3 «نقاط تحوّل تقنية» ستغيّر مستقبل العالم

تغيرات كبرى منتظرة في مجالات الطاقة والبيولوجيا الصناعية والحوسبة

3 «نقاط تحوّل تقنية» ستغيّر مستقبل العالم
TT

3 «نقاط تحوّل تقنية» ستغيّر مستقبل العالم

3 «نقاط تحوّل تقنية» ستغيّر مستقبل العالم

يهوى مراقبو السوق متابعة الاتجاهات التقنية لأنها غالباً ما تكون بمثابة مؤشّر يدلّ على القادم في المستقبل. ويبدو المستقبل القريب عادة شبيهاً بالماضي القريب، ولكن ليس دائماً. ففي بعض الأحيان، نصطدم بنقطة تحوّل وتنحرف الأمور بشكل جذري عن الاتجاه السائد لتشهد تحوّلاً حقيقياً.
على سبيل المثال، كان تأثير الكهرباء ومحركات الاحتراق الداخلي محدوداً في العقدين الأوّلين من القرن العشرين، ولكن مع دخول عام 1920. شهد العالم تحوّلاً كبيراً أدى إلى قيادة 50 عاماً من الازدهار الإنتاجي لم يحققها أي اختراع آخر مماثل لهما. وفي عام 1995، طرأ تحوّل مشابه على التقنية الرقمية في العالم.
واليوم، نقف على أعتاب ثلاث نقاط تحوّل مشابهة في مجالات الطاقة، الأحياء (البيولوجيا) الصناعية، والحوسبة، من المتوقّع أن تتمتع بنفس الطاقة التحوّلية لدفع العالم. قد يصعب توقّع تأثير أي من هذه النقاط، لكنّ التمعّن بكلّ واحدة منها على حدة سيعزّز رؤيتنا بقرب دخولنا عصراً جديداً، قد يكون مختلفاً عن أي شيء رأيناه قبلاً.
الطاقة المتجددة

- نقطة التحوّل الأولى: تكاليف الطاقة المتجدّدة. عندما نشر الرئيس الأميركي جيمي كارتر ألواحاً شمسية في البيت الأبيض عام 1979. رأى كثيرون في هذه الخطوة مجرّد حيلة للعلاقات العامة. فقد كانت التقنية آنذاك باهظة جدّاً بحيث لا يمكن اعتمادها للتطبيق العملي، وأقرب إلى عالم من الأحلام الجنونية منها إلى بديل حقيقي للوقود الأحفوري. وعندما تولّى الرئيس ريغان الرئاسة عام 1981. كان نزع هذه الألواح واحدة من أولى خطواته.
يفيد المنتدى الاقتصادي العالمي بأنّ سعر الطاقة الشمسية هبط بشكل كبير في العقد المنصرم، بنحو 90 في المائة، وأنّ الرياح وأشعة الشمس تنتجان اليوم طاقة أقلّ تكلفة من الفحم والغاز في أميركا الشمالية، حتى أنّ تكلفة الطاقة الشمسية توازي نصف تكلفة الفحم في بعض الأجزاء المشمسة من العالم، وهذا التحوّل يعتبر كبيراً.
علاوة على ذلك، لا يمكننا إلّا أن نتوقّع مزيداً من الهبوط في أسعار الطاقة المتجددة مستقبلاً في ظلّ الثورة التي يشهدها علم المواد والتي ستتيح لنا بناء ألواح شمسية وتوربينات هوائية أكثر فعالية. هذا يعني أننا لن نكون قادرين على الاستفادة من طاقة أكثر نظافة فحسب، بل أيضاً سنحصل عليها بتكلفة أقلّ من سعر الوقود الأحفوري، أي أنّنا سنكون أمام نعمة إنتاجية هائلة.
ولكنّ النقطة العالقة الوحيدة تبقى تقنية البطارية التي لا تزال باهظة جداً. ففي حال لم نتمكّن من تخزين الطاقة التي تولّدها المصادر المتجددة لاستخدامها في غياب الشمس الساطعة والرياح النشطة، سنظلّ بحاجة إلى الوقود الأحفوري لسدّ هذا النقص. ولكن هنا أيضاً، يمكننا الحديث عن تقدّم ملحوظ سينتج لنا حلّاً خلال عقد من الزمن.
ثورة بيولوجية

