الاقتصاد العالمي بين فرص الاستقرار والازدهار واحتمالات التباطؤ والركود

مصنع للنسيج في مقاطعة شاندونغ الصينية (رويترز)
مصنع للنسيج في مقاطعة شاندونغ الصينية (رويترز)
TT

الاقتصاد العالمي بين فرص الاستقرار والازدهار واحتمالات التباطؤ والركود

مصنع للنسيج في مقاطعة شاندونغ الصينية (رويترز)
مصنع للنسيج في مقاطعة شاندونغ الصينية (رويترز)

ماذا تحمل الأشهر المقبلة للاقتصاد العالمي؟ استقرار أم اضطراب؟ ازدهار أم ركود؟
ظنّ كثيرون أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأميركية والصين التي طبعت العام 2018 ستستمر في 2019 وتؤثر بشكل أوسع على الاقتصاد العالمي إلى درجة إسقاطه في مستنقع الركود. لكنّ الحرب انحسرت، أو أقلّه دخلت هدنة طويلة تجري خلالها محاولات حثيثة لحل المشكلات القائمة بين الطرفين.
هل يعني ذلك أن لا أخطار تهددّ الاقتصاد العالمي راهناً؟
الجواب هو أن أهل الخبرة لا يستبعدون على الإطلاق احتمال تعثّر المفاوضات وعودة الحرب بين واشنطن وبكين، وحدّدوا أيضاً أخطاراً أخرى يجدر التنبّه لها ومعالجتها.
1- إذا كانت الحرب التجارية الأميركية – الصينية في حالة هدوء الآن، فإنها قد تنفجر مجدداً إذا لم يتم التوصّل إلى اتفاق كالذي حصل بين الولايات المتحدة وجارتيها الشمالية كندا والجنوبية المكسيك، وحل محل اتفاق "نافتا". ولا شك في أن تأجج نار الحرب مجدداً لن يؤثر في الدولتين المعنيتين وحدهما، بل سيؤثر في منظومة الاقتصاد العالمي كلها لأننا نتكلم هنا عن الاقتصادين الأول والثاني في العالم، ويكفي أن نفكر في عدد الشركات المرتبطة بالجانبين لنتخيّل ماذا قد يحصل، في حال تجدد الحرب، بأسعار أسهمها في البورصات العالمية.
في أي حال، الهدنة الأميركية الصينية تنتهي في مارس (آذار) المقبل، ولا بد أن يظهر عندها مآل العلاقات بين الجانبين.
ولا ننسى أن هناك نزاعات تجارية أخرى، أهمها ما يدور بين جانبي الأطلسي، وهذه الحرب لا تزال نارها تحت الرماد، لأن ملفات كثيرة تبقى عالقة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، إلا أن إدارة الرئيس دونالد ترمب ترغب في حسم المسائل العالقة مع الصين قبل أن تلتفت مجدداً إلى أوروبا.
2- إذا لم تحلّ الصين مشكلتها مع الولايات المتحدة قد يتعرض اقتصادها لتباطؤ في النمو، مع الإشارة إلى أنه بدأ سلوك هذا المنحى مع الانتقال من النمو الذي يقوده التصدير والاستثمار إلى نمو مستدام قائم على الاستهلاك المحلي.
ولئن كان صعباً الآن تحديد مقدار تباطؤ الاقتصاد الصيني، فإن المؤكد أن التناقض الكبير بين النظام السياسي الشديد المركزية بقيادة الحزب الواحد، والحاجة إلى نظام اقتصادي لا مركزي يقوم على الاستهلاك، سيجعل النمو الطويل الأجل ينخفض بشكل كبير.
ومن الطبيعي أن من شأن أي انكماش كبير للنمو في الصين أن يهزّ اقتصادات آسيوية عدة، إلى جانب اقتصادات نامية وناشئة مصدّرة لمواد خام تحتاج إليها الصناعة الصينية. ولن تنجو أوروبا، ولا سيما ألمانيا، من أي اهتزاز صيني. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة أقل اعتماداً على الصين، فإن الصدمة التي ستتعرض لها الأسواق المالية سوف تجعل تباطؤاً صينياً أكثر إيلاماً بكثير مما يظنّ السياسيون والخبراء الأميركيون.
3- تقف أوروبا ومعها العالم أمام استحقاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست" الشهر المقبل، وسواء حصل ذلك باتفاق واضح ومتوازن أو من دون اتفاق، ستكون للأمر ارتدادات على الاقتصاد العالمي، فبريطانيا هي صاحبة خامس أكبر اقتصاد في العالم، ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي للفرد سنوياً أكثر بقليل من 44 ألف دولار. ولا بد لطلاق مدوٍّ بعد زواج مع القسم الأكبر من اليابسة الأوروبية استمرّ عقوداً، من أن تكون له تبعات اقتصادية عميقة.
