أيام الأوسكار (4)‬: هل خسر الأوسكار سنتيمترات من قامته؟

مصاعب تحلق فوق رأس التمثال الذهبي وسط غياب مقدم للحفل

صورة أرشيفية للفائزين بجوائز الدورة الـ61 عام 1989 التي غاب عنها المقدم أيضاً (غيتي)
صورة أرشيفية للفائزين بجوائز الدورة الـ61 عام 1989 التي غاب عنها المقدم أيضاً (غيتي)
TT

أيام الأوسكار (4)‬: هل خسر الأوسكار سنتيمترات من قامته؟

صورة أرشيفية للفائزين بجوائز الدورة الـ61 عام 1989 التي غاب عنها المقدم أيضاً (غيتي)
صورة أرشيفية للفائزين بجوائز الدورة الـ61 عام 1989 التي غاب عنها المقدم أيضاً (غيتي)

ترقب سنوي يعيشه ملايين المشاهدين في أميركا وحول العالم لمتابعة حفل توزيع جوائز الأوسكار‬. العرض يستمر، مبدئياً، لثلاث ساعات ونصف تتخلله استعراضات وتصريحات وإعلان أسماء وصعود الفائزين على المسرح وشكرهم. هذا هو التقليد وهو المنتظر من حفل الأوسكار لكنه أيضاً ما بات يبعث على الرعب.
في الماضيين، القريب والمتوسط، كان حفل الأوسكار هو المرتبة الأولى لرغبة هوليوود الاحتفاء بمن فيها وبمن شارك في دعم أفلامها أو في البذل في السينما في شتى جوانبها وحقولها.
المرتبة الثانية (أياً كانت) قبعت على بعد فراسخ بحرية بعيداً عنها. كانت هناك دائماً مؤسسات أخرى تمنح جوائز، لكن المحيط الفني والإعلامي حولها كان خجولاً. كان مكتفياً بالجائزة الأمثل. بذلك الأوسكار الذي «يفي ويكفي». لا حاجة معه لحفل آخر أو للتحلق حول جوائز مختلفة. هذا كله تغير في السنوات العشرين الأخيرة.
الجميع بات يريد أن يحتفل. يريد أن يمنح جوائز. يريد أن يبرز كلاعب رئيسي في المناسبات السينمائية وكموطن للتوقعات والمنافسات وكعلامة مميزة في الحياة السينمائية.
المهرجانات بدأت تتمحور حول ما الذي سيصل من بين أفلامها إلى مصاف الأوسكار؟ أي مما عرضته على الجمهور بأسماء ومبررات فنية سوف يستمر في الصعود ودخول المنافسات الأخرى ويصل بعد ذلك إلى ترشيحات الأكاديمية.
المناسبات السنوية صارت أكثر طرحاً ومشاركة في خلق فترة ساخنة من العام - الأشهر ما بين مطلع أكتوبر (تشرين الأول) - إلى نهاية فبراير (شباط) - هي لا تذكر الأوسكار بل تؤسس لبدائل وتشيع لجوائز تسبق الأوسكار بينما تحتفي بالأفلام والشخصيات ذاتها.
أرقام مزعجة
الخطط نجحت. أوسكار اليوم لم يعد كأوسكار الأمس. هوليوود تغيرت، وجيلان جديدان من السينمائيين أعقبا الأجيال السابقة، ودماء جديدة برؤى ومفاهيم مغايرة أصبحت تشكل نسبة كبيرة من المقترعين. بالتالي أوسكار «نائب» و«روما» وسواهما غير أوسكارات «كليوباترا» و«الوصايا العشر» و«لمن تقرع الأجراس» أو «ذهب مع الريح».
عند الجيل الجديد تستدير عقارب الاهتمام إلى المطروح وليس إلى التشكيل. إلى الموضوع وليس إلى منهج أو أسلوب الصياغة. إلى السياسة وليس إلى الفن الذي يهضم السياسة في داخله. بالتالي تختلف المعايير التي يستند إليها معظم المقترعين عما كانت عليه في السابق.
تختلف لا بالنسبة للأفلام المرشحة ومن يفوز منها فقط، بل بالنسبة للمخرجين والممثلين وباقي أصحاب المواهب والتخصصات لأن الثقافة السابقة زالت ونوع جديد من السينما بزغ بديلاً لها من صنع جيل لديه نظرة مختلفة عن السينما من تلك التي صنعت المجد السابق.
بالتالي، هناك مصاعب كبيرة تحلق فوق رأس التمثال الذهبي بعضها ناتج عن قيام المناسبات الاحتفائية السنوية الأخرى باقتطاع أجزاء من كيانه واستنساخ جوائزه، وبعضها الآخر ناتج عن اختلاف تلك الرؤى واستبدال ما كان ملكاً لكيان إنتاجي وصناعي كاملين بآخر متطاير الاهتمامات والمستويات.
هذا من دون أن ننسى دور التطور التقني الذي منح كل المتابعين كل الفرص لمشاهدة كل ما يحدث على ظهر هذا الكوكب صغيراً أو كبيراً. امتلأ ذلك الواقع الافتراضي بزخم غير مسبوق من الآراء والأحكام ولم يعد الأوسكار منصّة وحيدة يلتف الناس حولها ويتابعون.
في صباح اليوم التالي لحفل الأوسكار في العام الماضي استيقظت اللجنة الإدارية لأكاديمية العلوم والفنون السينمائية، مانحة الأوسكار، على خبر مزعج: انخفاض عدد المشاهدين الأميركيين للحفل الذي بث على شاشة محطة ABC بنسبة 25 في المائة. عدد المشاهدين لم يزد عن 26 مليون و500 ألف مشاهد. هذا أقل بنحو 30 مليون مشاهد مما كان عليه سنة 1998 على سبيل المثال. والانحسار الأكبر كان من بين القسم الغالب من المشاهدين التقليديين وهم الراشدون ما بين الثامنة عشرة والتاسعة والأربعين من العمر.
