حكومة بريطانيا «تعمل بجد» للبقاء في اتحاد جمركي مع التكتل الأوروبي

وزير التجارة الدولية البريطاني ليام فوكس (أ.ف.ب)
وزير التجارة الدولية البريطاني ليام فوكس (أ.ف.ب)
TT

حكومة بريطانيا «تعمل بجد» للبقاء في اتحاد جمركي مع التكتل الأوروبي

وزير التجارة الدولية البريطاني ليام فوكس (أ.ف.ب)
وزير التجارة الدولية البريطاني ليام فوكس (أ.ف.ب)

رفضت حكومة تريزا ماي سابقا الدخول باتحاد جمركي مع الاتحاد الأوروبي، لأن معسكر الخروج داخل حزبها المحافظ يرفض الفكرة، التي تبقي حركة البضائع من وإلى دول الاتحاد قائمة، والتي يترتب عليها إبقاء الحدود البريطانية مفتوحة أمام حركة العمال والمواطنين من دول التكتل. لكن الهزيمة التاريخية التي منيت بها حكومة ماي الشهر الماضي في البرلمان، الذي رفض بأكثرية كبيرة اتفاقها مع بروكسل، وضعها أمام خيارات صعبة، وقد تعني الخروج من دون اتفاق، وهذا ما يحذر منه قطاع الأعمال والشركات. وأفادت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية اليومية أمس بأن مسؤولين بريطانيين بدأوا «عملا جادا» فيما يتعلق ببقاء المملكة المتحدة في اتحاد جمركي دائم كسبيل لإنقاذ اتفاق الانفصال البريطاني عن عضوية الاتحاد. وقالت الصحيفة نقلا عن «مصدر رفيع المستوى في الدوائر الحكومية» إن الاستعدادات الخاصة بالاتحاد الجمركي تجري على مستوى رفيع مع بعض وزراء الحكومة الذين يدفعون رئيسة الوزراء تيريزا ماي للقبول بفكرة أنه سيتعين عليها أن تتخلى عن معارضتها للاتحاد الجمركي لكي تحظى بدعم أعضاء المعارضة بقيادة حزب العمال في البرلمان لاتفاقها. ونقلت الصحيفة عن المصدر قوله إن «هناك عملا جادا يجري بشأن اتحاد جمركي. نحن بحاجة لأن نكون مستعدين، ومن ثم فإننا مستعدون إذا ما سارت الأمور السياسية في ذلك الاتجاه».
وانتقد مشرعون في حزب العمال عرض رئيسة الوزراء بتمويل عمليات تطوير وتجديد في مناطق محرومة تعاني من الإهمال من أجل الفوز بمزيد من أصوات الحزب لصالح اتفاقها للخروج من الاتحاد الأوروبي. وقال تشوكا أومونا النائب البرلماني من حزب العمال والموالي للاتحاد الأوروبي على موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي إن «عمل الحكومة عبر سد الفجوات أمر خاطئ». وكانت صحيفة «تايمز» قد ذكرت أن ماي ستحاول أن تقنع أكثر من عشرين من نواب حزب العمال وعددهم 257 بمجلس العموم دعم اتفاقها للخروج «بضخ مبلغ نقدي في المناطق المحرومة (التي أيدت الخروج في استفتاء عام 2016) بما في ذلك مجتمعات التعدين السابقة». ونقلت الصحيفة عن مصدر حكومي قوله إن خطة ماي لإغراء نواب حزب العمال» تتعلق بالسماح لنواب العمال الذين يمثلون المجتمعات (المؤيدة) لبريكست بحصولهم على شيء حقيقي في مقابل تصويتهم». ورفض داوننج ستريت التعليق مباشرة على التقرير، لكنه قال إن ماي «عازمة لتولي برنامج للتجديد الوطني ما بعد بريكست» وإنه «ما من مجتمع ينبغي أن يشعر أنه قد ترك وحيدا». وتسعى ماي لإجراء مزيد من المفاوضات مع مسؤولي الاتحاد الأوروبي بشأن تغيير بروتوكول «شبكة الأمان» الخاصة بالحدود الآيرلندية في اتفاق الانسحاب وهو البروتوكول الذي يستهدف ضمان بقاء الحدود مفتوحة. ولا تزال تأمل في الفوز بموافقة برلمانية على اتفاق بريكست قبل خروج بريطانيا من التكتل يوم 29 مارس (آذار) المقبل. وكانت ماي قد فازت بأغلبية بسيطة في البرلمان الأسبوع الماضي لصالح خطتها التي تهدف إلى إجراء تعديلات، لكن قادة الاتحاد الأوروبي يشددون على أن اتفاق الانسحاب بما في ذلك شبكة الأمان، أمر غير قابل للتفاوض عليه من جديد. وتحتاج ماي أيضا لتأمين الحصول على أغلبية لاتفاقها عندما تعود إلى مجلس العموم، المجلس المنتخب الرئيسي بالبرلمان البريطاني، في 13 فبراير (شباط) بعدما منيت بهزيمة مدوية منتصف يناير (كانون الثاني).
وفي سياق متصل ببريكست اعتبرت الحكومة البريطانية الجمعة أن وصف الاتحاد الأوروبي جبل طارق بـ«المستعمرة» التابعة لمملكة المتحدة، أمر «غير مقبول تماما». ورد هذا الوصف في ملاحظة في أسفل وثيقة صادرة عن المجلس الأوروبي، تقترح إعفاء البريطانيين الراغبين بدخول منطقة دول الشنغن من تأشيرات الدخول بعد بدء تطبيق البريكست، وذلك لمدة قصيرة (حتى 90 يوما). وأفادت الوثيقة بأن «جبل طارق مستعمرة للتاج البريطاني»، مشيرة إلى «الخلاف» بين إسبانيا والمملكة المتحدة بشأن السيادة على هذه المنطقة. وقال المتحدث باسم رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي في تصريح صحافي: «من غير المقبول تماما وصف جبل طارق بهذه الطريقة». وأضاف: «إن جبل طارق جزء لا يتجزأ من العائلة البريطانية، وهذا الأمر لن يتغير مع خروجنا من الاتحاد الأوروبي».
وتبلغ مساحة جبل طارق 6.8 كيلومتر مربع، وتخلت عنه إسبانيا عام 1713 إلى التاج البريطاني، إلا أنها لا تزال تطالب بالسيادة على هذه الأرض الواقعة على الطرف الغربي للبحر المتوسط.
وقال متحدث آخر باسم الحكومة البريطانية في بيان، إن السكان الـ33 ألفا لجبل طارق سبق ورفضوا فكرة إقامة سيادة مشتركة خلال استفتاء أجري عام 2002. وأضاف: «على كل الأطراف احترام الرغبة الديمقراطية لشعب جبل طارق بأن يكون بريطانيا».
وخلال الاستفتاء حول بريكست عام 2016 في المملكة المتحدة، صوت 96 في المائة من سكان جبل طارق إلى جانب البقاء في الاتحاد الأوروبي.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