نقص العمالة يهدد الاقتصاد العالمي رغم مخاوف التضخم والديون

عامل بناء يسير في موقع بناء سكني في ورسستر ببريطانيا (رويترز)
عامل بناء يسير في موقع بناء سكني في ورسستر ببريطانيا (رويترز)
TT

نقص العمالة يهدد الاقتصاد العالمي رغم مخاوف التضخم والديون

عامل بناء يسير في موقع بناء سكني في ورسستر ببريطانيا (رويترز)
عامل بناء يسير في موقع بناء سكني في ورسستر ببريطانيا (رويترز)

رغم المخاوف المتعلقة بالتجارة العالمية والديون والتضخم، قد يصبح نقص العمال العامل الأبرز الذي يحدد الاتجاهات الاقتصادية هذا العام على جانبي الأطلسي.

وتشكّل قيود الهجرة والترحيل جزءاً أساسياً من أجندة الرئيس المنتخب دونالد ترمب، الذي يعود إلى البيت الأبيض يوم الاثنين المقبل. وإذا تم تنفيذ هذه الخطط، فقد يُرحَّل ما يصل إلى مليون مهاجر غير شرعي خلال العامين المقبلين، ما قد يؤدي إلى تباطؤ في نمو السكان في الولايات المتحدة، وفق «رويترز».

وفي الوقت نفسه، هناك تكهنات متزايدة في أوروبا بأن هدنة دائمة بين أوكرانيا وروسيا قد تفضي إلى عودة العديد من اللاجئين والمهاجرين الذين يقيمون حالياً في أوروبا إلى بلادهم. فقد فرّ أكثر من 4.3 مليون أوكراني منذ غزو روسيا في 2022، واستقر أكثر من مليون منهم في ألمانيا وحدها. وقد منح الاتحاد الأوروبي العديد من الأوكرانيين حقوقاً قانونية للعيش والعمل في أوروبا بموجب توجيه صدر في عام 2022. ومع احتمال فقدان بعض هؤلاء العمال، بدأ القلق يتصاعد في بعض الدول الأوروبية الوسطى.

ويعيد الانخفاض في عدد العمال في هذه المرحلة، رغم بقاء أسواق العمل في العديد من الاقتصادات متوترة على الرغم من الارتفاع الحاد في أسعار الفائدة خلال العامين الماضيين، إحياء المخاوف من أن بعض الدول قد تواجه ضغوطاً اقتصادية قد تؤدي إلى الركود التضخمي.

كما يُعتبر احتمال ارتفاع الأجور مجدداً تحدياً آخر للبنوك المركزية التي تتطلع إلى التراجع عن رفع أسعار الفائدة التي تمت في عامي 2022 و2023.

حرارة سوق العمل

قالت منظمة العمل الدولية، وهي وكالة تابعة للأمم المتحدة، يوم الخميس إن معدل البطالة العالمي ظل عند أدنى مستوى تاريخي بلغ 5 في المائة في العام الماضي. وتوقعت أن يستمر هذا المعدل في 2025، مع انخفاض طفيف إلى 4.9 في المائة في العام التالي.

ومن خلال دراسة الاتجاهات الطويلة الأمد في شيخوخة السكان والخصوبة لتوضيح تأثير تراجع إمدادات العمالة، أشار محللو «جيه بي مورغان» إلى أن عدد السكان في سن العمل في الاقتصادات المتقدمة ككل بلغ ذروته في 2023 عند 746 مليوناً، ومن المتوقع أن ينخفض بمقدار 47 مليوناً حتى عام 2050 بناءً على تقديرات الأمم المتحدة.

كل هذا يهيئ الساحة لعام قد يشهد فيه كل من الشركات الأميركية والأوروبية انعكاساً للقلق حول سوق العمل الذي نشأ بعد جائحة كورونا.

