ألمانيا العاشرة أوروبياً في ملف التهرب الضريبي الفردي

ألمانيا العاشرة أوروبياً في ملف التهرب الضريبي الفردي
TT

ألمانيا العاشرة أوروبياً في ملف التهرب الضريبي الفردي

ألمانيا العاشرة أوروبياً في ملف التهرب الضريبي الفردي

تحاول حكومات الدول الأوروبية كبح جماح التهرّب الضريبي على الصعيدين التجاري والفردي، بقدر الإمكان. مع ذلك فإنها لم تحقق إلا نجاحاً جزئياً. ويحظى ملف التهرّب الضريبي سوياً مع تعاظم موجة الجرائم المالية، باهتمام متزايد من البرلمان الأوروبي في بروكسل، الذي يشير خبراؤه إلى أن التهرّب الضريبي في دول الاتحاد الأوروبي يرسو إجماليه على 825 مليار يورو سنوياً.
في هذا المجال يقول الخبير الألماني في الشؤون الضريبية الأوروبية، مارتن غريدر، إن التهرّب الضريبي له وجهان أوروبياً؛ الأول يتعلق بالشركات والمؤسسات التجارية التي تنجح في إيطاليا في التهرّب من دفع ضرائب إجماليها 190 مليار يورو لمصلحة جباية الضرائب الوطنية كل عام، تليها نظيراتها الألمانية (125 مليار يورو)، ثم الفرنسية (117 مليار يورو). وتختلف بين دولة أوروبية وأخرى معالم التهرّب الضريبي في حال تم التركيز حصراً على سلوكيات المواطن الأوروبي الضريبية.
ويتابع: «لناحية التهرّب الضريبي الفردي تحتل إيطاليا المركز الأول، حيث يتمكن كل مواطن هناك من التهرّب من دفع ما إجماليه 3156 يورو ضرائب سنوياً. وتحتل الدانمرك المركز الثاني، حيث ينجح كل مواطن في التهرّب من دفع ضرائب بقيمة 3027 يورو سنوياً، تليها بلجيكا (2676 يورو)، ثم لوكسمبورغ (2657 يورو)، ومالطا (2059 يورو). وتحتل فنلندا المركز السادس (1934 يورو)، تليها اليونان (1847 يورو)، ثم فرنسا (1739 يورو)، والسويد (1687)، وألمانيا في المركز العاشر (1529 يورو). علماً بأن معدل التهرّب الضريبي الفردي المعترف به رسمياً في أوروبا يرسو على 1634 يورو. ومعدلات التهرّب الضريبي الفردي في رومانيا وبلغاريا هي الأدنى، إذ يبلغ في رومانيا 824 يورو سنوياً لينخفض إلى 544 يورو في بلغاريا».
وبرأيه «مقارنة بالناتج القومي، تحتضن الدانمارك أعلى نسبة من الضرائب الكلية المفروضة على الدخل الفردي وعائدات الشركات التي ترسو على أكثر من 45 في المائة. ويبدو أن التهرّب الضريبي أضحى عادة مستشرية في نفوس الأوروبيين وسلوكياتهم. فكل يوم ينجح المواطنون الأوروبيون في تفادي دفع ضرائب لمصلحة جباية الضرائب مجموعها 2.25 مليار يورو، سنوياً، أي 94 مليون يورو في الساعة أو 1.5 مليون يورو في الدقيقة أو 26113 يورو في الثانية».
في سياق متصل، تشير المستشارة القانونية المالية الألمانية نينا دوزل، إلى أنه وللمرة الأولى في تاريخه يضع الاتحاد الأوروبي كلاً من بلجيكا وقبرص وهنغاريا وآيرلندا ولوكسمبورغ وهولندا ومالطا في قفص الاتهام، مصنفاً هذه الدول السبعة بأنها تتمتع بكل خصائص الجنّات الضريبية. علاوة على ذلك تسعى حكومات هذه الدول إلى تسهيل التخطيط الضريبي الفردي والمؤسساتي المعادي للمعايير الأوروبية المرسومة في ملف التهرب الضريبي. لكن ما يحصل في مناطق أخرى من العالم مثل منطقة آسيا - الباسيفيك، في ملف التهرب الضريبي، أسوأ بكثير مما يحصل أوروبياً.
وتتابع: «لا شك أن الإرادة السياسية لمكافحة التهرّب الضريبي والجرائم المالية غائبة تماماً على الصعيد الأوروبي. لذا فإن المفوضية الأوروبية في بروكسل تعمل على تأسيس وحدة شرطة مالية أوروبية وأخرى لمحاربة غسل الأموال سوية مع هيئة ضريبية دولية مستقلة لدى الأمم المتحدة. ومن دون تدخلات حكومية أوروبية من المتوقع أن يصل إجمالي التهرب الضريبي في أوروبا حصراً إلى 1.2 تريليون يورو سنويا بحلول عام 2022».
وتختم: «يشتري الكثير من رجال الأعمال الأوروبيين، ومن ضمنهم الألمان جوازات سفر مالطوية وقبرصية بصورة قانونية لتفادي دفع الضرائب في بلدهم. وقد يتحرّك الاتحاد الأوروبي لإبطال عملية بيع جوازات السفر هذه، لأن مسؤولين رفيعي المستوى في بروكسل يعتبرون أن إجراءات غربلة طلبات المشترين الأوروبيين التي تقوم بها حكومتا فاليتا ونيقوسيا مليئة بالثغرات الأمنية التي قد تهدد الأمن القومي الأوروبي».


