«القاعدة» تتنامى إعلامياً على أنقاض «داعش»

الظواهري يحث أنصاره على وقف الاقتتال الداخلي

حمزة بن لادن تعده «القاعدة» لخلافة الظواهري
حمزة بن لادن تعده «القاعدة» لخلافة الظواهري
TT

«القاعدة» تتنامى إعلامياً على أنقاض «داعش»

حمزة بن لادن تعده «القاعدة» لخلافة الظواهري
حمزة بن لادن تعده «القاعدة» لخلافة الظواهري

يحاول تنظيم «القاعدة» الإرهابي تصدر المشهد الإعلامي على «أطلال» غريمه «داعش» الذي خسر الأرض والنفوذ في العراق وسوريا، ولاذت عناصره الأكثر شهرة بالفرار. لذا دشن منصة جديدة حملت اسم مجلة «أمة واحدة»، زاعماً أنها دورية تهتم بشؤون المسلمين. وتتولى إصدار المجلة مؤسسة «السحاب»، وقد جاءت افتتاحيتها بقلم زعيم التنظيم أيمن الظواهري الذي دعا عناصر التنظيم لنبذ الفرقة و«عدم الاقتتال الداخلي»، مسترشداً بكلمات مؤسس التنظيم أسامة بن لادن.

دراسة مطولة لدار الإفتاء في مصر قالت إن «المجلة تُعد منبراً لبث فتاوى التحريض ورسائل القتل»، لكنها كشفت «أزمة التناحر الداخلي الذي يعاني منه التنظيم، ومخاوف الظواهري من الإطاحة به». و«السحاب» هي أول مؤسسة إعلامية للتنظيم، وإدارتها كانت تحت قيادة الظواهري، ومن قبله بن لادن، ومهمتها الأساسية إنتاج أشرطة الفيديو المسجلة لقادة التنظيم وبثها، وقد أنتجت كثيراً من الفيديوهات التي ظهر فيها أشهر قادة التنظيم، وعلى رأسهم بن لادن، بالإضافة إلى بث فيديوهات القتال والخراب التي كان يقوم بها «القاعدة». وتأسست «السحاب» عام 1988، على يد بن لادن، بغرض الاحتفاء بعناصر التنظيم في أفغانستان، وكان الإنتاج الأول لها شريط تفجير المدمرة الأميركية «يو إس إس كول»، في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2000، ثم أنتجت فيديوهات تحدثت عن تدريب عناصر «القاعدة» في أفغانستان.

صراعات داخلية
أكدت الدراسة التي أعدها «مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة» أن «العدد الأول من (أمة واحدة) حرض على القتال، فهو - حسب زعم المجلة - من أكبر واجبات الوقت وفرائضه»، موضحة أن «إصدار المجلة يأتي أيضاً في ظل صراعات داخلية يشهدها التنظيم، في خضم توارد الأنباء عن محاولات لتنصيب حمزة بن لادن زعيماً للتنظيم، والإطاحة بالظواهري، وهو ما تحول إلى صراع في الميدان باليمن، حيث شهد التنظيم صراعاً دامياً بين الفصائل المتناحرة داخله، ولهذا استشهدت المجلة بمقولات ومقالات متنوعة للمؤسسين الأوائل للتنظيم، بن لادن وعبد الله عزام، وكبار منظري التنظيم، وذلك بغية التأكيد على أن التنظيم يسير على نهجهم، ولم يخرج عن المسار الذي رسمه بن لادن، وهي محاولة لدعوة أنصار التنظيم للسمع والطاعة».
وظهر حمزة بن لادن (27 عاماً) في مايو (أيار) عام 2017، بمقطع فيديو بثته مؤسسة «السحاب»، عد فيه أن «العمليات التي تستهدف الغرب من أعظم القربات». وفي 2008، ظهر شريط فيديو لحمزة يهاجم فيه بريطانيا والولايات المتحدة والدنمارك وفرنسا. وكان حمزة قد ظهر عام 2005 في أول مقطع مرئي له، ضمن قوة من مقاتلي «طالبان» استهدفت جنوداً باكستانيين في وزيرستان الجنوبية.
وقبل ذلك، في 2003، خرجت رسالة صوتية منسوبة إليه، يحض فيها أتباع التنظيم على «إعلان الجهاد».
وعن كون حمزة مؤهلاً لقيادة «القاعدة» مستقبلاً، لم يستبعد عمرو عبد المنعم، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، ذلك، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «قد يكون التنظيم يعد حمزة لخلافة الظواهري»، ودلل على ذلك بأن التنظيم لا يثق في أي قيادة من خارج «القاعدة»؛ لذلك يتم تصعيده من باب التوثيق، وبعض قيادات «القاعدة» تدفع بحمزة ليقول التنظيم إنه باقٍ.
وعن المجلة، قال الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي مصر، لـ«الشرق الأوسط» إن «غلاف المجلة عبارة عن صورة بسيطة صامتة، عليها خريطة العالم الإسلامي. وقد عبر الغلاف عن أبرز العناوين التي تحتويها، وحجم المجلة 43 ورقة، وبدأت بمقال افتتاحي للظواهري، بعنوان «مجاهدو الأمة يخوضون جهاد أمة»، تحدث فيه عن موقف التنظيم من الجهاد، وأهم قواعده، وضرورة تجديد فكر التنظيم، محذراً من خطورة الانقسامات والاقتتال الداخلي بالتنظيم. أما مقال أسرة التحرير، فقد جاء بعنوان «مجلة أمة واحدة... الوسائل والأهداف»، وتحدث عن أن «الهدف من المجلة هو التحريض على القتال، والحث على استمرار أعمال القتال».