وفي الواقع، يبدو أن حرارة سوق العمل الأميركية لم تنخفض كثيراً العام الماضي. وعلى الرغم من أن صعوبة التوظيف على مستوى إجمالي العمالة قد عادت إلى مستويات ما قبل الجائحة، فإن استطلاعات الشركات الصغيرة في الولايات المتحدة لا تزال تشير إلى نقص حاد في العمالة في قطاعات رئيسية مثل النقل والبناء والصناعات التحويلية.

ووفقاً لاستطلاع للرأي في الشركات الصغيرة، فإن حوالي 20 في المائة من الشركات الصغيرة تخطط لزيادة التوظيف في الأشهر الثلاثة المقبلة، لكن نحو 90 في المائة من تلك الشركات التي تسعى للتوظيف أفادت بعدم وجود أو قلة المتقدمين المؤهلين. وكان عدد الشركات التي ذكرت أن تكلفة العمالة كانت أكبر مشكلة بالنسبة لها أقل بمقدارين عن أعلى مستوياتها في 2021.

محرك اقتصادي كلي

لطالما كانت الهجرة محركاً اقتصادياً كلياً في العامين الماضيين وربما السبب الرئيسي في قدرة الاقتصاد الأميركي على خلق عدد كبير من الوظائف دون التسبب في قفزات تضخمية. في فبراير (شباط) من العام الماضي، قام مكتب الموازنة في الكونغرس الأميركي بزيادة تقديراته للهجرة الصافية في 2023 بشكل كبير، ما دفع الاقتصاديين لإعادة النظر في توقعاتهم بشأن نمو الأجور المستدام في 2024.

ومع ذلك، فإن أعداد المهاجرين قد تراجعت بشكل كبير منذ ذلك الحين، خاصة بسبب حظر اللجوء الذي فرضته إدارة الرئيس جو بايدن في منتصف العام، مما أدى إلى تقليص الهجرة الشهرية بمقدار الثلث مقارنة مع عام 2023.

وقد تزيد خطط ترمب للترحيل الوضع سوءاً، وبدأ المستثمرون في النظر إلى أجندة الهجرة التي يحملها ترمب على أنها قد تكون أكثر أهمية اقتصادياً من وعوده المتعلقة بالضرائب أو الرسوم الجمركية.

ويقدّر بنك «مورغان ستانلي» أن خطط ترمب قد تؤدي إلى ترحيل نحو مليون مهاجر خلال عام إلى عامين، مما يؤدي إلى تباطؤ نمو السكان من 1.2 في المائة في 2024 إلى 1 في المائة أو أقل في العام الحالي.

ويعتقد خبراء الاقتصاد في شركة «شرودر» أن «التهديد الأكبر للتضخم قد يأتي من حملة صارمة على الهجرة، إلى جانب الترحيل الجماعي، إذا أدى ذلك إلى نقص في العمالة، مما يفضي في النهاية إلى ارتفاع الأجور والتضخم في الخدمات». ويشيرون إلى تقديرات معهد «بيترسون» التي تفيد بأن عمليات الترحيل الجماعي قد تضيف 3 نقاط مئوية إلى التضخم مقارنة بزيادة قدرها نقطتان من فرض رسوم جمركية بنسبة 10 في المائة. ويعتقدون أن هذا التأثير الجانبي قد يؤدي إلى خفض نمو الناتج المحلي الإجمالي المحتمل إلى 1.5 في المائة بدلاً من أكثر من 2 في المائة حالياً.

وتضيف «إنفيسكو» أنه إذا كانت الترحيلات ستؤثر سلباً على النمو وتخلق بيئة ركود تضخمي، فإن ذلك قد يؤدي إلى هبوط كبير في أسواق الأسهم.

وتظل التفاصيل المتعلقة بهذا النقاش - بما في ذلك ما إذا كانت الترحيلات ستُعوض جزئياً من خلال تأشيرات عمل للمهاجرين المهرة - عديدة. ومع ذلك، أصبحت الهجرة والمخاوف بشأن انكماش القوة العاملة بوضوح متغيراً اقتصادياً رئيسياً قد يهيمن على التفكير الاستثماري مع اقتراب تنصيب ترمب الأسبوع المقبل.


