«داعش» بين «العيارين» و«الشطار»!

«داعش» بين «العيارين» و«الشطار»!
TT

«داعش» بين «العيارين» و«الشطار»!

«داعش» بين «العيارين» و«الشطار»!

في الأسبوع الأخير من عمر «داعش»، نستذكر قصة عرفتها في بغداد في القرن التاسع الميلادي، خصوصاً في عام 812 ميلادية (196 هـ)، هي ظاهرة ما سُمي بجماعة «العيارين» أو «الشطار»، وهم مجموعة من الرعاع يسميهم الطبري بأهل السجون والأوباش والطرارين.
ظهروا أولاً في عهد الخليفة العباسي الثالث المهدي (158 - 169 هـ / 775 - 786م)، ثم في عهد الرشيد، كمجموعات متناثرة من النهابين والزعران، وكانوا خليطاً من الأعراق والشعوب التي عاشت في ظل التباين الاقتصادي والاجتماعي الحاد في المجتمع، خصوصاً حالة الترف والبذخ التي عاشتها بغداد في عصر الرشيد. نما هؤلاء في الهامش، مع تيار فكري متطرف ينزع للعنف والاقتتال وخوض الحروب بضراوة ليس لها نظير. في البدء كانوا مجرد نهابين وسراق ومحترفي سطو وسلب، ثم نمت داخلهم أفكار استخدموها لتبرير أفعالهم؛ من قبيل السطو على أموال الأغنياء لانتزاع حق الزكاة منهم للفقراء، ثم ما برحوا أن تحولوا إلى تيار جاذب لأمثالهم من الطبقات المهمشة في المجتمع.غصت سجون بغداد بهم، لكن شأنهم أصبح عالياً في ظل الصراع السياسي بين ورثة هارون الرشيد، ففي ذروة الصراع بين الأمين والمأمون، حين حاصرت قوات المأمون بقيادة أبي الطيب الخراساني بغداد سنة 812 للميلاد، ودكها بالمنجنيق، استعان بهم الأمين فأخرجهم من السجون وجرى تجنيدهم وتسليحهم بسرعة، وزجّ بهم في الحرب المدمرة مع جيش أخيه المأمون، بل إن حاتم بن الصقر (من قادة الأمين) قد أباح لهم النهب... فتكونت مجموعات مسلحة (ميليشيا) من العيارين، شديدة القوة والمراس، التي صمدت حين عجز الجند النظامي عن الدفاع عن دار الخلافة، وأبلت بلاءً حسناً في التصدي للهجوم. وبعد هزيمة الأمين، وتعليقه على المشنقة سنة 813، انكفأوا قليلاً ثم عادوا ونشطوا في فترة الصراع السياسي بين أقطاب السلطة في بغداد، حين استعان بهم خليفة آخر هو المستعين بالله بعد أن حُوصر في بغداد خلال حربه مع المعتز.
وهكذا، كانوا لعبة سياسية بامتياز، قدموا مثالاً عبر الزمان لكيفية تجنيد الهامشيين والخارجين عن القانون في معارك طاحنة... لقد كان هناك من يستغلهم في أحيان كثيرة في إثارة الخوف والهلع، وأيضاً إثارة القلاقل والانقسامات بين الناس، بل حتى الفتن المذهبية كانوا يخوضونها، (فتنة بغداد مثالاً) وحين تخرج عن السيطرة يُستعان بهم لإخمادها، خصوصاً إذا عرفنا أنهم يتوزعون بين كل الاتجاهات والأعراق والنحل والمذاهب.
أما، لماذا يتعين علينا أن نقرأ سيرة هذه الجماعة المتطرفة ونحن (في الأسبوع الأخير من عمر «داعش» الافتراضي)، فلأن التاريخ يقدم لنا العبرة في أن هؤلاء ينتعشون بواسطة التوظيف السياسي وتقوى شوكتهم. لقد كانت هذه الجماعات عبارة عن أورام خبيثة نشأت في ظلّ الدولة حين أصيبت تلك الدولة بالأزمات والصراعات والانقسامات والضعف والتباين الطبقي وتراجع العدالة.
وهؤلاء يتكررون على مرّ الزمن، حيث نجد عصابات مسلحة، أو ميلشيات متطرفة، ترفع شعارات برّاقة، ولكنها في الحقيقة تسطو على النظام العام وتختطف الدولة وتحولها إلى مشروع فوضى. بعض هؤلاء كانوا أدوات صراع سياسي تنتهي بانتهائه، وبعضهم يبقى عبئاً ثقيلاً على الاستقرار وبناء الدولة.
الأسبوع الأخير من عمر «داعش» آتٍ لا محالة، لأنها لعبة مخابرات عالمية، وحين ينتهون منها سيركلونها. لكن الخشية من تلك الثقافة التي تنتج لنا كل زمان أخوات «داعش» وتغذي الظلاميين جيلاً بعد جيل، هذه الثقافة بحاجة إلى تفكيك وتجفيف المنابع.


