مصر تكشف الستار عن أحدث تمثال مرمم لـ«رمسيس الثاني» في الأقصر

عرض محتويات مقبرة خوي بحضور سفراء وممثلي 25 دولة

جانب من مقبرة خوي الأثرية الفرعونية بمنطقة سقارة في الجيزة (الشرق الأوسط)
جانب من مقبرة خوي الأثرية الفرعونية بمنطقة سقارة في الجيزة (الشرق الأوسط)
TT

مصر تكشف الستار عن أحدث تمثال مرمم لـ«رمسيس الثاني» في الأقصر

جانب من مقبرة خوي الأثرية الفرعونية بمنطقة سقارة في الجيزة (الشرق الأوسط)
جانب من مقبرة خوي الأثرية الفرعونية بمنطقة سقارة في الجيزة (الشرق الأوسط)

تستعد مصر لنصب آخر تمثال مُرمم للملك الفرعوني البارز رمسيس الثاني، الذي يعد الرابع من نوعه للحاكم الأيقوني نفسه لمصر القديمة، ومن المقرر أن يتخذ موقعه على البر الشرقي للنيل في محافظة الأقصر (جنوب القاهرة).
وبدأت وزارة الآثار المصرية، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أعمال ترميم وتجميع التمثال الأخير للملك رمسيس الثاني أمام معبد الأقصر، بالتعاون مع شيكاغو هاوس، ليتم عرضه بمكانه الأصلي، ليكون آخر تمثال من بين 4 تماثيل للملك رمسيس الثاني تم تجميعها بالطريقة نفسها، وقررت الوزارة أن يتم إزاحة الستار عن التمثال الجديد بالتزامن مع الاحتفال بيوم التراث العالمي الخميس المقبل الموافق 18 أبريل (نيسان) الحالي.
وأعلن الدكتور خالد العناني، وزير الآثار المصري، أمس، أن مصر ستعلن كذلك بموازاة احتفالات يوم التراث عن «كشفين أثريين جديدين» بمدينة الأقصر.
وقال العناني، في تصريحات على هامش زيارة مقبرة النبيل لدى الملك جدكارع بسقارة في الجيزة، أمس، إن «وزارة الآثار ستعلن عن اكتشاف مقبرتين جديدتين في مدينة الأقصر يوم الخميس المقبل، بالتزامن مع الاحتفال بيوم التراث العالمي»، مشيرا إلى أنه «عقب الكشف عن المقبرتين في البر الغربي من الأقصر، سيتم التوجه إلى البر الشرقي حيث سيتم نصب التمثال الرابع للمالك رمسيس الثاني أمام معبد الأقصر».
وكذلك فإن العناني أعلن عن فتح جميع المتاحف والمناطق الأثرية مجاناً يوم الخميس المقبل للمصريين والعرب والأفارقة والأجانب المقيمين بمصر.
وتفقد وزير الآثار وسفراء وممثلي 25 دولة أجنبية في مصر، أمس، مقبرة خوي، بمنطقة سقارة بالجيزة، التي تم الإعلان عن اكتشافها في الثاني من أبريل الحالي، كما زار الوزير والوفد المرافق له مقبرتين مغلقتين في سقارة تعتبران من أهم مقابر المنطقة الأثرية، وهما مقبرة نفر، والمقابر الفارسية.
وقال العناني إن «الوزارة ستبدأ مشروعا لتطوير منطقة آثار سقارة لتحظى بالاهتمام الذي تستحقه، بهدف زيادة الزيارة السياحية للمنطقة التي تضم مجموعة من أهم الآثار في مصر، وشهدت 5 زيارات إعلامية وأثرية مهمة خلال الشهور التسعة الماضية».
وتم خلال الفترة الماضية الإعلان عن عدد من الاكتشافات الأثرية بسقارة، من بينها ورشة التحنيط جنوب هرم أوناس، وافتتاح مقبرة محو ومسطبة تي، واكتشاف مقبرة واح تي، وأخيرا مقبرة خوي، ويقدّر أثريون أنه «لم يكتشف سوى ثلث آثار سقارة حتى الآن».
وقال الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، إن «البعثة الأثرية المصرية بدأت أعمال الحفائر بالمنطقة في فبراير (شباط) الماضي، وأسفرت عن اكتشاف مقبرة شخص يدعى خوي، كان يشغل منصب النبيل لدى الملك جدكارع والقاضي، ويعود تاريخها إلى 4400 سنة».
وأضاف وزيري أن «هذه المقبرة تعد الأجمل والأكثر كمالا في المنطقة، وهي مقبرة فريدة من نوعها حيث تبدو رسوماتها وكأنها لونت بالأمس»، مشيرا إلى أن «المقبرة تضم شيئا فريدا وهو بصمة يد أحد الرسامين المصريين الذي يبدو أنه أسند بيده عن غير قصد إلى أحد الجدران السوداء، فترك أثر يده».
وتابع وزيري أن «المقبرة تعد تجسيداً للهرم حيث تضم ممراً هابطاً يصل إلى ممر مستقيم ثم غرفة الدفن وغرفة التخزين، على غرار المتبع في مقابر الأسرة الخامسة من الدولة القديمة».
من جانبه، قال الدكتور أحمد مجاهد، رئيس البعثة الأثرية العاملة في المنطقة، إن «البعثة بدأت عملها في 2010 بهدف تسجيل وتوثيق ونشر المجموعة الهرمية للملك جدكارع لتكون أول مجموعة يتم نشرها بأياد مصرية».
وتعمل في مصر 260 بعثة أثرية أجنبية من 24 دولة، و40 بعثة مصرية، وفقا لتصريحات وزير الآثار الذي اعتبر «زيادة عدد البعثات الأثرية هي السبب وراء زيادة الاكتشافات الأثرية مؤخرا».
وتتكون مقبرة خوي من بناء علوي عبارة عن مقصورة قرابين شيدت على شكل حرف L، ويتم دخولها زحفاً نظراً لضيق مدخلها، وأزيلت أحجار المقصورة خلال العصور المصرية القديمة، وأعيد استخدامها في أماكن أخرى، حيث لم تعثر البعثة سوى على بقايا الجدران السفلية التي شيدت من الحجر الجيري الأبيض، إضافة إلى مدخل البناء السفلي للمقبرة، الذي يحاكي تصميمه أهرامات الأسرة الخامسة، ونقشت على جدران المقبرة مناظر تصور صاحب المقبرة جالسا أمام مائدة القرابين، وقائمة القرابين، ومنظر لواجهة القصر.
من جانبه، قال مجاهد لـ«الشرق الأوسط» إن «المقبرة تضم شيئا مميزا في الأواني الكانوبية التي تحفظ فيها أحشاء المتوفي، حيث ما زالت السوائل بداخلها وعلى غطائها توجد ألياف الكارتوناج».
وأضاف مجاهد أن «البعثة كشفت مدخلاً آخر بالجدار الجنوبي من الحجرة الأمامية الملونة، يؤدي إلى حجرة صغيرة ربما استخدمت كمخزن للمتاع الجنائزي لصاحب المقبرة، وعثر عليها خاوية تماماً إلا من الرديم الذي ملأ معظم مساحتها»، مشيرا إلى أن «البعثة تمكنت من الكشف عن البقايا الآدمية لخوي صاحب المقبرة بين الأحجار، وعليها بقايا الزيوت، ومادة الراتنج التي كان يستخدمها المصري القديم في التحنيط».
وأشار مجاهد إلى أن «المجموعة الهرمية ومعبد الملكة، تم الكشف عنهما من قبل خلال خمسينات القرن الماضي، ولم يكن لدى الآثاريين أي معلومة عن اسم صاحبتهما أو ألقابها».


