حصار تغريدات التطرف على «تويتر»

إجراءات لاكتشاف محتوى التحريض

صور لـ«تويتر» متداولة على الإنترنت (الشرق الأوسط)
صور لـ«تويتر» متداولة على الإنترنت (الشرق الأوسط)
TT

حصار تغريدات التطرف على «تويتر»

صور لـ«تويتر» متداولة على الإنترنت (الشرق الأوسط)
صور لـ«تويتر» متداولة على الإنترنت (الشرق الأوسط)

جهود مكثفة تبذلها منظمات وهيئات دولية لكشف خطابات التحريض والكراهية، خاصة ضد الإسلام والمسلمين، والمدسوسة في الفضاء الافتراضي لبعض مواقع التواصل الاجتماعي، من أبرز هذه الجهود أداة «التعلم الآلي» وهي أداة جديدة أثبتت فاعليتها في كشف هذه الخطابات المسيئة، خاصة على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، وقد طورتها منظمة «حوار أفريقيا» في جنوب أفريقيا، لفهم واستيعاب خطورة الخطاب المتطرف. وقال باحثون وخبراء في الحركات الأصولية إن «هناك إجراءات لاكتشاف المحتوى المتطرف وحصار تغريدات الكراهية على الشبكات الاجتماعية، التي تعمل بشكل كبير على نشر كراهية الإسلام والمسلمين، وأيضاً كراهية الأجانب، ولذلك فإن سلطات الدولة تقوم بمحاولات لرقابة الإنترنت للحفاظ على السلام في الفضاء الإلكتروني».
ويؤكد الخبراء لـ«الشرق الأوسط» أن «التعليم الآلي» يتمكن من تصنيف ما إذا كان المحتوى معاديا للإسلام أم لا، وما إذا كان الخوف من الإسلام قوياً أم ضعيفاً. مرصد «الإسلاموفوبيا» التابع لدار الإفتاء المصرية، قال إن «التعلم الآلي» يسعى إلى فهم أفضل لمدى انتشار وخطورة الخطاب الذي يحرض على كراهية الإسلام والمسلمين على وسائل التواصل الاجتماعي وتحديداً «تويتر»... ومثل هذا الخطاب يضر بالضحايا المسلمين، ويخلق شعوراً بالخوف بين المجتمعات المسلمة، وينتهك المبادئ الأساسية للعدالة، لذلك شرعت منظمة «حوار أفريقيا» بجنوب أفريقيا في إنشاء أداة تصنيف باستخدام «التعلم الآلي» الذي يكتشف تلقائياً ما إذا كانت التغريدات تحتوي على «الإسلاموفوبيا» أم لا.

عنف لفظي

وقال الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي مصر، إنه «تم تحقيق خطوات كبيرة في استخدام (التعلم الآل)» لتصنيف الكلام الذي يحض على الكراهية بشكل عام وبقوة وعلى نطاق واسع وفي الوقت المناسب... وعلى وجه الخصوص تم إحراز كثير من التقدم لتصنيف المحتوى استناداً إلى كونه أمراً يدعو إلى الكراهية أم لا».
لافتاً إلى أن من أهم مميزات أداة «التعلم الآلي» أنها ترصد درجات شدة خطاب الكراهية ضد الإسلام والمسلمين، وهو يشمل سلسلة متصلة من الهجوم اللفظي، وتحقير المسلمين وإهانتهم والدعوة لتجاهلهم... ومن ثم رصد شدة خطاب الكراهية بدءاً من كيف يُنظر إلى المسلمين على أنهم «مختلفون»؟، إلى القول إنهم ليسوا أعضاء شرعيين في المجتمع؛ فهو يتراوح بين العنف اللفظي والدعوة إلى عزل المسلمين عن المجتمع؛ وبهذا تتمكن الأداة من تصنيف ما إذا كان المحتوى معاديا للإسلام أم لا، وما إذا كان الخوف من الإسلام قوياً أم ضعيفاً.
محاصرة تغريدات الكراهية في أفريقيا باتت مهمة، خاصة أن تنظيم القاعدة الإرهابي يستغل الأوضاع المتردية في دول القارة كي يتغلغل وينتشر بين المجتمعات، كما أسس كثيرا من الخلايا النائمة في دول أخرى بشمال أفريقيا وجنوب الصحراء. وأعلن «تويتر» في نهاية 2017 عن قواعد جديدة صارمة لمراقبة المحتوى المنشور عليه، للتقليل من كمية السلوك المسيء والمثير للكراهية... وقرر حينها وقف حسابات الذين يرتبطون بمجموعات تحتفي بالعنف أو تستخدمه لتحقيق أهدافها بشكل دائم، وأخفى الرسوم التي تحض على الكراهية.
وعرف «تويتر» رسومات الكراهية على أنها «الشعارات، والرموز، والصور، التي تهدف لإثارة العداوات والكراهية على أسس عرقية أو دينية أو النوع أو على أساس التوجه الجنسي أو الأصل القومي».
ومحا «فيسبوك»، و«يوتيوب»، و«تويتر» في نهاية 2017 أي محتوى يحض على الكراهية في الفضاء الإلكتروني، للحد من انتشار الإرهاب ووقف الهجمات الإرهابية التي انتشرت في أوروبا... وبلغت نسبة محو «فيسبوك» لرسائل الكراهية بنحو 30 في المائة، و«يوتيوب» بنحو 26 في المائة، أما «تويتر» فجاء بنسبة 31.5 في المائة.

