رؤية مختلفة للندن عبر «وحوش» وحيوانات عبرت في تاريخها

متحف المدينة يقدم عرضاً عائلياً بامتياز مستعيناً بالدراما والبصريات الممتعة

تجسيد لمحل الصيدلاني في القرن السابع عشر
تجسيد لمحل الصيدلاني في القرن السابع عشر
TT

رؤية مختلفة للندن عبر «وحوش» وحيوانات عبرت في تاريخها

تجسيد لمحل الصيدلاني في القرن السابع عشر
تجسيد لمحل الصيدلاني في القرن السابع عشر

درج «ميوزيام أوف لندن» بوسط العاصمة البريطانية على تنظيم المعارض والفعاليات المختلفة التي تدور حول العاصمة تحديدا وحول الشخصيات المرتبطة بها، ويأتي معرضه الجديد «الحيوانات في لندن» ليستمر في نفس الخط ولكن بطريقة مختلفة قليلة عن المعتاد. فالمعرض وحسب اسمه يدور حول الحيوانات المختلفة التي عاشت في العاصمة البريطانية في مختلف العصور، والجديد هنا هو أن التاريخ يعرض من خلال وجهة نظر هذه الحيوانات ومن خلال قصصها المختلفة والتي نراها مدعمة بالمادة التاريخية الموثقة.
يجب القول بأن المعرض يتجه للعائلة وللصغار عموما، وإن كان هناك تأكيد على أن لا يقل سن الأطفال الحاضرين عن 7 سنوات.
وفي موقع المتحف بالقرب من بقايا الجدار الروماني الذي أحاط بلندن قديما، نبدأ الرحلة مع «وحوش» وحيوانات عبرت في تاريخ لندن.
وعبر تسع حكايات وتسع غرف وتسعة حيوانات يقدم المتحف عرضا متحفيا وتفاعليا جذابا يدعمه بقطع تاريخية من مجموعة المتحف. وبالتعاون مع مدرسة «غيلدهول للدراما والموسيقى» حول المنسقون العرض المتحفي إلى عرض تفاعلي موسيقي وبصري بالدرجة الأولى. في كل حكاية من الحكايات التسع نعرف جانبا من تاريخ لندن الاجتماعي.
ندلف للعرض عبر مساحة من العشب الصناعي ومنها لممر خافت الإضاءة تعرض على جوانبه لقطات متحركة لحيوانات مختلفة، كل منها ينطق بصوت فنان شهير وهو ما يجعل تلك الشخصيات أقرب للزائر.
القصة الأولى تدور حول الحيوانات التي وجدت على هذه البقعة من الأرض قبل أن تصبح لندن، منها الأسود والدببة وفيل الماموث المنقرض، واستمر وجودها لآلاف السنين حتى غير قدوم الإنسان الوضع للأبد، فاتخذ مساكنه حيث كانت الحيوانات تعيش بحرية واتخذ منها طعاما ودواب. ومن القطع التاريخية المرتبطة بتلك الفترة يقدم المعرض جزأ من فك الماموث يعود لفترة ما قبل التاريخ وعثر عليه في برنتفورد غرب لندن.
فرانسيس مارشال قيمة بالمتحف قالت: «الحيوانات في لندن هو أول معرض «غامر» يقدمه «ميوزيام أوف لندن»، يعد رحلة مدهشة وخلاقة ومبدعة بصريا كما أنها تثير العواطف وتشجع الزوار على النظر للحيوانات بشكل جديد وأيضا على رؤية تاريخ المدينة من منظور مختلف. المعرض نتاج أبحاث مركزة وخيال بلا حدود من فريق العمل بالمتحف بالتعاون مع فريق مدرسة غيلدهول للموسيقى والدراما وهو ما سيجذب أطيافا مختلفة من الجمهور». وبدوره قال دان شورتن المدير الإبداعي للمعرض ومسؤول تقنيات الفيديو في مدرسة غيلدهول: كان أمرا ممتعا أن نتعاون مع «ميوزيام أوف لندن» لنخرج قصص الحيوانات المختلفة في شوارع لندن عبر مراحل تاريخية وذلك باستخدام تقنية «فيديو ما بينغ».
ما يحسب للعرض هو الشرح الصوتي للمراحل المختلفة من تاريخ العاصمة وأيضا أنه قدم بشكل درامي الحيوانات المرتبطة بكل مرحلة، واستعان العرض في سبيل ذلك بأصوات ممثلين ومؤدين معروفين للوصول للجمهور بسهولة مثل إسناد شخصية الثعلب للعارضة المعروفة كيت موس وصوت الحصان للممثل نيش كومار وغيرهم. من المرحلة الأولى قبل وجود الإنسان في لندن نعبر لمرحلة غير فيها الوجود الإنساني المعادلة، ويختار المعرض مرحلة الوجود الروماني في لندن منذ 2000 عام وإنشاء مدينة «لندينيوم» كما سماها الرومان. اختار الغزاة استخدام نقوش الحيوانات مثل الأسد والنسر على الأسلحة والفخاريات واعتبروها رموزا للقوة والشجاعة. بالنسبة للحيوانات المنزلية رعى الرومان الخنازير والأبقار والماعز واستوردوا حيوانات أخرى للأكل مثل الأرانب واستخدموا الفراء.
