تغيير سلوك النظام الإيراني رهن بتخطي «ولاية الفقيه»

أنصار «حزب الله» في بيروت يحتفلون بذكرى  قيام الثورة الإيرانية (أ.ب)
أنصار «حزب الله» في بيروت يحتفلون بذكرى قيام الثورة الإيرانية (أ.ب)
TT

تغيير سلوك النظام الإيراني رهن بتخطي «ولاية الفقيه»

أنصار «حزب الله» في بيروت يحتفلون بذكرى  قيام الثورة الإيرانية (أ.ب)
أنصار «حزب الله» في بيروت يحتفلون بذكرى قيام الثورة الإيرانية (أ.ب)

منذ قيام الثورة عام 1979 بقي النظام الإيراني مشكلة لمواطنيه في الداخل ومصدر قلق لجيرانه وللعالم. حصدت تلك الثورة ضحايا كثيرين من الإيرانيين، أكثرهم كانوا من حلفائها وممن راهنوا على قدرتها على تغيير الوضع الذي كانوا يشكون منه في أيام الشاه. صدقوا الوعود واعتقدوا أن رجالاً جاءوا ملتحفين بالشعارات يمكن أن ينقذوا إيران ويطلقوا الحريات التي كانت الشكوى من غيابها في الزمن السابق. بسرعة انهار ذلك الرهان مثلما انهار رهان بعض دول المنطقة التي اعتقدت أن صفحة جديدة من العلاقات مع طهران يمكن أن تفتح، فإذا بمشروع «تصدير الثورة» يتحول إلى مدخل لتدخل طهران في شؤون هذه الدول ولوضع علامات حسن السلوك لأنظمتها.
إيران اليوم أمام محطة مفصلية. لا الاتفاق النووي قادر على حماية وضعها الاقتصادي، بعدما تخلت عنه إدارة ترمب وتبين أن طهران اختارت السير فيه أيام إدارة باراك أوباما لتصرف أنظار الغرب عن مشاريع زعزعتها لاستقرار المنطقة، ولا الصراع الداخلي مقبل على الحسم، في ظل احتدام التنافس على خلافة خامنئي، التي يمكن أن تفتح الباب أمام كل الاحتمالات، التي تتراوح بين النزاع الداخلي كما حصل في الانتخابات الرئاسية عام 2009 وصولاً إلى احتمال نهاية «ولاية الفقيه».
في هذه الصفحة عرض لأزمة إيران مع نفسها ومع جيرانها والعالم، من خلال إلقاء الضوء على الوضع الداخلي ودور إيران في المنطقة، وما يمكن أن تحصل عليه من الاتفاق النووي بعد انسحاب إدارة ترمب منه.

