ما يحدث بعيدا عن هنا لا يقل أهمية عما يحدث هنا. لا. أشطب. ما يحدث بعيدا عن هنا هو أهم مما يحدث هنا. ففي الوقت الذي يبدأ عرض فيلم ويليه آخر في حاضرة الدورة الـ25 من مهرجان بالم سبرينغز التي تستمر حتى الـ13 من هذا الشهر، تقع أحداث سينمائية مهمة وكثيرة في أماكن أخرى. ولو قدر للمرء أن يوجد في أكثر من مكان في وقت واحد فإن نسخا عدة منه مطلوبة حاليا لتغطي أكثر من بقعة تحفل الأحداث.
هذه بعض العناوين: أرموند وايت، ناقد الملحق الثقافي لمطبوعة «نيويورك سيتي»، يحاكم في نيويورك. جمعية المخرجين الأميركيين تعلن ترشيحاتها لجائزة أفضل مخرج للعام. جمعية كتاب السيناريو الأميركيين تعلن ترشيحاتها لجوائز أفضل كاتب للعام. أكاديمية الأوسكار أغلقت باب التصويت يوم أول من أمس (الأربعاء)، وفي اليوم ذاته أعلنت «بافتا» (الأكاديمية البريطانية لفن لسينما) ترشيحاتها لجوائزها السنوية هذا العام. ووسط كل هذا، الساعات تتسارع قبل حفلة الغولدن غلوبس التي ستقام يوم الأحد المقبل.
خارج مجال الجوائز هناك أخبار مهمة أخرى: أوباما يعود إلى لوس أنجليس بحثا عن الجيوب الثرية التي تبرعت له سابقا وتتبرع للحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه دائما. الإقبال يرتفع في أميركا والصين ويهبط في فرنسا وبريطانيا والنرويج. المخرجة الأسترالية - النيوزلاندية جين كامبيون تتولى رئاسة تحكيم مهرجان «كان» المقبل.
* المخرج بواب؟
* الذي حدث في حفلة «دائرة نقاد نيويورك» غير واضح بعد. بعض الحضور تناقلوا أن أرموند وايت، وهو ناقد الملحق الثقافي المعروف بـ«سيتي ارتس»، وصف المخرج ستيف ماكوين حين اعتلى المنصة لاستلام جائزة الجمعية النقدية بأنه «بواب» و«زبال». الجمعية دعت بعد ذلك لاجتماع طارئ لمناقشة وضع نتج عنه إهانة المخرج الذي فاز بجائزتها السنوية عن فيلمه «12 سنة عبد ا» ملوحة بأنها قد تبحث طرد وايت، وهو مثل المخرج ماكوين من أصول أفريقية، من عضويتها.
لكن وايت في المقابل، كتب شارحا أنه، وإن كان لم يصوت لصالح هذا الفيلم أو لمخرجه، إلا أنه لم يتفوه بأي مما نسب إليه لا علنا ولا في جلسة خاصة وأن أعضاء الجمعية الذين اشتكوا لم يسمعوا بآذانهم ما يؤكدون أنه تفوه به.
جوائز «دائرة نقاد نيويورك» (التي تحتوي على عضوية كل نقاد المدينة والولاية) هي واحدة من الجوائز النقدية المنتشرة في الولايات المتحدة كما في العواصم الغربية (العربية نائمة) التي تمنح في مطلع كل عام جوائزها النقدية (وهي جوائز معنوية وليست مادية) للأفلام التي تراها أفضل ما تم إنتاجه وعرضه خلال العام.
في هذا الإطار تم إعلان عدد من هذه الجوائز النقدية من بينها جائزة «الجمعية الوطنية للنقاد» التي تضم نقادا أميركيين على مساحة الولايات المتحدة (نحو 60 عضوا) وهذه أعلنت في الرابع من هذا الشهر جوائزها ففاز «داخل ليووين ديفيز» كأفضل فيلم، ومخرجاه جوول وإيثان كوون بجائزة أفضل إخراج. فيلم عبد اللطيف كشيش «حياة أديل» أو كما سمي إنجليزيا «الأزرق هو الأكثر دفئا» نال جائزة أفضل فيلم غير أميركي، وجائزة أفضل فيلم تسجيلي توزعت على فيلمين هما «فن القتل» لجوشوا أوبنهايمر و«عند بيركلي» لفردريك وايزمان حيث نال كل منهما 20 صوتا.
واختلفت نتائج واحدة من أقدم الجمعيات النقدية في العالم وهي جمعية «ناشنال بورد أوف ريفيو» إذ تأسست سنة 1909 عن نتائج الجمعية الوطنية للنقاد كثيرا.