مقالات ذات صلة

رئيس الوزراء المصري يستعرض إجراءات تخطيط المنطقة المحيطة بالأهرامات والمتحف المصري الكبير

العالم العربي رئيس الوزراء المصري يستعرض إجراءات تخطيط المنطقة المحيطة بالأهرامات والمتحف المصري الكبير

رئيس الوزراء المصري يستعرض إجراءات تخطيط المنطقة المحيطة بالأهرامات والمتحف المصري الكبير

عقد الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء المصري اجتماعاً، الأحد، لاستعراض إجراءات الطرح العالمي لتخطيط المنطقة المحيطة بالأهرامات والمتحف المصري الكبير.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق إناء شرب على شكل رأس بيس من واحة الفيوم في مصر يعود إلى العصر البطلمي - الروماني (القرن الرابع قبل الميلاد - القرن الثالث الميلادي)... (جامعة جنوب فلوريدا)

كوكتيلات مخدرة وطقوس سحرية: كشف أسرار أكواب المصريين القدماء

كشف الباحثون عن استخدام أكواب خاصة لتقديم مزيج من العقاقير المخدرة، والسوائل الجسدية، والكحول.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق مشهد من جامع بيبرس الخياط الأثري في القاهرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

بعد 5 قرون على إنشائه... تسجيل جامع بيبرس الخياط القاهري بقوائم الآثار الإسلامية

بعد مرور نحو 5 قرون على إنشائه، تحوَّل جامع بيبرس الخياط في القاهرة أثراً إسلامياً بموجب قرار وزاري أصدره وزير السياحة والآثار المصري شريف فتحي.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
يوميات الشرق كلب ضال أمام هرم خوفو في منطقة أهرامات الجيزة (أ.ف.ب)

بفضل «أبولو»... «كلاب الأهرامات» تجذب السياح وتنشِّط المبيعات

مقطع مصور غير اعتيادي لكلب يتسلق الهرم يجذب الزوار والسائحين.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق طريقة بناء الأهرامات تُمثل لغزاً كبيراً (الشرق الأوسط)

فيديو مولد بالذكاء الاصطناعي يُجدد الجدل بشأن طريقة بناء الأهرامات المصرية

جدّد مقطع فيديو قصير مُولد بالذكاء الاصطناعي، يشرح طريقة بناء الأهرامات، الجدلَ بشأن نظريات تشييد هذه الآثار الضخمة.

عبد الفتاح فرج (القاهرة)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)