محاولة لدمج الواقع الافتراضي بعروض مسرحيات شكسبير

في إطار شراكة مع «ماجيك ليب»

دشّنت شركة «رويال شكسبير» أحدث مشروعاتها، وهو إعادة تقديم لخطاب «سبعة أعمار للإنسان» من مسرحية «كما تشاء» للشاعر الإنجليزي المشهور
دشّنت شركة «رويال شكسبير» أحدث مشروعاتها، وهو إعادة تقديم لخطاب «سبعة أعمار للإنسان» من مسرحية «كما تشاء» للشاعر الإنجليزي المشهور
TT

محاولة لدمج الواقع الافتراضي بعروض مسرحيات شكسبير

دشّنت شركة «رويال شكسبير» أحدث مشروعاتها، وهو إعادة تقديم لخطاب «سبعة أعمار للإنسان» من مسرحية «كما تشاء» للشاعر الإنجليزي المشهور
دشّنت شركة «رويال شكسبير» أحدث مشروعاتها، وهو إعادة تقديم لخطاب «سبعة أعمار للإنسان» من مسرحية «كما تشاء» للشاعر الإنجليزي المشهور

تتولى سارة إيليس في شركة «رويال شكسبير» في ستراتفورد، مهمة صعبة، وهي اكتشاف كيفية ملائمة مسرح القرن السادس عشر للقرن الواحد والعشرين. وتمثل إيليس، بصفتها مديرة التطوير الرّقمي، وهو مسمّى وظيفي ربما يبدو غير ملائم في صناعة يحكمها أداء البشر المباشر، تغيراً حديثاً في عالم الشركة. إنّها تعمل على دمج تكنولوجيا افتراضية جديدة مع عمل كاتب مسرحي تفصلنا عنه قرون.
دشّنت شركة «رويال شكسبير» خلال الرّبيع الحالي أحدث مشروعاتها، التي تمت في إطار شراكة مع شركة «ماجيك ليب» للتكنولوجيا، وهو إعادة تقديم لخطاب «سبعة أعمار للإنسان» لشكسبير من مسرحيته «كما تشاء»، وهو مناجاة للنفس، وكانت عبارة «ما الدنيا إلا مسرح كبير» هي أشهر جزء فيها، وتوجز تلك العبارة مقاصد الشّركة من هذا المشروع. وتشير الشركة إلى المشروع باسم «مسرح سطح الطّاولة» وهو تقديم أعمال صغيرة جداً يمكن تمثيلها على أي سطح.
تقول إيليس: «لقد أردنا البدء بمشهد من أعمال شكسبير، واستخدامه كعبارة بيانية توضح الاتجاه نحو طموح أكبر في هذا المجال، إنّه التنوع». وتضيف قائلة: «إنها نقطة البداية بالنسبة لنا لاستكشاف كيفية تقديم مسرح باستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة التي نجدها في الألعاب وغيرها من المجالات، مثل التقاط الصور المتحركة، والتصوير المساحي، والالتقاط الحجمي».
تبدأ مناجاة الذّات بعد وضع سماعة الواقع المعزز «ماجيك ليب وان» لتراها على منصة صغيرة في حجم قاعدة تمثال أمامك. أدّى هذه المناجاة، ومدتها 3 دقائق، ممثل مسرحيات شكسبير روبرت غيلبرت، وعُدّلت لتناسب ذلك الوسيط ذي الحجم الصغير، بحيث تكون لها قوة تأثير العرض الحي. تم تسجيل أداء غيلبرت في البداية باستخدام تقنية الالتقاط الحجمي، وهي عملية تتضمّن العمل على مقطع مصور لإخراج مساحة رقمية ثلاثية الأبعاد منه، ما يتيح ترجمة الأداء الحي على خشبة المسرح إلى واقع معزّز يمكن تقديمه في أي مكان. توجد وراء الممثل شجرة ضخمة، يتقدّم عمرها مع استمرار العرض؛ حيث تتحوّل من اللون الأخضر، الذي نراه في الربيع، إلى اللون الأحمر الذي نراه في الخريف. وتبدأ الأوراق بالتساقط من الفروع، ما يجعل الشّجرة عارية مع وصول المناجاة إلى نهايتها.
وتوضح إيليس: «لطالما كانت هناك علاقة بين المسرح والتكنولوجيا. لذا فإنّ هذه التكنولوجيا تضيف إلى ما لدينا من أدوات للمسرح، وتوسع نطاق خيارات الأداء من خلال ما نمتلكه من أدوات اليوم. لطالما كانت تجربة الحكي والقصّ تتم باستخدام أفضل وسائل التكنولوجيا المتاحة وهو الممثل الحي. المهم بالنسبة إلينا هو كيف تساعدنا الوسائل التكنولوجية الجديدة في تعزيز ذلك الأداء، وتطوير تجربة الحكي ورواية القصص، وتقديم خيارات جديدة أمام المخرجين والمصممين، وتمكيننا من تشكيل وتنقيح وإعادة تعريف التجارب لجمهورنا». وتابعت: «ما وجدناه في الواقع المختلط هو قدرته على تقديم تجربة متشاركة مع وجود عالم رقمي متاح لنا من خلال التكنولوجيا. كذلك يتيح لنا ذلك التفكير في العالم الحقيقي والعالم الرّقمي بشكل متزامن، وجمعهما معاً. لقد وجدنا أنّ الجمهور يركّز على الأداء، لكنّهم ينظر بعضهم إلى بعض من خلال تلك الوسيلة، ويستمتعون بهذه التجربة الجماعية القائمة على التواصل».
وبدأت شركة «رويال شكسبير» استكشاف هذه المساحة بالتعاون مع «إنتل» لإنتاج مسرحية «العاصفة» لعام 2017، التي تضمنت أداء كاملاً بتقنية الاستشعار لالتقاط الحركة، يقدمه آريل الخادم من الجن في المسرحية. بعد ذلك بعامين يصبح الترفيه باستخدام الواقع المختلط أكثر انتشاراً مع تزايد انتشار التكنولوجيا.
