خارطة فلسطين على قميص جديد لنادي كرة قدم في تشيلي

ديبورتيفو باليستينو تأسس عام 1920 ويثير سخط الجالية اليهودية

نادي ديبورتيفو باليستينو أحد أشهر الأندية الرياضية للمحترفين في تشيلي وأميركا الجنوبية تأسس يوم 20 أغسطس عام 1920 على أيدي المهاجرين الفلسطينيين إليها (أ.ف.ب)
نادي ديبورتيفو باليستينو أحد أشهر الأندية الرياضية للمحترفين في تشيلي وأميركا الجنوبية تأسس يوم 20 أغسطس عام 1920 على أيدي المهاجرين الفلسطينيين إليها (أ.ف.ب)
TT

خارطة فلسطين على قميص جديد لنادي كرة قدم في تشيلي

نادي ديبورتيفو باليستينو أحد أشهر الأندية الرياضية للمحترفين في تشيلي وأميركا الجنوبية تأسس يوم 20 أغسطس عام 1920 على أيدي المهاجرين الفلسطينيين إليها (أ.ف.ب)
نادي ديبورتيفو باليستينو أحد أشهر الأندية الرياضية للمحترفين في تشيلي وأميركا الجنوبية تأسس يوم 20 أغسطس عام 1920 على أيدي المهاجرين الفلسطينيين إليها (أ.ف.ب)

في غضون مائة عام ونيف نجح الفلسطينيون في تشيلي، أكبر جالية فلسطينية خارج العالم العربي، في أن يحققوا ما عجزوا عنه في وطنهم، فقد أصبحوا نخبة نافذة في هذا البلد وعلاقتهم جيدة بالجاليات الأخرى، بما في ذلك الجالية اليهودية، ولديهم أيضا فريق كرة قدم.
ديبورتيفو باليستينو التشيلي، أي نادي فلسطين الرياضي، النادي الوحيد في العالم الذي يلعب بألوان العلم الفلسطيني، ارتدى قميصه الجديد الذي يبرز الخريطة الفلسطينية قبل عام 1948 وأثار غضب الجالية اليهودية في تشيلي. وقال مسؤول في النادي فضل عدم الكشف عن هويته في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية: «بعد اجتماع مع إدارتنا قررنا مواصلة اللعب بالقميص على اعتبار أننا لم نتلق أي اتصال من الاتحاد التشيلي لكرة القدم أو الفيفا». وأضاف «نحن فريق رياضي ونلتزم بآراء هاتين المؤسستين».
واستعيض عن الرقم واحد في القميص الجديد للنادي الذي يلعب منذ نحو قرن بألوان فلسطين - الأبيض والأخضر والأحمر - لموسم 2014، بخريطة فلسطين التاريخية. وأثارت هذه الخريطة التي تتضمن دولة إسرائيل الحالية دون تحديد حدودها، سخط الجالية اليهودية في تشيلي.
وقال رئيس الجالية اليهودية جيراردو غوروديشر في تصريح لصحيفة «ال ميركوريو» أول من أمس الخميس: «نحن نطالب بسحب هذه الأرقام». وتساءل غوروديشر قائلا «ما الذي سيحدث الجمعة (أمس) مع المشجعين اليهود؟ خلال المباراة التي يلتقي فيها كلوب ديبورتيفو باليستينو مع جامعة تشيلي»، واصفا ارتداء القمصان الجديدة بـ«قلة احترام من قبل النادي».
وأكد الاتحاد التشيلي لكرة القدم أنه تلقى رسالة من الجالية اليهودية «تعبر فيها عن استيائها وتطالب بتبليغه للفريق الفلسطيني». لكن الاتحاد التشيلي أكد للجالية اليهودية أنه «كي يفرض عقوبة على النادي من الضروري أن يندد ناد آخر من الدوري بذلك وهو ما لم يحصل حتى الآن».
وقال المتحدث باسم الاتحاد التشيلي هيكتور أولاف «لا يمكننا فرض عقوبة إلا في حال خطأ فادح، كأن يكتبوا مثلا (فلسطين حرة) على القميص، ولكن الفريق سبق له استعمال هذه الخريطة مرات عدة».
ومن جهته، قال ماوريسيو أبو غوش رئيس الاتحاد الفلسطيني في تشيلي في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية: «إنها رمز لتاريخنا وثقافتنا»، مضيفا «هذه الخريطة كانت دائما لنا ونحملها دائما حول العنق». وشدد قائلا «إنها مثل الفلافل وأوراق العنب والدبكة». ويندرج نادي ديبورتيفو باليستينو ضمن الدرجة الأولى، وكان قد تأسس عام 1920 وأحرز لقبين حتى الآن عامي 1955 و1978.
ويقول خورخي كوريا مدير النادي «في البداية انطلق النادي بأشخاص يتحدرون حصرا من العالم العربي، إلا أن قوانين البطولة أجبرته على فتح أبوابه أمام غير المتحدرين من أصول فلسطينية». واليوم «وحده المدافع روبرتو بشارة من أصل فلسطيني. ولكن الفلسطينيين ما زالوا ينظرون إلى النادي على أنه ممثلهم في العالم»، بحسب كوريا. ويضيف «خلال البطولة السابقة (لكأس تشيلي) التي شارك فيها النادي (في 2008) ومباراة نصف النهائي كانت المباريات تبث في أماكن عامة في الشرق الأوسط. كانوا يتابعون ما نفعله هنا في تشيلي على بعد آلاف الكيلومترات من فلسطين».
ويمثل الفريق الجالية الفلسطينية في تشيلي، وهي أهم جالية فلسطينية في العالم خارج الدول العربية، ويقدر تعدادها بـ600 ألف شخص. ووصل أوائل المهاجرين الفلسطينيين إلى تشيلي في أواسط القرن التاسع عشر، ولكن موجة الهجرة الرئيسة لهم، وغالبيتهم من المسيحيين، تعود إلى أوائل القرن العشرين وقد أتى هؤلاء خصوصا من بيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور.
في البدء كان التشيليون يطلقون على الفلسطينيين اسم «الأتراك» لسبب بسيط هو أن أوائل المهاجرين الفلسطينيين الذين وطأت أقدامهم أراضي تشيلي مطلع القرن العشرين كانوا يحملون جوازات سفر صادرة عن السلطنة العثمانية. وقال أحدهم ويدعى نسيم علامو (70 عاما) لوكالة الصحافة الفرنسية، خلال انعقاد القمة الثالثة لدول أميركا الجنوبية والدول العربية «هناك فلسطينيون في كل القطاعات».
ويدير علامو مع شقيقه شفيق شركة لصنع الملابس في حي باتروناتو في العاصمة سانتياغو، وهو الحي الذي احتضن أوائل المهاجرين العرب ليحل محلهم اليوم المهاجرون الصينيون والكوريون.
ولكن بفضل التجارة التي امتهنها أكثر المهاجرين الفلسطينيين تمكن هؤلاء من جمع ثروات ضخمة في تشيلي. وفي هذا يقول نسيم «في البداية كانوا يبيعون كل شيء. كانوا يجوبون الأرياف حيث لم تكن هناك متاجر، وبما أنهم ما كانوا يتقنون اللغة كانوا يعرضون ما لديهم ويقطعون مئات الكيلومترات سيرا على الأقدام».
واثنتان من أثرى العائلات في تشيلي تتحدران من أصول فلسطينية وهما عائلتا يارور وسعيد، في حين أن 10 في المائة من أعضاء مجلس الشيوخ التشيلي أصولهم فلسطينية وكذلك أيضا رئيس بلدية العاصمة بالول زلاقط ورئيس الاتحاد الوطني لكرة القدم سيرخيو خادوي.
ويقول أوجينيو شهوان مدير مركز الدراسات العربية في جامعة تشيلي لوكالة الصحافة الفرنسية، خلال أعمال القمة الثالثة لدول أميركا الجنوبية والدول العربية إن الفلسطينيين وصلوا إلى تشيلي «عن طريق الصدفة نوعا ما» ولكن سرعان ما تحولت إلى هجرة على دفعات «متتالية»، مضيفا «كان يأتي أحدهم ثم يبدأ بجلب عائلته وأصدقائه، وهي الحال خصوصا في كل المجتمعات الأبوية حيث العلاقات الأسرية قوية جدا».
ويقول شهوان «هؤلاء مهاجرون يتمتعون بمستوى ثقافي عال ولديهم تاريخ حضاري عريق وبعد وقت قصير من وصولهم إلى البلد يصبحون نخبة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية». وأدى تشاطر الفلسطينيين النشاط التجاري وتجربة الهجرة مع اليهود في تشيلي إلى قيام علاقات حسنة بين الأقليتين.
ويقول شهوان إن «النزاع ليس مع اليهود بل مع قيام دولة إسرائيل».
وفي 2011 اعترفت تشيلي بفلسطين «دولة حرة وسيدة ومستقلة»، ولكن من دون أن تأتي على ذكر حدود هذه الدولة، وقد أثار هذا الاعتراف توترات في صفوف الجالية اليهودية.

