في بادئ الأمر، قد يبدو هذا القول أشبه بمزحة سخيفة أقرب إلى تلك التي تسأل: ما وجه الشبه بين بوريس جونسون وسيلفيو بيرلسكوني؟ في الواقع، حذر كل من جونسون وبيرلسكوني مما اعتبراه خطرا وهو وجود الكثير من اللاعبين الأجانب.
من جانبه، يلقي جونسون، بطبيعة الحال، اللوم عن المذلة التي تعرضت لها إنجلترا في بطولة «يورو 2016» على وجود أعداد هائلة من اللاعبين الدوليين «يسيطرون على كبرى الفرق لدينا»، في الوقت الذي تحدث بيرلسكوني عن كيف أنه يتمنى رؤية فريق ميلانو معتمداً على تشكيل مؤلف من لاعبين إيطاليين فقط.
من جهته، ربما حاول جونسون استثارة أسوأ المشاعر الوطنية عبر إطلاق تحذيراته المدوية بعد إجراء تصويت «بريكست». ومع هذا، نجد أن شخصيات أخرى أكثر عقلانية، مثل بول شولز، حذرت هي الأخرى من أن وجود عدد مفرط من اللاعبين الأجانب قد يضر بالمنتخب الإنجليزي، مع عجز الناشئين الإنجليز عن اختراق الصفوف حتى يصلوا المنتخب. من جانبه، يبدي اتحاد كرة القدم اتفاقه مع هذا الرأي. وتبعاً للقواعد المعمول بها حالياً، يحق للفرق المشاركة ببطولة الدوري الممتاز تسجيل ما يصل إلى 17 لاعباً أجنبياً داخل فريق مؤلف من 25 فرداً ـ وهو رقم يرغب اتحاد الكرة في تقليصه إلى 13 بعد «بريكست».
ومع هذا، فإنه أثناء مشاهدة انطلاقات المنتخب الإنجليزي الأخيرة بقيادة المدرب غاريث ساوثغيت كان من المستحيل أن يمنع المرء نفسه من التساؤل حول ما إذا كانت تلك المخاوف مبالغا فيها. وعند تفحص الأوضاع بصورة أعمق عبر القطاع الرياضي الأوسع، يتنامى هذا الشعور لدى المرء، وذلك لأن جميع الأدلة توحي بأن الأجانب لا يضرون المنتخب الوطني ـ وإنما على العكس، يسهمون في تحسين مستواه.
جدير بالذكر في هذا الصدد أن واحدة من أكبر الدراسات حول العوامل التي تقف خلف نجاح بلد ما بمجال كرة القدم الدولية خلصت إلى أنه حال تكافؤ جميع العوامل الأخرى، فإن الدول التي تتميز بعدد أكبر من السكان وإجمالي ناتج داخلي أعلى بالنسبة للفرد تحقق أداءً أفضل على صعيد قوائم التقييم العالمية الصادرة عن الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا). إلا أن اللافت أن الباحثين مايكل وماريكوفا ليدز أشارا إلى أن الاستعانة بمزيد من اللاعبين الأجانب في بطولة الدوري المحلية تميل إلى تحسين مستوى أداء المنتخب الوطني.
وخلصا في النهاية إلى أنه: «عندما تفكر الدول في الاتجاه الأمثل للترقي على مستوى قوائم التقييم الدولية بمجال كرة القدم، فإنه ينبغي لها التخلي عن الخوف من استقدام لاعبين أجانب في بطولاتها المحلية، لأنه كلما ارتفع مستوى قوة وأداء بطولة الدوري المحلية، زاد نجاح المنتخب الوطني على الصعيد الدولي». والسؤال هنا: لماذا قد يشكل اللاعبون الأجانب ميزة؟ أحد التفسيرات المحتملة ترتبط بما يطلق عليه أكاديميون فرضية التداعيات. ومثلما أوضح ديفيد فورست، العالم الاقتصادي لدى جامعة ليفربول، فإنه: «إذا استعنت بنجم أجنبي، فستستفيد المهارات الوطنية من هذا الأمر عبر سبيلين: أولهما: أنه يصبح لديها زميل أكثر مهارة يمكنها التعلم منه. ثانياً: لأن الأجانب ربما يحملون معهم سبلا مختلفة لإنجاز الأمور، وبالتالي يسهمون في توسيع نطاق أدوات حل المشكلات».