وتستطرد إيليس: «شهدنا خلال العقود الماضية صناعات لحكي القصص تسعى وراء الغاية نفسها من دون تشارك المعلومات»، متحدثة عن مجالات الإبداع مثل السينما والتلفزيون والمسرح والموسيقى والإنترنت. وتضيف: «يعبر الجمهور بمرور الوقت تلك الحواجز، ويحدّد معاييرها الخاصة بالمحتوى مع دخول قنوات رواية القصص الخاصة بهم، مثل موقع (يوتيوب)، ومواقع التواصل الاجتماعي، والمنصّات المتوفرة على الإنترنت مثل (نتفليكس) و(أي بلاير)، لمجال الترفيه بأحدث أداء للمارشميلو. هذه هي المساحات التي يجتمع من خلالها الجمهور، وهذه هي الطريقة التي نوظّف المسرح من خلالها».
يتصور غريغ رينالدي، مدير بارز لعلاقات التطوير والإبداع في «ماجيك ليب» مستقبلاً يتم الاستمتاع فيه بجميع أشكال الترفيه من خلال الواقع المختلط؛ حيث لا توجد شاشات أو وسائل تحكم أو وسيط سوى السماعة. ويوضح قائلاً: «أنا من أشد محبي الخيال العلمي. أعتقد أنّ هذا هو سبب عملي في الشّركة».
الجدير بالذكر أنّ رينالدي كان يعمل في مجال ألعاب الفيديو في «إلكترونيك أرتس» قبل عمله في شركة «ماجيك ليب»، وكان يبتكر ألعاباً يشارك فيها عدة أفراد، ويقدم عوالم هائلة عبر الإنترنت ليشارك فيها آلاف اللاعبين. مع ذلك بعد 15 عاماً من العمل في مجال تسيطر عليه أدوات التحكم والشّاشات، يرى حالياً أنّها معوقات في مجال الترفيه الافتراضي. كذلك يقول: «يعيش أكثرنا التجارب في العالم من خلال التحديق في الهواتف المحمولة، وأنا لا أريد أن أفعل ذلك خلال العشرين سنة المقبلة. لا يجب أن تكون تلك هي طريقة تفاعلي مع العالم الرّقمي. نأمل أن تتطوّر التكنولوجيا، بحيث تصبح أصغر وأقوى، وبحيث يصبح من الطبيعي ارتداء نظارة للتّفاعل مع ابتكار وسيط مرئي جديد. ما نحاول التوصل إليه هنا هو كيفية جعل التفاعل يسير بشكل طبيعي من دون مشقة في التعلم».
وينبغي القول إنّ الواقع المختلط ليس مثل الواقع الافتراضي تماماً؛ حيث توجد فروق واختلافات فنية بين الاثنين. على عكس الواقع الافتراضي، الذي يوظف الصّور الرّقمية ثلاثية الأبعاد لتكوين عوالمه الافتراضية، تسيطر «ماجيك ليب وان» على «حقول الضوء الرقمية»، وهي طريقة تقدم لمرتدي السّماعة إشارات وأصواتاً مماثلة لتلك الصّادرة عن أشياء في العالم الحقيقي. مع ذلك ربما يكون الفارق الأهم ذا طابع فلسفي؛ حيث يلّفك الواقع الافتراضي ويدخلك إليه. يقول غريغ رينالدي، رئيس «ماجيك ليب»: «أعتقد أنّ الواقع الافتراضي تكنولوجيا مذهلة، لكنّه مختلف كثيراً، فهو يقوم على الهروب. يمكنك تكوين عوالم ثرية حقاً في العالم الافتراضي. ويمكنك تكوين المساحة في العالم الافتراضي؛ حيث تمتلك القدرة الكاملة على خلق هذا العالم الآخر. على الجانب الآخر في الواقع المختلط عليك احترام المساحة التي توجد بها، وعليك فهم كيفية تفاعل المحتوى الرقمي مع المساحة، وتفاعل المشاهدين مع تلك المساحة». وأضاف قائلاً: «أعتقد أنّ سبب تحمّسنا للواقع المختلط هو عدم اضطرار المرء إلى إبعاد البشر عنه. مع ذلك لا أعتبرهما وسيلتين متنافستين، بل فقط مجرد وسيطي معايشة مختلفين، مثل الفيلم والإذاعة».
وتقول إيليس: «ستعتمد الحكي ورواية القصص خلال العشرة أو العشرين عاماً المقبلة على أحداث اليوم، وسوف تظل مسرحيات شكسبير جزءاً أصيلاً من خطاب المجتمع اليوم». وتضيف: «خلال الأعوام العشرة المقبلة، سنتفاعل كصناعات وقطاعات وأنواع مع الجمهور ومع مساحات تجمعه الجديدة. كذلك سنرى التقاء تلك المنصات، وسيكون مستقبل الترفيه أكثر انفتاحاً، أو ستقل هيمنة المنصة أو التجربة الواحدة عليه».
أعلنت شركة «رويال شكسبير كومباني» في يناير (كانون الثاني) عن برنامج «جمهور المستقبل» الذي يستكشف مستقبل الأداء الحي المباشر، بالتعاون مع «مارشملو ليزر فيست» و«ماجيك ليب» و«إنتل» و«إيبيك غيمز» وغيرها. وسيكون مجال استكشافها المقبل هو المسرح والحاسوب المكاني مع توفير 6 منح زمالة لدى جامعة «بورتسموث»، وجامعة «غولدسميثز» و«آي تو ميديا ريسيرش».
وتوضح إيليس: «أعتقد أنّ إمكانات جهاز (ماجيك ليب) المتعلّقة بتقديم المسرح كثيرة، ونحن نستكشف تلك الطّرق حالياً. يمنحنا العمل على ذلك بشكل جماعي فرصة لتصوّر شكل إنتاج أو أداء مستقبلي ما، مع التفكير في الطّرق الكثيرة التي يطلّع الجمهور من خلالها على المحتوى ورواية القصص. كيف يمكن للمسرح أن يوجد في تلك المساحات، وكذلك كيف يمكنه أن يوظّف بعضاً من تلك الابتكارات في هذه المجالات».

