لماذا قضى باحث آثار هولندي 40 يوماً في صحراء سقارة؟

غلاف لعلبة «سجائر كليوباترا» التي اكتشفت في محيط سقارة (الشرق الأوسط)
غلاف لعلبة «سجائر كليوباترا» التي اكتشفت في محيط سقارة (الشرق الأوسط)
TT

لماذا قضى باحث آثار هولندي 40 يوماً في صحراء سقارة؟

غلاف لعلبة «سجائر كليوباترا» التي اكتشفت في محيط سقارة (الشرق الأوسط)
غلاف لعلبة «سجائر كليوباترا» التي اكتشفت في محيط سقارة (الشرق الأوسط)

أربعون يوماً قضاها الباحث الهولندي دانيال سليمان بين أروقة سقارة، المنطقة التي لا تزال غنية بالاكتشافات الأثرية، وهو أحد أفراد بعثة أجنبية تحلم باكتشاف المزيد، وبمساعدة أيادٍ مصرية.
انتهى عمل البعثة ومعها عمل دانيال، أمس (الثلاثاء)... تحدثت معه «الشرق الأوسط» عن العمل في موقع أثري مصري.
لا يخفى دانيال، المولود لأب مصري، شعوره بالإعجاب بالآثار المصرية القديمة، وهو إعجاب بدأ منذ الصغر، عندما كان في التاسعة من عمره، لا يزال يتذكر زيارته بصحبة والده للمتحف المصري، وتعلقه بالآثار الفرعونية، وشغفه بمقتنيات توت عنخ أمون، ويتحدث عنها كأن الزيارة كانت من وقت قريب.
مرّت السنوات، وكان دانيال يدرس علوم المصريات في هولندا، حتى وصل الباحث (33 عاماً) إلى أن يكون باحثاً في علم المصريات في هولندا بجامعة ليدن، ودرس من قبل مكتشفات من موقع «دير المدينة»، الذي يقع بالقرب من المقابر الملكية في وادي الملوك بمحافظة الأقصر، التي توجد في عدد من متاحف العالم، بالإضافة إلى المتحف المصري، حتى كان اللقاء الأول على أرض مصر في رحاب سقارة منذ مارس (آذار) الماضي.
وسقارة منطقة أثرية مصرية تقع في محافظة الجيزة (غرب القاهرة)، أبرز آثارها لا تزال غنية بالاكتشافات الأثرية، وفيها تم اكتشاف مدافن ممفيس، التي كانت مقبرة مهمة طوال الفترة الفرعونية وما بعدها. فقد تم استخدام المقبرة لأول ملوك مصر، كما تم بناء أول مبنى في العالم مصنوع من الحجر، هرم زوسر، وحتى العصر الروماني.
يحكي دانيال لـ«الشرق الأوسط» كيف كان يبدأ يومه في سقارة، من السادسة صباحا وحتى الثالثة عصراً؛ يبدأ مع زملائه جولة سيراً على الأقدام في محيط سقارة، ويمكن للفريق أن يرى أهرامات الجيزة من الموقع.
يقول الباحث، في حوار أُجري عبر الإنترنت لـ«الشرق الأوسط»: «زرتُ موقع سقارة لأول مرة عندما كان عمري نحو 12 عاماً، وقد تأثرتُ جداً بجميع المقابر القديمة، وفي عام 2008، انضممتُ إلى البعثة الهولندية للبحث في الحفريات في سقارة لأول مرة كطالب في علم المصريات. لقد أصبح الحلم حقيقة، وتعلمت الكثير عن علم الآثار وعن تاريخ سقارة».
يتذكر دانيال: «كنتُ مفتوناً بما رأيتُه في الصغر من آثار مصرية، منذ تلك اللحظة أردت معرفة كل شيء عن التاريخ المصري القديم وعن الآلهة، ثم تطور اهتمامي إلى الهيروغليفية، ثم بدأت بالقراءة عن التاريخ والثقافة واللغة المصرية». وحصل دانيال على الدكتوراه بين عامي 2012 و2015، وركزت أبحاثه على المصريات.
