مسلسل «صانع الأحلام» دراما تجمع بين الفانتازيا والعلم

أُطلق في مؤتمر صحافي بحضور فريق العمل

ماكسيم خليل بطل مسلسل «صانع الأحلام» مجسداً دور دكتور سامي عمران
ماكسيم خليل بطل مسلسل «صانع الأحلام» مجسداً دور دكتور سامي عمران
TT

مسلسل «صانع الأحلام» دراما تجمع بين الفانتازيا والعلم

ماكسيم خليل بطل مسلسل «صانع الأحلام» مجسداً دور دكتور سامي عمران
ماكسيم خليل بطل مسلسل «صانع الأحلام» مجسداً دور دكتور سامي عمران

وصف فريق مسلسل العمل الدّرامي «صانع الأحلام» والمتوقع أن يعرض في موسم رمضان المقبل على قناة «أبوظبي»، بأنّه عمل غير مسبوق، إن بحبكته وأحداثه، وإن في عملية تنفيذه. فخلال مؤتمر صحافي عقد مساء أول من أمس في فندق «سمولفيل» في بيروت تحدّث منتجه ومخرجه وأبطاله عن قصة هذا المسلسل الذي بدأ تصويره منذ نحو 20 يوماً.
وهو يحكي قصة باحث فيزيائي يدعى دكتور سامي عمران (مكسيم خليل)، الذي يتمكن بعد طول اجتهاد، واستناداً إلى خبرته في طبّ الأعصاب والفيزياء، الدّمج بين مكتسبات الاختصاصين العلميين المذكورين وبين خبرته في اكتشاف طريقة تجعله قادراً على التأثير في أحلام الآخرين وكذلك في رسم وتحديد الحلم الذي يريده عند أي شخص.
وتعود قصة العمل الذي يشارك في تمثيله نخبة من نجوم الشاشة الصغيرة في لبنان ومصر وسوريا إلى رواية «صانع الأحلام» لهاني نقشبندي الذي أعاد صياغتها للتلفزيون بشار عباس وأخرجها محمد عبد العزيز. فيما يعود إنتاجه إلى شركة «ميديا سفن ريفوليوشن» لصاحبها مفيد الرفاعي. ومن الفنانين المشاركين فيه جيسي عبدو وطوني عيسى ومكسيم خليل وأروى جودة ومي سليم، إضافة إلى غيرهم من الممثلين الذين حضروا إلى لبنان خصيصاً لهذه المناسبة.
وأشار مخرج العمل محمد عبد العزيز إلى أن الصّعوبة التي واجهها في تنفيذ هذا العمل تكمن في إيجاد مراجع علمية عربية تفيد سياق القصة. وأضاف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «معظم مراجعي تستند إلى أبحاث أكاديمية أميركية التي تشهد حالياً دراسات حثيثة حولها. وكان لدينا التزام صارم بالمنهج العلمي الذي يتناول عملية حدوث الأحلام وكيف يمكن أن نتدخل فيه كيمياوياً أو باللاوعي وبأساليب أخرى، وهو الأمر الذي من النادر مصادفته في عالمنا العربي عكس جامعات أميركية وأوروبية أخذت على عاتقها إجراء دراسات دقيقة في هذا الموضوع». ويرى عبد العزيز الذي اختار بيروت ليصوّر فيها معظم أحداث العمل، إضافة إلى أخرى ستتم في دولة الإمارات العربية، بأنّ قصص الأحلام في عالمنا العربي حاضرة جداً في الأديان السماوية وهناك أمثلة عديدة عنها. وتابع يقول: «هناك منامات وأحلام ورؤى ساهمت في تغيير مسارات عديدة في هذه المنطقة. ولذلك أخذنا النّظريات العلمية من أميركا وتلك التطبيقية من موروثنا الشّعبي الغني عندنا».
وعمّا إذا عمد إلى تشريق الجانب العلمي الأميركي المرجع ليتناسب مع أحداث المسلسل ذات الخلطة العربية يجيب: «يمكن القول إنّنا شرّقناها في الجانب الدرامي أمّا بالنسبة للمنهج العلمي فهي معلومات صارمة جداً أبقينا عليها كما هي لا سيما أنها تفسّر كيف ولماذا نحلم ونحن نيام». وحسب المخرج فإنها المرة الأولى التي سيتابع المشاهد العربي، في أي طور يحدث المنام وكيف في إمكاننا أن نتدخّل فيه كأشخاص أو كعلماء. وهو ما يقوم به الباحثون حالياً في العالم لا سيما أن البشر يمضون نحو 40 في المائة من حياتهم في النوم، فكان لا بد من البحث والاستثمار فيها. هذه الدراما من شأنها أن تزوّد المشاهد بمعلومات شيّقة عن آلية الحلم وطبيعته عند الإنسان وكيف تراودنا بشكل عام ونشعر بأنّها طويلة مع أنّ مدتها الحقيقية لا تتجاوز ثواني قليلة.
ويرفض صاحب رواية «صانع الأحلام» هاني نقشبندي مقولة إن القصة تفقد بريقها عندما تتحول إلى عمل تلفزيوني أو سينمائي ويقول في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «في رأيي أنّ العمل في هذا المسلسل سيكون أجمل من الرواية بحد ذاتها لأنّ الرواية قائمة على نص ولكن تجسيد الخيال إلى صورة هو عمل صعب ويتطلب الكثير من الإبداع». ويضيف: «أتابع شخصياً كيف يتعامل المخرج محمد عبد العزيز مع النّص بدقة متناهية، خصوصاً أنّ القصة قائمة على الفانتازيا. فبطل القصة هو عالم فيزياء يرث موهبة تفسير الأحلام من والده ويوظف علم الفيزياء مع خبرته الأخيرة في صناعة الحلم». وعمّا يقصده في صناعة الأحلام يوضح: «يعني أنّ الشّخص يصنع حلمك فيحدّد لك موضوعه ويتحكّم في أحداثه. ولهذا السبب وعندما يصل إلى هذه المعادلة تأخذ جهات أمنية في مراقبته. فأنا كتبت هذه القصة منذ نحو سنتين وكانت الـ«إم بي سي» تنوي تنفيذه إلا أن قناة «أبوظبي» أخذته على عاتقها لتنفيذه وهو برأيي عمل غير مسبوق».
ووصف بطل المسلسل ماكسيم خليل المسلسل بأنّه يأخذ المشاهد إلى موضوع جديد وشيّق بعد أن طُرح في إطار مختلف، مما جعله لا يتردّد في قبول المشاركة. ووعد المشاهد بأنّه سيتابع إيقاعاً جديداً في عالم الدراما العربية تحمل أحداثه مفاجآت كثيرة وسيدفع به إلى التفكير والتحليل كي يغوص معها في حالات مركبة تواكبه حتى النهاية. وعمّا إذا هو يدرج نفسه في عالم الحقيقة كشخص حالم أو كصانع أحلام لآخرين يرد في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «أنا الاثنان معاً، حالم من ناحية وأصنعه للآخر من ناحية ثانية. ولولا أنّني لم أتشبّث بأحلامي لما وصلت إلى ما أنا عليه اليوم في حياتي. فأنا أشعر بأنّ حياتي من دون الأحلام لا طعم لها. ومن ناحية ثانية لا يجب أن نسرق أحلام الآخرين، بل على كلّ منا أن يتمسك بحلمه ويحققه. وعملياً الدور لا يشبهني، إذ لديه بُعد سيكولوجي لا أتمتع به لأنّه يرتكّز على تركيبة تتألف من عدة شخصيات موجودة في واحدة».