يثير الوضع الداخلي الإيراني ومستقبل النظام السياسي تساؤلات وقلقاً كبيراً بين الإيرانيين في ظل الصراع بين أجهزة الدولة على «مصلحة النظام» وهو ما يعمق الشكوك إزاء قدرة الحكومة الإيرانية على مواجهة التحديات بعد انسحاب دونالد ترمب من الاتفاق النووي.
ويرى الصحافي والمحلل السياسي رضا عليجاني في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «عدة عوامل أساسية يجب النظر فيها بعيدا عن مبالغة أو تبسيط أو أنصار النظام في تحليل الوضع الداخلي الإيراني».
فمستقبل إيران يحدده الاقتصاد الذي ينبغي فهمه على ضوء ثلاثة محاور، أبرزها سياسات المرشد علي خامنئي صاحب اليد العليا في الدولة المنقسمة بين ثنائية «الولاية» و«الجمهورية». ويشير عليجاني إلى عدة أسباب ساهمت تدريجيا في قلب الطاولة الاقتصادية على حسن روحاني وبينها الخلاف في التصور بين طرفي الاتفاق النووي، فالرئيس الإيراني كان يعتقد أن تقتصر المفاوضات على الملف النووي وعبره يمكن تقليل العقوبات، وأن الغربيين سيقبلون بغض الطرف عن سلوك إيران ودورها الإقليمي، أما الطرف الغربي فكان يأمل بأن تكون المفاوضات النووية حلقة أولى من المفاوضات التالية لإحداث تغيير في سلوك طهران.
عليجاني يقول إن الدبلوماسية الإيرانية دخلت «مرحلة معقدة ومأزقاً» مع انتخاب ترمب الذي عمل على تدمير إرث سلفه باراك أوباما. موضحا أن تراجع روحاني عن وعود السياسة الخارجية والتنازل للمرشد عقّد مهمة وزير الخارجية محمد جواد ظريف. وفي المقابل، يرفض ترمب تقديم تنازلات لإيران ويراهن على أن المفاوضات تمر عبر إضعاف الاقتصاد الإيراني للوصول إلى تغيير جذري في سلوك طهران.
ويشبه عليجاني سياسات خامنئي من جهة وترمب وحلفائه من جهة أخرى بـ«حجري رحى تدهس الاقتصاد والمواطن الإيراني»، ويرجح سيناريوهين؛ الأول: التعايش مع الظروف الحالية، الثاني: إمكانية عودة احتجاجات ديسمبر (كانون الأول) 2017 التي اندلعت في أكثر من ثمانين مدينة إيرانية. وهذا يفسر محاولة الحكومة بيع مليون برميل نفط بهدف تشغيل موارد النفط لمواجهة الضغوط.
وينتقد عليجاني الذي يميل إلى فكرة التحول تدريجيا إلى الديمقراطية سلوك المعسكر الإصلاحي بسبب إطلاقه تحذيرات من تكرار سيناريو سوريا في إيران. ويلحظ وجود اختلاف بين المطالبين بـ«التحول التدريجي وتخطي النظام» والإصلاحيين، يكمن في فصل الدين عن نظام الحكم وإعلان نظام عرفي بينما الإصلاحيون يريدون الحفاظ على نظام الحكم الحالي.
بدوره، يرى الصحافي المستقل إيرج مصداقي أن الخلافات بين أجنحة النظام ليس لها تأثير في تغيير سلوك نظام «ولاية الفقيه» ويستطرد: «بعد أربعين سنة نرى الخلافات والنزاعات كانت حاضرة وأدت إلى تهميش مهدي بارزغان وأبو الحسن بني صدر وآية الله حسين علي منتظري وعلي أكبر هاشمي رفسنجاني ومهدي كروبي ومير حسين موسوي ومحمد خاتمي ومحمود أحمدي نجاد، إلا أنها لم تؤثر على تغيير سلوك النظام لأنه كلما تقدمت زادت الأوضاع سوءا وهذه حقيقة نظام (ولاية الفقيه) الذي يمنع أي إمكانية لتغيير سلوكه». ويضيف أن «أول خطوة يتخذها النظام لإصلاح سلوكه ستؤدي إلى انهياره».
وعن الأسباب الحقيقية للخلافات يرى أن أجنحة النظام مثل «أسر المافيا على الرغم من التضاد والخصومات الشخصية، فلديها مصالح مشتركة». منوها بأن الأجهزة المتعددة في النظام لا يمكنها أن تحل محل الأجهزة الأساسية في صنع القرار وإنما تتحول نفسها إلى مشكلة. على سبيل المثال فإن مجلس تشخيص مصلحة النظام أنشئ لحل الخلافات ولكنه الآن تحول إلى مشكلة وهو ما دفع خامنئي إلى تأسيس لجنة لحل الخلافات بين رؤساء البرلمان والقضاء والحكومة.
ومع أن مصداقي يؤكد أنه «إصلاحي ويريد الخيارات الأقل كلفة» فهو يقول إنه «ليس متوهما ولا يريد خداع نفسه وخداع الناس» ويرى أن من الصعب تصور أي إصلاح في ظل وجود نظام «ولاية الفقيه» لأن الإصلاحات الواقعية في النظام «تعادل إسقاطه»، ولذا يرجح أن النظام لن يتجه لخيار الإصلاحات، متابعا أن «التحولات الاجتماعية تشبه الزلزال والتسونامي في إيران... وحدوث الزلزال الاجتماعي مؤكد لكن لا يمكن التكهن بتوقيته»، ثم يقول: «ما لم يوجد رمز لتغيير يجمع الناس والقوى السياسة فسيستمر النظام حتى لو تحولت البلاد إلى خراب».
