السعودية: المرأة تتصدر المشهد الوطني احتفاء بيومها العالمي

حزمة فعاليات عززت دورها واستعرضت إنجازاتها

المرأة من المجال العملي إلى المشاركة في الفعاليات كافة في السعودية
المرأة من المجال العملي إلى المشاركة في الفعاليات كافة في السعودية
TT

السعودية: المرأة تتصدر المشهد الوطني احتفاء بيومها العالمي

المرأة من المجال العملي إلى المشاركة في الفعاليات كافة في السعودية
المرأة من المجال العملي إلى المشاركة في الفعاليات كافة في السعودية

احتفل كثير من الجهات الحكومية والقطاع الخاص في السعودية بمناسبة «يوم المرأة العالمي» حيث أقيمت عدة فعاليات موجهة للمرأة بهذه المناسبة، بينما شهدت المنصات الإلكترونية الحكومية والخاصة استعراض نماذج نجاحات المرأة السعودية وإنجازاتها في البلاد وتبوُّء بعضهن مناصب عالية.
جاءت فعالية «ثقة» بمدينة جدة التي تهدف لتمكين المرأة من دخول سوق العمل السعودية وتفعيل دورها في المجتمع في ظل «رؤية 2030»، التي قدمت 4 سعوديات ليحكين قصص نجاحهن في مجال ريادة الأعمال والتطوير الذاتي وما تكللت به من نجاح وإبداع على الصعيد الوطني والعالمي.
وبدعم من اتحاد الرياضة المجتمعية، تم تنظيم مسابقات رياضية نسائية منوّعة تحت عنوان «الكرة تجمعنا» وذلك من 1 إلى 6 مارس (آذار) الحالي، وتحت عنوان «نساء شامخات كجبل طويق»، تم تنظيم معرض في جامعة الملك سعود بهدف تسليط الضوء على الإنجازات التي حققتها المرأة السعودية على المستويات كافة، إذ تضمن جلسات حوارية شاركت فيها شخصيات نسائية في السعودية.
كما تنظم غرفة الرياض اليوم السبت ملتقى (نحو تمكين المرأة)، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، ويستهدف الملتقى تسليط الضوء على دور المرأة السعودية في مجالات العمل المختلفة، ومشاركتها الفاعلة في مسيرة التنمية من خلال توليها كثيرا من المناصب القيادية وإدارة الأعمال.
وبينما نظمت جامعة الملك سعود ماراثون للمشي والجري للسيدات، حيث تأتي هذه الفعاليات في إطار تعزيز حضور المرأة السعودية وتمكينها في الرياضة، احتفلت أرامكو السعودية بيوم المرأة العالمي في إطار سعي الشركة الحثيث إلى إدراج المرأة وتمكينها في عدة مناصب، كما أقامت شركة الاتصالات السعودية فعالية «لنخلق توازن أفضل» احتفاء بيوم المرأة.
وشاركت النيابة العامة في السعودية باليوم العالمي عبر منصتها بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر» حيث وضحت خلالها المكانة التي تحظى بها المرأة في الجهة القضائية، مشيرة إلى أن عدد أعضاء النيابة من الجانب النسوي بلغ 200 عضو، في الوقت الذي بلغ عدد منسوبات النيابة الإداريات 300 موظفة، وعدد المتدربات من أقسام الأنظمة من الجامعات «قانون» لدى النيابة 150 متدربة، وأوردت بعض خصوصيات المرأة الإجرائية والموضوعية، حيث أشارت إلى نظام الإجراءات الجزائية المراعي لخصوصية التحقيق مع الفتيات والتوثيق الشرعي لحق المرأة حال سماع أقوالها أو استجوابها والتحقيق معها والتأكيد على حصانة جسد المرأة في التفتيش حالة القبض، وحق تضمين المرأة إذا لم يكن في المسكن المراد تفتيشه إلا المرأة المتهمة، وكفالة تأمين النساء الموجودات في مسكن ولم يكن الغرض من الدخول القبض عليهن ولا تفتيشهن.
كما تناولت النيابة العامة الحق الذي يكفله نظام الحماية من الإيذاء للمرأة من أي شكل من أشكال الإيذاء أو العنف أو الإساءة، ونظام مكافحة التحرش لحماية المرأة العاملة من أي تحرش بها.
وتحتفي جامعة الطائف «غرب السعودية» اليوم بيوم المرأة العالمي، عبر إقامة ملتقى بعنوان: «المرأة السعودية... طموحات وإنجازات في ظل (رؤية المملكة 2030)»، وذلك تحت رعاية الدكتور حسام بن عبد الوهاب زمان مدير الجامعة.
وأكد مدير جامعة الطائف الدكتور حسام زمان، أن الجامعة تقيم الملتقى بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، ووفق توجهات «رؤية السعودية 2030» التي أكدت الاستمرار في تنمية مواهبها واستثمار طاقاتها وتمكينها من الحصول على الفرص المناسبة لبناء مستقبلها والإسهام في تنمية المجتمع والاقتصاد الوطني.
من جانبها، أوضحت الدكتورة إيمان الزهراني وكيلة جامعة الطائف لشؤون الطالبات، أن الملتقى سيشهد تكريم نورة بنت عبد الله الفايز نائب وزير التعليم لشؤون البنات سابقاً، وهي أول سيدة سعودية تشغل منصب نائب وزير في المملكة، باعتبارها نموذجاً يحتذى للجيل الشاب من الفتيات السعوديات الطموحات.
وأشارت وكيلة جامعة الطائف لشؤون الطالبات إلى أن الفايز تعد من أبرز الشخصيات النسائية القيادية في المملكة، ويأتي تكريمها تقديراً لمسيرتها الطويلة من العمل والعطاء التي بدأتها منذ عام 1975 لتطوير قطاع تعليم البنات في المملكة طوال أربعة عقود، حققت خلالها كثيرا من الإنجازات، توجت بصدور الأمر السامي الكريم بتعيينها في منصب نائبة وزير التربية والتعليم لشؤون تعليم البنات.
وبينت الدكتورة الزهراني أنه ستعقد خلال الملتقى جلستان حواريتان، الأولى بعنوان: «طموحات وتحديات المرأة السعودية»، والثانية بعنوان: «المقومات والفرص لنجاح المرأة السعودية»، بمشاركة نخبة من السيدات السعوديات الاختصاصيات في مختلف المجالات العلمية والأكاديمية والمعرفية، إضافة إلى عدد من عضوات هيئة التدريس في الجامعة. من جهة أخرى، أكدت الأميرة عبير بنت فيصل بن تركي حرم أمير المنطقة الشرقية، أن المرأة السعودية قادرة على العمل واستطاعت أن تثبت ذلك للعالم بحضورها وتميزها في جميع المحافل، وذلك من خلال رعايتها حفل ملتقى «يوم المرأة العالمي 2019» الذي نظمته أمانة المنطقة الشرقية وحضره عدد من السيدات من مختلف القطاعات الحكومية والخاصة بالمنطقة، وذلك على مسرح الأمانة بالدمام.
وأكدت الأميرة عبير، أن المرأة قد أكرمها الدين وأعطاها حقها كاملا، قبل أن تحصل عليه في هذا اليوم العالمي للمرأة تقديرا لجهودها، وأضافت: «الله سبحانه وتعالى جعل المرأة تحمل وتتحمل هذا العبء الجميل والثقيل وأكرمها به إلا أنه خصها في ميزات في خلقه تجعلها قادرة على تحقيق دورها العملي في أي مجال توضع فيه على حسب رؤيتها».
وحيّت الأميرة عبير كل امرأة وكل أم وكل زميلة موجودة في كل مجالات الحياة مع كامل احترامها لعاداتها وتقاليدها وما يحيط بها من ظروف. من جهتها، لفتت نجد الدوسري مديرة عام الإدارة النسائية بالأمانة إلى أن فكرة الملتقى انبثقت لتعزيز دور المرأة السعودية في ظل «رؤية المملكة 2030» وإتاحة المجال لها أمام الباحثات في قضايا المرأة والمشاركة وطرح آرائهن، مؤكدة أن المرأة شريكة للرجل ولها دور فعال في بناء وتنمية المجتمع فهي اللبنة الأساسية فيه، ولهذا الدور يجب على المؤسسات والجهات الحكومية أن تعطيها حقها من الرعاية والاهتمام.
في حين تحدثت لولوة الشمري الأمينة العامة لمجلس المنطقة الشرقية للمسؤولية الاجتماعية في الملتقى، عن تجربتها في المجلس وسعيها لتحقيق الأهداف والإيمان بالتغيير، مهنئة المرأة السعودية بما حققته وتحققه وبما تمتلكه من مقومات، داعية المرأة إلى اغتنام الفرص لتحصد ثمار عملها في هذا الوطن الغالي.
من جانبها، أكدت الدكتورة ليلى الهلالي المستشارة الأسرية والاجتماعية، أن المرأة السعودية قادرة على العطاء في ظل المحافظة على أصالتها وقيمها ودينها، مشيرة إلى أن المرأة السعودية سلاح المجتمع، فهي المربية والأم، وهي المؤسسة التي تقدم خدمة للمجتمع، لأنها تواجه تحديات عنيفة في ظل المسؤولية الأولى وهم الأبناء، الذين يواجهون تيارات فكرية من خلال الهجوم الخارجي للسيطرة على عقولهم، مشددة على أهمية دورها والمحافظة على الأبناء وحمايتهم وألا يكونوا عرضة للانكسار.