استخدام آمن

وأشار مرصد «الإسلاموفوبيا» في مصر في تقرير له إلى أن أداة «التعلم الآلي» عرّفت خطاب الكراهية المعادي للإسلام بأنه «أي محتوى يتم إنتاجه أو مشاركته يعبر عن السلبية ضد الإسلام أو المسلمين»... وبموجب هذا التعريف، فإن «الإسلاموفوبيا» القوية تتضمن عبارات مثل «كل المسلمين برابرة»، في حين أن كراهية الإسلام الضعيفة تتضمن تعبيرات أقل حدة، مثل «المسلمون يأكلون طعاماً غريباً». لافتاً إلى أن القدرة على التمييز بين كراهية الإسلام الضعيفة والقوية لن تساعد فقط على كشف الكراهية وإزالتها بشكل أفضل؛ لكن أيضاً تُمكن من فهم ديناميات كراهية الإسلام، والتحقيق في عمليات التطرف، حين يصبح الشخص أكثر فأكثر معاديا للإسلام، وتقديم دعم أفضل للضحايا.
وأكد مرصد «الإسلاموفوبيا» أن كشف خطاب الكراهية ضد الإسلام يمثل تحدياً حقيقياً وملحاً للحكومات وشركات التكنولوجيا والأكاديميين، وللأسف، فإن هذه المشكلة لن تختفي ولا توجد حلول بسيطة؛ لكن إذا كانت هناك رغبة جادة في إزالة خطاب الكراهية والتطرف من الفضاءات على الإنترنت، وجعل منصات التواصل الاجتماعي آمنة لجميع الذين يستخدمونها، فعندئذ نحتاج إلى البدء بالأدوات المناسبة... وتوضح أداة «التعلم الآلي» الجديدة أنه من الممكن تماماً إنشاء هذه الأدوات ليس فقط لاكتشاف المحتوى البغيض تلقائياً فحسب؛ بل أيضاً بطريقة دقيقة.
من جانبه، قال الدكتور خالد الزعفراني، الخبير في الحركات الأصولية، إن «رسائل الكراهية على الشبكات الاجتماعية، تعمل بشكل كبير على نشر كراهية الإسلام، وأيضاً على كراهية الأجانب».
بينما أشار الدكتور محمد الضويني، عضو مركز الأزهر العالمي للرصد والفتوى الإلكترونية، إلى «ضرورة القضاء على أسباب التطرف من خلال قصر العمل الدعوي على المتخصصين، والتواصل مع الشباب، وفتح أبواب الحوار معهم لحمايتهم من الوقوع في براثن الجماعات المتطرفة، والتحصين المبكر للأطفال والناشئة، والرد على شبهات الجماعات المتطرفة».

توسعات «القاعدة»

وعن نشاط «القاعدة» في أفريقيا على حساب «داعش» مما يزيد خطاب الكراهية، أكد مراقبون أن تنظيم القاعدة يحاول الاستفادة القصوى من تراجع «داعش» واندحاره، من خلال تثبيت أقدامه في شمال أفريقيا والقرن الأفريقي... ففي حين تفكك «داعش» وانحسر تأثيره في المنطقة، أقدم «القاعدة» على دمج كل من جماعة «أنصار الدين»، وجبهة «تحرير ماسينا»، و«إمارة منطقة الصحراء الكبرى»، وتنظيم «المرابطين» في جماعة هي «نصرة الإسلام والمسلمين» على يد إياد حاج غالي، الذي قدم البيعة لأيمن الظواهري.
وقال الدكتور إبراهيم نجم، إن «القاعدة» يسعى لبسط نفوذه في مناطق أفريقيا جنوب الصحراء وفق استراتيجية تستند إلى سعي التنظيم للتوسع في تحالفاته مع الجماعات المختلفة في المنطقة، والتي تنتهج آيديولوجيته وتتلاقى معه في المصالح والأهداف. مضيفاً: هدف تنظيم القاعدة أيضاً الضرب على وتر العرقية، حيث يحرص على الاحتفاظ بظهير عرقي يمثل مصدراً رئيسياً للعناصر الإرهابية التي يمكن أن تنضم إليه، كي يتخطى الخسائر التي يتعرض لها بسبب العمليات العسكرية ضده؛ مما يشكل تهديدات خطيرة لأمن واستقرار دول منطقة الساحل والصحراء، مما يضفي على الهجمات التي يشنها التنظيم طابعاً عرقياً... فضلاً عن أن التنظيم يحاول أن يرد على الهجمات التي تشن ضده بأساليب مختلفة وسريعة، خشية أن يؤثر عدم الرد على تماسكه الداخلي وإضعاف قدرته على التوسع في المنطقة، مما يدفعه إلى الاستعانة بأساليب منافسه اللدود (أي «داعش») باستخدام العمليات الانتحارية والدفع بالنساء لتفجير أنفسهن في الأسواق والتجمعات البشرية لزيادة الخسائر البشرية والمادية. بالإضافة إلى الاعتماد على الشباب، ومعظمهم غير معروفين ولديهم مهارة قتالية عالية، كما أن معظمهم من قاطني الصحراء، إضافة إلى أن تنظيم القاعدة يستعين بعناصره من الشباب للقيام بمهام «الذئاب المنفردة».