فهي منحت فيلم Her للمخرج سبايك جونز جائزتي أفضل فيلم وأفضل مخرج ووجدت أن الفيلم الإيراني - الفرنسي «الماضي» لأصغر فرهادي (في الواقع يتم تقديم الفيلم باسم إيران لأسباب ترويجية بينما تمويله الغالب فرنسي) وجائزة أفضل فيلم تسجيلي ذهبت لفيلم تم عرضه سنة 2013 لكنه من إنتاج العام الأسبق وهو «حكايات نخبرها» للكندية سارا بولي.
وأولى الجوائز النقدية هي تلك التي أعلنتها جمعية نقاد لوس أنجليس في منتصف الشهر الماضي وجاءت نتائجها، بالنسبة للأفلام أيضا، على النحو التالي: أفضل فيلم توزعت بين فيلم «هير» و«جاذبية» وأفضل تسجيلي ذهبت إلى «حكايات نخبرها» وخطف «حياة أديل» جائزة أفضل فيلم أجنبي.
* أصحاب المهن
* كل واحد من هذه الجمعيات وزعت جوائز كثيرة على مهن التمثيل والكتابة والموسيقى والتصوير، لكن هذه أصحاب هذه المهن يفضلون في الواقع الجوائز التي تمنحها الجمعيات الرسمية التي تضم أصحاب كل مهنة سينمائية على حدة. وفي مقدمتها جائزة «جمعية المخرجين الأميركية» الواقعة في «سانست بوليفارد» في هوليوود. هذه أعلنت ترشيحاتها يوم الأربعاء الماضي فصبت زيتا على السباق الساخن بين المخرجين هذا العام. إنها المناسبة الـ66 بالنسبة لجوائز هذه الجمعية التي تضم المخرجين الأميركيين كما العاملين في أميركا. وهي بصفتها الجمعية الرسمية لهم فإن ترشيحاتها ترسم صورة للأوسكار المقبل، كذلك نتيجة هذه الترشيحات التي ستعلن في 25 من الشهر الحالي. السبب في أهميتها راجع إلى أن المخرجين المنضمين إلى هذه الجمعية هي، بغالبيتهم القصوى، أعضاء أكاديمية العلوم والفنون السينمائية التي توزع الأوسكار وهم بتصويتهم على من عدهم أفضل مخرجي العام يعلنون أنهم صوتوا لهم أيضا في ترشيحات الأوسكار التي ستعلن بدورها في الـ16 من هذا الشهر.
الأسماء الخمسة التي رشحتها هذه الجمعية هي ألفونسو كوارون عن «جاذبية» وبول غرينغراس عن «كابتن فيليبس» وستيف ماكوين عن «12 سنة عبد ا» وديفيد أو راسل عن «أميركان هاسل» ومارتن سكورسيزي عن «ذئب وول ستريت». والملاحظة الأولى المسجلة في هذا التصويت هي أن ثلاثة من المخرجين المذكورين ليسوا أميركيين فألفونسو كوارون مكسيكي وستيف ماكوين وبول غرينغراس بريطانيين. الأول ولد في لندن والثاني خارجها (مقاطعة سوراي). والملاحظة الثانية أن مارتن سكورسيزي هو أكبرهم سنا (71 عاما) وسبق له أن رشح للجائزة 10 مرات ونالها مرتين الأولى عن فيلم «المغادر» (2006) والثانية عن «هيوغو» (2011) لكنه نال أيضا جائزة الإنجاز من الجمعية ذاتها، والتي تشمل تقديرا لكل أعماله، سنة 2003.
الملاحظة الثالثة هي غياب الأخوين جوول وإيثان كوون عن الترشيحات المذكورة ما يفتح السؤال عريضا حول ما إذا كان باقي أعضاء أكاديمية الأوسكار سيعدلون الميزان وينتخبون الأخوين كوون من بين المخرجين الخمسة لأوسكار أفضل إخراج.
في هذا الأسبوع أيضا قامت جمعية الكتاب الأميركيين بإعلان ترشيحاتها: خمسة ترشيحات في مجال السيناريو المقتبس وخمسة ترشيحات في مجال السيناريو المكتوب خصيصا. مثل جمعية المخرجين تحمل هذه الترشيحات دلالات كبيرة حول ما ستطلع به ترشيحات الأوسكار المقبلة.