* نبذة عن النادي
* نادي ديبورتيفو باليستينو هو أحد أشهر الأندية الرياضية للمحترفين في تشيلي وأميركا الجنوبية، ولقد تأسس يوم 20 أغسطس (آب) عام 1920 على أيدي المهاجرين الفلسطينيين إلى تشيلي.
لعب فريق كرة القدم التابع للنادي 53 موسما في الدوري التشيلي الممتاز، وانتزع لقب البطولة مرتين عامي 1955 و1978، واحتل المرتبة الثانية أربع مرات أعوام 1953 و1974 و1986 و2008. كذلك فاز باليستينو بكأس تشيلي عامي 1975 و1977، وكان من أشهر نجومه العالميين إلياس فيغويروا، الذي لعب 118 مباراة بين 1977 و1980، وكان قد لعب وتألق قبلا مع ناديي بنيارول (الأوروغواي) وإنترناسيونال (البرازيل) كما لعب 47 مباراة مع منتخب تشيلي وشارك معه في ثلاثة نهائيات لكأس العالم أعوام 1966 و1974 و1982، واختير أفضل لاعب في أميركا الجنوبية.
وتأسس النادي قبل تأسيس الاتحاد التشيلي لكرة القدم. عندما أسس الاتحاد عام 1952 ونظم أول مرة بطولة للمحترفين دخل فريق النادي مصاف الدرجة الثانية وسرعان ما انتزع لقب البطولة فترقى إلى الدوري الممتاز وفاز ببطولته عام 1955.
وعرف بتلك الفترة بقلب «المليونيرية» لقدرته على اجتذاب أفضل اللاعبين. ولكن بعد فترة من الهدوء قاده النجم العالمي فيغويروا إلى لقب بطولة الدوري للمرة الثانية عام 1978 بعدما كان قد انتزع كأس تشيلي في الموسم السابق.
يلعب الفريق مبارياته المحلية في الملعب البلدي بحي لا سيستيرنا في العاصمة التشيلية سانتياغو. أما ألوان النادي فهي ألوان العلم الفلسطيني بقمصان مخططة بالأحمر والأبيض والأخضر مع السراويل السوداء.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».