الجامعة الأميركية بالقاهرة تحتفي بأعمال سيد درويش

جمعت 23 من أشهر أغاني الفنان الراحل

جانب من احتفاء «الجامعة الأميركية» بالقاهرة
جانب من احتفاء «الجامعة الأميركية» بالقاهرة
TT

الجامعة الأميركية بالقاهرة تحتفي بأعمال سيد درويش

جانب من احتفاء «الجامعة الأميركية» بالقاهرة
جانب من احتفاء «الجامعة الأميركية» بالقاهرة

في إطار احتفالاتها بمئوية ثورة 1919 المصرية، جمعت الجامعة الأميركية بالقاهرة 23 أغنية من أشهر أغاني الفنان المصري الراحل سيد درويش، ووثقتها بالكلمات والنوت الموسيقية، مكتشفة تحريف كثير من كلمات أغنيات الثورة، وتغيير مقاماتها الموسيقية مع مرور الزمن.
وقال الدكتور علاء الدين إدريس، الرئيس الأكاديمي المشارك للبحث والابتكار والإبداع بالجامعة الأميركية بالقاهرة، في مؤتمر صحافي نظمته الجامعة، أول من أمس، إن «ثورة 1919 كانت علامة فارقة في تاريخ مصر الحديث، وهي من أهم الثورات المؤثرة في المسار السياسي والاجتماعي في المنطقة»، مشيراً إلى أن «الفن كان له دور لا يمكن إنكاره وإهماله في هذه الثورة، فبينما كان المتظاهرون يُقتلون برصاص الاحتلال، كان من الصعب السيطرة على الفن والأغنية، التي ساهمت التكنولوجيا وقتها في انتشارها مع بدء استخدام الجرامافون»، موضحاً أن «الجامعة الأميركية عملت على توثيق الفن في تلك المرحلة لدوره المميز والمؤثر، وركزت على الموسيقى لأنه لم يسبق توثيقها من قبل».
من جانبه قال الدكتور وائل المحلاوي، أستاذ مشارك بقسم الفنون بالجامعة الأميركية بالقاهرة، ومدير مشروع توثيق وحفظ أغاني ثورة 1919، إن «المشروع استغرق 6 شهور، تم خلالها توثيق 23 أغنية من أغاني سيد درويش خلال فترة الثورة»، مشيراً إلى أن «أول توثيق للموسيقى في مصر كان خلال الحملة الفرنسية على مصر، ثم توقف التوثيق لمدة 100 عام، لذلك لا نعرف كثيراً من أغنيات وموسيقى القرن التاسع عشر، ومع ظهور الجرامافون بدأ يحدث نوع من التوثيق السمعي عبر تسجيل الأغاني على أسطوانات، لكن دون نوتات موسيقية»، موضحاً أن «التوثيق الكتابي بدأ مع المؤتمر الأول للموسيقى عام 1932».
وأضاف المحلاوي: «خلال البحث في الأرشيف الموسيقي لتلك الفترة، اتضح أنه لم تكن هناك نوتات موسيقية مكتوبة للأغاني، وأنه تم تغيير كلمات بعض الأغاني، ومقاماتها الموسيقية»، ضارباً المثل بالنشيد الوطني المصري، وتابع: «سيد درويش كتب (بلادي...بلادي) كأغنية، وحولها الموسيقار محمد عبد الوهاب إلى نشيد وطني، فغير مقاماها، ليوازي الموجود في العالم، كما أن الأغنية الأصلية كانت تقول (مصر يا ست البلاد)، وتم تغييرها في النشيد إلى (مصر يا أم البلاد)».
وأوضح المحلاوي أن «مشروع التوثيق اعتمد على أسطوانات قديمة لبعض الأغنيات بصوت سيد درويش نفسه، للتأكد من اللحن والكلمات، وذلك بالنسبة لـ16 أغنية من الـ23 التي تم توثيقها، أما الباقي فاعتمدنا فيه على أقرب الأشخاص الذين غنوا هذه الأغاني لسيد درويش، مثل ابنه محمد البحر درويش»، مشيراً إلى أنه «تمت كتابة النوت الموسيقية لهذه الأغاني، وإعادة تسجيلها بواسطة تخت شرقي استخدم آلات موسيقية شبيهة بالتي كانت موجودة في تلك الفترة، وحرصنا أن يؤدي المطربون الأغنيات بالطريقة نفسها التي أدى بها سيد درويش».
وأحيت فرقة «إسكندريلا»، حفلاً موسيقياً بالجامعة الأميركية بالقاهرة، أول من أمس، قدمت خلاله الفنانة نسمة محجوب والفنان حازم شاهين، أغاني ثورة 1919 التي تم توثيقها خلال المشروع، بالموسيقى والكلمات نفسها التي غناها بها سيد درويش خلال تلك الفترة.
وقال الدكتور مصطفى الفقي، المفكر السياسي ومدير مكتبة الإسكندرية، في محاضرة ألقاها بهذه المناسبة في الجامعة الأميركية بالقاهرة، إن «ثورة 1919 كانت سبباً في ازدهار الحركة الفنية والثقافية والفكرية، وأفرزت جيلاً من الفنانين والمفكرين ما زلنا نعيش على إنتاجهم»، مشيراً إلى أن «أفضل فترات التاريخ المصري ازدهاراً كانت تلك التي أعقبت الثورة من 1922 وحتى 1952»، ومشيراً إلى أنها «ساهمت في النهضة السياسية والفنية والاقتصادية، وأرست مبادئ التسامح وقبول الآخر، كما كان لها دور كبير في تحقيق الوحدة الوطنية بين المسلمين والأقباط، لأنها حملت مبادئ مدنية، ركزت على القومية المصرية، وابتعدت عن تديين السياسة».
إلى ذلك، لم يقتصر توثيق فن تلك الفترة على إعادة تسجيل أغاني سيد درويش، بل أعد طلاب التصميم الجرافيكي بالجامعة، معرضاً فنياً مستوحى من فنون ثورة 1919 تحت عنوان «أهو دا اللي صار»، وهي واحدة من أغنيات سيد درويش الشهيرة، وقالت الدكتورة نجلاء سمير، أستاذ مشارك بقسم الفنون بالجامعة الأميركية بالقاهرة، إن «منظور الطلاب يختلف عن منظور السياسيين والمؤرخين، ومن خلال هذا المعرض قدم الطلاب تحليلهم ورؤيتهم للثورة بعد 100 عام».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».