آميتا ميهرا، صاحبة «مزرعة أوشا» المتميزة للخيول، التي ورثتها، وهي شابة يافعة، عن والدها الذي كان من أبرز ممارسي رياضة «البولو» الهنود ذوي السمعة العالمية. تلك المزرعة انتقلت بتربية الخيول الهندية إلى آفاق جديدة، وتمكنت من إنتاج 13 جواداً ممن فازت في سباقات الخيول، وهو أكبر عدد تتمكن أي مزرعة للخيول من إنتاجه في البلاد، و7 خيول منها أشرفت آميتا ميهرا على تربيتها بنفسها.
ولقد ولدت آميتا وسط الخيول، مع بقية الأطفال من عمرها يلاعبون الحيوانات الأليفة المعتادة من القطط والكلاب، أما هي فكانت تملك حصاناً يبلغ 3 أعوام من عمره.
تقول آميتا إن حديقتها الأمامية كان يوجد فيها مهر صغير من سلالة «شيتلاند»، وكانت هناك سلة صغيرة مثبتة على ظهره كي لا تسقط من عليه. وبحلول الثامنة من عمرها، كانت تتمكن من القفز على ظهر الخيل ببراعة كبيرة. وقالت إن حياتها كانت دائماً مرتبطة مع الخيول.
«كلما أوشكت على السقوط من على مُهري، كان أبي يصر على معاودة صعودي مرة أخرى على ظهره»، تتذكر آميتا: «وبتلك الطريقة تلاشى خوفي من الخيول تدريجياً. وفي الواقع، علمنا والدنا أنا وشقيقتي كيفية السقوط من على ظهر الحصان بطريقة تحول دون إصابتنا بالأذى. وهذا في رأيي الشخصي من الأهمية مثل تعلم ركوب الخيول بصورة جيدة سواء بسواء».
وفازت «مزرعة أوشا للخيول» بثلاثمائة سباق كلاسيكي عبر 40 عاماً من تاريخها الطويل. وقالت آميتا: «بالنسبة إلى مزرعة الخيول، فإن الفوز في سباق الخيول الهندي هو مثل الفوز بجائزة (الأوسكار) بالنسبة لمخرجي الأفلام. وهو أمر لا يأتي بسهولة أبداً».
ارتباطها العميق بالخيول
لدى آميتا قصة مثيرة عن ارتباطها الكبير بالخيول. فلقد كانت مترددة كثيراً في مشاركة والدها اهتمامه بتربية الخيول، لأنها كانت مولعة بدراسة وممارسة الروحانيات. وبعد تخرجها في عام 1986 انضمت إلى الزعيم الروحاني سري أوروبيندو، وعملت كمعلمة، ومارست الكثير من الأعمال الخيرية والاجتماعية والروحانية، وواصلت اهتمامها بالدراسات الروحانية في ذلك الوقت، وساورتها فكرة إنشاء جامعة تركز على التربية الروحانية فقط. وعندما سألها والدها كيف تخطط للقيام بذلك براتب معلمة، توصل الاثنان إلى حل وسط فيما بينهما.
تقول آميتا: «قال والدي إنني إذا انضممت للعمل في مزرعة الخيول، وأنتجت الخيول الفائزة في سباق الخيول (الديربي) الهندي، فسوف يسمح لها بإغلاق المزرعة وافتتاح الجامعة»، وتمت صياغة ذلك الاتفاق على الورق.
وكي تبدأ في تدريباتها الرسمية، التحقت بـ«المعهد الوطني الآيرلندي للخيول» في عام 1991، وهو من المعاهد الكبيرة في مجال إدارة مزارع الخيول، ويملك الميدالية الذهبية في ذلك. وكانت هي المواطنة الهندية الوحيدة الملتحقة بهذا المعهد العريق، وسببت سنة الدراسة هناك صدمة ثقافية كبيرة لها، نظراً لأنه تعين عليها أن تتسخ يديها بالعمل بخلاف ما اعتادت عليه في مزرعة والدها في الهند، حيث كان هناك الكثير من الموظفين الذين يقومون بالأعمال المتواضعة في المزرعة.
