«البردي»... مهنة احترفتها المرأة في زمن الفراعنة

نساؤهم استخدمن أسنانهن في تقشير أعواده حتى تآكلت

تقشير ورق البردي كان يؤدي إلى تآكل أسنان المصريين القدماء (وزارة الآثار المصرية)
تقشير ورق البردي كان يؤدي إلى تآكل أسنان المصريين القدماء (وزارة الآثار المصرية)
TT

«البردي»... مهنة احترفتها المرأة في زمن الفراعنة

تقشير ورق البردي كان يؤدي إلى تآكل أسنان المصريين القدماء (وزارة الآثار المصرية)
تقشير ورق البردي كان يؤدي إلى تآكل أسنان المصريين القدماء (وزارة الآثار المصرية)

باستخدام خيط مقوى، طرفه مثبت في أحد الجدران، تمسك النساء العاملات في مهنة تصنيع أوراق البردي بإحدى قرى محافظة الشرقية بمصر، وهي قرية «القراموص»، بالطرف الآخر لتقشير أعواد البردي تمهيداً لاستخدامها في تصنيع أوراق البردي.
يعد هذا النشاط المهنة التي تعمل بها أغلب نساء القرية التي تعتمد اقتصاديتها على تصنيع أوراق البردي. ويبدو أن نساء الفراعنة كانوا يعملون في تلك المهنة أيضاً، ولكن بشكل مختلف، حيث أثبتت دراسة لجامعة «ألبرتا» الكندية أن عملية تقشير أعواد البردي كانت تستخدم فيها الأسنان.
ووفق لوحات المقابر والنصوص المسترجعة، يؤكد علماء الآثار أنه لم تكن هناك سوى سبع مهن مفتوحة للنساء في تاريخ الثقافة المصرية القديمة، حيث كن يعملن كاهنات في معابد مخصصة للآلهة (للنساء ذوات المكانة الرفيعة والتواصل الجيد)، أو مغنيات وموسيقيات وراقصات (للنساء ذوات المواهب والمهارات)، أو مشيعات، أو في نسج قماش في ورش العمل الأرستقراطية، أو قابلات، ولكن هذه المهن لا تحدث أضراراً في الأسنان، كتلك التي رصدتها الدراسة المنشورة في فبراير (شباط) الماضي بدورية «Bioarchaeology of Marginalized People «والتي تناولت أسنان سيدة فرعونية عاشت قبل أكثر من 4 آلاف سنة. وعثر على بقايا هذه المرأة خلال عمليات تنقيب في سبعينات القرن الماضي، في مقبرة في منديس (تل الربع)، التي كانت ذات يوم عاصمة مصر القديمة، وعاشت في فترة 2181 - 2055 قبل الميلاد تقريباً، وتوفيت بعد سن الخمسين.
وكشفت الدراسة عن وجود نمطين من التآكل في 16 سناً من بين أسنانها الـ24. حيث كان لدى قواطعها الفكية المركزية أنماط تآكل شديدة في شكل إسفين، وحملت 14 من الأسنان تآكلاً مسطحاً.
وذهبت إلى أن هذين النمطين من التآكل لم ينتجا بسبب الأكل، بل كانت المرأة تستخدم أسنانها لشيء آخر، وأشارت التحاليل المكثفة إلى أنها ربما تكون استخدمتها في حرفة تشريح أعواد البردي.
ورجحت الدراسة هذا الخيار بعد أن قامت بمقارنة التآكل الذي أخذ شكل الإسفين، مع التآكل الذي شوهد في الأسنان بثقافات أخرى حول العالم، حيث يقوم الحرفيون بتشريح المواد النباتية مثل القصب باستخدام أسنانهم، ولم يجدوا من نبات شبيه يمكن أن يتم تشريحه سوى البردي، لأنه كان المصدر الأساس للورق، كما كان يستخدم في صنع صناديق تخزين البضائع ونقلها، وصنع الصنادل والستائر وحصر الأرضيات. وأشارت الدراسة إلى أنه من شأن تشريح القشرة الخارجية لساق البردي باستخدام الأسنان التسبب في حدوث سحجات، ويؤدي السيليكا الموجود في النبات إلى التأثير على مينا الأسنان ويسرع بتآكلها لتظهر الأسنان الأمامية في هذا الشكل غير العادي الذي ظهرت عليه عند هذه المرأة.
واستخدام الأسنان في الكشف عن طبيعة المهن والممارسات الغذائية السائدة في مصر الفرعونية ليس مجالاً مستحدثاً، وسبق واستخدمها باحث مصري في الكشف عن مهنة سببت تآكل في أسنان الرجال، وهي مهنة صناعة السلال.
وخلال دراسة أخرى، قام بها الباحث د.تامر جاد من قسم الأنثربولوجيا بمعهد البحوث والدراسات الأفريقية، بالتعاون مع البعثة الكندية العاملة في منطقة صحراء مصر الغربية، وعرضت في نهاية عام 2017 في مؤتمر علم آثار صحراء مصر الغربية، الذي نظمته البعثة في دولة بولندا، رصد الباحث 8 أمراض للأسنان وجدت في عينة حجمها 198 جمجمة عاش أصحابها في منطقة الواحات الداخلة خلال العصر المتأخر من تاريخ مصر (الفترة من الأسرة 21 وحتى 27) أي (من عام 1070 وحتى 404 قبل الميلاد) ولم يكن هذا المجتمع مهتماً بتصنيع أوراق البردي، لذلك أرجع الباحث تآكل الأسنان الذي وجد في 87.87 في المائة، من العينات إلى مهنة صناعة السلال. وقال الباحث في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «رجحت أن مهنة صناعة السلال في تلك المنطقة تركت أثراً سلبياً على الأسنان، لطبيعة المجتمع الذي وجدت فيه البقايا البشرية، وهو مجتمع صحراوي كان مهتماً بهذه الصناعة التي تستخدم الأسنان لتقشير الخوص بعد جفافه، واستطعنا اكتشاف ذلك من دراسة لأشكال التآكل، حيث رصدنا في أكثر من جمجمة حدوث تآكل مائل باتجاه المنطقة من الفم التي يستخدمها الشخص في التقشير سواء كانت يميناً أو يساراً».


