«داعش» يدفع خلاياه إلى وسط أفريقيا

استهداف الكونغو الديمقراطية «مؤشر خطر»

«داعش» يتبنى استهداف كنائس في سريلانكا... من مواقع تابعة للتنظيم
«داعش» يتبنى استهداف كنائس في سريلانكا... من مواقع تابعة للتنظيم
TT

«داعش» يدفع خلاياه إلى وسط أفريقيا

«داعش» يتبنى استهداف كنائس في سريلانكا... من مواقع تابعة للتنظيم
«داعش» يتبنى استهداف كنائس في سريلانكا... من مواقع تابعة للتنظيم

في مؤشر خطير، دفع تنظيم «داعش» الإرهابي عناصره وخلاياه إلى الكونغو الديمقراطية سعياً للتمدد هناك، بحثاً عن مناطق ينتشر فيها، عقب هزائم سوريا والعراق، معتمداً في ذلك على الذراع الموالية له؛ جماعة «بوكو حرام»، وفرعه في «الصحراء الكبرى»، وعناصره في الصومال، و«أنصار السنة» في موزمبيق.
وأعلنت وكالة «أعماق» التابعة لـ«داعش» أخيراً تبني التنظيم لأول هجوم له في الكونغو الديمقراطية على معسكر للجيش بالمنطقة الحدودية مع أوغندا، أودى بحياة 3 جنود... «أعماق» بثت فيديو لمجموعة من العناصر تحمل السلاح، وتطالب المؤيدين للتنظيم بأفريقيا بأن ينضموا إلى «دولتهم الجديدة بوسط أفريقيا»، المسماة بـ«مدينة التوحيد والموحدين»، على حد زعمها، وانتشر هذا الإصدار على مواقع تابعة لـ«داعش»، تحدث فيه شخص باللغة العربية داعياً مؤيدي التنظيم للهجرة إلى أرض الكونغو الديمقراطية لـ«الجهاد».

تمدد زائف

وأكد اللواء محمد قشقوش، الخبير العسكري والاستراتيجي أستاذ الأمن القومي الزائر بأكاديمية ناصر العسكرية العليا بمصر، أن «تبني (داعش) لعملية الكونغو تأكيد زائف على أنه لم ينتهِ»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «الخطورة تكمن في (العمليات الخاطفة) التي قد تتم من عناصر تم تجنيدها إلكترونياً بهدف تنفيذ هجمات إرهابية».
وقال مراقبون إن «القارة الأفريقية تشهد، منذ منتصف عام 2018، تصاعداً في العمليات الإرهابية، وبدأت تشهد انتشاراً للكثير من التنظيمات الإرهابية... وإعلان (داعش) عن تنفيذه أول عملية في الكونغو الديمقراطية منحى خطير في أفريقيا، خصوصاً مع عودة المقاتلين الأفارقة في صفوف التنظيم».
وأكد المراقبون أن «التقديرات الأولية تشير إلى أن عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ ظهوره إلى الآن يصل إلى 6 آلاف مقاتل، وفقاً لتقارير مراكز بحثية غربية، ويمثل عودة ما تبقى منهم إلى أفريقيا مشكلة كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن الكثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت»، لافتين إلى أن «مساعي التنظيم للتمدد داخل القارة الأفريقية سوف تتواصل خلال المرحلة المقبلة، خصوصاً كلما تعرّض لمزيد من الضربات العسكرية في المناطق التقليدية، التي سبق أن سيطر عليها، وما زال يوجَد فيها عبر (خلاياه النائمة)، على نحو يفرض على الدول الأفريقية رفع مستوى التنسيق الأمني فيما بينها، للتعامل مع المعطيات الجديدة التي فرضتها الهزائم العسكرية التي مُني بها (داعش) في المنطقة».
وأكدت دراسة حديثة لمرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية أن «تنظيم (داعش) يحاول أن يتمدد عبر الكونغو الديمقراطية مستغلاً وجود بعض المناطق التي تعاني من صراعات داخلية، وهي البيئات المفضلة لمثل هذه التنظيمات، فتوجد في الكونغو الديمقراطية جماعات مسلحة... ومنذ عام 2014 سقط نتيجة صراع هذه الجماعات ما يقرب من ألف شخص».
اتسق ذلك مع دراسة أخرى لمركز «المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة» في أبوظبي، أكدت أن «(داعش) ما زال حريصاً على تبني السياسة نفسها، التي سبق أن اتبعها في العراق وسوريا، وهي العمل على استغلال تصاعد حدة الأزمات الداخلية، وتراجع قدرة الدولة على ممارسة سلطاتها بشكل كامل... وهو ما يبدو جلياً في حالة الكونغو الديمقراطية، التي تشهد انتشاراً لبعض التنظيمات المسلحة، إذ تشير تقديرات إلى أن عددها يصل إلى 12 جماعة مسلحة، مثل (ماي ماي كاتا كاتانغا) إلى جانب العصابات الإجرامية».