بالنسبة للسيناريو المقتبس فإن الأفلام الخمسة التي نالت الثقة أكثر من سواها هي «قبل منتصف الليل» الذي كتبه رتشارد لينكلتر عن شخصيات كان ابتدعها وكيم كريزان و«أوغوست: مقاطعة أوساج» الذي كتبه تراسي لوتس عن مسرحيته و«ناجي وحيد» الذي نقله بيتر بيرغ عن كتاب لماركوس لوترل وباتريك روبنسون، ثم «ذئب وول ستريت» الذي وضع له السيناريو ترنس وينتر عن كتاب مذكرات لجوردان بلفورد. والفيلم الخامس هو «كابتن فيليبس». سيناريو بيلي راي عن كتاب مذكرات آخر لرتشارد فيليبس.
السيناريوهات المرشحة المكتوبة خصيصا لشاشة الكبيرة هي لأفلام «أميركان هاسل» لديفيد أو راسل و«بلو جازمين» لوودي ألن و«دالاس بايرز كلوب» لجان ماري فاليه و«هير» لسبايك جونز و«نبراسكا» الذي وضعه بوب نلسون وقام بإخراجه ألكسندر باين، المخرج الغائب عن كل هذه الترشيحات معا.
* الغولدن غلوبس
* على النسق ذاته في مجال الجوائز التي تمنحها الجمعيات المتخصصة بالمهن السينمائية نجد ترشيحات «جمعية المنتجين الأميركيين» التي توزع جوائزها تحت اسم المنتج الراحل داريل ف. زانوك. وهي وجدت 11 فيلما تستحق التنافس على جائزتها التي ستعلن في 19 من هذا الشهر. مرة أخرى «داخل ليوون ديفيز» للأخوين كوون ليس موجودا لكن باقي الأفلام التي تم تداولها في هذا التقرير، موجودة وهي «أميركان هاسل» و«بلوز جازمين» و«كابتن فيليبس» و«دالاس بايرز كلوب» و«جاذبية» و«هير» و«12 سنة عبد ا». بالإضافة إلى ذلك فيلمين آخرين هما «إنقاذ مستر بانكس» و- أخيرا - «نبراسكا».
كل ما سبق يقود بالطبع إلى الأوسكار المؤجل حتى الثاني من مارس (آذار) المقبل موعد إعلان النتائج. لكن قبل الوصول إلى تلك المحطة هناك واحدة كبرى أيضا باسم «الغولدن غلوبس» التي تقدمها «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» حيث «الشرق الأوسط» عضو فيها ستعلن نتائجها يوم الأحد الـ12 من هذا الشهر.
الجمعية تحتوي على معادلة مثيرة للاهتمام. عدد أعضاء هذه الجمعية لا يزيد على 90 فردا. معظمهم صحافيون وبعض هؤلاء الصحافيين فقط نقاد متخصصون. لكن هناك جزءا ولو يسيرا من الأعضاء يمارسون العمل الصحافي لكن لهم موقع قديم، ولو محدود، في المهن السينمائية ذاتها، فبينهم منتجة وممثلة صينية ومخرج وممثل روسي وممثل هندي. طوال العام، وليس في الأشهر المكتظة من السنة فقط، يشاهدون الأفلام الأميركية والعالمية ويجرون المقابلات ويغطون المهرجانات ثم يضعون آراءهم في كل ما عايشوه من تجارب فيلمية. وجهة النظر الغالبة (وهذا هو بيت القصيد) نابع من حقيقة أن الصحافي غير المتخصص لديه وجهة نظر تختلف عن تلك التي في صاحب المهنة النقدية أو السينمائية، لذلك فإن الأفلام المرشحة تحتوي دوما، وليس هذا العام فقط، على أفلام لم تدخل الترشيحات الأخرى.
في نطاق أفضل فيلم درامي نجد، لجانب «12 سنة عبد ا» و«كابتن فيليبس» و«جاذبية» فيلمين لم يردا في اللوائح الأخرى وهما «فيلومينا» للبريطاني ستيفن فريرز و«إندفاع» Rush للأميركي رون هوارد.
في نطاق أفضل فيلم كوميدي أو موسيقي، نجد لجانب «ذئب وول ستريت» و«هير» و«أميركان هاسل» المتكررة في الترشيحات السابقة، وجهان محدودا الظهور هما «نبراسكا» و«داخل ليوون ديفيز». وحتى في نطاق الأفلام غير الأميركية هناك اختلاف كبير، لأنه في الوقت الذي لم يستطع المصوتون تجاهل فيلم عبد اللطيف كشيش «حياة أديل» نجد أربعة أفلام أخرى لم ترد فيما سبق وهي «الرياح ترتفع» (اليابان) و«الصيد» (دنمارك) و«الجمال العظيم» (إيطاليا) والفيلم الخامس هو «الماضي» (إيران).
يوم الأحد المقبل سيكون يوم بهجة للبعض ونقطة انطلاق لمزيد من الفرص والجوائز بالنسبة للجميع.