نتيجة ذلك تقدمت المحطة التلفزيونية (تتبع إمبراطورية ديزني) من الأكاديمية بطلب حثيث هذا العام وهو العمل على تقويض ساعات الحفل كي لا يأخذ من وقت المحطة أكثر من ثلاث ساعات. وتبعاً لبعض المصادر، لا تمانع المحطة في أن تقوم إدارة الأكاديمية (التي تتألف من 54 عضواً) بعمل ما يلزم بحيث لا تزيد مدة البث عن ساعتين ونصف كون الساعات الثلاث (ومع كل ما تقدم من أسباب اقتضمت من انفرادية الاحتفال كثيراً) تقلص عدد المشاهدين المتبرّمين من طول مدّة العرض وتدفع الكثير منهم إلى البحث عن ترفيه آخر. الفكرة هنا هي تجارية بحتة.
ميزانية «أكاديمية الفنون والعلوم السينمائية» تبلغ نحو 162 مليون دولار سنوياً. 80 في المائة منها هو مدخولها من بيع حقوق البث التلفزيوني لمحطة ABC. وهذه المحطة تبيع إعلانات تفوق 115 مليون دولار سنوياً في تلك الساعات التي يستغرقها بث حفل الأوسكار.
أي انحسار في عدد المشاهدين سيصحبه انحسار في عدد المعلنين. سيؤثر ذلك على العقد المبرم بين الأكاديمية والمحطة وقد ينجلي عنه خفض سلم إيرادات الأوسكار ذاته. لهذا السبب اقترحت المحطة على الأكاديمية اختصار الفترة الزمنية بحجب بث أربع مسابقات أساسية أهمها أوسكار أفضل تصوير، الأمر الذي أثار هيجان النقابات والنقاد فتراجعت الأكاديمية عن قرارها هذا بعدما كانت تبنته.
حفل من دون مقدم
حفل ختام الدورة الحادية والتسعين خلا من مقدّم فقرات. ليست للمرّة الأولى بل سبق للحفل أن عمد إلى هذا الحل قبل ثلاثين سنة. لكن الظروف اختلفت بعض الشيء هذه المرّة.
كان دواين جونسون أحد الاقتراحات الأولى. تقدّمت له الأكاديمية بطلب تقديم الحفل قبل تسعة أشهر وهو رحّب إلى أن وجد أن التدريبات التي عليه أن يقوم بها قبل شهرين من بداية الحفل ستفرض عليه عدم الالتزام بجدول تصوير أفلامه التي كان يخوض (وهو ينجز من فيلمين إلى ثلاثة كل عام ونصف). كان يعتقد أن التدريب لن يستغرق سوى يومين أو ثلاثة وتقديم الحفل سيشغله ليوم وهذا ما سيتيح له العودة إلى التصوير سريعاً. مع مداركه الجديدة كان لا بد له أن يعتذر. بعد مداولات عديدة تم الطلب من الكوميدي كيفن هارت القيام بالمهمة. هنا سقط الجميع في فخ لم يحسب له أحد. كيفن شخصية سينمائية مناسبة ورجل يعرف الكوميديا كما يعرف كفه. لكن ما حدث نموذج على كيف أن السياسة اللعينة تدخل لتفسد كل شيء.
في هذه الحالة، وما إن أعلنت الأكاديمية عن انتخابها هارت للقيام بتقديم الحفل، حتى نشطت وسائل التواصل الاجتماعي لتقوّض كل شيء كاشفة عن أن هارت كان هاجم المثليين قبل عشر سنوات في تغريدات مبكرة له.
الأكاديمية طلبت من هارت أن يعتذر. هارت رفض الاعتذار (من يلومه إذا ما كانت الأمور الشخصية باتت موظفة لخدمة توجهات سياسية). وفي رفضه رفض مماثل على أن يكون هناك رقيب على آرائه ورفض في أن تنصاع الأكاديمية لرأي جهة واحدة عوض أن تمارس حقها المفترض.
مهمة تقديم حفل بلا مقدّم صعبة بدورها لأن على منتجي ومصممي الحفل ابتداع بدائل ضمن الوقت المحدد. صحيح أن المتابعين الدائمين لحفل الأوسكار يهتمون كثيراً بمن سيفوز وبمن سيخرج بلا فوز، إلا أن طريقة تصميم وتقديم وإخراج الحفل لها مكانة علياً في كل الاعتبارات. من دون حفل ناجح فنياً سيجد الأوسكار نفسه وقد خسر بعضاً من سنتيمترات قامته. رغم كل ذلك، ليس الأوسكار في خطر حتى الآن.
هو يستشعر فقط التقلب المناخي من حوله ويدرك أن بعضه (إن لم يكن معظمه) عائد إلى الحياة العصرية التي باتت تتحكم في تفاصيله. سياسياً عليه أن ينتبه إلى فخاخ منصوبة. هنا فخ الوقوع فيما يغضب النساء وهنا فخ الوقوع بما يثير استياء المثليين، وهناك فخ أكبر أساساً وهو تحوّله إلى منصّة لانتقادات سياسية.
ربما هذا التحول بحد ذاته فعل جيد لأنه يمنح الفائزين وسواهم منصّـة لإطلاق تعليقاتهم حول أميركا وحول العالم، لكن الكثير من الجيد مضر، كما سبق وقلنا في رسالة سابقة، وهذا يتبلور حين نجد أفلاماً تتبنى خطوطاً سياسية (مثل «بلاكككلانسمان» و«نائب» و«عن الآباء والأبناء») تحاول البروز من خلالها تحقيق غاياتها الشخصية.
في النهاية هي شبكة من المصالح وكل طرف فيها يريد أن يفوز بأكثر مما يستطيع تحقيقه من نتائج.