يقول المحلل في شركة "آر إس إم" العالمية للتدقيق والمحاسبة جو بروسويلاس، إن "خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق يبقيها في الاتحاد الجمركي ويحافظ على الوضع الراهن على الحدود الآيرلندية، سيجعل جدران الحصار الاقتصادي ترتفع في كل أنحاء الجزر البريطانية".
4- ثمة آراء اقتصادية ترى أن أكبر مشكلة للاقتصاد العالمي راهناً ليست الحروب التجارية، بل إخفاقات تجارية ضخمة يمكن أن تؤدي أيضاً إلى إخفاق بنوك في الأسواق الناشئة التي تعتمد على رؤوس أموال خارجية في الحفاظ على مستويات معيشة مرتفعة.
ويفسّر أصحاب هذا الرأي ذلك بارتفاع أسعار الفائدة ونهاية ظاهرة "الأموال السهلة" التي أنشأها محافظو البنوك المركزية في السنوات الأخيرة. فالمال السهل والفائدة المنخفضة كانا بمثابة تسونامي، ورفعا كلاً من الطلب والعرض في الاقتصاد العالمي. فمن ناحية الطلب، شجعا المستهلكين على الاقتراض أكثر. وعلى سبيل المثال، ارتفعت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في الصين من 18 في المائة عام 2008 إلى أكثر من 50 في المائة عام 2018.
بتعبير آخر، دفع الاقتراض السهل الناس إلى الإنفاق الاستهلاكي الذي أدى بدوره إلى مزيد من الإنفاق الاستثماري لتلبية الطلب. وهذا أوجد فرص عمل وعزّز النمو في بلدان عدة. إلا أن شهر العسل الطويل يبدو أنه انتهى، ففي الأشهر الأخيرة راحت البنوك المركزية ترفع أسعار الفائدة، وبالتالي تراجعت حركة الاقتراض ومعها حجم الإنفاق الاستهلاكي، ومعهما نزل الطلب والعرض إلى مستويات أدنى.
هكذا رأينا توقعات هزيلة للنمو في مناطق عدة من العالم، في طليعتها أوروبا. بل إن أكثر من دولة – ألمانيا مثلاً – عدّلت توقعاتها للنموّ في 2019 نزولاً، وحتى الاتحاد الأوروبي خفض توقعات النموّ لمنطقة اليورو التي تضم 19 دولة.
وبما أن الاستهلاك هو محرّك النمو، فإن توافر أموال أقل سيجعل الاستهلاك يضمر، مما سيولّد حتماً صعاباً لقطاعات إنتاجية كثيرة على مستوى العالم. وهذا بالضبط ما حصل عام 2008 عندما رفع الاحتياط الفدرالي الأميركي (البنك المركزي) أسعار الفائدة، فانطلقت دورة من الركود في الاقتصاد الأميركي ما لبثت أن انسحبت على معظم اقتصادات العالم.
والمقلق أن ما قد يجعل أي فترة تباطؤ أو ركود مقبلة أسوأ وقعاً هذه المرة، هو تنامي الميل إلى الانعزال ورفض العولمة في مجتمعات عدة، وتقدّم القوى السياسية الشعبوية، بل وصولها إلى السلطة في أكثر من دولة...
خلاصة القول إن الاقتصاد العالمي يقف على مفترق، فإما أن يضعه قادة العالم على طريق السلامة والتعافي، وإما أن تتفاقم التوترات وتحصل أزمة جديدة ستكون لها ارتدادات واسعة تطاول الاستقرار بكل "فروعه" في مناطق عدّة من الكوكب...


مقالات ذات صلة

السعودية تشارك في «دافوس 2025» تجاربها لتحفيز النمو الاقتصادي

الاقتصاد الأمير فيصل بن فرحان خلال مشاركته في إحدى جلسات منتدى دافوس 2024 (الخارجية السعودية)

السعودية تشارك في «دافوس 2025» تجاربها لتحفيز النمو الاقتصادي

تشارك السعودية بوفد رفيع المستوى في الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي 2025 بمدينة دافوس السويسرية خلال الفترة بين 20 و24 يناير الحالي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد شعار المنتدى الاقتصادي العالمي في مكان انعقاده في دافوس السويسرية (رويترز)

كيف سيعيد «دافوس 2025» تشكيل مستقبل النمو في العصر الذكي؟

يبدأ المنتدى الاقتصادي العالمي اجتماعه السنوي (دافوس 2025)، يوم الاثنين تحت شعار: «التعاون من أجل العصر الذكي».