في المقابل، يعتقد أستاذ العلوم السياسية بجامعة تيلبورغ الهولندية، عمار ملكي أنه كلما زادت الضغوط الخارجية تتراجع عادة الخلافات داخل النظام بين التيارين الإصلاحي والمحافظ. وعلى هذا الأساس يشير إلى اقتراب الرئيس روحاني من أدبيات «الحرس الثوري» والتيار المتشدد في فترة رئاسته الثانية، ويتابع: «على أي حال وإن كنا نرى خلافا في الظاهر لكن الطرفين أجمعا على ضرورة العمل معا للحافظ على النظام من الضغوط»، وذلك نتيجة مخاوف من أن تؤدي الضغوط الخارجية إلى استياء شعبي يهدد كيان النظام.
ويعتقد ملكي الذي يدير حاليا مركز استطلاع رأي إيرانيا أن الخلافات الداخلية تعود إلى خلافات التيارين على مصادر القوة والثروة في البلاد نتيجة رغبة أحد الطرفين بالسيطرة على الحصة الكبرى وهو ما يتمثل في التيار المحافظ. وفي المقابل فإن التيار الإصلاحي الذي يسيطر على الحكومة يحاول الحفاظ على موقعه من ناحية ويخشى انهيار سلته الانتخابية من ناحية أخرى. ويلخص ملكي أن «الخلاف لم يكن قط حول أصل النظام إنما حول قضايا من هذا النوع».
ومن ثم يقف عند النموذجين؛ الصيني الذي يسعى التيار الإصلاحي إلى تطبيقه، والنموذج الكوري الشمالي الذي يميل التيار المحافظ إلى تطبيقه، مشددا على أن المحافظين يعتقدون أنه يمكن التوجه إلى النموذج الكوري وقطع العلاقات مع العالم والغرب لتأمين بقاء النظام، في حين يعتقد الإصلاحيون أنه بواسطة النموذج الصيني يمكن تطبيع العلاقات مع الأوروبيين في غياب الحريات السياسية والديمقراطية وهو ما يضمن بقاء النظام.
ملكي يستبعد إمكانية الإصلاح في إيران على ضوء سجل التيار الإصلاحي على مدى العقدين الماضيين لأسباب عدة؛ منها تعذر إصلاح بنية النظام، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن التغيير يمكن أن ينال رضا المجتمع الإيراني والتغيير الجذري الذي يشمل حذف مواد من الدستور الإيراني التي تجعله دستورا ديمقراطيا مثل «ولاية الفقيه»، ثم يلفت إلى أن التيار الإصلاحي يشعر بأنه «إذا تحركت إيران نحو ديمقراطية واقعية سيخسر قاعدته الشعبية لأن التيار الإصلاحي سيكون الخيار الرابع أو الخامس للإيرانيين إذا جرت انتخابات حرة».
ومن ثم يقول إن العلمانية السياسية مطلب شعبي ولكن الإصلاحيين لا يملكون إمكانية التغيير ولا الرغبة فيه.
وبشأن الأفق الإيراني في العام الإيراني الجديد يتوقع ملكي أن يؤدي تدهور الأوضاع المعيشية والعقوبات إلى مزيد من الضغط على الإيرانيين، ويرجح أن تشهد إيران احتجاجات متقطعة وربما متواصلة في العام الجديد. وأن يكون هذا العام مصيريا للنظام لأنه سيشهد انتخابات برلمانية. ويشبه الوضع الحالي بظروف عام 1989 الذي شهد وفاة الخميني وإعدام آلاف السجناء السياسيين بالتزامن مع تولي خامنئي منصب المرشد. من هنا ينظر للانتخابات البرلمانية المقررة في فبراير (شباط) المقبل بأنها تحظى بأهمية لقياس وزن المشروعية التي يحظى بها النظام بعد احتجاجات شهدتها أكثر من ثمانين مدينة في بداية عام 2018.
من جانب آخر، يعتقد ملكي أن تشديد العقوبات وقضية النفط قد تكونان مؤثرتين على اتساع الاحتجاجات، وهو ما يكون بمثابة مشكلة كبيرة قد تدفع النظام لاستخدام القمع أو تكرار ما شهدته سوريا، لكن هناك قلقاً على المستوى العالمي من تكرار أحداث سوريا في إيران.
أخيرا يقول العضو في مجموعة «فرشغرد» المعارضة شروان فشندي، إن النظام الإيراني وصل إلى إفلاس شامل في السياسة والاقتصاد بعد أربعين سنة من الثورة. مشددا على أن الاقتصاد يعاني من مشاكل هيكلية ومتزايدة قبل العقوبات الأميركية التي بدأت في أغسطس (آب) الماضي. ويشير إلى أن العرض النقدي زاد بشكل مطرد ما أدى إلى إفلاس البنوك الحكومية والبنوك الخاصة وصناديق التقاعد أو جعلها على حافة الإفلاس. لكن العقوبات الأخيرة كانت القشة التي قصمت ظهر البعير ووجهت الضربة النهائية للاقتصاد شبه المفلس.
ويقول فشندي، إن «المأزق السياسي يتضح أكثر مع كون خامنئي في حدود الثمانين وسط غياب خليفة له يحظى بقبول الناس أو جاذبية داخل النظام. كذلك فإن قسماً كبيراً من الاقتصاد الإيراني في يد (الحرس). و(الحرس) قبل أن يكون ذراعا عسكرية للنظام بات مافيا حقيقية تغطيها الحكومة الإيرانية. وليس واضحا إلى متى تتمكن المافيا هذه من الحفاظ على قوتها بعد موت خامنئي فلا تتورط في اجتثاث دموي».
وحسب فشندي، فإن فترة الفتور التي تواجه الرؤساء بشكل تقليدي في نهاية الولاية الثانية بدأت بالنسبة لروحاني قبل أوانها، وتحديدا منذ خروج ترمب من الاتفاق النووي. ويقول، إن «غالبية الشعب الإيراني لا ترى حاليا أي اختلاف بين روحاني وخامنئي وقاسم سليماني».



إدارة «حماس» ملف الرهائن... الوقت ضد «الصفقة»

بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
TT

إدارة «حماس» ملف الرهائن... الوقت ضد «الصفقة»

بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»

بعد أكثر من 420 يوماً على أطول حرب مدمرة عرفها الفلسطينيون، لا يزال الغزيون الذين فقدوا بلدهم وحياتهم وبيوتهم وأحباءهم، لا يفهمون ماذا حدث وماذا أرادت حركة «حماس» حقاً من هجومها المباغت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على إسرائيل، الهجوم الذي غير شكل المنطقة وفتح أبواب الحروب والتغييرات.

الشيء الوحيد الواضح حتى الآن هو أن غزة تحولت إلى منطقة غير قابلة للحياة، ولا شيء يمكن أن يصف ألم الباقين على قيد الحياة الذين فقدوا نحو 50 ألفاً في الحرب المستمرة، وأكثر من 100 ألف جريح.

وإذا كان السكان في قطاع غزة، وآخرون في الضفة الغربية وربما أيضا في لبنان ومناطق أخرى لم يفهموا ماذا أرادت «حماس»، فإنهم على الأقل يأملون في أن تأتي النتائج ولو متأخرة بحجم الخسارة، ولا شيء يمكن أن يعوض ذلك سوى إقامة الدولة. لكن هل أرادت «حماس» إقامة الدولة فعلاً؟

هاجس الأسرى الذي تحول طوفاناً

في الأسباب التي ساقتها، تتحدث حركة «حماس» عن بداية معركة التحرير، لكنها تركز أكثر على «تحريك المياه الراكدة في ملف الأسرى الإسرائيليين الذين كانت تحتجزهم الحركة قبيل الحرب»، و «الاعتداءات المتكررة من قبل المنظومة الأمنية الإسرائيلية بحق الأسرى الفلسطينيين»، إلى جانب تصاعد العدوان باتجاه المسجد الأقصى والقدس وزيادة وتيرة الاستيطان.

ولا تغفل الحركة عن أنها أرادت توجيه ضربة استباقية تهدف لحرمان تل أبيب من مباغتة غزة، وإعادة القضية إلى الواجهة.

وقالت مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الأسباب كانت صحيحة وكافية بالنسبة للحركة لاتخاذ قرار شن الهجوم، لكن خرج المخطط عن السيطرة».

لافتات في القدس تنادي بعقد صفقة لإطلاق الأسرى الإسرائيليين في غزة بجانب صورة لزعيم «حماس» يحيى السنوار وأخرى لزعيم «حزب الله» حسن نصر الله اللذين قتلتهما إسرائيل في سبتمبر وأكتوبر الماضيين (أ.ف.ب)

وأضاف: «الهدف الرئيسي كان أسر جنود إسرائيليين وعقد صفقة تاريخية. ثم تأتي الأسباب الأخرى. لكن لم يتوقع أحد حتى المخططون الرئيسيون، أن تنهار قوات الاحتلال الإسرائيلي بهذه الطريقة، ما سمح بالدفع بمزيد من المقاومين للدخول لمناطق أخرى في وقت وجيز، قبل أن يتسع نطاق الهجوم بهذا الشكل».

ويعد تحرير الأسرى الفلسطينيين بالقوة، هاجس «حماس» منذ نشأت نهاية الثمانينات.