وعن أعمال التنقيب، يقول الباحث إنها كانت تتم بعناية عبر الرمال، للتأكد من عدم فقدان أي معلومات مثيرة للاهتمام، وأظهر البحث أن الطبقات الأولى من الرمال قد تحتوي على اكتشافات بارزة، ومن ضمن الاكتشافات ورقة سجائر «كليوباترا» منذ الثمانينات في المنطقة، التي وضعها دانيال عبر حسابه على «تويتر»، لينال تعليقات بين الدهشة والإعجاب من مصريين وأجانب.
وتابع دانيال: «أعترف أننا ضحكنا قليلاً عندما اكتشفنا ورقة علبة السجائر القديمة، ولكن في الوقت نفسه، أدركنا أن (كليوباترا) هي علامة تجارية مصرية مشهورة جداً من السجائر. علاوةً على كونها إشارة للدور الذي تلعبه طبقات مختلفة في المجتمع المصري الحديث، فاكتشاف علبة (سجائر كليوباترا) في مقبرة سقارة يُعد أمراً مميزاً لأنه يدل على العلاقة القائمة بين الثقافات التي تفصل بينها آلاف السنين».
يقول دانيال: «أنا مهتم شخصياً بالدور الذي تلعبه مصر القديمة في المجتمع المصري الحديث. هناك العديد من الطرق التي يشير بها المصريون إلى ماضيهم الغني... أحب بنية المحكمة العليا على الكورنيش، وهي مستوحاة من الهندسة المعمارية الفرعونية، أو قصة نجيب محفوظ حول معركة طيبة، لكني أحب أيضاً أن يُسمى فريق كرة القدم الوطني (الفراعنة)».
ويسمح «تويتر» لدانيال بأن يشارك بعضاً من يومياته خلال البحث عن الاكتشافات، لكنه لم يكن يتوقع أن ينال التفاعل من مصريين، خصوصاً أنه يغرِّد باللغة الإنجليزية، فيقول: «يسمح لي (تويتر) بالتواصل مع العالم، ونالت تغريدة (صورة كليوباترا) إعجاباً من عدد كبير من المصريين، لأنهم بالطبع تعرفوا على المنتج، واستقبلتُ تعليقات مضحكة منهم، لكن الأجمل أن كثيراً منهم كان متحمساً لمعرفة طبيعة عملي في سقارة، ومتحمساً للاطلاع على باقي الاكتشافات».
ونشر الباحث صوراً لاكتشافات أخرى، منها قطعة خشب تشبه البازل (الأحجيات) القديمة، أو جزءاً من عملة نقود قديمة، كما ينقل صوراً لزملاء له وأدوات العمل داخل الموقع.
يؤكد الباحث أن سقارة لديها المزيد من الأسرار، فيتابع دانيال: «إنه لأمر مدهش للغاية الاعتقاد بأن سقارة كانت موقعاً مهماً لأكثر من 2000 عام متواصل في تاريخ مصر القديم... سقارة لا تزال لديها الكثير من الكنوز المختبئة تحت الرمال تنتظر من ينقب عنها، وتضم مقابر من مختلف العصور المصرية».
وكانت مقابر سقارة تُستخدم من قبل عدد من كبار المسؤولين من الأسرة العشرين، ويكشف دانيال أن الأعمال الحفرية بسقارة تهدف بالأساس إلى فهم كيف ولماذا أنشأ الناس المقابر هناك، وكذلك كيفية استخدامها وإعادة استخدامها لاحقاً.
وتُعدّ البعثة تعاوناً بين المتحف الوطني للآثار في ليدن بهولندا، والمتحف المصري في تورينو (إيطاليا)، كما أن أعضاء البعثة أتوا من أماكن أخرى مختلفة، مثل بلجيكا وكندا والولايات المتحدة الأميركية، إضافة إلى العمل مع فريق من ميلانو لإنشاء نموذج ثلاثي الأبعاد متطور للحفريات، كما يعمل الفريق مع مجموعة من المتخصصين المصريين من الأثريين.
وفي نهاية يوم عمل البعثة، يتم ضمّ الاكتشافات اليومية إلى قاعدة بيانات رقمية خاصة، كما أنه ليس مصرحاً للفريق بأخذ أي اكتشاف معه للمنزل، وفقاً للباحث الهولندي، إضافة إلى رسومات لما يتم اكتشافه من حفريات.


مقالات ذات صلة

مصر تستعيد مجموعة قطع أثرية من آيرلندا

شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (يمين) يصافح رئيس الحكومة الآيرلندية سيمون هاريس خلال زيارة إلى دبلن (أ.ف.ب)

مصر تستعيد مجموعة قطع أثرية من آيرلندا

أعلنت وزارة الخارجية المصرية استعادة مجموعة من القطع الأثرية من آيرلندا، وذلك عقب الزيارة التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى العاصمة الآيرلندية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي رئيس الوزراء المصري يستعرض إجراءات تخطيط المنطقة المحيطة بالأهرامات والمتحف المصري الكبير

رئيس الوزراء المصري يستعرض إجراءات تخطيط المنطقة المحيطة بالأهرامات والمتحف المصري الكبير

عقد الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء المصري اجتماعاً، الأحد، لاستعراض إجراءات الطرح العالمي لتخطيط المنطقة المحيطة بالأهرامات والمتحف المصري الكبير.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق إناء شرب على شكل رأس بيس من واحة الفيوم في مصر يعود إلى العصر البطلمي - الروماني (القرن الرابع قبل الميلاد - القرن الثالث الميلادي)... (جامعة جنوب فلوريدا)

كوكتيلات مخدرة وطقوس سحرية: كشف أسرار أكواب المصريين القدماء

كشف الباحثون عن استخدام أكواب خاصة لتقديم مزيج من العقاقير المخدرة، والسوائل الجسدية، والكحول.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق مشهد من جامع بيبرس الخياط الأثري في القاهرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

بعد 5 قرون على إنشائه... تسجيل جامع بيبرس الخياط القاهري بقوائم الآثار الإسلامية

بعد مرور نحو 5 قرون على إنشائه، تحوَّل جامع بيبرس الخياط في القاهرة أثراً إسلامياً بموجب قرار وزاري أصدره وزير السياحة والآثار المصري شريف فتحي.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
يوميات الشرق كلب ضال أمام هرم خوفو في منطقة أهرامات الجيزة (أ.ف.ب)

بفضل «أبولو»... «كلاب الأهرامات» تجذب السياح وتنشِّط المبيعات

مقطع مصور غير اعتيادي لكلب يتسلق الهرم يجذب الزوار والسائحين.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

معرض «الذهب والمجوهرات» المصري يستلهم الفنون الفرعونية

خبراء يعتقدون أن المصريين القدماء عرفوا الحلي منذ عصر ما قبل التاريخ (الشرق الأوسط)
خبراء يعتقدون أن المصريين القدماء عرفوا الحلي منذ عصر ما قبل التاريخ (الشرق الأوسط)
TT

معرض «الذهب والمجوهرات» المصري يستلهم الفنون الفرعونية

خبراء يعتقدون أن المصريين القدماء عرفوا الحلي منذ عصر ما قبل التاريخ (الشرق الأوسط)
خبراء يعتقدون أن المصريين القدماء عرفوا الحلي منذ عصر ما قبل التاريخ (الشرق الأوسط)

افتتح وزير التموين والتجارة الداخلية المصري الدكتور شريف فاروق، الأحد، فعاليات معرض «نبيو» للذهب والمجوهرات 2024، بالعاصمة المصرية القاهرة، الذي «يعد أكبر حدث سنوي في صناعة الذهب والمجوهرات بمصر، ويعكس تميز القاهرة في هذا المجال على المستويين الإقليمي والدولي»، بحسب بيان صحافي للوزارة.

