استجابة خليجية كبيرة لخطة الأمم المتحدة في مؤتمر جنيف لدعم اليمن

السعودية تكفلت بـ500 مليون إضافية... و«الشرعية» تستعرض إنجازاتها وتتهم الحوثيين بسرقة المساعدات

غوتيرش يتحدث امام مؤتمر المانحين في جنيف أمس (إ.ب.أ)
غوتيرش يتحدث امام مؤتمر المانحين في جنيف أمس (إ.ب.أ)
TT

استجابة خليجية كبيرة لخطة الأمم المتحدة في مؤتمر جنيف لدعم اليمن

غوتيرش يتحدث امام مؤتمر المانحين في جنيف أمس (إ.ب.أ)
غوتيرش يتحدث امام مؤتمر المانحين في جنيف أمس (إ.ب.أ)

نجحت الأمم المتحدة في المؤتمر الذي عقدته في جنيف، أمس، في جمع 2.6 مليار دولار من أجل تمويل خطتها للاستجابة الإنسانية في اليمن لهذه السنة. وتعهدت السعودية والإمارات بدفع مليار دولار، بواقع 500 مليون دولار، لكل منهما، إضافة إلى 250 مليون دولار من دولة الكويت لمصلحة الخطة الأممية.
وفي حين شدد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أمام المؤتمر، بأن الشعب اليمني في حاجة إلى مساعدات بقيمة 2.‏4 مليار دولار للعام الحالي، في ظل التدهور الذي شهدته الأوضاع خلال الأشهر الاثني عشر الماضية، أكد السفير السعودي في اليمن، أن السعودية حرصت منذ عقود على دعم الاقتصاد اليمني، مشيراً إلى بلاده دفعت الحصة الأكبر من المنح التي تعهدت بها الدول في الأعوام 2006 – 2014، بما يعادل 43 في المائة من إجمالي تعهدات المانحين الدوليين.
وقال غوتيريش، أمام مؤتمر للمانحين في جنيف،: «إننا هنا للتعامل مع أزمة لها أبعاد مدمرة»، وأوضح أن عدد اليمنيين المحتاجين إلى مساعدات إنسانية ارتفع بمليوني شخص إلى 24 مليوناً العام الماضي؛ ما يشكل 80 في المائة من السكان.
وكشف عن أن نحو عشرة ملايين شخص أصبحوا «على مسافة خطوة واحدة من المجاعة». ووفقاً لتقرير للأمم المتحدة، فإن أكثر من نصف تمويل العام الحالي سيُخصص لزيادة المساعدات الغذائية، ولفتت أيضاً إلى وجود حاجة إلى توفير مياه الشرب والأدوية والمساعدات الزراعية.
وكانت الأمم المتحدة طالبت في ندائها للعام الماضي بثلاثة مليارات دولار، وتلقت 83 في المائة من المبلغ المستهدف.
وقال غوتيريش في كلمته، أمام المؤتمر الدولي الرفيع المستوى للمساعدات بمكتب الأمم المتحدة في جنيف، والذي عقد بمبادرة من السويد وسويسرا: إن المساعدات ستذهب إلى 15 مليون يمني خلال العام الحالي. وذكر أن هذا ثالث مؤتمر دولي على التوالي من أجل الشعب اليمني، مضيفاً: «لم نكن نريد أن نكون هنا، لكن اليمن ما زال يعاني أكبر أزمة إنسانية في العالم».
وبيّن أن نحو 25 مليون مدني في اليمن، يمثلون 80 في المائة من السكان، في حاجة إلى المساعدة والحماية الإنسانية، مشيراً إلى أنه في العام الماضي انخرط مليونا يمني إضافي في الأزمة الإنسانية المتواصلة؛ بسبب الصراعات الجارية وانهيار الاقتصاد.
وأكد الأمين العام، أنه منذ بداية الحرب الأهلية في اليمن، قُتل أو جُرح عشرات الآلاف، معظمهم مدنيون، وأن الكثير ماتوا بسبب الجوع أو الأمراض التي يمكن الوقاية منها، محذراً من أن 10 ملايين شخص في البلاد على حافة المجاعة.
من جهته، قال السفير السعودي في اليمن، محمد آل جابر: إن السعودية قدمت دعماً إضافياً، لليمن يبلغ 500 مليون دولار، ليرتفع حجم الدعم الذي قدمته للشعب اليمني إلى 14 مليار دولار منذ بداية 2014 وحتى الآن. وأضاف: إن السعودية دعمت اليمن خلال عملية الانتقال السياسي السلمي الذي شهدته بين عامي 2012 و2014 بمبلغ تجاوز 7 مليارات دولار؛ ما أسهم في تحسن الوضعين الاقتصادي والمعيشي للمواطن اليمني، إلى جانب ما تم تقديمه ضمن خطة الاستجابة الإنسانية التي أعلنتها الأمم المتحدة بدعم البنك المركزي اليمني بمبلغ 2.2 مليار دولار، إضافة إلى الوديعة السابقة بقيمة مليار دولار. وتم وضع آلية مشتركة مع الحكومة اليمنية لإصدار اعتمادات بنكية للموردين اليمنيين لشراء السلع الغذائية الأساسية تجاوزت قيمتها حتى اليوم أكثر من 650 مليون دولار.
