في السابع عشر من ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، كان الأرجنتيني ماوريسيو بوكيتينو أحد أكثر المديرين الفنيين نجاحا في كرة القدم الأوروبية، وبالتالي كان من بين أكثر المدربين الذين تسعى الأندية العالمية الكبرى للتعاقد معه. في ذلك الوقت، كان فريقه توتنهام هوتسبير يحتل المركز الثالث في الدوري الإنجليزي الممتاز بعد مرور 17 جولة من المسابقة، بعد أن حصد 39 نقطة، وكان متخلفاً بفارق ست نقاط عن ليفربول المتصدر.
والأهم من ذلك، أن توتنهام هوتسبير كان متقدما بفارق 13 نقطة كاملة على مانشستر يونايتد، الذي يمتلك موارد هائلة، وكان يشرف على قيادته الفنية واحد من أنجح المديرين الفنيين في العصر الحديث، وهو البرتغالي جوزيه مورينيو.
ثم حدث شيء غيّر مسار كلا الفريقين، حيث تمت إقالة مورينيو من منصبه وترشيح بوكيتينو لتولي مهمة تدريب مانشستر يونايتد - على الأقل من قبل المراهنين - وكانت التقارير تشير إلى إمكانية حدوث ذلك في نهاية الموسم.
وقد أدى هذا الأمر إلى أربعة أشياء، حيث وضع ضغوطا إضافية على كاهل بوكيتينو الذي وجد نفسه في موقف يجبره على نفي أنه يريد هذه الوظيفة، لكنه لم يفعل ذلك. وقد أدى ذلك أيضا إلى وضع ضغوط على نادي توتنهام هوتسبير، الذي لم يعد يعرف ما إذا كان مديره الفني سيستمر معه أم لا، ووجد نفسه هو الآخر في موقف يلزمه بالعمل على إبقاء المدير الفني. وفي الوقت نفسه، أدى ذلك إلى تخفيف الضغط على مانشستر يونايتد، الذي كان قد تعرض لهزة كبيرة تحت قيادة مورينيو. وأخيراً، كان ذلك يعني أن المدير الفني المؤقت لمانشستر يونايتد، أولي غونار سولسكاير، ليس لديه ما يخسره.
وبعد مرور ثلاثة أشهر، لا يزال توتنهام هوتسبير يحتل المركز الثالث في جدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز، لكن مانشستر يونايتد نجح في تقليص الفجوة معه إلى ثلاث نقاط فقط، ووصل الأمر إلى أن البعض بدأ يمزح قائلا إن توتنهام لو شارك في مسابقة مكونة من ثلاثة فرق فقط فإنه سينهي المسابقة في المركز الخامس!
لكن رغم النقد فإن بوكيتينو ما زال مديرا فنيا من الطراز العالمي، وخلال السنوات الخمس الماضية، تفوق المدير الفني الأرجنتيني وبشكل مستمر على مديرين فنيين يقودون أندية لديها ميزانيات أكبر للتعاقد مع لاعبين جدد لتدعيم صفوفها والحفاظ على نجوم الفريق. وعلاوة على ذلك، نجح المدير الفني الأرجنتيني في التغلب على الكثير من الظروف الصعبة، من بينها أن توتنهام كان يلعب المباريات التي يفترض أن تقام بملعبه على استاد ويمبلي، نظرا لأن ملعبه الجديد كان لا يزال تحت الإنشاء وتأخر افتتاحه. كما نجح بوكيتينو في قيادة توتنهام للتأهل للدور ربع النهائي لدوري أبطال أوروبا هذا الموسم.
لكن الشيء الواضح هو أن توتنهام بدأ يعاني بشكل ملحوظ منذ إقالة مورينيو من تدريب مانشستر يونايتد. في البداية واجه المدير الفني الأرجنتيني سوء حظ، حيث خسر توتنهام على ملعبه أمام مانشستر يونايتد في يناير (كانون الثاني) الماضي في مباراة كان يجب أن يفوز بها بفارق عدة أهداف، وهي المباراة التي أصيب فيها أيضا نجم الفريق هاري كين. وبعد ذلك، فقد الفريق جهود نجم آخر بسبب الإصابة، وهو ديلي آلي.