ونجحت الحركة بداية التسعينات أي بعد تأسيسها فوراً باختطاف جنود في الضفة وغزة والقدس وقتلتهم دون تفاوض. وفي عام 1994 خطف عناصر «حماس» جندياً وأخذوه إلى قرية في رام الله وبَثُّوا صوراً له ورسائل، وطلبوا إجراء صفقة تبادل، قبل أن يداهم الجنود المكان ويقتلوا كل من فيه.

وخلال العقود القليلة الماضية، لم تكل «حماس» أو تمل حتى نجحت عام 2006 في أسر الجندي جلعاد شاليط على حدود قطاع غزة، محتفظة به حتى عام 2011 عندما عقدت صفقة كبيرة مع إسرائيل تم بموجبها تحرير شاليط مقابل ألف أسير فلسطيني، بينهم يحيى السنوار الذي فجر فيما بعد معركة السابع من أكتوبر من أجل الإفراج عمن تبقى من رفاقه في السجن.

وتعد الحركة، الوحيدة التي نجحت في خطف إسرائيليين داخل الأراضي الفلسطينية، فيما نجح الآخرون قبل ذلك خارج فلسطين.

وقال مصدر في «حماس»: «قيادة الحركة وخاصةً رئيس مكتبها السياسي يحيى السنوار، كانت تولي اهتماماً كبيراً بملف الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وظلت تبحث عن كل فرصة لإخراج أكبر عدد ممكن منهم».

وأضاف: «السنوار وعد رفاقه عندما خرج في صفقة شاليط بالإفراج عنهم».

انفجار ضخم بعد قصف إسرائيلي لمخيم البريج جنوب غزة (إ.ب.أ)

وفعلاً حاول السنوار التوصل إلى صفقة من خلال مفاوضات على 4 أسرى لدى الحركة، وهم الجنود: هدار غولدن، وآرون شاؤول، اللذان تم أسرهما عام 2014، وأفراهام منغستو بعدما دخل الحدود بين عسقلان وغزة في العام نفسه، وهشام السيد بعد تسلله هو الآخر من الحدود.

تكتيكات «حماس» قبل وبعد

منذ 2014 حتى 2023 جربت «حماس» كل الطرق. عرضت صفقة شاملة وصفقة إنسانية، وضغطت على إسرائيل عبر نشر فيديوهات، آخرها فيديو قبل الحرب لمنغتسو، قال فيه: «أنا أفيرا منغيستو الأسير. إلى متى سأبقى في الأسر مع أصدقائي»، متسائلاً: «أين دولة إسرائيل وشعبها من مصيرهم».

ونشْر الفيديوهات من قبل «حماس» ميَّز سياسة اتبعتها منذ نشأتها من أجل الضغط على إسرائيل لعقد صفقات تبادل أسرى، وهو نهج تعزز كثيراً مع الحرب الحالية.

وخلال أكثر من عام نشرت «حماس» مقاطع فيديو لأسرى إسرائيليين بهدف الضغط على الحكومة الاسرائيلية، وعوائل أولئك الأسرى من جانب آخر، وكان آخر هذه المقاطع لأسير أميركي - إسرائيلي مزدوج الجنسية يدعى إيدان ألكسندر.

وظهر ألكسندر قبل أسبوع وهو يتحدث بالإنجليزية متوجهاً إلى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، وبالعبرية متوجهاً إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مطالباً إياهم بالعمل على الإفراج عنه وعن الأسرى ضمن صفقة تبادل، مؤكداً أن حراسه من عناصر «حماس» أخبروه بأنهم تلقوا تعليمات جديدة إذا وصل الجيش الإسرائيلي إليهم، في إشارة لإمكانية قتله، داعياً الإسرائيليين للخروج والتظاهر يومياً للضغط على الحكومة للقبول بصفقة تبادل ووقف إطلاق النار في غزة. مضيفاً: «حان الوقت لوضع حد لهذا الكابوس».

وكثيراً ما استخدمت «حماس» هذا التكتيك، لتظهر أنها ما زالت تحافظ على حياة العديد منهم وأنهم في خطر حقيقي، وللتأكيد على موقفها المتصلب بأنه لا صفقة دون وقف إطلاق نار.

وفي الأيام القليلة الماضية، نشرت «حماس» فيديو جديداً عبر منصاتها أكدت فيه أن 33 أسيراً قتلوا وفقدت آثار بعضهم بسبب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وجيشه، وأنه باستمرار الحرب قد تفقد إسرائيل أسراها إلى الأبد.

إذن من أجل كل هذا وبعدما فشلت «حماس» في الوصول إلى صفقة، هاجمت في السابع من أكتوبر.