دعوة البغدادي

وتشير تقارير ومعلومات إلى أن «العناصر التي نفذت أول عملية في الكونغو الديمقراطية لم تتبنّ آيديولوجية (داعش) فقط، بل تلقت أموالاً من التنظيم على يد مواطن كيني يُدعى وليد أحمد زين، وهو أحد مؤيدي (داعش)، ومُدرج على قوائم الإرهاب بنشرة وزارة الخزانة الأميركية».
ودعا أبو بكر البغدادي، زعيم «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لما سماها «ولايات دولة الخلافة» في «أفغانستان، والقوقاز، وإندونيسيا، وغرب ووسط أفريقيا» للقيام بعمليات إرهابية.
في السياق ذاته، أوضحت دراسة الإفتاء أنه «عُثر على كتب تحمل آيديولوجية (داعش) في مواقع تمركز وانتشار (قوات التحالف الديمقراطية)، وهو فصيل متمرد يرفع السلاح في وجه الدولة بالكونغو الديمقراطية، وأنه وفقاً لخرائط (داعش) فإن تقسيم الولايات كان يشتمل أيضاً على ما يُسمى بـ(أرض الحبشة)، وكانت الكونغو من بين هذه الدول التي يسعى (داعش) فيها لإقامة ما يُعرف بـ(الدولة)، كما أن عناصر منشقة عن هذا الفصيل، كانت ترفع راية (داعش) في أماكن قوات التحالف الديمقراطية».
أما دراسة «مركز المستقبل»، فأكدت أن «هناك اتجاهات عديدة أبدت شكوكاً أولية في أن يكون (داعش) هو مَن نفذ هجوم الكونغو الديمقراطية، في ظل وجود عدد من الجماعات والميليشيات المسلحة هناك، إلا أن اعتبارات كثيرة ترجح أن يكون التنظيم هو الذي نفّذ تلك العملية بالفعل، خصوصاً أنه سعى خلال الفترة الأخيرة إلى تعزيز نشاطه في القارة الأفريقية».
وذكرت الدراسة أن «(داعش) حرص بالتوازي مع تنفيذ الهجوم، على إعلان تأسيس ولاية جديدة تابعة له في الكونغو الديمقراطية، على خلاف الهجمات الأخرى التي نفذها في بعض الدول، مثل الفلبين وغيرها، حيث غالباً ما كان يكتفى بإعلان مسؤوليته فقط من دون تأسيس ولاية جديدة».
وكان لافتاً أن الهجوم الأخير وقع بعد فترة وجيزة من سقوط الباغوز، آخر معاقله في سوريا، بشكل يطرح دلالة مهمة تتمثل في أن التنظيم قد يحاول توجيه رسائل متعددة تفيد بقدرته على تنفيذ عمليات في مناطق جديدة، بعد تراجع نشاطه ونفوذه في المناطق الرئيسية التي كان قد سيطر عليها في الأعوام الأربعة الماضية.

تنظيمات متنافسة

في السياق ذاته، أشار مؤشر لدار الإفتاء المصرية إلى أن «القارة الأفريقية شهدت، في الأسبوع الأخير من أبريل (نيسان) الماضي، 14 عملية إرهابية من إجمالي 24 عملية هزّت العالم، بنسبة 58 في المائة من عدد العمليات الإرهابية، حيث ضرب الإرهاب 9 دول أفريقية هي (الصومال، والنيجر، وتشاد، وبوركينا فاسو، وليبيا، وتونس، والكاميرون، ومالي، والكونغو الديمقراطية)». وأفاد المؤشر بأنه «لا تزال أفريقيا مهددة بانتشار التنظيمات الإرهابية، وهناك تنافس قوى بين كل من التنظيمات المُبايعة لـ(داعش) في غرب القارة، والمبايعة لـ(القاعدة)، وانتقل هذا التنافس أخيراً إلى وسط القارة، من خلال فرع (داعش) في الصحراء الكبرى، وجماعة (نصرة الإسلام والمسلمين) الموالية لـ(القاعدة)».
وقال الدكتور علي محمد الأزهري، عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر، لـ«الشرق الأوسط»: «شهدت الساحة الأفريقية أخيراً حالة من التنافس الجهادي بين التنظيمات القاعدية، وعلى رأسها (حركة الشباب)، والتنظيمات الداعشية، وعلى رأسها (بوكو حرام)»، مضيفاً أن «العلاقة بين التنظيمات الجهادية علاقة تنافسية صراعية، فقد تراجعت (القاعدة) لصالح (داعش) في مرحلة من المراحل، والآن حدث العكس»، لافتاً إلى أن «ما قام به (داعش) في الكونغو هو محاولة لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه تنظيم (عابر للحدود)».
وسبق أن حذر رئيس الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسيكيدي «من احتمال قيام (داعش) بمحاولات لتعزيز وجوده في القارة الأفريقية، بعد هزيمته عسكرياً في سوريا والعراق». وقال المراقبون إن «بعض دول أفريقيا ربما رصدت تحركات كثيرة دعمت احتمال اتجاه التنظيم لمحاولة دعم نشاطه داخلها».
وقالت دراسة «مركز المستقبل» إن «الهزائم العسكرية التي تعرض لها (داعش) في سوريا والعراق فرضت ضغوطاً قوية عليه، لدرجة أضفت مزيداً من الشكوك إزاء قدرته على الاستمرار كتنظيم رئيسي على خريطة التنظيمات الإرهابية في العالم، بل إن الشعارات نفسها التي سبق أن تبناها، على غرار (باقٍ ويتمدد)، أصبحت موضع تساؤلات كثيرة بعد التطورات الميدانية التي قلصت من القدرات العسكرية والبشرية التي امتلكها (داعش) في الأعوام الأخيرة»، مؤكدة: «لذا بدأ التنظيم في الإعلان عن تنفيذ عمليات إرهابية في مناطق بعيدة عن معاقله الرئيسية، ليس فقط لتأكيد قدرته على البقاء، وإنما لإثبات قدرته على التمدد في مناطق متفرقة، وفي وقت واحد، في إطار ما يُمكن تسميته بـ(الانتشار أفقياً)، الذي انعكس في ظهور خلايا وأفرع تابعة له في أفغانستان، والفلبين، وشمال أفريقيا، إلى جانب الكونغو الديمقراطية».
ويُشار إلى أن الهجوم الأخير الذي وقع في الكونغو الديمقراطية، سبق، بفترة وجيزة، العمليات الإرهابية المتزامنة التي وقعت في سريلانكا، واستهدفت ثلاث كنائس وفنادق، وراح ضحيتها أكثر من 300 قتيل و500 جريح... وأعلن «داعش» مسؤوليته عن هذه العمليات.
وأكدت دارسة «مركز المستقبل» أن «العمليات الإرهابية النوعية الأخيرة قد تعكس مستوى الضغوط التي بات يتعرض لها (داعش) في الفترة الحالية، خصوصاً بعد أن ساهمت الهزائم العسكرية التي مُني بها في تضييق الخناق على قياداته، لا سيما زعيمه البغدادي، على نحو يزيد من احتمال اعتقاله أو قتله، في مرحلة لاحقة، وهو ما يبدو أن التنظيم يحاول الاستعداد له مُسبقاً من خلال تنفيذ عمليات إرهابية، والإعلان عن تأسيس أفرع جديدة له في دول ومناطق مختلفة».


مقالات ذات صلة

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الخليج يضطلع «اعتدال» بمهام منها رصد وتحليل المحتوى المتعاطف مع الفكر المتطرف (الشرق الأوسط)

«اعتدال» يرصد أسباب مهاجمة «الفكر المتطرف» الدول المستقرّة

أوضح «المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرّف (اعتدال)» أن استقرار الدول «يفيد التفرغ والتركيز على التنمية؛ خدمة لمصالح الناس الواقعية».

غازي الحارثي (الرياض)
أفريقيا جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)

​نيجيريا... مقتل 5 جنود وأكثر من 50 إرهابياً

سبق أن أعلن عدد من كبار قادة الجيش بنيجيريا انتصارات كاسحة في مواجهة خطر «بوكو حرام»

الشيخ محمد (نواكشوط)

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
TT

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)

غداة الزيارة المريبة التي قام بها الوالي العثماني المنحول إردوغان إلى تونس، علا صوت الكثير من الأحزاب التونسية والاتحادات العامة للشغل وغيرها من جماعات المجتمع المدني بالرفض لأن تكون تونس ممراً أو مستقراً لنقل «الدواعش» من سوريا إلى ليبيا بواسطة تركيا عبر بلادهم».
المطالب المتقدمة تعني أمراً واحداً، وهو يقين الشرفاء والنبلاء من الشعب التونسي بأن بعض من نوايا إردوغان الحقيقية بالنسبة لليبيا موصول بإعادة إنتاج التنظيم الإرهابي الأشرس في العقود الأخيرة (داعش)، وربما في طبعة جديدة أسوأ مما شهده العالم في العراق وسوريا خلال النصف الثاني من العقد الماضي.
أسئلة كثيرة تطل برأسها من نافذة الأحداث المتسارعة عن أحوال «داعش» وعن الفوضى والارتباك اللذين تتسبب فيهما تركيا في ليبيا، وفي الوسط تسعى لنقل معركتها إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وإلى العمق الأفريقي لأهداف سنأتي على تفصيلها.
علامة الاستفهام الأولى في هذا الحديث: «ما هو وضع الدواعش في الوقت الحاضر في موطن النشوء الأول ومن حول بلاد الشام التاريخية؟».
الجواب نجده بالتفصيل والأرقام عند هارون ي زيلين، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وعنده أنه في عام 2019 قدر البنتاغون أن ما بين 14 و18 ألف من مقاتلي تنظيم «داعش» لا يزالون في العراق وسوريا، والتساؤل ما الذي يفعلونه هناك؟
بلا شك مواصلة العمل كتنظيم إرهابي متمرد يكرس أعضاؤه جل وقتهم لمحاولة تهريب السجناء، وربما إعادة السيطرة على الأراضي، ومن خلال حرب استنزاف يعتقدون أنهم سيرهقون أعداءهم، كما أنهم يستفيدون من أي مساحات لا تسيطر عليها الحكومة المركزية أو يلعبون على وتر خطوط الصدع السياسية أو العرقية أو الدينية آملين في استغلالها لصالحهم.
> هل لدى التنظيم حتى الساعة مقدرة مالية على إدارة شؤونه بنفسه والإنفاق على عملياته الإرهابية؟
ــــ من الواضح أن الدواعش لا يزالون قابضين على ثروة تقدر بنحو 300 مليون دولار، ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في يوليو (تموز) 2019، فإن «داعش» استثمر مجدداً أمواله في أعمال مشروعة، وربما بأسماء وهمية لا علاقة لها بأعضائه الإرهابين، أي من خلال عناصر نائمة، وذلك عبر العقارات، ووكلاء السيارات، ويوجد عدد منها في تركيا وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية التي صنفت أفراداً من تنظيم «داعش» وشركات تحويل وصرافة على لائحة الإرهاب.
> ماذا تعني تلك البيانات المتقدمة؟
ــــ باختصار غير مخل، تشير إلى أن التنظيم لا يزال باقياً وفاعلاً، وأن الأيادي التركية السوداء تقف وراءه في أقصى الشرق، وها هي تجد فرصة غير مسبوقة ليعبر المتوسط جهة الغرب ويحل برحاله في ليبيا.
لم ينس إردوغان للحظة واحدة أنه في الشرق من ليبيا، توجد مصر الكنانة التي أسقطت مشروعه في عام 2013؛ فقد خيل له أنه قد أضحى الخليفة الجديدة بعد سنوات الربيع المغشوش؛ ولهذا فإن ملامح وعلامات الانتقام من مصر لا تغيب عن ناظريه، وقد حاول كثيراً استخدام الطابور الخامس من الإخوان المسلمين في مصر في زعزعة استقرار المحروسة وأخفق؛ ولهذا فقد بدا واضحاً أن الرجل المقهور يود نقل معركته إلى الداخل المصري بالاقتراب الكبير والمؤثر والفاعل؛ الأمر الذي لا يغيب عن أعين صقور المؤسسة العسكرية المصرية التي تقف له بالمرصاد.