لكن الشيء الملحوظ كان يكمن في أنه رغم غياب كين وآلي، حقق الفريق الفوز في عدد من المباريات المتتالية، وهو الأمر الذي يحسب بالطبع لبوكيتينو ويثبت أنه قادر على تحفيز لاعبيه ومساعدتهم على تقديم أفضل ما لديهم. لكن هذا النجاح دفعه إلى ارتكاب الكثير من الأخطاء القاتلة، كان أولها إعلانه قبل مباراة فريقه أمام بيرنلي أن توتنهام سينافس على اللقب، وأن هذه المباراة ستكون بمثابة اختبار لمدى جدية اللاعبين في هذا الصدد. وقد أدى هذا التصريح بالطبع إلى وضع مزيد من الضغوط على فريق يحتل المركز الثالث في جدول الترتيب، ولم يكن هناك حاجة لمثل هذا التصريح من الأساس!
أما الخطأ الثاني فكان يتمثل في الاعتماد على هاري كين في التشكيلة الأساسية للفريق فور عودته من الإصابة. فبينما كان قائد المنتخب الإنجليزي غائبا عن المباريات بسبب الإصابة، كان النجم الكوري الجنوبي سون هيونغ مين يؤدي بشكل رائع للدرجة التي جعلت الكثيرين يرشحونه للحصول على لقب أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي الممتاز هذا الموسم. لكن كين كان حريصاً على المشاركة في التشكيلة الأساسية، ونظراً لأهميته بالنسبة إلى توتنهام وحقيقة أنه مطلوب من جميع الأندية الكبرى ولا يحصل على راتب يوازي ما يحصل عليه غيره من اللاعبين في الأندية الأخرى، فإننا نتفهم جيدا رغبة بوكيتينو في أن يكون كين سعيدا.
ولا يزال كين هدافا من الطراز الرفيع، رغم أنه لم يعد يستغل أنصاف الفرص بالشكل الذي كان عليه عندما كان في كامل لياقته البدنية والفنية. وقد سجل كين في مباراة بيرنلي، لكن الفريق ظهر بطيئا ويلعب كرة تقليدية تُمكن المنافس من توقعها، وهو الأمر الذي أدى إلى فوز بيرنلي بالمباراة في نهاية المطاف. وفي هذا الوقت، ارتكب بوكيتينو الخطأ الثالث الكبير. ورغم أن المدير الفني الأرجنتيني عادة ما يحترم الحكام، فإنه بعد نهاية هذه المباراة دخل إلى أرض الملعب وصرخ في وجه حكم اللقاء، مايك دين، وبالتالي عوقب بعدم السماح له بالوقوف بجوار خط التماس لمباراتين، وبدا وكأنه مدير فني يعاني بشدة.
ثم ارتكب خطأه الرابع بإعلانه أن الأمر قد يستغرق خمس سنوات أخرى أو أكثر لغرس عقلية الفوز بالألقاب في نفوس لاعبي فريقه. ربما يكون الأمر كذلك، لكن لم يكن أمام الفريق خمس سنوات أخرى سينتظرها لأنه كان سيلعب مباراة مهمة أمام تشيلسي في نهاية الأسبوع، وهي المباراة التي خسرها أيضا. وتعادل توتنهام أمام آرسنال في مباراة كان يجب أن يخسرها لولا الحظ الذي وقف إلى جانبه، قبل أن يخسر أمام ساوثهامبتون المتواضع.
ولم يعد أحد يتحدث عن إمكانية رحيل بوكيتينو لتولي قيادة مانشستر يونايتد، وهو أمر جيد للغاية بالنسبة لجمهور توتنهام. وفي الحقيقة، لم يكن بوكيتينو أول مدير فني يعاني بسبب الاهتمام به من جانب أندية أخرى، حيث كان ماركو سيلفا يقدم مستويات رائعة مع واتفورد في بداية الموسم الماضي، لكن نتائج الفريق تراجعت بشكل ملحوظ بمجرد الحديث عن اهتمام نادي إيفرتون بالحصول على خدماته.