مقالات ذات صلة

الوثائقي «ملفات بيبي» في مهرجان تورونتو يثير غضب نتنياهو

شؤون إقليمية الوثائقي «ملفات بيبي» في مهرجان تورونتو يثير غضب نتنياهو

الوثائقي «ملفات بيبي» في مهرجان تورونتو يثير غضب نتنياهو

يتناول الفيلم تأثير فساد نتنياهو على قراراته السياسية والاستراتيجية، بما في ذلك من تخريب عملية السلام، والمساس بحقوق الإنسان للشعب الفلسطيني.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
يوميات الشرق المخرج الإيراني أصغر فرهادي الحائز جائزتَي أوسكار عامَي 2012 و2017 (إدارة مهرجان عمّان السينمائي الدولي)

أصغر فرهادي... عن أسرار المهنة ومجد الأوسكار من تحت سماء عمّان

المخرج الإيراني الحائز جائزتَي أوسكار، أصغر فرهادي، يحلّ ضيفاً على مهرجان عمّان السينمائي، ويبوح بتفاصيل كثيرة عن رحلته السينمائية الحافلة.

كريستين حبيب (عمّان)
يوميات الشرق تمثال «الأوسكار» يظهر خارج مسرح في لوس أنجليس (أرشيفية - أ.ب)

«الأوسكار» تهدف لجمع تبرعات بقيمة 500 مليون دولار

أطلقت أكاديمية فنون السينما وعلومها الجمعة حملة واسعة لجمع تبرعات بقيمة 500 مليون دولار.