وقالت آميتا: «كان علينا تنظيف الإسطبلات بأنفسنا، ومسح الطرق، وخلط الطعام للخيول، وحضور المحاضرات بشأن كيفية تركيب حدوة الخيول بأيدينا».
وبعد ذلك، سافرت آميتا في عام 1993 إلى الولايات المتحدة الأميركية لقضاء ثلاثة أشهر هناك لتعلم فنون تغذية الخيول من الخبير العالمي في تغذية الخيول جو باغان وكذلك ستيفن جاكسون، ثم استكملت درجتها العلمية في إدارة الأعمال لدى أحد معاهد الإدارة الهندية المرموقة.
وبعد تعرضها لأفضل الخبرات الدولية فيما يتعلق بفنون إدارة مزارع الخيول، تمكنت آميتا مهيرا من نقل تلك الخبرات والتجارب وأفضل الممارسات إلى بلادها.
وفي عام 1997، أنتجت أول جواد فائز في سباق الديربي الهندي، حيث كان آخر سباق فازت المزرعة به في عام 1986. ولكن، حان الوقت الآن لمعاودة الاطلاع على الاتفاقية المبرمة بينها وبين والدها. ولكن في أعماق آميتا هي لم تكن ترغب فعلاً في إغلاق مزرعة والدها على الإطلاق.
وهي تقول عن ذلك: «قال لي والدي إن لم تكوني راغبة في إغلاقها، فسوف أمنحك 2.5 فدان لبناء جامعتك الخاصة. ثم وافق على زيادة راتبي إلى مائة ألف روبية، ولم نغلق المزرعة أبداً».
و«مزرعة أوشا للخيول» هي المزرعة الهندية الوحيدة التي أنتجت ستة من خيولها المدرجة على قائمة أفضل خيول السباق.
أوقات الاختبار
وكان كل شيء يسير على ما يرام، ثم حققت آميتا لنفسها اسماً مميزاً في عالم تربية الخيول الهندية. وكانت تتولى جميع الأمور المتعلقة بالأمر باستثناء صفقات بيع الخيول.
لكن في عام 2001، وقعت بحياتها مأساة كبيرة. إذ فارق والداها وشقيقتها الحياة في حادثة سقوط مروحية كانت تقلهما.
تقول آميتا عن ذلك: «لقد كانت صدمة جسيمة. فقدت الجميع في لحظة واحدة. وأشعر الآن بأن والدي كان بعيد النظر للغاية. لقد علمني ودربني كي أحل محله في يوم من الأيام. وإن لم أكن مكانه الآن، لكان مصير مزرعة الخيول الإغلاق التام».
وتصف آميتا ميهرا تلك الفترة بأنها من أصعب وأشق فترات حياتها كلها، وقالت: «بعد شهر كامل من خسارتي لأسرتي، كان هناك مزاد. ولم أكن قد تمرست على بيع الخيول من قبل. وكان هناك 32 جواداً معروضين للبيع».
وبعد سنوات من الجهد والكفاح في البيئة المغلقة، تمكنت آميتا أخيراً من التعامل مع بعض رجال الأعمال المتسلطين.
وقالت: «سوف يدفعون بك بعيداً، إن اضطروا إلى ذلك، إنها صناعة يسيطر عليها الرجال بشدة»، وهي تعترف بأنها شعرت بالإقلال من مكانتها، لقد كانت مسألة تبارز بين الجنسين، وكانت خيولها من أفضل الخيول الموجودة في البلاد. ولكن المشترين ظنوا أنها سوف تكون عملية بيع عسيرة للغاية.
ومن حسن الطالع أن والدها قد ترك لها قائمة بالأسعار. «في البداية، كان المشترون يعرضون أسعاراً متدنية. وكنت في حالة مزرية، ومع ذلك، كنت سوف أقول نعم أو لا ولن أنخرط في المفاوضات. وانتهى بي الأمر وقد بعت كل حصان من الخيول المعروضة للبيع وفق السعر الذي حدده والدي، إذ كنت أرفض التزحزح قيد أنملة عن قائمته للأسعار».
ولم تمر سوى سنوات قليلة حتى تمكنت آميتا من تحقيق نتائج جيدة مكنتها من حيازة القبول بين أساطين تلك الصناعة. «لقد أدركوا أنني لست لقمة سائغة وأنني لست لينة العريكة».