ولفت آل جابر إلى أن الدعم المقدم من السعودية، والإمارات، والكويت خلال عام 2018 بلغ ملياراً و750 مليون دولار، وجهت نسبة كبيرة جداً منه للأمن الغذائي، وهو ما حقق تغطية كاملة لهذا الاحتياج، مع 64 مشروعاً بكلفة تقدر بـ458 مليون دولار، نفذها مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية في مجال الأمن الغذائي في جميع المحافظات اليمنية دون تمييز، إضافة إلى ما قدمه الهلال الأحمر الإماراتي والكويتي، مبيناً أن السعودية والإمارات أعلنتا قبل أشهر قليلة منحة بقيمة 70 مليون دولار لليونيسيف لدفع رواتب المعلمين في جميع أنحاء اليمن؛ للإيمان منهما بأن غذاء العقول لا يقل عن غذاء الأبدان.
وتطرق آل جابر، إلى أن الدعم الذي قدمته السعودية لليمن لم يقتصر على توفير الغذاء والمساعدات الإنسانية لملايين المستفيدين بالتعاون والشراكة مع مركز الملك سلمان للأعمال الإنسانية والإغاثية، وبقية المنظمات الإنسانية الإقليمية والدولية، بل تجاوز ذلك إلى دعم اليمن بالكثير من البرامج والمشروعات والمبادرات التي ينفذها البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن في 7 مجالات، وهي: الصحة والتعليم والطاقة والنقل والمياه والزراعة والثروة السمكية، التي كان من شأنها دعم الاقتصاد وتثبيت الأمن والاستقرار وتوفير فرص العمل لليمنيين.
ونوّه السفير السعودي في اليمن بأهمية المنحة السعودية من المشتقات النفطية التي تم توجيهها إلى محطات الكهرباء في اليمن، وبلغ حجم هذا الدعم 60 مليون دولار شهرياً؛ ما أسهم بشكل فاعل في استمرار توصيل التيار الكهربائي للكثير من المحافظات دون انقطاع، واستفاد منها 18 مليون شخص.
من جهته، أشار رئيس الحكومة اليمنية، معين عبد الملك، إلى أن نجاح هذه الخطة الأممية مثلما يعتمد على التمويل السخي من الدول المانحة، فهو كذلك يعتمد على تكامل آليات عملها وسياسات الحكومة بدءاً من دعم استقرار العملة من خلال توجيه كافة مساعدات خطة الاستجابة عبر البنك المركزي اليمني بما يمكّن البنك من تعزيز أدواته في إدارة السياسة النقدية وعبر التخطيط المشترك والتصميم المرن للتدخلات وتطوير آليات الإغاثة بطريقة تحرر الناس من الاحتياجات الملحة المستمرة، وتوفر لهم سبل الإعاشة المستدامة، وكذلك من خلال دعم القطاعات الإنتاجية في الاقتصاد اليمني وتعزيز بيئة الاستثمار المحلي وجدولة المراجعة والرقابة على أداء التدخلات ومدى نجاعة ودقة تنفيذ الخطط.
وقال عبد الملك: إن طبيعة الأزمة الإنسانية التي يعيشها الشعب اليمني، تجعل من الصعب على الحكومة وحدها في ظل هذه الظروف الاستثنائية القيام بالإجراءات الضرورية واللازمة لإنقاذ الشرائح الأوسع من الشعب من دوامات الفقر والمرض، وتُلقي بمسؤولية كبيرة على المجتمع الدولي والدول المانحة والداعمة.
واستعرض رئيس الوزراء اليمني جهود حكومته في رسم السياسات المالية ودعم جهود البنك المركزي للسيطرة على التدهور السريع في قيمة الريال اليمني، التي أثمرت عن خفض سعر صرف العملة من 800 ريال للدولار الواحد إلى ما يقارب 550 ريالاً... لافتاً إلى أن الحكومة تعمل حالياً على عدد من الإجراءات للحفاظ على هذا التحسن.
وأشار إلى أن الحكومة عملت على خفض أسعار السلع الأساسية بنسبة 30 في المائة وتوفير وخفض أسعار المشتقات النفطية بنسبة 25 في المائة في المتوسط، وذلك على مستوى جميع محافظات الجمهورية.
واتهم رئيس الحكومة اليمنية ميليشيات الحوثي الانقلابية بالتورط في سرقة المساعدات الغذائية وبيعها في الأسواق، وحرمان المستحقين من الإضافة إلى جداول المتلقين للمساعدات، وتسجيل آخرين بغرض تعزيز طبيعة النظام النفعي الذي تديره هذه الميلشيات، وقال: «إن هذا الأمر أقرت به تصريحات الأمم المتحدة أخيراً».
وأضاف: «هذه ليست الانتهاكات الوحيدة التي يمارسها الحوثيون؛ فهم يفرضون إتاوات غير قانونية وضرائب مضاعفة وجمارك مكررة في مناطق سيطرتهم؛ الأمر الذي ينعكس في نهاية المطاف على زيادة أسعار السلع الغذائية التي تباع في الأسواق في هذه المناطق، وعلى إضعاف قدرة المواطنين على تحمل تكاليف الغذاء والدواء».
وقال: «إن السياسات التي ينتهجها الحوثيون تتسبب في مفاقمة حدة الأزمة الإنسانية ودخول شرائح أوسع من المواطنين في قائمة الفقراء والمحتاجين للدعم والمساعدة» مشيراً إلى منع الميليشيات الحوثية منظمة الغذاء العالمي من الوصول إلى صوامع الغلال في مدينة الحديدة، التي تحتوي على مخزون غذائي يكفي ما يقارب أربعة ملايين شخص لمدة شهر.