مقالات ذات صلة

«رسائل سريّة» بين إدارة بايدن و«تحرير الشام»... بعلم فريق ترمب

الولايات المتحدة​ أحمد الشرع مجتمعاً مع رئيس حكومة تسيير الأعمال محمد الجلالي في أقصى اليسار ومحمد البشير المرشح لرئاسة «الانتقالية» في أقصى اليمين (تلغرام)

«رسائل سريّة» بين إدارة بايدن و«تحرير الشام»... بعلم فريق ترمب

وجهت الإدارة الأميركية رسائل سريّة الى المعارضة السورية، وسط تلميحات من واشنطن بأنها يمكن أن تعترف بحكومة سورية جديدة تنبذ الإرهاب وتحمي حقوق الأقليات والنساء.

علي بردى (واشنطن)
المشرق العربي فصائل الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا تدخل منبج (إعلام تركي)

عملية للمخابرات التركية في القامشلي... وتدخل أميركي لوقف نار في منبج

يبحث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في تركيا الجمعة التطورات في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي مواطنون من عفرين نزحوا مرة أخرى من قرى تل رفعت ومخيمات الشهباء إلى مراكز إيواء في بلدة الطبقة التابعة لمحافظة الرقة (الشرق الأوسط)

ممثلة «مسد» في واشنطن: «هيئة تحرير الشام» «مختلفة» ولا تخضع لإملاءات تركيا

تقول سنام محمد، ممثلة مكتب مجلس سوريا الديمقراطي في واشنطن، بصفتنا أكراداً كنا أساسيين في سقوط نظام الأسد، لكن مرحلة ما بعد الأسد تطرح أسئلة.

إيلي يوسف (واشنطن)
المشرق العربي مقاتلون من المعارضة في حمص يتجمعون بعد أن أبلغت قيادة الجيش السوري الضباط يوم الأحد أن حكم بشار الأسد انتهى (رويترز)

«داعش» يعدم 54 عنصراً من القوات السورية أثناء فرارهم

أعدم تنظيم «داعش» 54 عنصراً من القوات الحكومية في أثناء فرارهم في بادية حمص وسط سوريا، تزامناً مع سقوط الرئيس بشار الأسد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي عنصر من المعارضة السورية المسلحة في حمص يحتفل بدخول العاصمة دمشق (إ.ب.أ)

الأردن ومخاوف من خلط أوراق المنطقة والخشية من فوضى سوريا

يبدي أمنيون أردنيون مخاوفهم من عودة الفوضى لمناطق سورية بعد الخروج المفاجئ للأسد إلى موسكو، وان احتمالات الفوضى ربما تكون واردة جراء التنازع المحتمل على السلطة.

محمد خير الرواشدة (عمّان)

احتفاء مصري بالذكرى الـ113 لميلاد «أديب نوبل» نجيب محفوظ

فعاليات متعددة في الاحتفال بذكرى ميلاد محفوظ (متحف محفوظ على فيسبوك)
فعاليات متعددة في الاحتفال بذكرى ميلاد محفوظ (متحف محفوظ على فيسبوك)
TT

احتفاء مصري بالذكرى الـ113 لميلاد «أديب نوبل» نجيب محفوظ

فعاليات متعددة في الاحتفال بذكرى ميلاد محفوظ (متحف محفوظ على فيسبوك)
فعاليات متعددة في الاحتفال بذكرى ميلاد محفوظ (متحف محفوظ على فيسبوك)

احتفت مصر بالذكرى الـ113 لميلاد «أديب نوبل» نجيب محفوظ، عبر فعاليات متنوعة في متحفه وسط القاهرة التاريخية، تضمّنت ندوات وقراءات في أعماله وسيرتيه الأدبية والذاتية، واستعادة لأعماله الروائية وأصدائها في السينما والدراما.

وأعلن «متحف نجيب محفوظ» التابع لصندوق التنمية الثقافية في وزارة الثقافة، أن الاحتفال بـ«أديب نوبل» يتضمّن ندوة عن إبداعاته ومسيرته، يُشارك فيها النّقاد، إبراهيم عبد العزيز، ومحمد الشاذلي، والدكتور محمود الشنواني، والدكتور تامر فايز، ويديرها الدكتور مصطفى القزاز. بالإضافة إلى افتتاح معرض كاريكاتير عن نجيب محفوظ، وشاعر الهند الشهير رابندراناث طاغور، ومعرض لبيع كتب نجيب محفوظ.

وأوضح الكاتب الصحافي والناقد محمد الشاذلي أن «الاحتفالية التي أقامها (متحف نجيب محفوظ) في ذكرى ميلاده الـ113 كانت ممتازة، وحضرها عددٌ كبير من المهتمين بأدبه، وضمّت كثيراً من المحاور المهمة، وكان التركيز فيها على السيرة الذاتية لنجيب محفوظ».