مقالات ذات صلة

«رقم سري» يناقش «الوجه المخيف» للتكنولوجيا

يوميات الشرق لقطة من مسلسل «رقم سري» (الشركة المنتجة)

«رقم سري» يناقش «الوجه المخيف» للتكنولوجيا

حظي مسلسل «رقم سري» الذي ينتمي إلى نوعية دراما الغموض والتشويق بتفاعل لافت عبر منصات التواصل الاجتماعي.

رشا أحمد (القاهرة )
يوميات الشرق زكي من أبرز نجوم السينما المصرية (أرشيفية)

مصر: تجدد الجدل بشأن مقتنيات أحمد زكي

تجدد الجدل بشأن مقتنيات الفنان المصري الراحل أحمد زكي، بعد تصريحات منسوبة لمنى عطية الأخت غير الشقيقة لـ«النمر الأسود».

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق تجسّد شخصية «دونا» في «العميل» (دانا الحلبي)

دانا الحلبي لـ«الشرق الأوسط»: لو طلب مني مشهد واحد مع أيمن زيدان لوافقت

تُعدّ تعاونها إلى جانب أيمن زيدان إضافة كبيرة إلى مشوارها الفني، وتقول إنه قامة فنية كبيرة، استفدت كثيراً من خبراته. هو شخص متعاون مع زملائه يدعم من يقف أمامه.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق آسر ياسين وركين سعد في لقطة من المسلسل (الشركة المنتجة)

«نتفليكس» تطلق مسلسل «موعد مع الماضي» في «القاهرة السينمائي»

رحلة غوص يقوم بها بعض أبطال المسلسل المصري «موعد مع الماضي» تتعرض فيها «نادية» التي تقوم بدورها هدى المفتي للغرق، بشكل غامض.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق مسلسل «6 شهور»   (حساب Watch IT على «فيسبوك»)

«6 شهور»... دراما تعكس معاناة حديثي التخرّج في مصر

يعكس المسلسل المصري «6 شهور» معاناة الشباب حديثي التخرج في مصر عبر دراما اجتماعية تعتمد على الوجوه الشابة، وتحاول أن ترسم الطريق إلى تحقيق الأحلام.

نادية عبد الحليم (القاهرة )

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)