ديور... مصمم الأحلام يزور لندن عبر عرض متحفي

500 قطعة من أشهر أزياء الدار الفرنسية تعرض للجمهور في «فيكتوريا آند ألبرت»

TT

ديور... مصمم الأحلام يزور لندن عبر عرض متحفي

في مجال إقامة المعارض المتخصصة في عالم الأزياء لا متحف يضاهي متحف «فيكتوريا آند ألبرت» اللندني في المساحة والعرض المبهر، وأيضاً في تضفير التاريخ بالأناقة بالحالة الاجتماعية لإخراج عرض متحفي الطابع، ولكنه ممتع أيضاً فهناك دائماً اللمسات التي تربط الزائر بالقطع المعروضة بغض النظر عن خلفيته. وفي معرضه الجديد «كريستيان ديور... مصمم الأحلام» حول أزياء المصمم العالمي، لم يبخل المتحف على زواره في استعارة أشهر الفساتين التي صممها ديور لتصنع سمعة الدار الفرنسية، وتربطها بنجوم المجتمع والفن الأيقونيين؛ فمن لا يتذكر صورة الأميرة الراحلة مارغريت في فستانها الأبيض المنفوش، الذي يلتف حول الصدر بغلالات شفافة تنضم عند وسط رقيق ثم تتناثر مكوّنة النصف الأسفل من الفستان، ليصبح كشلال من القماش الأبيض تفرده مثل الطاووس جالسة على أريكة حمراء قانية؟! الصورة تصف وببلاغة بديعة سحر تصميم ديور الذي جعل الأميرة المتمردة مارغريت تبدو سندريلا ولكن بعد دخولها القصر الملكي.
تقول صحيفة «تلغراف» عن المعرض إنه «أعظم عرض نظمته (فيكتوريا آند ألبرت) على الإطلاق». قد يكون هناك بعض التحيُّز في الحكم ولكن لديور سحر خاص، وملابسه التي تحولت لقطع كلاسيكية تتحدى الزمن، قد اتخذت غلالة أسطورية تجعل من المبالغة في التقدير نوعاً من العشق.
المتحف اهتم بالعرض بشكل واضح، إذ سبقه بحملة دعاية ضخمة من العام الماضي، رغم أنه مستمدّ من المعرض الذي نُظّم في «ميوزيه دي آر ديكوراتيف» بباريس، فإن فريق المنسقين في «فيكتوريا آند ألبرت» عمل على إضافة عناصر مختلفة بعض الشيء. وتولى مدير المتحف «تريسترام هانت» جانباً من الدعاية للمعرض الذي نُظّم في عهده، وبادر إلى «تويتر» ليقول للجمهور أن يتناسوا الأخبار السياسية السيئة المحيطة بهم، وأن يتجهوا للمتحف لمشاهدة أعظم عرض على الإطلاق. ولم ينسَ هنت أن يجعل من ملصق المعرض خلفية لصفحته على «تويتر».
ومبدئياً يعمل المعرض على استكشاف التأثير البريطاني في حياة وعمل كريستيان ديور، الذي اقتبس منه هذه العبارة عن حبه لإنجلترا، التي لا يضاهي حبه لها سوى عشقه لبلده: «إنني أعشق أسلوب العيش فيه، أحب التقاليد والدماثة والهندسة الإنجليزية، أنا حتى أعشق الطهي الإنجليزي».
ربما تعبّر الجملة عن حب غير مشروط يتغاضى عن السلبيات، أو ما قد يعتبره الغير سلبيات، مثل المطبخ الإنجليزي، ولكنها في كل الحالات تعتبر النقطة التي ينطلق منها القسم الجديد من معرض «ديور»، الذي اختار من خلاله منسقو العرض في «فيكتوريا آند ألبرت» أن يضعوا لمستهم الخاصة على صيغة العرض المستعار من فرنسا.
يستكشف القسم علاقة ديور بإنجلترا وعشقه للفخامة المعمارية وحبه للحدائق وللباخرات عابرات المحيطات، مثل الباخرة «كوين ماري». كما نعرف أنه كان متحيزاً لخيّاطي البدلات الرجالية في شارع «سافيل رو» اللندني الشهير، وقد يمكن تتويج علاقة ديور بإنجلترا بمعلومة أنه نظم عرضه الأول للأزياء في لندن بفندق «سافوي»، ثم أطلق متجره الأول بالعاصمة في عام 1952. ويمر المعرض أيضاً على علاقة «ديور» بأصحاب المهارات في صناعة مكملات الأناقة، مثل القفازات والأحذية والجواهر المزيفة.
وعبر 500 قطعة يحول «فيكتوريا آند ألبرت» أرجاء صالاته إلى خزانات لعرض الأزياء، مازجاً فيها بين قطع أيقونية، مثل بدلة «بار سوت»، التي أهداها المصمم للمتحف في عام 1960، وتتكون من الجاكيت الأسود القصير الذي يصافح الخصر مع التنورة السوداء المنفوشة مع القبعة الصغيرة، وهي الطلة التي ارتبطت باسم «ديور» وتحولت من عروض الأزياء لتلبسها نجمات الشاشة العالمية. وإلى جانب الأزياء، استعان العرض بالأفلام والصور الفوتوغرافية والمجلات وبعض زجاجات العطور المعتقة وعلب مساحيق التجميل، وأيضاً زجاجات من عطر «ميس ديور»، الذي أطلقه المصمم في عام 1947، ليصاحب أول عرض أزياء له.
وبعد المايسترو، وصاحب الاسم اللامع يقدم المعرض نماذج من أعمال المصممين الذين تعاقبوا على دار «ديور» منهم إيف سان لوران وجيان فرانكو فيريه وجون غاليانو ويعكس العرض عن أن كلّ مصمم منهم حافظ على رؤية كريستيان ديور في صناعة الأزياء الراقية وفي نفس الوقت نجح كل منهم في خلق بصمة خاصة لهم.


مقالات ذات صلة

2024... عام التحديات

لمسات الموضة لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)

2024... عام التحديات

إلى جانب الاضطرابات السياسية والاقتصادية، فإن عودة دونالد ترمب للبيت الأبيض لا تُطمئن صناع الموضة بقدر ما تزيد من قلقهم وتسابقهم لاتخاذ قرارات استباقية.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة ماثيو بلايزي مصمم «بوتيغا فينيتا» سابقاً (غيتي)

2024...عام الإقالات والتعيينات

تغييرات كثيرة شهدتها ساحة الموضة هذا العام، كانت من بينها إقالات واستقالات، وبالنتيجة تعيينات جديدة نذكر منها:

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)

الجينز الياباني... طرق تصنيعه تقليدية وأنواله هشة لكن تكلفته غالية

على الرغم من تعقيد الآلات المستعملة لصنعه، فإن نسيجه يستحق العناء، ويتحول إلى قماش ناعم جداً بمجرّد تحويله إلى سروال جينز.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)

التول والمخمل... رفيقا الأفراح والجمال

بين المرأة والتول والمخمل قصة حب تزيد دفئاً وقوة في الاحتفالات الخاصة والمناسبات المهمة

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)

ميغان ماركل وكايلي جينر والصراع على المرتبة الأولى

هناك فعلاً مجموعة من القواسم المُشتركة بين ماركل وجينر، إلى جانب الجدل الذي تثيرانه بسبب الثقافة التي تُمثلانها ويرفضها البعض ويدعمها البعض الآخر.

جميلة حلفيشي (لندن)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».