مقالات ذات صلة

هوس قادة الحوثيين بالشهادات العليا يفاقم انهيار التعليم الجامعي

العالم العربي الجماعة الحوثية منحت مهدي المشاط رئيس مجلس حكمها شهادة الماجستير (إعلام حوثي)

هوس قادة الحوثيين بالشهادات العليا يفاقم انهيار التعليم الجامعي

يتعرض طلاب الدراسات العليا في الجامعات اليمنية لابتزاز قادة حوثيين لإعداد رسائلهم للماجستير، والدكتوراه، في حين يجري إغراق التعليم الجامعي بممارسات كسب الولاء

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي طائرة أميركية مسيرة من طراز «إم كيو - 9» (أرشيفية - أ.ب)

اليمن: مقتل قيادي بارز بـ«القاعدة» بغارة أميركية في مأرب

أكد مصدر أمني يمني، مساء السبت، مقتل قيادي بارز في تنظيم «القاعدة»، في ضربة بطائرة أميركية من دون طيار في محافظة مأرب، شرق البلاد.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي عناصر حوثيون أمام شاشة كبيرة تنقل صوراً لهجمات نفَّذتها الجماعة في البحر الأحمر (غيتي)

سباق الظلام… الحوثيون يحاولون تجاوز اختراقهم من إسرائيل

لجأ الحوثيون لتشديد إجراءاتهم الأمنية لحماية قياداتهم من الاستهداف الإسرائيلي، كتعطيل كاميرات المراقبة وتغيير هوياتهم يومياً وتنويع وسائل تنقلهم وتمويه تحركاتهم

وضاح الجليل (عدن)
خاص باتريك سيمونيه رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لدى اليمن (تصوير: صالح الغنام)

خاص الاتحاد الأوروبي لـ«الشرق الأوسط»: لا تساهل مع الحوثيين... وهدفنا عودة اليمنيين للمفاوضات

تؤكد بروكسل أنها لا تتساهل مع الحوثيين، وكل جهودها تنصب لإعادة الأطراف لطاولة المفاوضات وتطبيق خريطة السلام التي تقودها الأمم المتحدة.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي الرئيس رشاد العليمي يستقبل الوزير البريطاني في عدن (سبأ)

وزير بريطاني: شراكتنا مع اليمن «ركيزة أساسية» لاستقرار البلاد وأمن المنطقة والعالم

وصف وزير شؤون الشرق الأوسط البريطاني هيمش فولكنر الشراكة مع اليمن بأنها «ركيزة أساسية» لاستقرار البلاد وأمن المنطقة والعالم.

عبد الهادي حبتور (الرياض)

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.