ويعرج العرض على جانب آخر لوجود الحيوانات في تلك الفترة وهو الترفيه في استخدام الوحوش للمصارعة في الحلبات، ونعرف أن موقع «ميوزيام أوف لندن» يقف اليوم على بقايا مسرح روماني وبقايا معبد حيث كان الرومان يقدمون قرابين من الحيوانات للآلهة. الجميل في هذه الحجرة هو العرض المرئي الذي يشغل جدران حجرة كاملة بصور محاربين رومان وأرضية من الأحجار المنقوشة. وللاستفادة من القطع الأثرية من مقتنيات الموضوع نجد جزءا من آنية فخارية تعود للعصر الروماني تحمل نقشا لشخص يقفز فوق ثور.
- بداية حدائق الحيوان
في القرون الوسطى ازدادت أعداد الحيوانات في المدينة بعضها احتفظ به في برج لندن الشهير ضمن المجموعة الملكية الخاصة والتي أضاف ملوك وملكات لاحقون لها. ومن الحكايات التاريخية أيضا نعرف أن تاجر حيوانات أقام معرضا لها في منطقة ستراند أطلق عليه اسم «إكستر اكستشانج» بالعاصمة في عام 1773. وكان الزوار الراغبون في رؤية حمار وحشي أو أسد عليهم دفع مبلغ معين لرؤيتها. ولكن المعرض الذي يعد حديقة حيوان مصغرة أغلق كما أغلقت الحديقة ببرج لندن بحلول 1830 وتم نقل الحيوانات من البرج لمكان جديد وهو «حديقة حيوان لندن» كما نعرفها الآن. العرض هنا يستخدم الأساليب المسرحية وخيال الظل لنقل صورة حية عن الحيوانات التي وجدت ببرج لندن مع أصوات ممثلين تتقمص أصوات الحيوانات المختلفة ولوحة تاريخية تصور الحيوانات في حديقة «إكستر اكستشانج» تعود لعام 1813. من العرض المرح للقاعة السابقة نمضي لجانب مظلم من تاريخ المدينة ويسرد قصة الطاعون الذي تسبب في وفاة أكثر من 100 ألف شخص في القرن السابع عشر وعبر عرض لمتجر الصيدلاني نجد صورا للعقارات وأعشاب استخدمها سكان المدينة لمحاولة تفادي الوباء ولكن هنا أيضا ما يربط تلك المرحلة بالحيوانات حيث تسببت الفئران والبراغيث في نقل البكتيريا القاتلة.
- أعظم عرض على الأرض
استخدام الحيوانات للترفيه كان وسيلة لقضاء الوقت والترفيه لسكان المدينة فمن مصارعة الديوك إلى استخدام الكلاب لقتل الفئران في حلبات يحضرها الجمهور، تطورت تلك الفعاليات لتدخل في عرض ترفيهي أكبر وأكثر تقدما عبر السيرك. ونعرف أن أول سيرك أقيم في لندن افتتحه فيليب أستلي في عام 1768 وكان في الأصل مدرسة للفروسية ولكن الأحصنة كانت مدربة لعرض الحيل واستخدمها لاعبو الأكروبات لتقديم عروضهم وسرعان ما انضمت الحيوانات المستوردة مثل الأسود والأفيال، والعرض هنا يحول حجرة لخيمة سيرك ملونة وعرض بصري يستخدم رسومات من ملصقات دعاية للسيرك.
- عصر الحصان
من أجمل القاعات في المعرض تلك التي تعرض لنا حضور الحصان في الحياة اليومية للعاصمة، تتحول الحجرة لعرض بصري مستمر عن الأحصنة، من استخدامها كوسيلة للنقل والسفر إلى استخدامها في الشرطة ثم لاستخدامها في الملاهي. وعبر مقاعد صغيرة على هيئة الأحصنة من تلك التي تستخدم في حدائق الملاهي ومقاعد عربات تجرها الأحصنة وضعت ليجلس عليها زوار العرض، نجد أنفسنا في عرض غامر ممتع يستخدم الصوت والتعليق والألوان واللقطات السينمائية في تناغم ممتع. وينال الحمام الزاجل نصيبه من العرض أيضا فمن استخدامه في المراسلات أثناء الحروب العالمية إلى وجوده في معالم سياحية مثل ترافالغار سكوير حيث اعتاد السياح إطعامه، ثم نفيه عن تلك المنطقة. المعرض ممتع ومليء بالمعلومات والقطع الأثرية وأيضا الرسومات والعروض البصرية التي تحتوي الزائر وتدخله في أجواء مختلفة من حلبة المصارعة الرومانية لحانة صاخبة في العصر الفيكتوري حيث نرى حلبة لصراع الفئران ونسمع صيحات المشجعين وتحت خيمة السيرك حيث يعلو صوت مدرب الفيلة.