وفي عالم كرة القدم، نادرا ما تجد ناديا يحقق نتائج جيدة في الوقت الذي لا تكون فيه الرؤية واضحة بشأن مستقبل المدير الفني للفريق، وقد رأينا جميعا كيف اهتزت نتائج مانشستر يونايتد عندما أعلن السير أليكس فيرغسون عن نيته في اعتزال التدريب في عام 2001، قبل أن يتوقف عن الحديث عن هذا الأمر عندما لاحظ تأثير ذلك على نتائج الفريق.
ومع ذلك، حاول بوكيتينو استغلال الموقف بالقول إنه من الجيد أن تكون محط اهتمام الجميع لأن ذلك يثبت أنك تعمل بشكل جيد وتبلي بلاء حسنا، لكنه لم ينجح في استغلال ذلك الأمر لصالح فريقه. ويبدو الأمر وكأن بوكيتينو لم ينجح في استغلال اهتمام مانشستر يونايتد بالتعاقد معه لكي يضغط على المدير التنفيذي لنادي توتنهام، دانييل ليفي، من أجل زيادة الميزانية المخصصة للتعاقد مع اللاعبين الجدد وتدعيم صفوف الفريق، والدليل على ذلك أن توتنهام هوتسبير لم يتعاقد مع أي لاعب خلال فترة الانتقالات الشتوية الماضية. وفي الـ13 مباراة التي لعبها توتنهام منذ رحيل مورينيو عن مانشستر يونايتد، لم يحصل الفريق إلا على 22 نقطة فقط.
ومن الصعب للغاية أن نتخيل فيرغسون، أو أرسين فينغر وهما في أوج نجاحهما، أن يسمحا بأن يتأثر عملهما ومسيرة فريقيهما بسبب حديث وسائل الإعلام عن احتمال انتقال أي منهما إلى ناد آخر. من المؤكد أن بوكيتينو يمتلك من الذكاء ما يجعله يتعلم ويستخلص الدروس والعبر من التجارب السابقة.
وسوف يواجه توتنهام هوتسبير نادي مانشستر سيتي، الذي يقدم مستويات رائعة في الفترة الحالية، في الدور ربع النهائي لدوري أبطال أوروبا، وسيكون من الرائع لو تمكن بوكيتينو من قيادة فريقه لتجاوز هذه العقبة والوصول إلى الدور نصف النهائي للبطولة الأقوى في القارة العجوز. وعلاوة على ذلك، فسوف يلعب توتنهام مباراتين صعبتين ومهمتين خارج ملعبه أمام كل من مانشستر سيتي وليفربول في الدوري الإنجليزي الممتاز، وهما من المباريات التي من شأنها أن تؤثر على قدرة الفريق على إنهاء الموسم الحالي ضمن المراكز الأربعة الأولى المؤهلة للمشاركة في دوري أبطال أوروبا.
وهناك مقولة شهيرة للرئيس الأميركي السابق تيدي روزفلت تقول: «تحدث بهدوء واحمل العصا الكبيرة». وقد كان هذا الأمر ينطبق على بوكيتينو في الماضي، حيث كان يتسم بالتواضع والهدوء في الوقت الذي يحقق فيه نتائج رائعة رغم قلة الإمكانيات المتاحة له بالمقارنة بالأندية الأخرى. ورغم أن الأمور ما زالت تسير على نحو جيد مع بوكيتينو حتى الآن، فمن الملاحظ أنه بدأ يدخل في تحد مع فريقه وينتقد حكام المباريات على الملأ. وخلاصة القول، إذا كان المدير الفني الأرجنتيني يريد أن يقود فريقه إلى المراكز الأربعة الأولى في الدوري الإنجليزي الممتاز، فإنه يتعين عليه أن ينسى ما يحدث في الأندية الأخرى، وأن يعود لتواضعه المعهود، ويواصل العمل على تطوير توتنهام.
بوكيتينو ارتكب أخطاء قاتلة زادت الضغوط عليه وعلى توتنهام
المدير الفني لم يحسن التعامل مع شائعات الرحيل عن ناديه وتأثر بارتباط اسمه بمانشستر يونايتد
بوكيتينو ارتكب أخطاء قاتلة زادت الضغوط عليه وعلى توتنهام
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة