تزايد الضغوط على المجلس العسكري السوداني لتسليم السلطة للمدنيين

الجيش تعهد بتأمين الثورة... وحراك الشارع يخطط لمليونية

أحد رموز الحراك يتحدث أمام المعتصمين في الخرطوم أمس (تصوير: مصطفى عمر)
أحد رموز الحراك يتحدث أمام المعتصمين في الخرطوم أمس (تصوير: مصطفى عمر)
TT

تزايد الضغوط على المجلس العسكري السوداني لتسليم السلطة للمدنيين

أحد رموز الحراك يتحدث أمام المعتصمين في الخرطوم أمس (تصوير: مصطفى عمر)
أحد رموز الحراك يتحدث أمام المعتصمين في الخرطوم أمس (تصوير: مصطفى عمر)

تزايدت الضغوط على ضباط الجيش السوداني الذين أطاحوا بالرئيس المعزول عمر البشير، لتسليم السلطة لحكومة مدنية، ففي الوقت الذي أعلن فيه تحالف قوى «إعلان الحرية والتغيير» عن مسيرة مليونية لممارسة جديدة حشد لها كل طاقاته، جاءت ضغوط من جهات أخرى خارجية، حيث دعا الاتحاد الأفريقي «المجلس العسكري الانتقالي لتسليم الحكم إلى سلطة انتقالية مدنية في غضون 60 يوماً».
وقال عضو لجنة التفاوض مع المجلس العسكري الانتقالي، علي الريح السنهوري، لـ«الشرق الأوسط» أمس: إن المجلس العسكري الانتقالي نقض اتفاقه مع ممثلي «قوى إعلان الحرية والتغيير»، وعقد مؤتمرين صحافيين حاول خلالهما إيصال رسالة إلى المعتصمين بأن لجنة التفاوض غير متسقة ومترددة، لتبرير تمسكهم بالسلطة.
وأوضح الريح، أن لجنة التفاوض ستواصل التفاوض مع المجلس العسكري الانتقالي، وفي الوقت ذاته تواصل الضغط عبر تصعيد العمل الجماهيري، ومواصلة الاعتصام، بما في ذلك المسيرة المليونية المقررة اليوم، بالإضافة إلى اتخاذ خطوات تصعيدية أخرى يتم اتخاذ قرارات بشأنها حال واصل «العسكري» تعنته وتصريحاته الاستفزازية.
من جهة أخرى، قال الاتحاد الأفريقي في بيان أمس، إنه يشعر بألم عميق لأن الجيش في السودان لم يتنح ويسلم السلطة للمدنيين خلال فترة الخمسة عشرة يوماً التي حددها الشهر الماضي، مهدداً بتجميد عضوية السودان.
وأوضح الاتحاد المكون من 54 دولة أفريقية، أن الستين يوماً هي آخر تمديد للمجلس العسكري لتسليم السلطة لمدنيين، قبل أن ينفذ وعيده بتجميد عضوية حكومة الخرطوم العسكرية في الاتحاد الإقليمي.
ونص الميثاق الأفريقي للديمقراطية والانتخابات والحكم الموقع سنة 2007، على رفض وحظر و«إدانة التغييرات غير الدستورية للحكومات في الدول أعضاء الاتحاد الأفريقي»، واعتبرته تهديداً خطيراً للاستقرار والسلم والأمن والتنمية في القارة.
ويفرض الميثاق عقوبات على الدولة التي تشهد تغييرات غير دستورية للحكومات، بحرمانها من حق المشاركة في أنشطة الاتحاد، وتعليق عضويتها على الفور، ومحاكمة قادتها، وعدم استقبالهم أو توفير المأوى لهم، وتسليمهم للجهات التي تطلبهم، فضلاً عن فرض عقوبات وإجراءات اقتصادية تأديبية على حكومتهم.
وأمهل مجلس السلم والأمن الأفريقي المجلس العسكري الانتقالي فترة 15 يوماً لتسليم السلطة لمدنيين، بيد أن مؤتمر القمة الذي عقد في القاهرة الشهر الماضي بشأن الأوضاع في السودان، أوصى بإمهال العسكريين ثلاثة أشهر لتسليم السلطة للمدنيين.
وقطع عسكري بارز في الجيش السوداني بعدم إطلاق رصاصة واحدة تجاه الشعب، وتعهد بالوفاء للشعب وثورته، وأن يقف إلى جانبه ويحميه من التخريب والانفلات الأمني.
وقال رئيس أركان الجيش السوداني، هاشم عبد المطلب، في مؤتمر صحافي مع نظيره القادم من دولة جنوب السودان غابريال ريال: إن قوات الجيش ستحافظ على وفائها للشعب، وستقف إلى جانبه ضد التخريب والانفلات الأمني، وستحمي الثورة حتى تحقق أهدافها.
وتشديداً على أهمية استقرار الأمن في البلاد، قال العسكري البارز: إن «العيش بأمان» حق لكل الناس، بيد أنه سارع إلى تأكيد مسؤولية قوات الجيش في الحفاظ على الأمن بقوله: «لن نترك البلاد للفوضى»، دون أن يحدد الفوضى التي يقصد.
وكان نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قد توعد أول من أمس بـ«حسم الفوضى»، والمتمثلة في أخذ الحق باليد، والاعتداءات على «أنصار النظام المعزول»، والقيام بسلطات من اختصاص القوات النظامية، مثل تفتيش المواطنين وإيقافهم دون صفة قانونية.