وتعج الكرة الإنجليزية بأمثلة على هذا الأمر. مثلاً، تحدث أفراد المجموعة المعروفة باسم «مجموعة 1992» عن أنهم استفادوا من احترافية إريك كانتونا والقدرات التي أظهرها داخل «مانشستر يونايتد»، الأمر الذي أسهم في رفع مستوى أدائهم. من جهته، تمكن آرسين فينغر من إحداث ثورة داخل آرسنال بعد الفترة المتعثرة التي مر بها الفريق تحت قيادة بروس ريوتش. ومن يدري ما الذي كان يمكن أن يحدث لو لم يتول ماوريسيو بوكيتينو مهمة تدريب توتنهام هوتسبير، بدلاً عن تيم شيروود؟
اللافت كذلك أن 9 من لاعبي التشكيل الأساسي للمنتخب الإنجليزي المشاركين في بطولة كأس العالم العام الماضي كانوا يلعبون محلياً تحت قيادة أي من جوسيب غوارديولا أو يورغن كلوب أو جوزيه مورينيو أو بوكيتينو. وبدا الفريق بوجه عام صغير السن ومفتقراً إلى الخبرة، ومع ذلك قدم الفريق بعض أفضل مستويات الأداء على امتداد جيل كامل. وبالتأكيد التعامل مع بعض أفضل المهارات على مستوى الأندية، ساعد هؤلاء اللاعبين على إسراع وتيرة تعلمهم.
تجدر الإشارة إلى أن دراسة كبرى تفحصت تأثيرات مشاركة اللاعبين الأجانب في بطولات الدوري المحلية لكرة السلة داخل 47 دولة أوروبية على المنتخبات الوطنية لتلك الدول خلال الفترة بين عامي 196 و2008. ومن جديد، جاءت النتائج واضحة، فقد مالت الزيادة في أعداد اللاعبين الأجانب في بطولة الدوري المحلية نحو تحقيق تحسن في مستوى الأداء على الصعيد الوطني فيما يتعلق بالتأهل والمنافسة في بطولات أوروبية وعالمية وأوليمبية.
وعكف القائمون على الدراسة على تقييم التأثيرات السلبية المفترضة لوجود مهارات أجنبية في البطولات المحلية ـ بما في ذلك تأخر حصول اللاعبين المحليين على أماكن في الفرق الأولى، وبالتالي اكتساب خبرات حيوية ـ وخلصوا إلى أنها غير حقيقية. وأوضحوا في نهاية الدراسة أنه: «من الناحية التجريبية، أظهرت الدراسة أنه فيما يخص كرة السلة الأوروبية يبدو أن أي تأثيرات سلبية لمشاركة لاعبين أجانب تتفوق عليها التأثيرات الإيجابية لوجودهم».
ومن بين النتائج الهامشية التي خلصت إليها الدراسة وربما تشكل خبراً ساراً للغاية لمشجعي المنتخب الإنجليزي، أن الفوز ببطولات على مستوى الناشئين يمثل مؤشراً قوياً للغاية على احتمالات النجاح على مستوى الفرق الكبير دولياً. وقال فورست الذي شارك بالدراسة إنه «إذا كانت كرة القدم مثل كرة السلة، فإن إنجلترا تنتظرها أوقات سعيدة قادمة».
كما توصل باحثون أكاديميون إلى أنه عندما ينتقل لاعبون إلى الاحتراف في دول أخرى، فإن هذا يرفع مستوى أداء المنتخب الوطني. بيد أن ما سبق غير مقصود منه أنه لا ينبغي إقرار حدود. في الواقع، يحتاج ساوثغيت إلى أن تشارك أفضل العناصر الصاعدة في فريقه بانتظام في الدور الممتاز من بطولات الدوري. ولا أحد يمكن أن ينفي حاجة هؤلاء اللاعبين للمشاركة وتنمية مهاراتهم.
المنتخب الإنجليزي بناشئيه وبقيادة ساوثغيت قدم عرضاً قوياً أمام جمهورية التشيك
الأجانب يعززون الكرة الإنجليزية ولا يضرون بها
كلما ارتفع مستوى بطولة الدوري المحلية زاد نجاح المنتخب الوطني دولياً
الأجانب يعززون الكرة الإنجليزية ولا يضرون بها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة