجة صراع هذه الجماعات ما يقرب من ألف شخص».
اتسق ذلك مع دراسة أخرى لمركز «المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة» في أبوظبي، أكدت أن «(داعش) ما زال حريصاً على تبني السياسة نفسها، التي سبق أن اتبعها في العراق وسوريا، وهي العمل على استغلال تصاعد حدة الأزمات الداخلية، وتراجع قدرة الدولة على ممارسة سلطاتها بشكل كامل... وهو ما يبدو جلياً في حالة الكونغو الديمقراطية، التي تشهد انتشاراً لبعض التنظيمات المسلحة، إذ تشير تقديرات إلى أن عددها يصل إلى 12 جماعة مسلحة، مثل (ماي ماي كاتا كاتانغا) إلى جانب العصابات الإجرامية».

دعوة البغدادي

وتشير تقارير ومعلومات إلى أن «العناصر التي نفذت أول عملية في الكونغو الديمقراطية لم تتبنّ آيديولوجية (داعش) فقط، بل تلقت أموالاً من التنظيم على يد مواطن كيني يُدعى وليد أحمد زين، وهو أحد مؤيدي (داعش)، ومُدرج على قوائم الإرهاب بنشرة وزارة الخزانة الأميركية».
ودعا أبو بكر البغدادي، زعيم «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لما سماها «ولايات دولة الخلافة» في «أفغانستان، والقوقاز، وإندونيسيا، وغرب ووسط أفريقيا» للقيام بعمليات إرهابية.
في السياق ذاته، أوضحت دراسة الإفتاء أنه «عُثر على كتب تحمل آيديولوجية (داعش) في مواقع تمركز وانتشار (قوات التحالف الديمقراطية)، وهو فصيل متمرد يرفع السلاح في وجه الدولة بالكونغو الديمقراطية، وأنه وفقاً لخرائط (داعش) فإن تقسيم الولايات كان يشتمل أيضاً على ما يُسمى بـ(أرض الحبشة)، وكانت الكونغو من بين هذه الدول التي يسعى (داعش) فيها لإقامة ما يُعرف بـ(الدولة)، كما أن عناصر منشقة عن هذا الفصيل، كانت ترفع راية (داعش) في أماكن قوات التحالف الديمقراطية».
أما دراسة «مركز المستقبل»، فأكدت أن «هناك اتجاهات عديدة أبدت شكوكاً أولية في أن يكون (داعش) هو مَن نفذ هجوم الكونغو الديمقراطية، في ظل وجود عدد من الجماعات والميليشيات المسلحة هناك، إلا أن اعتبارات كثيرة ترجح أن يكون التنظيم هو الذي نفّذ تلك العملية بالفعل، خصوصاً أنه سعى خلال الفترة الأخيرة إلى تعزيز نشاطه في القارة الأفريقية».
وذكرت الدراسة أن «(داعش) حرص بالتوازي مع تنفيذ الهجوم، على إعلان تأسيس ولاية جديدة تابعة له في الكونغو الديمقراطية، على خلاف الهجمات الأخرى التي نفذها في بعض الدول، مثل الفلبين وغيرها، حيث غالباً ما كان يكتفى بإعلان مسؤوليته فقط من دون تأسيس ولاية جديدة».
وكان لافتاً أن الهجوم الأخير وقع بعد فترة وجيزة من سقوط الباغوز، آخر معاقله في سوريا، بشكل يطرح دلالة مهمة تتمثل في أن التنظيم قد يحاول توجيه رسائل متعددة تفيد بقدرته على تنفيذ عمليات في مناطق جديدة، بعد تراجع نشاطه ونفوذه في المناطق الرئيسية التي كان قد سيطر عليها في الأعوام الأربعة الماضية.