تهديد خطير
يشار إلى أن «القاعدة» يمثل التهديد الأخطر على أمن واستقرار منطقة شمال وغرب أفريقيا، وسبق أن هدد فرع للتنظيم بشن هجمات على شركات غربية في شمال وغرب أفريقيا، ودعا إلى مقاطعتها.
وأكدت دراسة دار الإفتاء أن «توقيت إصدار المجلة يأتي في ظل سياق متشابك، حيث تراجع وانحسار تنظيم (داعش) وأذرعه الإعلامية، حيث لم تعد للتنظيم الإرهابي منابر إعلامية، كما كان عليه الوضع بعد 2014، وهو ما يحاول تنظيم (القاعدة) استغلاله، بإعادة شغل الفراغ الإعلامي الإرهابي، والاستحواذ على مساحة الضوء والتأثير، من خلال تنويع منصاته الإعلامية، وإصداراته المرئية والمسموعة والمقروءة، وهو ما يمكن ملاحظته خلال الشهور الستة الماضية، من تنامي نشاط إعلامي غير معتاد للتنظيم منذ أكثر من ست سنوات».
وقال نجم: «من موضوعات العدد الأول للمجلة التحريض ضد الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، في مقال بعنوان (الاقتصاد الأميركي نحو الهاوية)، كتبه محسن الرومي.
ومقال آخر تحدث عن ازدواجية معايير الغرب في التعامل بمنظومة حقوق الإنسان، كتبه أبو صلاح. كما أفردت المجلة بعض المقالات التحريضية ضد عدد من الدول العربية... وتضمن العدد تسجيلاً صوتياً لكلمة كان قد ألقاها قيادي التنظيم بالجزائر أبو يوسف العنابي في مطلع مارس (آذار) الماضي. وأفردت المجلة مساحة كبيرة لنقد (وثيقة الأخوة الإنسانية) التي وقعها شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب وبابا الفاتيكان فرنسيس الأول في فبراير (شباط) الماضي. واستشهدت المجلة أيضاً بعدد من المقالات التي تحث على القتال والاستمرار فيه، وعدم الاقتتال الداخلي، ومن أبرزها (رؤى مبشرة لأبي يحيى الليبي)، وهي مقالات تدعو لثبات التنظيم، وعدم الاقتتال الداخلي. كما تطرقت المجلة إلى قضايا المعتقلين من التنظيم في مختلف السجون، ودعت لمناصرتهم واتخاذهم قدوة في الصمود».

