وميض الترتر من الملك «توت» إلى ممشى عروض الأزياء

ظهرت في بداية القرن العشرين ولم يؤثر الزمن على بريقها

من عرض ماري كاترانتزو  -  من عرض «أشيش»
من عرض ماري كاترانتزو - من عرض «أشيش»
TT

وميض الترتر من الملك «توت» إلى ممشى عروض الأزياء

من عرض ماري كاترانتزو  -  من عرض «أشيش»
من عرض ماري كاترانتزو - من عرض «أشيش»

صرعات تأتي وتذهب، قد يشهد بعضها رواجاً، ثم تختفي وكأنها لم تكن. واحدة منها هي الأزيار المطرزة بالترتر والخرز. كان طبيعياً أن تسجل حضوراً قوياً خلال احتفالات نهاية عام وبداية آخر، لكن اللافت أنها صمدت إلى الآن لتظهر في عروض لندن هذا الأسبوع في عروض عدة، مثل «أشيش» وماري كاترانزو ومايكل هالبرن، وغيرهم. ولم تقتصر على أزياء المساء والسهرة، بل أيضاً أزياء النهار. تقول مدونة الموضة وعارضة الأزياء المصرية، أميرة شُهدي، لـ«الشرق الأوسط»: إن الأزياء المزدانة بالترتر، ليست ابتكاراً حديثاً. ففي البداية كانت ترتبط بالترف، لكن كحال كل الصرعات، اختفت ولم تعد إلى ساحة الموضة حتى عام 2016، ومنذ ذلك الحين وهي تصعد لتشهد ذروة رواجها في العام الحالي».
حديث أميرة شهدي أثار فضولنا لنعرف تاريخ هذه الأقراص العاكسة للضوء، وجدنا أنها تعود في الأساس إلى مصر القديمة التي يبدو أنها أثرت الموضة العصرية بأشكال كثيرة. عندما تم اكتشاف مقبرة الملك توت في عام 1922، عُثر على أقراص ذهبية مصنوعة من المعادن الثمينة تشبه الترتر تُزين ملابسه الملكية. في ذلك الوقت كانت الملابس البراقة دلالة على الترف والحياة الفاخرة.
وكانت خياطة الذهب والمعادن النفيسة على الملابس متعددة الوظائف تعكس غالباً المكانة الاجتماعية، وتعمل رادعاً للسرقة، كما كان لها دلالة روحية. كان المصريون القدامى يعتقدون أن بريقها يدرأ الأرواح الشريرة.
ويشرح الموقع الإلكتروني لمتحف «فيكتوريا وألبرت» بلندن، إن الملابس المزدانة ببريق الترتر كانت ضمن أزياء نساء البلاط والنبلاء خلال القرن السابع عشر، ويضم المتحف سترة تعود إلى هذا التاريخ مُطرزة بنحو 10 آلاف قرص من الترتر تم تركيبها يدوياً.
العلاقة الحقيقية بين الأزياء والترتر جاءت نتيجة لأمرين. الأول اكتشاف مقبرة الملك توت، حيث ظهرت الزخارف المصرية في كل مكان، واخترقت عوالم التصميم الداخلي والأفلام والأزياء، وهو ما تؤكده صورة تعود إلى عام 1924، التقطها المصور إدوارد ستايتشن للممثلة ألدن غاي وهي ترتدي ثوباً متلألئاً من تصميم كوكو شانيل.
الأمر الآخر، هو تطور طريقة صناعته. فقبل ثلاثينات القرن العشرين كان الترتر يُصنع من المعادن، ثم ظهرت طريقة أخرى تعتمد على الجيلاتين المطلي، وهي بالطبع أخف وزناً من الأقراص المعدنية اللامعة. لكن أحد العوائق الرئيسية هو أن الجيلاتين يذوب بالتعرض للحرارة أو الماء، وهو ما غيره كل من هربرت ليبرمان وإيستمان كوداك، مؤسسا شركة أفلام كوداك للتصوير، باستخدامهما مادة الأسيتات، وهو نوع خاص من المواد البلاستيكية في تصنيع الترتر. في عام 1952 تغيرت صناعة الترتر مرة أخرى حين دخلت مادة الفينيل في تصنيعه لحمايته من التلف أثناء تنظيف الملابس.