وقال مصدر مطلع: «لم تجد قيادة (حماس) أمامها سوى الخيار العسكري لتحريك هذا الملف، بعدما أهملت إسرائيل الملف ومطالبات الحركة بإتمام صفقة».

لكن النتائج جاءت عكس ما اشتهت السفن.

وأغلب الظن أن حركة «حماس» كانت تخطط لأسر عدد محدود من الإسرائيليين، تدخل بعدها في معركة قصيرة مع إسرائيل تجبر فيها الأخيرة على الإذعان لصفقة تبادل، على غرار ما جرى بعد اختطاف شاليط.

فالطوفان الذي خططت له «حماس»، جلب طوفانات على الفلسطينيين، وتحديداً في غزة التي تدمرت ودفعت ثمناً لا يتناسب مطلقاً مع الهدف المنوي جبايته.

خارج التوقعات

بدأت أصوات الغزيين ترتفع ويجاهر كثيرون بأن إطلاق سراح الأسرى لا يستحق كل هذا الدمار، ويقولون إن عدد الضحايا أصبح أضعاف أضعاف أعداد الأسرى، الذين بلغ عددهم قبل الحرب نحو 6 الآف.

وقال فريد أبو حبل وهو فلسطيني من سكان جباليا نازح إلى خان يونس جنوب القطاع: «كل ما نريده أن تتوقف هذه الحرب، لا شيء يمكن أن يكفر عن الثمن الباهظ جداً الذي دفعناه ولا حتى تبييض السجون بأكملها يمكن أن يعيد لنا جزءاً من كرامتنا المهدورة ونحن في الخيام ولا نجد ما نسد به رمق أطفالنا».

وتساءل أبو حبل: «من المسؤول عما وصلنا إليه؟! لو سئل الأسرى أنفسهم عن هذه التضحيات لربما كانوا تخلوا عن حريتهم مقابل أن يتوقف هدر الدماء بهذا الشكل».

لكن منال ياسين، ترى أن من يتحمل مسؤولية استمرار هذه الحرب هو الاحتلال الإسرائيلي وخاصةً نتنياهو الذي يرفض كل الحلول، معربةً عن اعتقادها أن «حماس» قدمت ما عليها، وحاولت تقديم كثير من المرونة، لكن من ترفض الحلول هي إسرائيل.

وتؤكد ياسين أن جميع سكان غزة يريدون وقف هذه الحرب.

ولا يقتصر هذا الجدل على آراء الناس في الشارع، بل امتد لشبكات التواصل الاجتماعي. وكتب الكاتب محمود جودة على صفحته على «فيسبوك»: «الموضوع صار خارج منطق أي شيء، مطر وجوع وقتل وخوف، أهل غزة الآن بيتعذبوا بشكل حقير وسادي، مقابل اللاشيء حرفياً. الجرحى بينزفوا دم، والمطر مغرقهم، والخيام طارت، والطين دفن وجوه الناس، ليش كل هذا بيصير فينا، ليش وعشان شو بيتم استنزافنا هيك بشكل مهين».

وقال الطبيب فضل عاشور، إن «كل محاولات حماس للحفاظ على البقاء محكومة بالفشل، والعناد اليائس ثمنه دمنا ولحم أطفالنا». فيما كتب الناشط الشبابي أيمن بكر: «ما هذا الخرب يا حماس؟ هل كل هذا يستاهل ما نحن فيه؟ نحن نموت جوعاً وقتلاً».

جوع وأزمة غذاء وتدافع على حصص المساعدات الغذائية في خان يونس (رويترز)

جدل عام وتهم جاهزة

هذا الجدل سرعان ما انتقل إلى السياسيين ورجال الدين.

فقد أثار الشيخ سليمان الداية عميد كلية الشريعة في الجامعة الإسلامية التابعة لـ«حماس»، وأبرز الشخصيات المعروفة مجتمعياً ومن القيادات المؤثرة دينياً داخل الحركة، وجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، جدلاً عبر شبكات التواصل الاجتماعي بعد نشره حلقات متتالية حول ما آلت إليه الحرب من نتائج صعبة على واقع الغزيين سياسياً واقتصادياً ودينياً واجتماعياً.

وكان الداية بالأساس يرد على تساؤلات دفعته لنشر هذه الحلقات، حول تصريحات للقيادي في «حماس» أسامة حمدان، حين قال إن ما يعيشه سكان غزة واقع عاشه كثيرون في العالم على مر التاريخ، مدافعاً عن هجوم 7 أكتوبر، ومبرراً حاجة حركته للتمسك بمواقفها رغم العدد الكبير من الضحايا والدمار الذي لحق بغزة.