مقالات ذات صلة

منصات «SRMG» تتصدر المراتب الأولى في «أبل بودكاست»

سفر وسياحة «جرائم المال» من «الشرق» الأول في فئة «بودكاست الأعمال» على «أبل» (SRMG)

منصات «SRMG» تتصدر المراتب الأولى في «أبل بودكاست»

تصدَّرت منصات المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام «SRMG»، قائمة «الأعمال» على «بودكاست أبل» في جميع أنحاء الشرق الأوسط؛ نظير أعمالها المتميزة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد أوراق نقدية من الدولار الأميركي (رويترز)

العملات الكبرى تتفوق على الدولار في 2025

تُحدث الولاية الثانية للرئيس الأميركي دونالد ترمب تأثيراً كبيراً على العملات العالمية، ولكن ليس بالطريقة التي توقَّعها المستثمرون قبل بضعة أشهر.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد الرئيس دونالد ترمب يتحدث مع رئيس وزراء آيرلندا في البيت الأبيض الأربعاء (أ.ب)

سياسات ترمب تُزعزع الأسواق العالمية... خسائر تريليونية وتقلبات حادة

شهدت الأسواق المالية تقلبات حادة في الأسابيع الأخيرة بسبب سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد سبائك الذهب في بورصة المعادن النفيسة الأميركية في نيويورك (رويترز)

الذهب يرتفع بدعم من حالة عدم اليقين بشأن الرسوم وبيانات التضخم

ارتفعت أسعار الذهب قليلاً يوم الخميس مع استمرار حالة عدم اليقين بشأن الرسوم الجمركية، مما عزز الطلب على الملاذ الآمن.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد رئيسة المفوضية الأوروبية لاين تتحدث في البرلمان الأوروبي (د.ب.أ)

«يجب أن نتحرك»... أوروبا ترد على رسوم ترمب بإجراءات مضادة على سلع أميركية

رد الاتحاد الأوروبي سريعاً على الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب بنسبة 25 % على واردات الصلب والألمنيوم والتي دخلت حيز التنفيذ الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)

وزير الخزانة: لا ضمانات لعدم حدوث ركود اقتصادي في أميركا

بيسنت في الحديقة الشمالية للبيت الأبيض (أ.ف.ب)
بيسنت في الحديقة الشمالية للبيت الأبيض (أ.ف.ب)
TT

وزير الخزانة: لا ضمانات لعدم حدوث ركود اقتصادي في أميركا

بيسنت في الحديقة الشمالية للبيت الأبيض (أ.ف.ب)
بيسنت في الحديقة الشمالية للبيت الأبيض (أ.ف.ب)

صرّح وزير الخزانة سكوت بيسنت، في مقابلة مع شبكة «إن بي سي» بُثّت، يوم الأحد، بأنه «لا توجد ضمانات» لعدم حدوث ركود اقتصادي في الولايات المتحدة، لكن قد يكون هناك تعديل.

وانخفضت أسواق الأسهم الأميركية بشكل حاد، الأسبوع الماضي، وسط ازدياد حالة عدم اليقين الناجمة عن سياسات الرئيس دونالد ترمب المتغيرة باستمرار، بما في ذلك تهديدات الرسوم الجمركية ضد أكبر شركاء الولايات المتحدة التجاريين.

وعندما سُئل عما إذا كان بإمكانه ضمان عدم حدوث ركود اقتصادي، في ظل وجود ترمب بالسلطة، أجاب بيسنت: «لا توجد ضمانات. من كان ليتوقع حدوث جائحة كوفيد؟». وأكد أنه يضع سياسات قوية ومتينة، قائلاً إن البلاد بحاجة إلى التخلص مما وصفه بالإنفاق الحكومي الضخم.

وعندما سُئل عما إذا كان أي تعديل اقتصادي قد يؤدي إلى ركود، قال بيسنت: «لا يوجد سبب يدعو إلى ذلك».