مرت السنوات ولم يخفت بريقه، لكن وهجه زاد مع مغني البوب الراحل مايكل جاكسون حين ظهر في عام 1983 على خشبة المسرح معتمداً سترة مرصعة بصفوف الترتر السوداء، لا تزال لصيقة به حتى بعد وفاته. ولم يقف حبه للترتر عند هذه السترة، حيث ظهر بأخرى مماثلة، لكن بتصميم عسكري، عندما التقى رئيس الولايات المتحدة الأسبق، رونالد ريغان في عام 1984.
وحتى نهاية حقبة الثمانينات ظل جزءاً من الأزياء الراقية، قبل أن تتراجع شعبيته في التسعينات، الحقبة التي طبعتها الأزياء الهادئة. في الألفية عاد من باب الطبقات الأرستقراطية، حيث ظهرت به الملكات والأميرات. في عام 2011، اعتمدته ملكة إسبانيا ليتيزيا من خلال سترة غطتها حبات الترتر الأسود مع ياقة من الساتان اللماع، نسقتها مع بنطلون رسمي أسود وبلوزة بيضاء. بعد عام واحد ظهرت الأميرة فيكتوريا، ولية عهد السويد، بفستان يبرق بالترتر الأخضر في حفل توزيع جوائز نوبل في استوكهولم.
دوقة كامبريدج كيت ميدلتون أيضاً تبنته من خلال فساتين عدة من توقيع المصممة البريطانية جيني باكام ثم دار «ألكسندر ماكوين». عودة الأزياء المُزدانة بالترتر إلى ممشى عروض الأزياء مرة أخرى جاء من خلال تشكيلات ربيع 2016، حيث قدمت دور أزياء مثل تيبي ومارك جايكوبز وتيمبرلي لندن تصاميم متلألئة شملت أيضاً قطعاً نهارية ذاخرة بوميض الترتر الملون لمزيد من الإبهار والتألق. كذلك، في تشكيلات ربيع 2017، حيث أعادت دور أزياء مثل غوتشي، وألكسندر ماكوين عصر أزياء الديسكو التي عُرفت في الثمانينات، قُدمت بأسلوب يسمح بتنسيقها في إطلالات نهارية مع سروال عصري، كذلك ظهرت الكنزات والجاكيتات الرياضية المرصعة بالترتر.
ويبدو أن أزياء الترتر ستشهد المزيد من الإقبال هذا العام، حسب ما قالته المدونة وعارضة الأزياء أميرة شهدي، فبالإضافة إلى أشكال أخرى من الأزياء البراقة، ظهرت التنورات والبدلات المزينة بأقراص الترتر المتشابكة على ممشى عروض دور أزياء كبرى، مثل تامبرلي لندن، ديفيد كوما، كريستوفر كين، وميو ميو، وسان لوران وإيلي صعب.
وتُضيف أميرة شهدي: «في رأيي، أي صرعة جديدة مهما كانت قوية وجريئة يجب تنسيقها بأسلوب أنيق وبسيط، لتناسب شكل قوام المرأة. الإطلالة الأنيقة لا تتطلب تطبيق الموضة كما هي، بل يجب مراعاة أن تناسب القوام. فرغم أني أحب هذه الصيحة، لكني أرى أن هناك وقتاً ومكاناً لها». بالنسبة لها، وعلى المستوى الشخصي، لا تزال هذه الموضة مرتبطة بمناسبات المساء والسهرة، لكنها لا ترى مانعاً أن تظهر بها أخريات في مناسبات النهار على شرط تنسيقها بشكل عصري وبسيط.