تضليل العقول
وقال مستشار مفتي مصر إنه «على خلاف بقية المجلات التي تصدر من التنظيمات الإرهابية، خلت المجلات من الأخبار المتعلقة بالعمليات التي ينفذها التنظيم وشبكاته، في حين استشهدت ببعض الأخبار التي تم توظيفها للتحريض ضد الدولة المصرية».
ولـ«القاعدة» عدد من الأذرع الإعلامية، من بينها مؤسسة «الفرقان»، وهي متخصصة في متابعة أخبار التنظيم بالعراق، ومؤسسة «الأندلس»، وكانت تقوم بإعداد إصدارات التنظيم، ومجلة «الصمود»، وهي تقوم بنشر أخبار حركة «طالبان»، ومجلات «صدى الملاحم» و«تركستان الإسلامية» و«الفلاح» و«إنسباير» و«بيتك» و«ابنة الإسلام».
وأكدت الدراسة في الصدد ذاته أن «القراءة الأولى للعدد الأول من المجلة تشير إلى عدة دلائل تؤكد نهج التنظيم العنيف خلال المرحلة القادمة، حيث إن التنظيم يسعى بشكل أساسي إلى إعادة تنظيم مساراته، بحيث يكتسب حاضنة شعبية، ولهذا يستمر التنظيم في رسم خطوطه العامة في التحريض على قتال العدو البعيد»، موضحة أن «التنظيم يسعى إلى تضليل العقول، والزعم بأن نشاطه الإرهابي والعنيف لا يستهدف سفك دماء المسلمين، ولا يخوض في أعراضهم».
واختتمت دار الإفتاء دراستها بـ«تأكيد أن هزيمة (داعش) لا تعني نهاية الإرهاب، بل إن (داعش) لم يكن سوى حلقة في سلسلة متصلة من الإرهاب العالمي، لذا لا بد من ضرورة إيجاد حلول فاعلة في تحجيم نشاط تنظيم (القاعدة) على مستوى الميدان في كثير من الساحات، سواء باليمن أو غرب ووسط أفريقيا»، مشددة على «ضرورة الاستفادة من حالة الاحتقان الداخلي التي يعيشها التنظيم، والتناحر على الزعامة»، وداعية إلى «ضرورة تنسيق الجهود الدولية والإقليمية لمكافحة الإرهاب الإعلامي للتنظيمات الإرهابية، وإيجاد حلول سريعة تمنع من نشر وتداول المواد الإعلامية لتلك الجماعات».
ومن جهته، أكد الدكتور محمود الصاوي، وكيل كلية الإعلام جامعة الأزهر، لـ«الشرق الأوسط» أن «الإصدارات التي تصدرها الجماعات الإرهابية المتشددة، مثل (القاعدة) وغيرها، تنبهنا إلى موضوع طالما أكدنا عليه، وهو جدلية العلاقة بين الإعلام والإرهاب، ولا شك أن ثمة علاقة قوية وحساسة ومعقدة بين الإرهاب وجماعاته المختلفة وبين الإعلام»، مضيفاً: «فمن جهة، تحرص وسائل الإعلام بطبيعة الحال على تغطية الحوادث الإرهابية كافة التي تفجع بها بلداننا ومجتمعاتنا، وتنشر الرعب وتثير الفزع وتبث الهلع، وتقتل الأبرياء المدنيين العزل في بلادنا العربية والإسلامية. وفي المقابل، فإن هذه الجماعات الإرهابية تعلم استراتيجيات وأساليب عمل وسائل الإعلام فتستغلها، حيث تقوم بارتكاب الجريمة الإرهابية، وتترك الباقي لوسائل الإعلام التي تقوم بتغطيتها ومتابعة أخبارها»، موضحاً: «لهذا أقول دوماً إنه ينبغي الحذر والحيطة من قبل وسائل إعلامنا وهي تقوم بتغطية هذه الجرائم الإرهابية التي تقوم بها تلك الجماعات، فلا تنشر إلا القدر اللازم والضروري للجمهور، وعليها أن تركز على التحقيقات والتقارير الاستقصائية، بحيث تضع القارئ دوماً في سياق التحليل ومعرفة الكوامن، والأسباب والدوافع وراء ارتكاب هذه الجرائم، والمبررات الشيطانية التي تغرر بها هذه الجماعات بالجماهير الغفيرة».


مقالات ذات صلة

باكستان: جهود لتطهير المناطق الاستراتيجية على الحدود الأفغانية من المسلحين

آسيا جندي باكستاني يقف حارساً على الحدود الباكستانية الأفغانية التي تم تسييجها مؤخراً (وسائل الإعلام الباكستانية)

باكستان: جهود لتطهير المناطق الاستراتيجية على الحدود الأفغانية من المسلحين

الجيش الباكستاني يبذل جهوداً كبرى لتطهير المناطق الاستراتيجية على الحدود الأفغانية من المسلحين.

عمر فاروق (إسلام آباد)
أفريقيا وحدة من جيش بوركينا فاسو خلال عملية عسكرية (صحافة محلية)

دول الساحل تكثف عملياتها ضد معاقل الإرهاب

كثفت جيوش دول الساحل الثلاث؛ النيجر وبوركينا فاسو ومالي، خلال اليومين الماضيين من عملياتها العسكرية ضد معاقل الجماعات الإرهابية.

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا سيدة في إحدى قرى بوركينا فاسو تراقب آلية عسكرية تابعة للجيش (غيتي)

تنظيم «القاعدة» يقترب من عاصمة بوركينا فاسو

أعلنت «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، الموالية لتنظيم «القاعدة»، أنها سيطرت على موقع عسكري متقدم تابع لجيش بوركينا فاسو.

الشيخ محمد ( نواكشوط)
أفريقيا رئيس تشاد يتحدث مع السكان المحليين (رئاسة تشاد)

الرئيس التشادي: سنلاحق إرهابيي «بوكو حرام» أينما ذهبوا

قال الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي، في مقطع فيديو نشرته الرئاسة التشادية، إنه سيلاحق مقاتلي «بوكو حرام» «أينما ذهبوا، واحداً تلو الآخر، وحتى آخر معاقلهم».

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا آثار هجوم إرهابي شنَّته «بوكو حرام» ضد الجيش التشادي (إعلام محلي)

«الإرهاب» يصعّد هجماته في دول الساحل الأفريقي

تصاعدت وتيرة الهجمات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي، خصوصاً بعد أن أعلنت تشاد أن أربعين جندياً قُتلوا في هجوم إرهابي.

الشيخ محمد (نواكشوط)

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».