مقالات ذات صلة

زاهي حواس يُفند مزاعم «نتفليكس» بشأن «بشرة كليوباترا»

يوميات الشرق زاهي حواس (حسابه على فيسبوك)

زاهي حواس يُفند مزاعم «نتفليكس» بشأن «بشرة كليوباترا»

أكد الدكتور زاهي حواس، أن رفض مصر مسلسل «كليوباترا» الذي أذاعته «نتفليكس» هو تصنيفه عملاً «وثائقي».

فتحية الدخاخني (القاهرة)
يوميات الشرق استرداد حمض نووي لامرأة عاشت قبل 20000 عام من خلال قلادتها

استرداد حمض نووي لامرأة عاشت قبل 20000 عام من خلال قلادتها

وجد علماء الأنثروبولوجيا التطورية بمعهد «ماكس بلانك» بألمانيا طريقة للتحقق بأمان من القطع الأثرية القديمة بحثًا عن الحمض النووي البيئي دون تدميرها، وطبقوها على قطعة عُثر عليها في كهف دينيسوفا الشهير بروسيا عام 2019. وبخلاف شظايا كروموسوماتها، لم يتم الكشف عن أي أثر للمرأة نفسها، على الرغم من أن الجينات التي امتصتها القلادة مع عرقها وخلايا جلدها أدت بالخبراء إلى الاعتقاد بأنها تنتمي إلى مجموعة قديمة من أفراد شمال أوراسيا من العصر الحجري القديم. ويفتح هذا الاكتشاف المذهل فكرة أن القطع الأثرية الأخرى التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ المصنوعة من الأسنان والعظام هي مصادر غير مستغلة للمواد الوراثية

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق علماء: ارتفاع مستوى سطح البحر دفع الفايكنغ للخروج من غرينلاند

علماء: ارتفاع مستوى سطح البحر دفع الفايكنغ للخروج من غرينلاند

يُذكر الفايكنغ كمقاتلين شرسين. لكن حتى هؤلاء المحاربين الأقوياء لم يكونوا ليصمدوا أمام تغير المناخ. فقد اكتشف العلماء أخيرًا أن نمو الصفيحة الجليدية وارتفاع مستوى سطح البحر أدى إلى فيضانات ساحلية هائلة أغرقت مزارع الشمال ودفعت بالفايكنغ في النهاية إلى الخروج من غرينلاند في القرن الخامس عشر الميلادي. أسس الفايكنغ لأول مرة موطئ قدم جنوب غرينلاند حوالى عام 985 بعد الميلاد مع وصول إريك ثورفالدسون، المعروف أيضًا باسم «إريك الأحمر»؛ وهو مستكشف نرويجي المولد أبحر إلى غرينلاند بعد نفيه من آيسلندا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا مروي أرض «الكنداكات»... في قلب صراع السودان

مروي أرض «الكنداكات»... في قلب صراع السودان

لا تزال مدينة مروي الأثرية، شمال السودان، تحتل واجهة الأحداث وشاشات التلفزة وأجهزة البث المرئي والمسموع والمكتوب، منذ قرابة الأسبوع، بسبب استيلاء قوات «الدعم السريع» على مطارها والقاعد الجوية الموجودة هناك، وبسبب ما شهدته المنطقة الوادعة من عمليات قتالية مستمرة، يتصدر مشهدها اليوم طرف، ليستعيده الطرف الثاني في اليوم الذي يليه. وتُعد مروي التي يجري فيها الصراع، إحدى أهم المناطق الأثرية في البلاد، ويرجع تاريخها إلى «مملكة كوش» وعاصمتها الجنوبية، وتقع على الضفة الشرقية لنهر النيل، وتبعد نحو 350 كيلومتراً عن الخرطوم، وتقع فيها أهم المواقع الأثرية للحضارة المروية، مثل البجراوية، والنقعة والمصورات،

أحمد يونس (الخرطوم)
يوميات الشرق علماء آثار مصريون يتهمون صناع وثائقي «كليوباترا» بـ«تزييف التاريخ»

علماء آثار مصريون يتهمون صناع وثائقي «كليوباترا» بـ«تزييف التاريخ»

اتهم علماء آثار مصريون صناع الفيلم الوثائقي «الملكة كليوباترا» الذي من المقرر عرضه على شبكة «نتفليكس» في شهر مايو (أيار) المقبل، بـ«تزييف التاريخ»، «وإهانة الحضارة المصرية القديمة»، واستنكروا الإصرار على إظهار بطلة المسلسل التي تجسد قصة حياة كليوباترا، بملامح أفريقية، بينما تنحدر الملكة من جذور بطلمية ذات ملامح شقراء وبشرة بيضاء. وقال عالم الآثار المصري الدكتور زاهي حواس لـ«الشرق الأوسط»، إن «محاولة تصوير ملامح كليوباترا على أنها ملكة من أفريقيا، تزييف لتاريخ مصر القديمة، لأنها بطلمية»، واتهم حركة «أفروسنتريك» أو «المركزية الأفريقية» بالوقوف وراء العمل. وطالب باتخاذ إجراءات مصرية للرد على هذا

عبد الفتاح فرج (القاهرة)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».