مقالات ذات صلة

التويجري: الإصلاحات التشريعية مكّنت المرأة السعودية

الخليج التويجري أكدت مضي السعودية قدماً في الوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاقيات حقوق الإنسان (واس)

التويجري: الإصلاحات التشريعية مكّنت المرأة السعودية

عدّت الدكتورة هلا التويجري رئيس هيئة حقوق الإنسان السعودية، تمكين المرأة تمكين للمجتمع كونه حقاً من حقوق الإنسان، مبيّنة أن الإصلاحات التشريعية جاءت ممكّنة لها.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
يوميات الشرق تشكل النساء نسبة 33 % من فريق مفتشي البيئة وقادته في «محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية» (الشرق الأوسط)

الجولة رقم 5000 في محمية «محمد بن سلمان الملكية» بإشراف «العنقاوات»

سيّرت «هيئة تطوير محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية» الجولة رقم 5000. بإشراف أول فريق نسائي من مفتشي البيئة في السعودية، والأكبر في الشرق الأوسط.

غازي الحارثي (الرياض)
رياضة سعودية المقاتِلة السعوية خلال احتفالها بالتأهل (الشرق الأوسط)

السعودية «سمية» إلى نهائي بطولة العالم للكيك بوكسينغ

تأهلت اللاعبة السعودية سمية منشي إلى الدور النهائي من بطولة العالم للكيك بوكسينغ، والمُقامة حالياً في أوزبكستان.

«الشرق الأوسط» (الرياض )
الاقتصاد رئيسة لجنة تمكين المرأة في التعدين (تصوير: تركي العقيلي) play-circle 03:13

السعودية تعتزم إنشاء أول جمعية للمرأة في المعادن

كشفت رئيسة لجنة تمكين المرأة في التعدين رنا زمعي أن اللجنة تعمل حالياً على تأسيس اللبِنة الأولى وبناء واستكمال متطلبات تأسيس جمعية المرأة في المعادن.

آيات نور (الرياض)
يوميات الشرق رحيل رائدة الفن السعودي صفية بن زقر

رحيل رائدة الفن السعودي صفية بن زقر

غيّب الموت، أمس، رائدة الفن السعودي صفية بن زقر، التي أطلق عليها البعض اسم «موناليزا الحجاز».

عبير مشخص (جدة)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)