«الشرق الأوسط» في مهرجان برلين السينمائي (3): تراجع الإقبال على صالات السينما في أوروبا يشيع القلق في برلين

تحية لرئيس المهرجان في نهاية رئاسته

مشهد من فيلم «ذا كايندنيس أوف سترانجرز» (Kindness of Strangers «لطف الغرباء»)
مشهد من فيلم «ذا كايندنيس أوف سترانجرز» (Kindness of Strangers «لطف الغرباء»)
TT

«الشرق الأوسط» في مهرجان برلين السينمائي (3): تراجع الإقبال على صالات السينما في أوروبا يشيع القلق في برلين

مشهد من فيلم «ذا كايندنيس أوف سترانجرز» (Kindness of Strangers «لطف الغرباء»)
مشهد من فيلم «ذا كايندنيس أوف سترانجرز» (Kindness of Strangers «لطف الغرباء»)

صفَّق الحضور ووقفوا تحية لدييتر غوسليغ، رئيس مهرجان برلين السينمائي الدولي، وذلك في حفل الافتتاح، أول من أمس (الخميس). عادةً ما ينال دييتر التحية عبر قنوات مختلفة، لكن هذه المرّة كانت التحية ذات تميّز خاص، إذ إن الدورة هي الأخيرة لرئيسها الذي تسلّمها قبل 18 سنة ودأب على إجراء التحسينات والتطويرات إلى أن بلغ المهرجان ما بلغه من شأن.‬
ليس أن مهرجان برلين كان ثانوياً أو محدود التأثير والأثر سابقاً، بل دائماً ما كان السجال الرائع بين تيارات السينما فناً وسياسة. انطلق بعد الحرب العالمية الثانية وتعاقب عليه عدد من الرؤساء وألوف الأفلام التي اعتبرته، أيام انشطار ألمانيا إلى جزأين، المكان الأمثل لعرض أعمال تعكس الأوضاع الاجتماعية والسياسية لشرق وغرب أوروبا على حد سواء.
هذا الدور تكلل في السبعينات واستمر قوياً حتى من بعد توحيد ألمانيا. ما قام به دييتر هو محاولة الاستمرار في لعب هذا الدور، وفي الوقت ذاته توسيع رقعة ما يعرضه المهرجان من أفلام، ورفع مستوى حاجة العالم إليه بإنشاء سوق فيلم أوروبية تحتل اليوم مكانة كبيرة بين أسواق العالم السينمائية.
في اعتقاد المنتجين والموزعين وباقي أصحاب العلاقات والأعمال السينمائية، يحتاج العالم إلى نشاط هذه الأسواق. وبانتشار خبر مفاده أن الإقبال على صالات السينما في خمس دول أوروبية رئيسية هبط بمقدار 3 في المائة عما كان عليه في عام 2018، فإن وجود السوق البرلينية مهم لتجديد طاقة هذه السوق، إذا ما كان ذلك ممكناً. لكن ما يمكن الاستناد إليه هو ما تشي به الأرقام: فلأول مرّة تعجز بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا عن حصد رقم يتجاوز مليار دولار من تلك الأسواق. المبلغ المسجل هو 965 مليون دولار. البلد الأكثر انتكاساً بين هذه الدول إيطاليا، حيث بلغ مستوى انحسار المشاهدين 5 في المائة عما كان عليه في العام السابق.
هذا الهم ما عاد بعيداً عن السينما كفن كما قد يتصوّر البعض. ما فائدة إنجاز أفلام لن تصل إلى صالات السينما إذا ما استمر منوال الهبوط على ما هو عليه، أو إذا ما استمر منوال الانتشار الكاسح لمنظومات البث المباشر؟! كيف سيكون الوضع بعد خمس أو ست سنوات عندما تجد المهرجانات من الصعوبة تأمين أفلام تستحق التنافس على جوائزها؟

افتتاح الغرباء

فيلم الافتتاح، «لطف الغرباء» للمخرجة الدنماركية لون شرفيغ يلتف على بعض العقبات التي تحيط بالفيلم الأوروبي وتعيق تسويق معظمه. المخرجة التي كان المهرجان منحها جائزة التحكيم سنة 2001 عن فيلمها الأول «الإيطالية للمبتدئين» كتبت سيناريو فيلم تقع أحداثه في مدينة نيويورك حاولت فيه توفير نظرة لوضع مدينة حافلة بالغرباء ومتعددي الهويات بالإضافة إلى المولودين أصلاً هناك.
بطلة الفيلم أميركية اسمها كلارا (زوي كازان) كانت هربت مع ولديها من منزل الزوجية. نفهم من خلال العرض أن الزوج كان عنيفاً معها بحيث لم يعد بالإمكان تحمل نزوات عنفه. هي الآن في ضاحية مانهاتن ذات المستوى الاجتماعي الراقي، لكنها لا تملك ما يكفي لإطعام نفسها أو ولديها.
تزور محلات بيع الثياب لتسرق ما يناسبها وعلى الحفلات المقامة لتناول الطعام، وإذا لم يكن تبحث في قمامات بعض المطاعم. وأحد هذه المطاعم تعود إدارته إلى مارك (طاهر رحيم). هذا لديه خلفية مختلفة لكن وضعه المهني ناجح.
تبقى العلاقة بينهما سطحية حتى عندما تحاول المخرجة توطيدها. هناك برود داخل أوصال هذا الفيلم ناتج عن أن الكهرباء ليست من الطاقة بحيث تغطي كل الشخصيات، خصوصاً أن كلارا تبقى محوراً لأكثر من علاقة ورابط. الشخصيات التي تتعرف عليها كلها تحمل فوق أكتافها مشكلاتها الخاصة التي إذا ما أضيفت إلى مشكلات كلارا فإن الناتج هو توفير عالم تتلاطم فيه الشخصيات المنتمية إلى قاع الحياة كما لو أنها كائنات من فصيل مختلف.
هذه الغاية، النبيلة في جوهرها، تخفق في إيداع رسالاتها على النحو المطلوب لكي تترك التأثير المطلوب لها. كثرة الشخصيات وتعلقها جميعاً بحبل ممدود في فضاء المدينة يجعل من غير الممكن الاعتناء بكل تلك الشخصيات ومشكلاتها بسوية أو وحدة سياق. نعم، هي شخصيات تحاول أن تساعد بعضها طوال الوقت، ولديها الرغبة في تعاضد عاطفي خالص من الشوائب، لكن كل هذا لا يصنع من الفيلم «الموزاييك» الإنساني المنشود، وإن كان يروّج له.


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)
سينما «موعد مع بُل بوت» (سي د.ب)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم.

محمد رُضا‬ (لندن)
يوميات الشرق فيلم «الحريفة 2» اعتمد على البطولة الشبابية (الشركة المنتجة)

«الحريفة 2» ينعش إيرادات السينما المصرية في موسم «رأس السنة»

شهدت دور العرض السينمائي في مصر انتعاشة ملحوظة عبر إيرادات فيلم «الحريفة 2... الريمونتادا»، الذي يعرض بالتزامن مع قرب موسم «رأس السنة».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.