«الشرق الأوسط» (لوس انجليس)
يوميات الشرق الممثل الشهير ويل سميث وزوجته جادا (رويترز)

«صفعة الأوسكار» تلاحقهما... مؤسسة «ويل وجادا سميث» الخيرية تُغلق أبوابها

من المقرر إغلاق مؤسسة «ويل وجادا سميث» الخيرية بعدما شهدت انخفاضاً في التبرعات فيما يظهر أنه أحدث تداعيات «صفعة الأوسكار» الشهيرة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق أبطال المنصات (مارتن سكورسيزي وبرادلي كوبر) يغادران «أوسكار» 2024 بوفاضٍ خالٍ

هل تخلّت «الأوسكار» عن أفلام «نتفليكس» وأخواتها؟

مع أنها حظيت بـ32 ترشيحاً إلى «أوسكار» 2024 فإن أفلام منصات البث العالمية مثل «نتفليكس» و«أبل» عادت أدراجها من دون جوائز... فما هي الأسباب؟

كريستين حبيب (بيروت)

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم
TT

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم

حقق فيلم الرعب والإثارة «يوم 13» مفاجأة خلال الأيام الماضية في شباك التذاكر بمصر، حيث حصد أعلى إيراد يومي متفوقاً على فيلم «هارلي» لمحمد رمضان، الذي لا يزال محتفظاً بالمركز الأول في مجمل إيرادات أفلام موسم عيد الفطر محققاً ما يزيد على 30 مليون جنيه مصري حتى الآن (نحو مليون دولار أميركي)، بينما يطارده في سباق الإيرادات «يوم 13» الذي حقق إجمالي إيرادات تجاوزت 20 مليون جنيه حتى الآن.
ويعد «يوم 13» أول فيلم عربي بتقنية ثلاثية الأبعاد، وتدور أحداثه في إطار من الرعب والإثارة من خلال عز الدين (يؤدي دوره الفنان أحمد داود) الذي يعود من كندا بعد سنوات طويلة باحثاً عن أهله، ويفاجأ بعد عودته بالسمعة السيئة لقصر العائلة المهجور الذي تسكنه الأشباح، ومع إقامته في القصر يكتشف مغامرة غير متوقعة. الفيلم من تأليف وإخراج وائل عبد الله، وإنتاج وتوزيع شركته وشقيقه لؤي عبد الله «أوسكار»، ويؤدي بطولته إلى جانب أحمد داود كل من دينا الشربيني، وشريف منير، وأروى جودة، كما يضم عدداً من نجوم الشرف من بينهم محمود عبد المغني، وفرح، وأحمد زاهر، ومحمود حافظ، وجومانا مراد، ووضع موسيقاه هشام خرما.
وقال مخرج الفيلم وائل عبد الله في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنه ليس متفاجئاً بالإيرادات التي حققها الفيلم، ولكنه كان متخوفاً من الموسم نفسه ألا يكون جيداً، قائلاً إن «إقبال الجمهور حطم مقولة إن جمهور العيد لا يقبل إلا على الأفلام الكوميدية، وإنه يسعى للتنوع ولوجود أفلام أخرى غير كوميدية، وإن الفيصل في ذلك جودة الفيلم، مؤكداً أن الفيلم احتل المركز الأول في الإيرادات اليومية منذ انتهاء أسبوع العيد».
وكشف عبد الله أن الفيلم استغرق عامين، خلاف فترات التوقف بسبب جائحة كورونا، وأنه تضمن أعمال غرافيك كبيرة، ثم بعد ذلك بدأ العمل على التقنية ثلاثية الأبعاد التي استغرق العمل عليها عشرة أشهر كاملة، مؤكداً أنه درس طويلاً هذه التقنية وأدرك عيوبها ومميزاتها، وسعى لتلافي الأخطاء التي ظهرت في أفلام أجنبية والاستفادة من تجارب سابقة فيها.
وواصل المخرج أنه كان يراهن على تقديم الفيلم بهذه التقنية، لا سيما أن أحداً في السينما العربية لم يقدم عليها رغم ظهورها بالسينما العالمية قبل أكثر من عشرين عاماً، موضحاً أسباب ذلك، ومن بينها ارتفاع تكلفتها والوقت الذي تتطلبه، لذا رأى أنه لن يقدم على هذه الخطوة سوى أحد صناع السينما إنتاجياً وتوزيعياً، مشيراً إلى أن «ميزانية الفيلم وصلت إلى 50 مليون جنيه، وأنه حقق حتى الآن إيرادات وصلت إلى 20 مليون جنيه».
ورغم عدم جاهزية بعض السينمات في مصر لاستقبال الأفلام ثلاثية الأبعاد، فقد قام المخرج بعمل نسخ «2 دي» لبعض دور العرض غير المجهزة، مؤكداً أن استقبال الجمهور في القاهرة وبعض المحافظات للفيلم لم يختلف، منوهاً إلى أن ذلك سيشجع كثيراً على تقديم أفلام بتقنية ثلاثية الأبعاد في السينما العربية.