روسيا تضغط على تركيا باتجاه «عملية حتمية» شمال غربي سوريا

TT

روسيا تضغط على تركيا باتجاه «عملية حتمية» شمال غربي سوريا

برزت معطيات جديدة أمس، تؤكد توصل قمة سوتشي أخيراً، إلى تفاهم يربط إرجاء الحسم في إدلب، مع الإبقاء على خيار شن عملية عسكرية ضد «جبهة النصرة» على طاولة البحث على مستوى الخبراء العسكريين.
وحذّر الكرملين من «التعويل على عقد صفقات مع الإرهابيين»، في إشارة موجّهة إلى الجانب التركي، وتحدث عن «حتمية القيام بعمل عسكري» بينما جددت الخارجية الروسية تأكيد الاتفاق بين رؤساء روسيا وتركيا وإيران على تنفيذ سياسة «الخطوة خطوة» لتقويض نفوذ «النصرة» تدريجياً.
وبعدما كانت مصادر روسية قد سرّبت قبل أيام أن التوافقات التي جرت خلف أبواب مغلقة في القمة الثلاثية تركت الباب مفتوحاً لشن عملية عسكرية «بعد الاتفاق على تفاصيلها» جاء حديث الناطق باسم الكرملين ديميتري بيسكوف، أمس، ليكشف جانباً آخر من التفاهمات من خلال التشديد على أهمية «عدم التعويل على عقد صفقات مع الإرهابيين». وزاد في مقابلة مع صحيفة تركية أن هذا الأمر (العمل العسكري) «متروك لتقديرات خبراء وزارتي الدفاع في روسيا وتركيا بهدف التوصل إلى قرار حول الجهة التي ستقوم بتنفيذ العملية العسكرية». وزاد بيسكوف أن «الحاجة إلى هذه العملية ملحة، لكن علينا أن نقرر ما إذا كانت ستنفذها تركيا أو دول أخرى».
وفي إشارة إلى القناعة الروسية بأن أنقرة لن تنجح في تسوية ملف إدلب عبر الحوار مع الفصائل المسيطرة في المدينة، قال بيسكوف: «يجب ألا نأمل في التوصل إلى اتفاق مع التنظيمات الإرهابية، هذا أمل كاذب فهم إرهابيون، هم (جبهة النصرة)، أبناء (القاعدة) مهما غيّروا من تسمياتهم».
وأعرب بيسكوف عن تفهمه لقلق تركيا إزاء احتمال تدفق اللاجئين من سوريا إلى أراضيها، وقال: «إذا هرب مئات أو آلاف اللاجئين إلى تركيا، سيكون ذلك أمراً سيئاً، وبالتالي قلق تركيا له مبررات».
وتطرق بيسكوف إلى التحركات الأميركية في سوريا، مرجحاً أن تسعى الولايات المتحدة إلى «المحافظة على وجودها في سوريا، بطريقة أو بأخرى، حتى بعد انسحاب قواتها».
وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، قد كشف أن قادة روسيا وتركيا وإيران اتفقوا خلال لقائهم في سوتشي على إطلاق آلية «الخطوة خطوة»، لاستعادة إدلب شمالي سوريا من التنظيمات الإرهابية.
وأوضح أن التفاهمات تقضي بشروع العسكريين الروس والأتراك في العمل على تحديد مناطق داخل نطاق وقف التصعيد في إدلب، لتسيير دوريات مشتركة هناك، وذلك بعد أن تعثر تنفيذ اتفاق سوتشي بين موسكو وأنقرة حول إنشاء منطقة منزوعة السلاح حول إدلب.
وجدد لافروف التأكيد أنه «لا يمكن الصبر إلى ما لا نهاية على وجود الإرهابيين في إدلب»، مشيراً إلى أن «تحديد كيفية تحرير إدلب مسؤولية المستوى العسكري». لكنه لفت إلى أن أي عملية عسكرية في إدلب «ستكون بالتأكيد مختلفة عن الطريقة التي تمت بها تصفية الإرهابيين في الرقة، حيث لا تزال جثث المدنيين والألغام منثورة في الشوارع، والجيش سيضع خطته وفقاً لمتطلبات القانون الدولي الإنساني». وحملت هذه العبارات أول إشارة إلى احتمال أن تشن روسيا عملية عسكرية منفردة في حال لم توافق تركيا على شن عملية مشتركة. لكنّ أوساطاً روسية استبعدت هذا السيناريو ورأت أن الكرملين «يضغط على أنقرة، وفي المحصلة سيكون من الأفضل أن تكون العملية مشتركة ومنسقة بشكل كامل، وأن تكون محددة الأهداف ومركزة لجهة عدم السماح بتدهور الوضع الإنساني» وفقاً لمصدر روسي تحدثت إليه «الشرق الأوسط».
ولم يستبعد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في وقت سابق، إمكانية مشاركة بلاده في عمليات عسكرية مشتركة لمكافحة الإرهابيين في إدلب. وقال المصدر إن الواضح أن ثمة اتفاقاً من حيث المبدأ على التحرك، لكن المستوى العسكري في البلدين ما زال يناقش التفاصيل.
إلى ذلك، رد لافروف، أمس، على تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي دعا بلدان أوروبية إلى استعادة إرهابيين نشطوا في صفوف تنظيم داعش ومحاكمتهم أمام القضاء الأوروبي. وقال لافروف إن «الإجراءات التي يجب اتخاذها ضد الإرهابيين الأجانب منصوص عليها في قرارات الأمم المتحدة ويجب احترامها وأن يتميز تطبيقها بالشفافية».
وزاد أن «هؤلاء الأشخاص المشتبه بهم بتهم الإرهاب، هم إرهابيون أجانب، وهذا المصطلح مذكور في قرار مجلس الأمن الدولي، وهذه القرارات تحتوي على بنود واضحة من الإجراءات، التي يجب اتخاذها بحق الإرهابيين المسلحين الأجانب، عندما يقعون في أيدي بلدان أخرى تحارب الإرهابيين».
وأكد لافروف ضرورة الالتزام بهذه المعايير، وبخاصة التعامل بشفافية في مسألة نقل بيانات هؤلاء الأشخاص.
كما أشار لافروف إلى أن الولايات المتحدة والمقاتلين الخاضعين لها يمنعون اللاجئين من الخروج من مخيم الركبان في سوريا، لافتاً إلى أن المخيم يعاني من أوضاع إنسانية صعبة. وأعرب عن أمله أن يقوم ممثلو الأمم المتحدة، الذين رافقوا القافلة الإنسانية الثانية إلى الركبان، بتقديم المعلومات الضرورية لمجلس الأمن الدولي.



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.