مقالات ذات صلة

تفاصيل جديدة عن حياة وموت «المومياء الصارخة» في مصر

يوميات الشرق وجه «مومياء المرأة الصارخة» التي اكتشفت عام 1935 في الدير البحري بالقرب من الأقصر ويرجع تاريخها لنحو 1500 قبل الميلاد خلال فترة المملكة الحديثة في مصر القديمة تظهر بالمتحف المصري في القاهرة - 18 يناير 2023 (رويترز)

تفاصيل جديدة عن حياة وموت «المومياء الصارخة» في مصر

رجّح علماء آثار أن مومياء امرأة مصرية دُفنت منذ نحو 3500 عام، وتبدو على وجهها علامات صراخ، «ماتت وهي تتألّم».

شادي عبد الساتر (بيروت)
يوميات الشرق كان شمع العسل والزيت النباتي وصمغ الأشجار من بين المكونات التي شكلت الرائحة منذ أكثر من 3500 عام (تويتر - باربرا هوبر)

إعادة إنتاج «رائحة الخلود» المستخدمة في التحنيط عند المصريين القدماء

تمكّن الباحثون من إعادة تركيب ما يصفونها بـ«رائحة الخلود»، التي كانت تعدّ في السابق مناسبة لسيدة نبيلة مصرية قديمة.

«الشرق الأوسط» (برلين)
يوميات الشرق نقوش على جدران إحدى المقابر الأثرية (وزارة السياحة والآثار)

اكتشاف «أكبر» ورشتي تحنيط آدمية وحيوانية في سقارة

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية الكشف عن ورشتي تحنيط آدمية وحيوانية، وصفتهما بأنهما «الأكبر» و«الأكثر اكتمالاً».

فتحية الدخاخني (القاهرة)
يوميات الشرق تفاؤل مصري بحجم الإقبال على «رمسيس وذهب الفراعنة» بباريس

تفاؤل مصري بحجم الإقبال على «رمسيس وذهب الفراعنة» بباريس

أبدى مسؤولون مصريون تفاؤلهم بحجم الإقبال على معرض «رمسيس وذهب الفراعنة» بالعاصمة الفرنسية باريس، الذي تم فتح أبوابه للجمهور بداية من الجمعة. وشهدت «صالة عرض لافيليت»، إقبالاً لافتاً من الجمهور في أولى ساعات فتح المعرض، ووفق الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام لـ«المجلس الأعلى للآثار»، فإنه تم حتى الآن بيع 165 ألف تذكرة لزيارة المعرض، وتوقع استقبال المعرض 10 آلاف زائر يومياً. وأضاف د.

عبد الفتاح فرج (القاهرة)
يوميات الشرق «رمسيس وذهب الفراعنة» يبدأ استقبال زائريه في باريس

«رمسيس وذهب الفراعنة» يبدأ استقبال زائريه في باريس

يبدأ معرض «رمسيس وذهب الفراعنة»، اليوم (الخميس)، استقبال زائريه لمدة 5 شهور، في قاعة «لافيليت الكبرى» بالعاصمة الفرنسية، باريس، في ثالث محطات جولاته الخارجية التي شملت مدينتي هيوستن وسان فرانسيسكو الأميركيتين. ويضم المعرض 181 قطعة أثرية ثمينة من كنوز الملك رمسيس الثاني، من بينها «التابوت الملكي»، الذي وافقت السلطات المصرية على نقله إلى فرنسا بشكل استثنائي، لعرضه ضمن المعرض، تقديراً لجهود العلماء الفرنسيين الذين أنقذوا مومياء رمسيس الثاني، وعالجوها من الفطريات بالأشعة السينية عام 1976. وبذلك تكون فرنسا الوحيدة التي تستقبل التابوت الملكي من جديد للمرة الثانية. واكتشف التابوت في خبيئة الدير البحر

عبد الفتاح فرج (القاهرة)

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.