«الشباب» و«داعش»

في السياق نفسه، أكدت دراسة لدار الإفتاء المصرية أن «الصراع ما زال محتدماً بين تنظيمي القاعدة وداعش، وأنه في إطار هذا الصراع الدامي، تعهدت حركة الشباب الصومالية التابعة للقاعدة بمحو (داعش)، متهمة إياه بإثارة المشكلات (لبقية المجاهدين). ووصفت حركة الشباب مسلحي (داعش) مؤخراً بـ(السرطان) و(المرض المميت)، وأنها سوف تلاحق أي شخص على صلة بـ(داعش)».
وقالت في بيان أخير لها: «ما يطلق عليهم أعضاء (داعش) في الصومال أثاروا اضطرابات ومشكلات عدة لبقية المجاهدين - على حد وصفهم -، لا يقاتل أعضاء (داعش) من أجل الله؛ لكنهم هنا لتقسيم المسلمين»... ويعود تأسيس حركة «الشباب» الصومالية إلى عام 2004 غير أن كثافة نشاطها وتداول اسمها في الإعلام يعود إلى عام 2007.
وقالت دراسة الإفتاء إنه رغم انحسار تنظيم داعش وهزيمته في معاقله الأساسية في سوريا والعراق، فإنه يحرز تقدماً في الصومال؛ حيث باتت أعداد مقاتلي «داعش» في المناطق الصومالية كبيرة، وقام عناصره بتنفيذ سلسلة من عمليات القتل التي استهدفت رجال الأعمال في مقديشو العاصمة وما حولها. مشيرة إلى أن «داعش» في الصومال يحاكي تكتيك حركة «الشباب» لترهيب الشركات والتجار الأثرياء للحصول منهم على «إتاوات» لتمويل أنشطته الإرهابية في المنطقة.
من جهته، قال الزعفراني، إن حركة الشباب أعلنت مراراً ولاءها لتنظيم القاعدة... ويتبع عناصر حركة الشباب أساليب مشابهة لأساليب «القاعدة»، من حيث العبوات الناسفة على الطرق، أو السيارات المفخخة، والعمليات الانتحارية، والقصف المدفعي.


مقالات ذات صلة

تركيا تعلن «تطهير» مناطق عراقية من «العمال الكردستاني»

شؤون إقليمية مروحيتان حربيتان تركيتان تشاركان في قصف مواقع لـ«العمال الكردستاني» شمال العراق (أرشيفية - وزارة الدفاع التركية)

تركيا تعلن «تطهير» مناطق عراقية من «العمال الكردستاني»

أعلنت تركيا تطهير مناطق في شمال العراق من مسلحي «حزب العمال الكردستاني» المحظور، وأكدت أن علاقاتها بالعراق تحسنت في الآونة الأخيرة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي الحليف الأقرب لإردوغان متحدثاً أمام نواب حزبه بالبرلمان الثلاثاء (حزب الحركة القومية)

حليف إردوغان يؤكد دعوة أوجلان للبرلمان ويتخلى عن إطلاق سراحه

زاد رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي الجدل المثار حول دعوته زعيم حزب العمال الكردستاني السجين عبد الله أوجلان للحديث بالبرلمان وإعلان حل الحزب وانتهاء الإرهاب

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا جهاز مكافحة الإرهاب في ألمانيا (أرشيفية - متداولة)

ألمانيا: حملة تفتيشات جديدة بحثاً عن إرهابيين سابقين في «الجيش الأحمر»

تُعد جماعة «الجيش الأحمر»، التي تأسست في عام 1970، إحدى أبرز الجماعات اليسارية بألمانيا الغربية السابقة في فترة ما بعد الحرب حيث تم تصنيفها هناك جماعة إرهابية.

«الشرق الأوسط» (برلين)
شمال افريقيا عناصر الشرطة الألمانية في حملة مداهمات سابقة (غيتي)

ألمانيا تحيل 4 يُشتبه بانتمائهم لـ«حماس» للمحاكمة بتهمة جمع أسلحة

مكتب المدعي العام الاتحادي في ألمانيا: «(حماس) نظمت عمليات تخبئة أسلحة في دول أوروبية مختلفة لتنفيذ هجمات محتملة ضد مؤسسات يهودية وغربية في أوروبا».

«الشرق الأوسط» (برلين)
شؤون إقليمية إردوغان خلال استقباله الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته بالقصر الرئاسي في أنقرة الاثنين (الرئاسة التركية)

إردوغان بحث مع روته القضايا الأمنية والإقليمية المهمة لـ«الناتو»

بحث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) مارك روته عدداً من الملفات الأمنية والقضايا التي تهم الحلف.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.