«متحف نجيب محفوظ» احتفل بذكرى ميلاده (صفحة المتحف على فيسبوك)

ولد نجيب محفوظ في حيّ الجمالية بالقاهرة التاريخية في 11 ديسمبر (كانون الأول) عام 1911، وقدم عشرات الأعمال الروائية والقصصية، بالإضافة إلى سيناريوهات للسينما، وحصل على جوائز عدة أهمها جائزة «نوبل في الأدب» عام 1988، ورحل عن عالمنا عام 2006.

حضر الاحتفالية بعض ممن كتبوا عن سيرة نجيب محفوظ، من بينهم إبراهيم عبد العزيز، الذي له أكثر من كتاب عن «أديب نوبل»، بالإضافة إلى الطبيب الدكتور محمود الشنواني الذي رافق الأديب لمدة 30 سنة تقريباً، وفق الشاذلي، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «تَحدّث كلُّ شخص عن الكتاب الذي أصدره عن نجيب محفوظ. وإبراهيم عبد العزيز كان مرافقاً له في ندواته، وتحدّث عن كتاب (أنا نجيب محفوظ)، الذي تضمّن ما قاله محفوظ عن نفسه، بيد أني أرى أن كتابه الأهم هو (ليالي نجيب محفوظ في شيبرد) لأنه كان عبارة عن كناسة الدكان، فقد رصد السنوات الأخيرة لنجيب محفوظ».

وعن كتاب الشاذلي حول نجيب محفوظ يقول: «تعرّفت عليه بصفتي صحافياً منذ بداية الثمانينات، وقد تحدّثت عن موضوعين تناولتهما في كتابي عنه (أيام مع نجيب محفوظ ذكريات وحوارات)، وهو ما أُشيع عن هجومه على العهد الناصري، خصوصاً في روايته (الكرنك)، وهذا ليس صحيحاً، وفي الحقيقة كان محفوظ يُركّز على حقوق الإنسان والحريات أكثر من أي شيء آخر، وقد أنصف عبد الناصر في كثيرٍ من كتاباته، خصوصاً شهاداته عن هذا العصر، والنقطة الثانية ما أُشيع حول الاتهامات التي وجّهها بعضهم لنجيب محفوظ بحصوله على (نوبل) بدعم إسرائيل، وهذا ليس صحيحاً بالمرّة، وكانت تُهمة جاهزة لمن أراد إهانة الجائزة أو النّيل ممّن حصل عليها».

وأشار الشاذلي إلى أن محفوظ كان له رأيُّ مهم في السينما، وقد ترأس مؤسسة السينما في إحدى الفترات، وكان يرى أنه أصبح كاتباً شعبياً ليس بفضل القراءات ولكن بفضل السينما، فكان يحترم كلّ ما له علاقة بهذه المهنة، ويعدّها مجاورة للأدب.

محفوظ وطاغور في معرض كاريكاتير (منسق المعرض)

وتحوّلت روايات نجيب محفوظ إلى أعمال سينمائية ودرامية، من بينها أفلام «بداية ونهاية»، و«الكرنك»، و«ميرامار»، و«ثرثرة فوق النيل»، وثلاثية «بين القصرين»، و«قصر الشوق»، و«السكرية»، وأيضاً «زقاق المدق»، و«اللص والكلاب»، بالإضافة إلى مسلسلات «الحرافيش - السيرة العاشورية»، و«أفراح القبة»، و«حديث الصباح والمساء».

وضمّ المعرض الذي أقيم بالتعاون بين سفارة الهند في القاهرة، ومتحف الكاريكاتير بالفيوم، ومنصة «إيجيبت كارتون»، 38 لوحة لفنانين من 12 دولة من بينها مصر والهند والسعودية وصربيا والصين ورومانيا وروسيا وفنزويلا.

وأشار الفنان فوزي مرسي، أمين عام «الجمعية المصرية للكاريكاتير» ومنسِّق المعرض إلى أن هذا المعرض اقتُرح ليُعرض في الاحتفال بذكرى طاغور في مايو (أيار) الماضي، إذ عُرض في المركز الثقافي الهندي، وكذلك في يوم الاحتفال بعيد ميلاد «أديب نوبل» المصري نجيب محفوظ.

وقال مرسي لـ«الشرق الأوسط»: «يُعدّ المعرض جزءاً من الاحتفالية التي نظّمتها وزارة الثقافة (لأديب نوبل) الكبير، واهتمّ معظم الفنانين برسم البورتريه بشكلٍ تخيُّلي، في محاولة لعقد الصلة بين طاغور ومحفوظ».

فنانون من 12 دولة رسموا الأديبين طاغور ومحفوظ (منسق المعرض)

وفي السياق، أعلنت «دار المعارف» عن إصدار كتابٍ جديدٍ عن نجيب محفوظ في الذكرى الـ113 لميلاده، وكتب إيهاب الملاح، المُشرف العام على النشر والمحتوى في «دار المعارف» على صفحته بـ«فيسبوك»: «في عيد ميلاد الأستاذ نُقدّم هدية للقراء ولكل محبي نجيب محفوظ وهي عبارة عن كتاب (سردية نجيب محفوظ) للناقد الدكتور محمد بدوي».