مقالات ذات صلة

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

لمسات الموضة توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كشفت «بيركنشتوك» عن حملتها الجديدة التي تتوجه بها إلى المملكة السعودية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)

اختيار أميرة ويلز له... مواكبة للموضة أم لفتة دبلوماسية للعلم القطري؟

لا يختلف اثنان أن الإقبال على درجة الأحمر «العنابي» تحديداً زاد بشكل لافت هذا الموسم.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)

دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

بعد اتهام الحكومة المكسيكية له بالانتحال الثقافي في عام 2020، يعود مصمم غوردن ويس مصمم دار «كارولينا هيريرا» بوجهة نظر جديدة تعاون فيها مع فنانات محليات

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)

هل يمكن أن تستعيد «بيربري» بريقها وزبائنها؟

التقرير السنوي لحالة الموضة عام 2025، والذي تعاون فيه موقع «بي أو. ف» Business of Fashion مع شركة «ماكنزي آند كو» للأبحاث وأحوال الأسواق العالمية، أفاد بأن…

«الشرق الأوسط» (لندن)

اختيار أميرة ويلز له... مواكبة للموضة أم لفتة دبلوماسية للعلم القطري؟

الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)
الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)
TT

اختيار أميرة ويلز له... مواكبة للموضة أم لفتة دبلوماسية للعلم القطري؟

الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)
الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)

لا يختلف اثنان أن الإقبال على درجة الأحمر «العنابي» تحديداً زاد بشكل لافت هذا الموسم، سواء تعلق الأمر بمناسبات النهار أو المساء والسهرة. ثم جاءت أميرة ويلز، كاثرين ميدلتون، لترسِخ مكانته منذ أيام قليلة، لدى مشاركتها مراسيم استقبال الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والشيخة جواهر بنت حمد بن سحيم آل ثاني. ظهرت به من الرأس إلى أخمص القدمين، في لوحة مفعمة بالجرأة والكلاسيكية في الوقت ذاته. هذه اللوحة ساهم في رسمها كل من مصممة دار «ألكسندر ماكوين» السابقة سارة بيرتون من خلال المعطف، ومصممة القبعات «سحر ميليناري» ودار «شانيل» من خلال حقيبة اليد.

الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)

كان هذا اللون كافياً لكي يُضفي عليها رونقاً ودفئاً من دون أن يحتاج إلى أي لون آخر يُسنده. ربما تكون أقراط الأذن والعقد المرصعين باللؤلؤ هما الاستثناء الوحيد.

لكن من يعرف أميرات القصر البريطاني يعرف أن اختياراتهن لا تخضع لتوجهات الموضة وحدها. هن أيضاً حريصات على توظيف إطلالاتهن كلغة دبلوماسية في المناسبات الرسمية. في هذا الحالة، يمكن أن نقرأ أن سبب اختيارها هذا اللون كان من باب الاحتفاء بالضيفين العربيين، بالنظر إلى أنه أحد ألوان العلم القطري.

لكن إذا تقيّدنا بتوجهات الموضة، فإنها ليست أول من اكتشفت جمالياته أو سلّطت الضوء عليه. هي واحدة فقط من بين ملايين من نساء العالم زادت قابليتهن عليه بعد ظهوره على منصات عروض الأزياء الأخيرة.

اختيار أميرة ويلز لهذا اللون من الرأس إلى أخمص القدمين كان مفعماً بالأناقة (رويترز)

«غوغل» مثلاً أكدت أن الاهتمام بمختلف درجاته، من العنابي أو التوتي أو الرماني، بلغ أعلى مستوياته منذ 5 سنوات، في حين ارتفعت عمليات البحث عنه بنسبة 666 في المائة على منصات التسوق الإلكترونية، مثل «ليست» و«نيت أبورتيه» و«مايتريزا» وغيرها.

ورغم أنه لون الخريف والشتاء، لعُمقه ودفئه، فإنه سيبقى معنا طويلاً. فقد دخل تشكيلات الربيع والصيف أيضاً، معتمداً على أقمشة خفيفة مثل الكتان والساتان للنهار والموسلين والحرير للمساء، بالنظر إلى أن أول تسلل له، كان في تشكيلات ربيع وصيف 2024 في عرضي كل من «غوتشي» و«بوتيغا فينيتا». كان جذاباً، الأمر الذي جعله ينتقل إلى تشكيلات الخريف والشتاء الحاليين والربيع والصيف المقبلين.

بغضّ النظر عن المواسم والفصول، كان هناك إجماع عالمي على استقباله بحفاوة جعلته لون الموسم بلا منازع. لم يعد يقتصر على العلامات الكبيرة والغالية مثل «غوتشي» و«برادا» وغيرهما. انتقلت عدواه سريعاً إلى المحلات الكبيرة من «بريمارك» إلى «زارا» و«أيتش أند إم» مروراً بـ«مانغو» وغيرها من المتاجر الشعبية المترامية في شوارع الموضة.

الجميل فيه سهولة تنسيقه مع ألوان كثيرة مثل الرمادي (إ.ب.أ)

ورغم أن أميرة ويلز ارتدته من الرأس إلى القدمين، فإن أحد أهم عناصر جاذبيته أنه من الدرجات التي يسهل تنسيقها مع ألوان أخرى كثيرة، من دون أن يفقد تأثيره. يمكن تنسيقه مثلاً مع الأسود أو البيج أو الرمادي أو الأزرق الغامق. يمكن أيضاً تنسيق كنزة صوفية بأي درجة من درجاته مع بنطلون جينز بسيط، أو الاكتفاء بمعطف منه أو حقيبة أو حذاء حتى قفازات فقط.