«الشرق الأوسط» (دافوس)
الاقتصاد المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغيفا خلال اجتماعات صندوق والبنك الدولي في واشنطن 25 أكتوبر 2024 (رويترز)

صندوق النقد يتوقع استقرار النمو العالمي عند 3.3 % في 2025 و2026

توقع صندوق النقد الدولي أن يظل النمو العالمي ثابتاً عند 3.3 في المائة خلال العامَيْن الحالي والمقبل، وهو ما يتماشى بشكل عام مع الاتجاهات العالمية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد عامل بناء يسير في موقع بناء سكني في ورسستر ببريطانيا (رويترز)

نقص العمالة يهدد الاقتصاد العالمي رغم مخاوف التضخم والديون

رغم المخاوف المتعلقة بالتجارة العالمية والديون والتضخم، قد يصبح نقص العمال العامل الأبرز الذي يحدد الاتجاهات الاقتصادية هذا العام على جانبي الأطلسي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد شخص ينظر إلى لوحة إلكترونية تعرض مؤشر نيكي الياباني في طوكيو (أ.ب)

الأسهم الآسيوية تتراجع رغم نمو الاقتصاد الصيني

انخفضت معظم الأسهم في آسيا، يوم الجمعة، بعد أن قالت الصين إن اقتصادها نما بمعدل سنوي بلغ 5 في المائة، العام الماضي، وهو ما يتوافق مع هدف الحكومة.

«الشرق الأوسط» (بانكوك )

بعد ساعات من إطلاقها... عملة ترمب الرقمية ترتفع بمليارات الدولارات

ترمب يؤدي رقصته الشهيرة في حدث انتخابي بأتلانتا في 15 أكتوبر 2024 (أ.ب)
ترمب يؤدي رقصته الشهيرة في حدث انتخابي بأتلانتا في 15 أكتوبر 2024 (أ.ب)
TT

بعد ساعات من إطلاقها... عملة ترمب الرقمية ترتفع بمليارات الدولارات

ترمب يؤدي رقصته الشهيرة في حدث انتخابي بأتلانتا في 15 أكتوبر 2024 (أ.ب)
ترمب يؤدي رقصته الشهيرة في حدث انتخابي بأتلانتا في 15 أكتوبر 2024 (أ.ب)

أعلن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، ليل الجمعة - السبت، إطلاق عملته المشفرة التي تحمل اسمه، ما أثار موجة شراء زادت قيمتها الإجمالية إلى عدة مليارات من الدولارات في غضون ساعات.

وقدّم ترمب، في رسالة نُشرت على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» وعلى منصة «إكس»، هذه العملة الرقمية الجديدة بوصفها «عملة ميم»، وهي عملة مشفرة ترتكز على الحماس الشعبي حول شخصية، أو على حركة أو ظاهرة تلقى رواجاً على الإنترنت.

وليس لـ«عملة ميم» فائدة اقتصادية أو معاملاتية، وغالباً ما يتم تحديدها على أنها أصل مضاربي بحت، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وأوضح الموقع الرسمي للمشروع أن هذه العملة «تحتفي بزعيم لا يتراجع أبداً، مهما كانت الظروف، في إشارة إلى محاولة اغتيال ترمب خلال حملة الانتخابات الأميركية في يوليو (تموز) التي أفضت إلى انتخابه رئيساً».

وسرعان ما ارتفعت قيمة هذه العملة الرقمية، ليبلغ إجمالي القيمة الرأسمالية للوحدات المتداولة نحو 6 مليارات دولار.

ويشير الموقع الرسمي للمشروع إلى أنه تم طرح 200 مليون رمز (وحدة) من هذه العملة في السوق، في حين تخطط شركة «فايت فايت فايت» لإضافة 800 مليون غيرها في غضون 3 سنوات.

ويسيطر منشئو هذا الأصل الرقمي الجديد، وبينهم دونالد ترمب، على كل الوحدات التي لم يتم تسويقها بعد، وتبلغ قيمتها نظرياً نحو 24 مليار دولار، بحسب السعر الحالي.