مقالات ذات صلة

كرّس حياته للسلام... رحيل ناجٍ من قنبلة ناغازاكي النووية عن 93 عاماً

آسيا شيغمي فوكاهوري أحد الناجين من القنبلة الذرية التي ألقيت على مدينة ناغازاكي عام 1945 (أ.ب)

كرّس حياته للسلام... رحيل ناجٍ من قنبلة ناغازاكي النووية عن 93 عاماً

توفي شيغمي فوكاهوري، أحد الناجين من القنبلة الذرية التي ألقيت على مدينة ناغازاكي عام 1945، والذي كرَّس حياته للدفاع عن السلام، عن عمر يناهز 93 عاماً.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
العالم جنود يشاركون في عرض عسكري لإحياء الذكرى السبعين لهدنة الحرب الكورية في بيونغ يانغ بكوريا الشمالية 27 يوليو 2023 (رويترز)

قوات كورية شمالية قد تشارك باحتفالات روسيا في الانتصار بالحرب العالمية الثانية

قال مسؤول روسي كبير إنه يعتقد بإمكانية مشاركة جنود كوريين شماليين في العرض العسكري في الساحة الحمراء العام المقبل، في ذكرى الانتصار بالحرب العالمية الثانية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
تحليل إخباري رجل يقف أمام الشرطة ويحمل لافتة كُتب عليها: «يون سوك يول... ارحل» في سيول (أ.ف.ب)

تحليل إخباري «الحرب» الكورية الجديدة تعيد إلى الأذهان ما جرى في 25 يونيو 1950

فجأة اصطخبت مياه البحيرة الكورية الجنوبية وعمّت الفوضى أرجاء سيول وحاصر المتظاهرون البرلمان فيما كان النواب يتصادمون مع قوات الأمن.

شوقي الريّس (بروكسل)
أوروبا روسيا تعتزم تنظيم أكبر احتفال في تاريخها بمناسبة الذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية (رويترز)

روسيا تنظم «أكبر احتفال» بالذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية

أعلنت روسيا اليوم (الثلاثاء) أنها تعتزم تنظيم «أكبر احتفال في تاريخها» بمناسبة الذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية، في سياق تمجيد القيم الوطنية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أميركا اللاتينية «لاهوت التحرر» يفقد مؤسّسه الكاهن الكاثوليكي البيروفي غوستافو غوتيرّيس عن 96 عاماً

«لاهوت التحرر» يفقد مؤسّسه الكاهن الكاثوليكي البيروفي غوستافو غوتيرّيس عن 96 عاماً

مطلع العقد السادس من القرن الماضي شهدت أميركا اللاتينية، بالتزامن مع انتشار حركات التحرر التي توّجها انتصار الثورة الكوبية.

شوقي الريّس (هافانا)

من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
TT

من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)

تعد السياحة المستدامة أحد المحاور الرئيسية في السعودية لتعزيز القطاع بما يتماشى مع «رؤية 2030»، وبفضل تنوعها الجغرافي والثقافي تعمل المملكة على إبراز مقوماتها السياحية بطريقة توازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة والتراث.

يأتي «ملتقى السياحة السعودي 2025» بنسخته الثالثة، الذي أُقيم في العاصمة الرياض من 7 إلى 9 يناير (كانون الثاني) الجاري، كمنصة لتسليط الضوء على الجهود الوطنية في هذا المجال، وتعزيز تعاون القطاع الخاص، وجذب المستثمرين والسياح لتطوير القطاع.

وقد أتاح الملتقى الفرصة لإبراز ما تتمتع به مناطق المملكة كافة، وترويج السياحة الثقافية والبيئية، وجذب المستثمرين، وتعزيز التوازن بين العوائد الاقتصادية من السياحة والحفاظ على المناطق الثقافية والتاريخية، وحماية التنوع البيئي.

وعلى سبيل المثال، تعد الأحساء، المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لـ«اليونسكو»، ببساتين النخيل وينابيع المياه والتقاليد العريقة التي تعود لآلاف السنين، نموذجاً للسياحة الثقافية والطبيعية.

أما المحميات الطبيعية التي تشكل 16 في المائة من مساحة المملكة، فتُجسد رؤية المملكة في حماية الموارد الطبيعية وتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة.