ودفع كلام الداية، الكثيرين من المؤيدين لفكرة إنهاء الحرب أو رفضها من الأساس، بينما هاجمه كثيرون من عناصر «حماس» ووصفوه بأنه أحد «المتخاذلين أو المستسلمين».

وكتب الأسير المحرر والمختص بالشؤون الإسرائيلية عصمت منصور على صفحته في «فيسبوك» معلقاً على هذا الجدل: «لا تتهموا كل من يختلف أو يجتهد أو يحاول إثارة نقاش بجمل مسبقة وجاهزة ووضعه في خانة معادية للمقاومة وتحويل المقاومة إلى سيف مسلط على ألسن الناس».

ويرى المحلل السياسي مصطفى إبراهيم، أن هذا الخلاف، طبيعي في ظل الظروف التي تحكم الفلسطينيين، لكنه يعتقد أنه كان من الصواب لو اعترفت «حماس» بأنها ربما قد تكون أخطأت التقدير في ظروف ردة الفعل الإسرائيلية على مثل الهجوم الذي شنته، وكان من الممكن أن يكون بشكل مغاير يخفف من مثل ما يجري على الأرض من مجازر ترتكب يومياً.

وأضاف: «الفلسطينيون بحاجة لنقاش جدي حول كثير من القضايا خاصةً فيما يتعلق بما وصلت إليه القضية الفلسطينية على جميع المستويات».

وتجمع غالبية من الفلسطينيين على أن حركة «حماس» كانت قادرة على أن يكون الهجوم الذي نفذته في السابع من أكتوبر 2023، أكثر حكمةً وأقل ضرراً بالنسبة للغزيين في ردة فعلهم.

أطفال فلسطينيون يحضرون صفاً أقامته معلمة سابقة وأم من رفح لتعليم الأولاد في مركز نزوحهم بإحدى مدارس خان يونس (أ.ف.ب)

ويستدل الفلسطينيون خاصةً في غزة، على العديد من الهجمات التي كانت تنفذها «حماس» لمحاولة خطف إسرائيليين، بشكل يظهر حكمتها، كما جرى في عملية أسر جلعاد شاليط عام 2006.

وتقول مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»، إن ما جرى كان خارج التوقعات، ولم يشمل المخطط الحقيقي للعملية، على الأقل أسر هذا العدد الكبير من الإسرائيليين.

وتعتقد مصادر أخرى أن القائمين على مخطط الهجوم، لو كانوا يدركون أنه سيسير بهذا الشكل، وتحديداً فيما يتعلق بردة الفعل الإسرائيلية، لصرفوا النظر أو أوقفوا الهجوم أو غيروا من تكتيكاته.

وإذا كان ثمة نقاش حول الثمن المدفوع الذي أرادت «حماس» أن تجبيه فإنها حتى الآن لم تُجبِه.

ويبدو أن التوصل لصفقة بين «حماس» وإسرائيل، أعقد مما تخيلت الحركة، في ظل رفض الأخيرة لكثير من الشروط التي وضعتها الأولى، خاصةً فيما يتعلق بالانسحاب من قطاع غزة بشكل كامل، وعودة النازحين من جنوب القطاع إلى شماله، والأزمة المتعلقة بشكل أساسي باليوم التالي للحرب.

وينوي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حتى الآن، المضي في حربه، من أجل مصالح سياسية وشخصية بشكل أساسي، وهو الأمر الذي تؤكده عوائل الأسرى الإسرائيليين وغيرهم وحتى جهات من المؤسسة الأمنية في تل أبيب، التي تشير إلى أن نتنياهو هو من يعرقل أي اتفاق مع «حماس».

وأكد المحلل السياسي مصطفى إبراهيم، أن «نتنياهو يفضل استمرار الحرب في غزة من أجل كسب الوقت للحفاظ على حكمه سياسياً ومنع تفكك ائتلافه الحكومي من جهة، ومنع مقاضاته من جهة أخرى، ولذلك طلب مؤخراً عدة مرات تأجيل شهادته في قضايا الفساد المتهم بها، كما أنه يسعى لسن قوانين تسمح له بعدم الوجود في أماكن معينة لوقت طويل خشيةً من استهدافه بالطائرات المسيّرة، بهدف المماطلة في جلسات المحاكمة».