وجد إردوغان ضالته المنشودة في جماعة الوفاق المنحلة، التي هي مزيج من الإخوان المسلمين والدواعش و«القاعدة» والجماعات الإرهابية كافة الشاردة والواردة، ومن خلال عمليات لوجيستية تتضح ساعة بعد أخرى، يمضي في إحياء التنظيم القاتل وله في ذلك أيضاً مأربان، أحدهما جهة الشمال والآخر ناحية الجنوب...ماذا عن ذلك؟
أما الشمال، فالمقصود به أوروبا، حيث العداء التاريخي المستحكم من تركيا تجاه أوروبا، وإردوغان يشعر بالغدر والخيانة من جراء رفض الاتحاد الأوروبي قبوله تحت سقفه؛ ولهذا أطلق تصريحات ذات طبيعة دوجمائية أكثر من مرة، حاول بها تفعيل مشاعر ديماجوجية في وسط الأتراك ليكتسب شعبية، رغم أن الأمر ارتد عليه مؤخراً بالسلب.
يسعى إردوغان من تأصيل وجود «الدواعش» على الشاطئ المتوسطي المواجه لأوروبا إلى استخدام الإرهاب الأصولي كأحدى أوراق نفوذه ضد ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والبرتغال، وقبلهما اليونان وقبرص، وهو أمر ليس بجديد عليه، فقد صرح قبل فترة بأنه قادر على فتح بوابات الوصول إلى أوروبا أمام اللاجئين والدواعش لإغراق أوروبا، وربما إحراقها بنيران الدواعش ومن لفّ لفّهم.
إردوغان أيضاً له مأرب آخر يتصل بعمق القارة الأفريقية، وهو يدرك أن ما فقده من أوهام الخلافة في الشرق الأوسط، ربما يجد له صدى في وسط أفريقيا، حيث يغيب الأمن كثيراً عن بعض الدول من جهة، ولا سيما المفككة اجتماعياً، وحيث تنتشر جماعات الإرهاب المشابهة من «حركة الشباب» و«بوكو حرام» وما شابه، وغالبيتها قد أعلنت ولاءها وانضواءها تحت راية تنظيم «داعش» الإرهابية وليس الإسلامية قبل نحو عامين.
والشاهد، أن إردوغان لا ينشئ فرعاً جديداً لـ«داعش» في ليبيا، وإنما يسعى لإيقاظ المؤتلفة قلوبهم، إن جاز التعبير، أولئك الذين هم دواعش في الباطن وإن أبدوا خلاف ذلك في العلن، والمعروف أن الأرضية الأصولية الإخوانية في ليبيا كانت قد انتهزت فرصة الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، حيث أقام المقاتلون مثل سوريا والعراق حكماً دينياً، غير أنه وفي عام 2016 استطاعت قوات الحكومة ومقاتلون من مصراتة بدعم من القوات الأميركية الخاصة وطائرات «إف 16» إخراج مقاتلي التنظيم من سرت في ديسمبر (كانون الأول) 2016.
في ذلك الهجوم قُتلت أعداد كبيرة من المتشددين، في حين هرب البقية إلى الجنوب بحثاً عن ملاجئ آمنة، وأقاموا معسكرات تدريب استخدموها للسطو على شاحنات النفط، وحصلوا على موارد من خلال التهريب، وهرب بعضهم إلى النيجر، حيث انضموا إلى فرع التنظيم هناك. ورغم عددهم القليل فإنهم استمروا في هجماتهم السريعة.
مؤخراً، وحتى قبل التدخل الإردوغاني المسموم، بدأ القلق يتزايد في سرت مرة أخرى، حيث تم اعتقال عشرة أشخاص يشتبه بتعاطفهم مع التنظيم، منهم مهندسة عثر على جهاز لاسلكي في بيتها، كما قبض على رجل قابل أعضاء في «خلية نائمة»، وأقاموا حاجز تفتيش خارج المدينة لإظهار أنهم لا يزالون فيها.
> هل بدأت مرحلة إحياء «داعش» ليبيا بشكل رسمي الأيام الأخيرة وبدعم علني من تركيا لا يواري ولا يداري أهدافه الآثمة؟
ــــ من الواضح أن ذلك كذلك، ولا سيما في ضوء ما رصده «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في سوريا، والذي أشار قبل أيام إلى أن الفصائل السورية الموالية لتركيا قد افتتحت هناك مراكز تسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا.
> هل بدأ الحشد «الداعشي» التركي طريقه إلى ليبيا بالفعل؟