ويوجد في مزرعتها نصب تذكاري آخر بجانب المُقام لوالديها وشقيقتها، وكان مخصصاً للحصان «رازين». لقد حقق الحصان الأصيل أكثر من 100 فوز في السباقات الكلاسيكية، وهو أعلى رقم مسجل في تاريخ السباقات الهندية. وذلك الجواد مدفونة رفاته عند موقع النصب التذكاري عندما مات في عام 2011 عن عمر يناهز 24 عاماً.
ويقرأ النقش الموسوم على نصب الحصان التذكاري: «رازين... الحصان الأسطورة... صاحب الامتياز الذي عاش ومات بكل كرامة... سوف تتذكره الأيام والسنين كأفضل حصان أنجبته البلاد وأكثرها تميزاً في تاريخ السباقات الهندية قاطبة».
كيف تمكنت آميتا من إنتاج أفضل الخيول الهندية، ثم تصديرها إلى دبي وسنغافورة، إلى جانب كونها من أفضل الخيول المطلوبة في الهند؟
كل يوم في تمام الساعة 11 صباحاً، تصطف كل الخيول في مزرعتها، ويبلغ عددهم 100 حصان، في صف طويل للتفتيش الشخصي بواسطة آميتا. وهي تراجع الطعام، والحالة الصحية، وأي تغييرات ولو كانت بسيطة في سلوكيات كل حصان منها وتقوم بتسجيلها.
شخصية متعددة المواهب
فيما وراء عالم الخيول، تعتبر السيدة آميتا ميهرا من الشخصيات متعددة المواهب، وهي من المؤلفين البارزين، ومن عشاق الموسيقى الكلاسيكية بمذاقيها الهندي والغربي.
والسيدة ميهرا من عشاق رياضة التنس، وتهتم كثيراً بعالم الروحانيات والتأمل. وكرست حياتها لأجل الخيول. وهي مستمرة منذ سنوات للحفاظ على موقع مزرعتها كأفضل جهات تربية الخيول في الهند.
وهناك فريق يتألف من 100 عامل وموظف يعلمون لديها. وجميع الأسر تعيش بالقرب من المزرعة، وتوفر آميتا لأفرادها الطعام والتعليم المجاني للأطفال، خصوصاً الإناث من بنات عمال المزرعة.
وتمكنت آميتا من نشر مجموعة من الكتب متنوعة الموضوعات، وهي من المحاضرين في المواضيع ذات الصلة بالتأمل وعلوم الحياة. كما أنها تواصل البحث عبر الإنترنت وتنظيم الدورات البحثية المتقدمة في فلسفة وممارسات «سري أوروبيندو» الهندوسية.
وكانت هي أيضاً السيدة الأولى التي نالت عضوية «نادي رعاة سباق دلهي للخيول»، وعضوية المجلس الاستشاري للجمعية الوطنية لتربية الخيول في الهند. وهي من المتحدثات المتمرسات، وعقدت الكثير من حلقات العمل، والدورات المنتظمة في مجال التنمية الذاتية، والتأمل، والتعليم المتكامل. وتلك الشخصية متعددة المواهب هي من المؤلفين غزيري الإنتاج كذلك. ومن بين الكتب التي ألفتها هناك «دايانا: التأمل والنمو الداخلي»، و«كارمايو أيارغا»، و«سادهانا: دليل الإتقان الذاتي»، و«عندما لا نبارح أزماننا»، و«قوة المواقف»، و«علوم الحياة»، و«التعليم النفسي». كما أنها تشرف بنفسها على تحرير دورية «شعاع الصحوة»، ودورية «تنمية الموارد البشرية».
ولقد طلب منها الكثيرون من معارفها في بداية مشوارها مغادرة العمل في المزرعة، لأنها من المهن التي يسيطر عليها الرجال، ولكنها تحدت وانتصرت على جميع التحديات والمعوقات التي واجهتها في مسيرتها المهنية.
ومن كلمات آميتا ميهرا الرنانة: «يتعين على المرأة أن تكون في ضعف جودة وامتياز الرجل حتى يعترف بها المجتمع والناس في هذا العالم. ولقد حققت هذا المستحيل مقارنة بمن كانوا أمامي على قدم المنافسة والتحدي».