- خدمة «كوارتز ميديا»


مقالات ذات صلة

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

تكنولوجيا تيم كوك في صورة جماعية مع طالبات أكاديمية «أبل» في العاصمة السعودية الرياض (الشرق الأوسط)

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

نصح تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة «أبل»، مطوري التطبيقات في المنطقة باحتضان العملية بدلاً من التركيز على النتائج.

مساعد الزياني (دبي)
تكنولوجيا خوارزمية «تيك توك» تُحدث ثورة في تجربة المستخدم مقدمة محتوى مخصصاً بدقة عالية بفضل الذكاء الاصطناعي (أ.ف.ب)

خوارزمية «تيك توك» سر نجاح التطبيق وتحدياته المستقبلية

بينما تواجه «تيك توك» (TikTok) معركة قانونية مع الحكومة الأميركية، يظل العنصر الأبرز الذي ساهم في نجاح التطبيق عالمياً هو خوارزميته العبقرية. هذه الخوارزمية…

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
خاص تم تحسين هذه النماذج لمحاكاة سيناريوهات المناخ مثل توقع مسارات الأعاصير مما يسهم في تعزيز الاستعداد للكوارث (شاترستوك)

خاص «آي بي إم» و«ناسا» تسخّران نماذج الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات المناخية

«الشرق الأوسط» تزور مختبرات أبحاث «IBM» في زيوريخ وتطلع على أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي لفهم ديناميكيات المناخ والتنبؤ به.

نسيم رمضان (زيوريخ)
خاص يمثل تحول الترميز الطبي في السعودية خطوة حاسمة نحو تحسين كفاءة النظام الصحي ودقته (شاترستوك)

خاص ما دور «الترميز الطبي» في تحقيق «رؤية 2030» لنظام صحي مستدام؟

من معالجة اللغة الطبيعية إلى التطبيب عن بُعد، يشكل «الترميز الطبي» عامل تغيير مهماً نحو قطاع طبي متطور ومستدام في السعودية.

نسيم رمضان (لندن)
خاص من خلال الاستثمارات الاستراتيجية والشراكات وتطوير البنية التحتية ترسم السعودية مساراً نحو أن تصبح قائداً عالمياً في التكنولوجيا (شاترستوك)

خاص كيف يحقق «الاستقلال في الذكاء الاصطناعي» رؤية السعودية للمستقبل؟

يُعد «استقلال الذكاء الاصطناعي» ركيزة أساسية في استراتيجية المملكة مستفيدة من قوتها الاقتصادية والمبادرات المستقبلية لتوطين إنتاج رقائق الذكاء الاصطناعي.

نسيم رمضان (لندن)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».