ويعتقد إبراهيم أنه كان من الممكن سابقاً التوصل لاتفاق جزئي يضمن في نهايته انسحاب إسرائيل من قطاع غزة، إلا أن المشهد المعقد أيضاً في عملية اتخاذ القرار الفلسطيني داخل حركة «حماس» بشكل خاص، كان له أثر سلبي على ذلك، ما أضاع العديد من الفرص للتوصل لصفقة.

ويتفق إبراهيم مع الآراء التي تؤكد أن التوصل لصفقة يصبح أكثر تعقيداً وصعوبةً مع مرور الوقت.

وبانتظار أن ترى صفقة «حماس» النور أو لا... لم تكن «حماس» مخترعة العجلة في هذا الأمر.

صفقات تبادل سابقة

ونجح الفلسطينيون عبر تاريخ طويل في عقد عدة صفقات تبادل أسرى.

وكانت صفقة الجندي جلعاد شاليط هي الأولى بالنسبة لحركة «حماس»، وفي شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، كانت الصفقة الثانية بالنسبة لـ«حماس» خلال الحرب الحالية، بإطلاق سراح نحو 50 إسرائيلياً مقابل 150 فلسطينياً.

ويعود التاريخ الفلسطيني في صفقات التبادل، إلى يوليو (تموز) 1968، وهي الصفقة الأولى بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، حين نجح عناصر من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إحدى فصائل المنظمة، باختطاف طائرة إسرائيلية تابعة لشركة العال، التي كانت متجهة من روما إلى تل أبيب وأجبرت على التوجه إلى الجزائر وبداخلها أكثر من مائة راكب، وتم إبرام الصفقة من خلال «الصليب الأحمر الدولي» وأفرج عن الركاب مقابل 37 أسيراً فلسطينياً من ذوي الأحكام العالية من ضمنهم أسرى فلسطينيون كانوا قد أسروا قبل عام 1967.

وفي يناير (كانون الثاني) 1971، جرت عملية تبادل أسير مقابل أسير ما بين حكومة إسرائيل وحركة «فتح»، وأطلق بموجبها سراح الأسير محمود بكر حجازي، مقابل إطلاق سراح جندي إسرائيلي اختطف في أواخر عام 1969.

وفي مارس (آذار) 1979، جرت عملية تبادل أخرى بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، حيث أطلقت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، سراح جندي إسرائيلي كانت قد أسرته بتاريخ 5 أبريل (نيسان) 1978، في كمين قرب صور، وقتلت حينها 4 جنود آخرين، وأفرجت إسرائيل مقابل الجندي عن 76 معتقلاً فلسطينياً من بينهم 12 سيدة.

وفي منتصف فبراير (شباط) 1980 أطلقت حكومة إسرائيل سراح الأسير مهدي بسيسو، مقابل إطلاق سراح مواطنة عملت جاسوسة لصالح إسرائيل كانت محتجزة لدى حركة «فتح»، وتمت عملية التبادل في قبرص وبإشراف اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر».

وفي 23 نوفمبر 1983، جرت عملية تبادل جديدة ما بين الحكومة الإسرائيلية، وحركة «فتح»، أفرج بموجبها عن جميع أسرى معتقل أنصار في الجنوب اللبناني وعددهم (4700) أسير فلسطيني ولبناني، و (65) أسيراً من السجون الإسرائيلية مقابل إطلاق سراح ستة جنود إسرائيليين أسروا في منطقة بحمدون في لبنان، فيما أسرت الجبهة الشعبية – القيادة العامة، جنديين آخرين.

وفي 20 مايو (أيار) 1985، أجرت إسرائيل عملية تبادل مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، أطلق بموجبها سراح 1155 أسيراً كانوا محتجزين في سجونها المختلفة، مقابل ثلاثة جنود أسروا في عمليتين منفصلتين.

لكن ليس كل الصفقات تمت بمبادلة.

ولعل أبرز صفقة حصلت عليها «حماس» لم تشارك فيها بشكل مباشر، وكانت عام 1997، حين جرت اتفاقية تبادل ما بين الحكومة الإسرائيلية والحكومة الأردنية وأطلقت بموجبها الحكومة الأخيرة سراح عملاء الموساد الإسرائيلي الذين حاولوا اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» حينها خالد مشعل، فيما أطلقت حكومة إسرائيل سراح الشيخ أحمد ياسين مؤسس الحركة، الذي كان معتقلاً في سجونها منذ عام 1989 وكان يقضي حكماً بالسجن مدى الحياة، وكان لهذا الإفراج دور مهم في ارتفاع شعبية الحركة على مدار سنوات تلت ذلك، وخاصة بعد اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000.