ووصل رئيس أركان جيش دولة جنوب السودان إلى البلاد في زيارة رسمية تستغرق يومين، ضمن جولة مشاورات تجريها البلدان، والتقى خلالها نظيره في الجيش السوداني، وأكد له وقوف بلاده مع إرادة شعب السودان في التغيير.
وتعهد العسكري الجنوبي بالعمل مع السودان من أجل استتباب الأمن في البلدين الجارين، وقال: «لن نسمح بزعزعة الأمن والاستقرار في السودان».
وتجئ زيارة رئيس أركان جيش جنوب السودان للخرطوم، بعد ثلاثة أسابيع من انحياز الجيش للثورة الشعبية التي أطاحت بالرئيس المعزول عمر البشير، الذي يعد حليفاً رئيسياً لجنوب السودان، وسمح لهم بإقامة استفتاء تقرير المصير وفقاً لاتفاقية السلام السودانية (نيفاشا)؛ ما أدى إلى تكوين دولتهم المستقلة في 2011.
ومنذ عزل البشير، دأبت قوى «إعلان الحرية والتغيير» التي قادت الثورة ضد النظام المعزول، بتكوين «مجلس رئاسي مدني»، يقوم بالمهام السيادية، ومجلس وزراء من الكفاءات، ومجلس تشريعي انتقالي.
من جهتها، أعلنت وزارة خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة تأييدها لانتقال منظم وسلس للسلطة في السودان، وقال وزير الدولة في الخارجية، أنور قرقاش، في تغريدة على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: إن الدول العربية تدعم انتقالاً منظماً وسلساً للسلطة في السودان، وأضاف: «هذا الانتقال يجب أن يجمع بين التطلعات الشعبية والاستقرار المؤسسي»، وتابع: «منطقتنا شهدت أعمالاً فوضوية كثيرة، ولسنا بحاجة للمزيد منها».
وأجبرت الثورة السودانية المستمرة منذ 19 ديسمبر (كانون الأول) الرئيس المعزول عمر البشير على التنحي، في 11 أبريل (نيسان) الماضي، كما أجبرت نائبه الذي انقلب عليه، عوض بن عوف، على التنحي نتيجة للضغط الشعبي.
ويعد يوم السبت 6 أبريل مفصلياً في تاريخ الثورة السودانية، فقد دعت قوى «إعلان الحرية والتغيير» إلى موكب أمام القيادة العامة للجيش، واستجاب لها مئات الآلاف من المواطنين، تحول إلى اعتصام شارك فيه أكثر من مليون شخص.
ودفع الاعتصام والحشود البشرية صغار ضباط الجيش للانحياز للمواطنين العزل بمواجهة الهجمات الليلية التي كانت تشنها أجهزة الأمن وميليشيات حزب المؤتمر الوطني الحاكم وقتها، مخالفين بذلك التعليمات العسكرية، قبل أن تضطر قيادة الجيش إلى عزل البشير.
ورفض المعتصمون نائب المعزول عوض بن عوف رئيساً للمجلس العسكري، واعتبروا «انقلابه مسرحية سيئة الإخراج»، وأمام ضغط الجماهير، أعلن ابن عوف تنحيه، ونقل رئاسة المجلس للمفتش العام للجيش وقتها، الفريق أول عبد الفتاح البرهان.
تعهد البرهان في أول بيان له بعد تسميته رئيساً للمجلس العسكري الانتقال بتصفية النظام المباد ومحاكمة رموزه، بيد أنه كوّن مجلساً عسكرياً انتقالياً رفضه الثوار، وواصلوا المطالبة بتسليم فوري للسلطة لحكومة مدنية.
وطلبت قوى «إعلان الحرية والتغيير» من المعتصمين مواصلة اعتصامهم أمام قيادة الجيش حتى تحقيق كامل مطالبهم في سلطة مدنية، مهددة بتصعيد متواصل يبلغ مرحلة الإضراب السياسي لإجبار الجيش على التنحي.
وتبعاً لهذا الطلب، واصل الثوار الاعتصام الذي استمر قرابة الشهر، وتعهدوا بمواصلته حتى تحقيق أهداف ثورتهم، وتسليم السلطة لحكومة مدنية بتمثيل عسكري محدود، غير عابئين بمقدم شهر رمضان المعظم، وهو الأمر الذي يثير قلق العسكريين المتمسكين بالسلطة رغم تأكيد زهدهم فيها. وأول من أمس، وإثر تحذيرات وجهها نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بحسم ما أسماه الفوضى، فهمت بأنها محاولة لفض الاعتصام، دعا «تحالف قوى الحرية والتغيير» إلى مسيرة مليونية ينتظر أن تلقى استجابة واسعة، وأن يشارك فيها الملايين، ولا سيما بعد وصول مواكب من معظم مدن السودان، بعضها قطعت آلاف الأميال للوصول إلى مقر الاعتصام أمام قيادة الجيش بالخرطوم، ولا سيما من ولايات دارفور في أقصى الغرب، ولايات جنوب وشمال وشرق البلاد.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».