تنظيمات متنافسة

في السياق ذاته، أشار مؤشر لدار الإفتاء المصرية إلى أن «القارة الأفريقية شهدت، في الأسبوع الأخير من أبريل (نيسان) الماضي، 14 عملية إرهابية من إجمالي 24 عملية هزّت العالم، بنسبة 58 في المائة من عدد العمليات الإرهابية، حيث ضرب الإرهاب 9 دول أفريقية هي (الصومال، والنيجر، وتشاد، وبوركينا فاسو، وليبيا، وتونس، والكاميرون، ومالي، والكونغو الديمقراطية)». وأفاد المؤشر بأنه «لا تزال أفريقيا مهددة بانتشار التنظيمات الإرهابية، وهناك تنافس قوى بين كل من التنظيمات المُبايعة لـ(داعش) في غرب القارة، والمبايعة لـ(القاعدة)، وانتقل هذا التنافس أخيراً إلى وسط القارة، من خلال فرع (داعش) في الصحراء الكبرى، وجماعة (نصرة الإسلام والمسلمين) الموالية لـ(القاعدة)».
وقال الدكتور علي محمد الأزهري، عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر، لـ«الشرق الأوسط»: «شهدت الساحة الأفريقية أخيراً حالة من التنافس الجهادي بين التنظيمات القاعدية، وعلى رأسها (حركة الشباب)، والتنظيمات الداعشية، وعلى رأسها (بوكو حرام)»، مضيفاً أن «العلاقة بين التنظيمات الجهادية علاقة تنافسية صراعية، فقد تراجعت (القاعدة) لصالح (داعش) في مرحلة من المراحل، والآن حدث العكس»، لافتاً إلى أن «ما قام به (داعش) في الكونغو هو محاولة لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه تنظيم (عابر للحدود)».
وسبق أن حذر رئيس الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسيكيدي «من احتمال قيام (داعش) بمحاولات لتعزيز وجوده في القارة الأفريقية، بعد هزيمته عسكرياً في سوريا والعراق». وقال المراقبون إن «بعض دول أفريقيا ربما رصدت تحركات كثيرة دعمت احتمال اتجاه التنظيم لمحاولة دعم نشاطه داخلها».
وقالت دراسة «مركز المستقبل» إن «الهزائم العسكرية التي تعرض لها (داعش) في سوريا والعراق فرضت ضغوطاً قوية عليه، لدرجة أضفت مزيداً من الشكوك إزاء قدرته على الاستمرار كتنظيم رئيسي على خريطة التنظيمات الإرهابية في العالم، بل إن الشعارات نفسها التي سبق أن تبناها، على غرار (باقٍ ويتمدد)، أصبحت موضع تساؤلات كثيرة بعد التطورات الميدانية التي قلصت من القدرات العسكرية والبشرية التي امتلكها (داعش) في الأعوام الأخيرة»، مؤكدة: «لذا بدأ التنظيم في الإعلان عن تنفيذ عمليات إرهابية في مناطق بعيدة عن معاقله الرئيسية، ليس فقط لتأكيد قدرته على البقاء، وإنما لإثبات قدرته على التمدد في مناطق متفرقة، وفي وقت واحد، في إطار ما يُمكن تسميته بـ(الانتشار أفقياً)، الذي انعكس في ظهور خلايا وأفرع تابعة له في أفغانستان، والفلبين، وشمال أفريقيا، إلى جانب الكونغو الديمقراطية».
ويُشار إلى أن الهجوم الأخير الذي وقع في الكونغو الديمقراطية، سبق، بفترة وجيزة، العمليات الإرهابية المتزامنة التي وقعت في سريلانكا، واستهدفت ثلاث كنائس وفنادق، وراح ضحيتها أكثر من 300 قتيل و500 جريح... وأعلن «داعش» مسؤوليته عن هذه العمليات.
وأكدت دارسة «مركز المستقبل» أن «العمليات الإرهابية النوعية الأخيرة قد تعكس مستوى الضغوط التي بات يتعرض لها (داعش) في الفترة الحالية، خصوصاً بعد أن ساهمت الهزائم العسكرية التي مُني بها في تضييق الخناق على قياداته، لا سيما زعيمه البغدادي، على نحو يزيد من احتمال اعتقاله أو قتله، في مرحلة لاحقة، وهو ما يبدو أن التنظيم يحاول الاستعداد له مُسبقاً من خلال تنفيذ عمليات إرهابية، والإعلان عن تأسيس أفرع جديدة له في دول ومناطق مختلفة».


مقالات ذات صلة

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

أفريقيا أنصار مرشح المعارضة باسيرو ديوماي فاي يحضرون مسيرة حاشدة في أثناء فرز نتائج الانتخابات الرئاسية (إ.ب.أ)

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

مباحثات جرت، الجمعة، بين الرئيس الروسي ونظيره السنغالي، وتم خلالها الاتفاق على «تعزيز الشراكة» بين البلدين، والعمل معاً من أجل «الاستقرار في منطقة الساحل»

الشيخ محمد (نواكشوط)
شؤون إقليمية محتجون أشعلوا النار في الشوارع المحيطة ببلدية تونجلي في شرق تركيا بعد عزل رئيسه وتعيين وصي عليها (إعلام تركي)

تركيا: صدامات بين الشرطة ومحتجين بعد عزل رئيسي بلديتين معارضين

وقعت أعمال عنف ومصادمات بين الشرطة ومحتجين على عزل رئيسَي بلدية منتخبَين من صفوف المعارضة في شرق تركيا، بعد إدانتهما بـ«الإرهاب»، وتعيين وصيين بدلاً منهما.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».