ويستمر معرض «نبيو»، الذي يقام بقاعة المعارض الدولية بالقاهرة، حتى الثلاثاء المقبل، بمشاركة 80 عارضاً محلياً ودولياً، من بينهم 49 علامة تجارية مصرية، و31 عارضاً دولياً، بالإضافة إلى جناحين مخصصين لكل من تركيا وإيطاليا للمرة الأولى، بهدف «تعزيز البعد الدولي».

جانب من افتتاح المعرض (مجلس الوزراء المصري)

وتتضمن فعاليات «نبيو» معرضاً فنياً بعنوان «المجوهرات كانعكاس للهوية المصرية عبر التاريخ - الحقبة الفرعونية». وقال وزير التموين المصري، خلال الافتتاح، إن «المعرض يعكس الإرث الحضاري العريق لمصر في مجال الذهب والمجوهرات، ويمثل فرصة حقيقية لتعزيز الصناعات الوطنية وزيادة تنافسيتها في الأسواق العالمية».

وقال مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، الدكتور حسين عبد البصير: «الحلي والمجوهرات في مصر القديمة لم تكن مجرد زينة تجميلية، بل هي لغة معقدة مليئة بالرموز تعبر عن المكانة الاجتماعية، الروحانية، والصلات العميقة بالطبيعة والإلهية».

قطعة حلي فرعونية بالمتحف القومي للحضارة المصرية (الشرق الأوسط)

وأضاف عبد البصير لـ«الشرق الأوسط»: «المصريون القدماء استطاعوا بفضل مهارتهم الفنية وابتكارهم، صنع مجوهرات تحمل معاني وقيماً تفوق بكثير وظيفتها الجمالية»، مشيراً إلى أنهم «استخدموا الذهب في صناعة الحلي باعتباره رمزاً للخلود والنقاء، كما استخدموا أيضاً الفضة والنحاس وأحياناً البرونز، وزينوا المجوهرات بأحجار كريمة وشبه كريمة مثل اللازورد، والفيروز، والجمشت، والكارنيليان، والعقيق، والزجاج الملون».

ولفت عبد البصير إلى أن «المجوهرات كانت مؤشراً على الثراء والنفوذ، حيث اقتصر استخدام الذهب والأحجار الكريمة على الطبقة الحاكمة والنبلاء، بينما استخدمت الطبقات الأقل المواد البديلة مثل الزجاج».

وأشار إلى أن «هناك مجوهرات صنعت خصيصاً للموتى وكانت توضع بين الأثاث الجنائزي»، ضارباً المثل بالحلي التي اكتشفت في مقبرة الفرعون الذهبي «توت عنخ آمون».

وأردف: «كانت المجوهرات جزءاً لا يتجزأ من حياة المصري القديم، حيث تعكس فلسفته وتصوره عن العالم، كما كانت رمزاً لفنون ذلك العصر».

المصريون القدماء أبدوا اهتماماً لافتاً بالحلي (الشرق الأوسط)

ويشير الخبراء إلى أن المصريين القدماء عرفوا الحلي منذ عصر ما قبل التاريخ، وكانوا يرتدونها للزينة ولأغراض دينية أيضاً، حيث كانت تستخدم مثل تميمة لحماية جسد المتوفى.

ويستضيف معرض «نبيو» أيضاً 166 مشاركاً من 19 دولة لـ«تعزيز التعاون التجاري وزيادة الصادرات»، إضافة إلى مسابقة لتصميم المجوهرات بمشاركة 13 دولة. وقال وزير التموين المصري إن «المعرض يجسد التعاون المثمر بين الدولة والقطاع الخاص، ويعكس رؤية القاهرة لأن تكون مركزاً عالمياً لصناعة الذهب والمجوهرات».