ــــ الشاهد، أنه، ومن أسف، قد بدأ عشرات الأشخاص يقصدون تلك المراكز للالتحاق بالمعارك في ليبيا للعمل تحت الحماية التركية هناك، كما نقلت مصادر محلية قولها إن الفصائل الموالية لتركيا تشجع الشباب على الالتحاق بالحرب الليبية، وتقدم مغريات ورواتب مجزية تراوح بين 1800 و2000 دولار أميركي لكل مسلح شهرياً، علاوة عل تقديم خدمات إضافية تتكفل بها الدولة المضيفة.
ولعل الذين تابعوا الأسبوع الماضي تصريحات المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري قد وقر لديهم أن عجلة إحياء تنظيم «داعش» في ليبيا قد دارت بالفعل، وذلك من خلال الأصابع المشبوهة للمخابرات التركية التي تقوم بنقل عناصر التنظيم، عطفاً على القادمين والمنتمين الجدد والذين هم في غالبيتهم مرتزقة ومؤدلجون أصوليون، والنوعان معاً، ولا سيما من أعضاء «جبهة النصرة» من سوريا إلى ليبيا عبر مطار جربة في تونس، الأمر الذي يعود بنا إلى الحديث عن تونس مرة جديدة، ويربط بينها وبين ما يجري في ليبيا.
> هل تعرّض التونسيون إلى خدعة كبرى في اختيارهم الأخير؟
ــــ مهما يكن من أمر ساكن القصر الرئاسي، إلا أن المؤكد أن حزب «النهضة التونسي» ليس إلا وجهاً آخر من أوجه الإخوان المسلمين في تونس، وهو أحد فروع التنظيم الدولي لـ«الإخوان» المسلمين المنتشر حول العالم، يأتمر بأمرهم، ويتوجه كيفما يعنّ لبوصلتهم.
هنا يصبح من الحقيقي التسليم بالمعلومات التي رصدها الجيش الليبي من استخدام مطارات تونس لغرض إنشاء «داعش» جديدة على الأراضي الليبية، ومنها مطار جربة، حيث تم إنزال مجموعات إرهابية في تونس، وتم نقلهم إلى ليبيا عن طريق الجبل الغربي، ومطار مصراتة وزواره، ومعتيقة تحديداً التي استقبلت أعداداً كبيرة من «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش».
في هذا السياق، يبقى من الطبيعي أن تنهض آمال «الدواعش» في تونس في الفترة المقبلة، أولئك الذين سيصبحون الجسر الواصل بين تونس وليبيا؛ الأمر الذي حذر منه البرلمان التونسي السابق قبل عودة النهضة الكارثية مرة أخرى، لكن في ظل السيطرة الإخوانية التونسية الأخيرة يكاد يكون الأمل سراباً في إعادة ضبط وتموضع «الدواعش» التونسيين.
حين نشير إلى أن دواعش ليبيا قد بدأوا مرحلة مغاير آخذة في التصاعد الإرهابي المؤلم، فإننا لا نرجم بالغيب، بل من خلال أدلة ليس آخرها الفيديو الذي أذاعوه نهار الخامس من ديسمبر 2019، وفيه ذبح لمواطنين ليبيين بينهم موظفون حكوميون سقطوا أسرى في أيدي التنظيم، ومشاهد بشعة لعمليات إعدام جماعية بالرصاص، في منطقة الفقهاء جنوب ليبيا.
الفيديو بثته وكالة «أعماق» التابعة لتنظيم «داعش» حمل اسم «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم»، استمر نحو 31 دقيقة وأظهر معاملة مشينة من عناصر التنظيم للأسرى الذين وقع اختطافهم، أو المواطنين الذين تم اعتقالهم خلال عملياته الإرهابية على بلدة الفقهاء، حيث وثقت مقاطع عملية إعدام جماعية لأشخاص مكبلين رمياً بالرصاص على رؤوسهم.
الأسئلة الجوهرية في هذا السياق، هل ستبقى أوروبا مكتوفة الأيدي أمام تركيا وهي تعيد سيرة حروب القرون الوسطى من جديد، وهل ستكتفي بدور المشاهد بعد أن أسقطت نظام القذافي ولم يكن لها خطة لليوم التالي؟
ثم فيما يخص أميركا، لماذا يتسم موقفها بالميوعة السياسية، وهل يخشى إردوغان من التورط في الأزمة الليبية عسكرياً وهو في عام الانتخابات ولديه من الإشكاليات الداخلية ما يكفي؟
ألا تعد خطط إردوغان نوعاً من تهديد السلم العالمي، الأمر الذي يستوجب التنادي إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالاتحاد من أجل السلم قبل أن يستفحل الضرر ويتحول المشهد إلى حرب إقليمية؟
ثم ما هو الدور الروسي في ليبيا وهي التي تسعى لاستعادة نفوذها هناك، وهل سيقدر لها قطع الطريق على الآغا العثمانلي بطريق مشابهة لما فعلته مع الدواعش في سوريا؟