جانب من «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد» (واس)

«محمية الإمام عبد العزيز بن محمد»

في هذا السياق، أكد رئيس إدارة السياحة البيئية في «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد»، المهندس عبد الرحمن فلمبان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أهمية منظومة المحميات الملكية التي تمثل حالياً 16 في المائة من مساحة المملكة، والتي تم إطلاقها بموجب أمر ملكي في عام 2018، مع تفعيل إطارها التنظيمي في 2021.

وتحدث فلمبان عن أهداف الهيئة الاستراتيجية التي ترتبط بـ«رؤية 2030»، بما في ذلك الحفاظ على الطبيعة وإعادة تنميتها من خلال إطلاق الحيوانات المهددة بالانقراض مثل المها العربي وغزال الريم، بالإضافة إلى دعم التنمية المجتمعية وتعزيز القاعدة الاقتصادية للمجتمعات المحلية عبر توفير وظائف التدريب وغيرها. ولفت إلى الدور الكبير الذي تلعبه السياحة البيئية في تحقيق هذه الأهداف، حيث تسعى الهيئة إلى تحسين تجربة الزوار من خلال تقليل التأثيرات السلبية على البيئة.

وأضاف أن المحمية تحتضن 14 مقدم خدمات من القطاع الخاص، يوفرون أكثر من 130 نوعاً من الأنشطة السياحية البيئية، مثل التخييم ورياضات المشي الجبلي وركوب الدراجات. وأشار إلى أن الموسم السياحي الذي يمتد من نوفمبر (تشرين الثاني) إلى مايو (أيار) يستقطب أكثر من نصف مليون زائر سنوياً.

وفيما يخص الأهداف المستقبلية، أشار فلمبان إلى أن «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد» تستهدف جذب مليون زائر سنوياً بحلول 2030، وذلك ضمن رؤية المحميات الملكية التي تستهدف 2.3 مليون زائر سنوياً بحلول العام نفسه. وأضاف أن الهيئة تسعى لتحقيق التوازن البيئي من خلال دراسة آثار الأنشطة السياحية وتطبيق حلول مبتكرة للحفاظ على البيئة.

أما فيما يخص أهداف عام 2025، فأشار إلى أن المحمية تهدف إلى استقطاب 150 ألف زائر في نطاق المحميتين، بالإضافة إلى تفعيل أكثر من 300 وحدة تخييم بيئية، و9 أنواع من الأنشطة المتعلقة بالحياة الفطرية. كما تستهدف إطلاق عدد من الكائنات المهددة بالانقراض، وفقاً للقائمة الحمراء للاتحاد الدولي لشؤون الطبيعة.

هيئة تطوير الأحساء

بدوره، سلّط مدير قطاع السياحة والثقافة في هيئة تطوير الأحساء، عمر الملحم، الضوء لـ«الشرق الأوسط» على جهود وزارة السياحة بالتعاون مع هيئة السياحة في وضع خطط استراتيجية لبناء منظومة سياحية متكاملة. وأكد أن الأحساء تتمتع بميزة تنافسية بفضل تنوعها الجغرافي والطبيعي، بالإضافة إلى تنوع الأنشطة التي تقدمها على مدار العام، بدءاً من الأنشطة البحرية في فصل الصيف، وصولاً إلى الرحلات الصحراوية في الشتاء.

وأشار الملحم إلى أن إدراج الأحساء ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي التابعة لـ«اليونسكو» يعزز من جاذبيتها العالمية، مما يُسهم في جذب السياح الأجانب إلى المواقع التاريخية والثقافية.

ورحَّب الملحم بجميع الشركات السعودية المتخصصة في السياحة التي تسعى إلى تنظيم جولات سياحية في الأحساء، مؤكداً أن الهيئة تستهدف جذب أكبر عدد من الشركات في هذا المجال.

كما أعلن عن قرب إطلاق أول مشروع لشركة «دان» في المملكة، التابعة لـ«صندوق الاستثمارات العامة»، والذي يتضمن نُزُلاً ريفية توفر تجربة بيئية وزراعية فريدة، حيث يمكنهم ليس فقط زيارة المزارع بل العيش فيها أيضاً.

وأشار إلى أن الأحساء منطقة يمتد تاريخها لأكثر من 6000 عام، وتضم بيوتاً وطرقاً تاريخية قديمة، إضافةً إلى وجود المزارع على طرق الوجهات السياحية، التي يصعب المساس بها تماشياً مع السياحة المستدامة.

يُذكر أنه يجمع بين الأحساء والمحميات الطبيعية هدف مشترك يتمثل في الحفاظ على الموارد الطبيعية والثقافية، مع تعزيز السياحة المستدامة بوصفها وسيلة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وكلاهما تمثل رمزاً للتوازن بين الماضي والحاضر، وتبرزان جهود المملكة في تقديم تجربة سياحية مسؤولة تُحافظ على التراث والبيئة.