- نقطة التحوّل الثانية: تصاعد علم الأحياء (البيولوجيا) الصناعية. شكّل استكمال مشروع «الجينوم البشري» عام 2003 حدثاً استثنائياً توّج عقوداً من التقدّم البشري، تماماً كما حصل عندما سار نيل أرمسترونغ على سطح القمر عام 1969. وفي إنجاز آخر لا يقلّ أهمية عمّا ذكر ولكن لم يحدث ضجة إعلامية تذكر، اكتشفت العالمة جينيفر دودنا ما يعرف بتقنية «كريسبر» أو التكرارات العنقودية المتناوبة منتظمة التباعد في الحمض النووي عام 2012. التي سرّعت تقنية التعديل الجيني، تماماً كما حصل مع خطّ التجميع الصناعي الخاص بهنري فورد في صناعة السيارات.
ولكنّ أندرو هيسيل، الرئيس التنفيذي لشركة «هيومن جينوميكس» الناشئة والمتخصصة في إنتاج علاجات عمادها الفيروسات للسرطان، رأى أنّ الثورة الحقيقية ستحصل عندما تتجاوز قيمة الجينومات المتسلسلة تكلفة إنتاجها. ويعتقد هيسيل أننا بدأنا بالوصول إلى نقطة التحوّل هذه، خاصة أن بيئة الأدوات الضرورية لهذا الإنتاج بدأت بالنضوج والتسارع.
يقود الانتقال من مجرّد قراءة هذه الجينومات إلى كتابتها، هذا التحوّل. فقد منحنا مشروع الجينوم البشري القدرة على معرفة الوظيفة الدقيقة لجينات محدّدة. وفي حال تمكنا من تحديد الجين الذي يسبب السرطان مثلاً، سنصبح قادرين على تطوير علاجات تستهدف هذه الطفرة المحدّدة بدل تصنيف الورم حسب مكان وجوده في الثدي أو غدّة البروستاتا أو غيره. قدّم هذا التطوّر حتى اليوم مساهمة لا بأس بها، ولكنّها لا تزال محدودة.
في الحقيقة، إن القدرة على كتابة الجينات هي أمر مختلف كلياً. فكّروا مثلاً بمرض فقر الدم المنجلي أو التليّف الكيسي. فمن خلال استبدال الجين المصاب بالطفرة بآخر صحيح، سنتمكّن من شفاء أمراض تهلك ملايين الأشخاص. كما يمكننا أن نفبرك مواد، كتلك المستمدّة اليوم من الوقود الأحفوري، أو حتى استخدام الحمض النووي لتحزين البيانات.

- نقطة التحوّل الثالثة: نهاية قانون مور. شكّل تطوّر التقنية الرقمية المحرّك الأوّل في دفع التقدّم في مجالي الطاقة والأحياء الصناعية. إذ تتيح لنا أجهزة الكومبيوتر والخوارزميات الأقوى، التوصل إلى اكتشافات أقلّ تكلفة، وتساهم في تحقيق نقطة التحوّل هذه.
على سبيل المثال، يستخدم «مشروع المواد» في مختبر لورنس بيركلي الوطني الكومبيوترات الخارقة لمحاكاة الخصائص الفيزيائية للمواد وللتوصّل إلى احتمالات جديدة أسرع بمئات المرّات. أمّا شركة «سيترين إنفورماتيكس»، فتستخدم خوارزميات التعلّم الآلي لتحليل قواعد بيانات المواد. يتولّى هذا النوع من التقنيات قيادة الثوّرة في مجال تخزين البيانات.
لهذا السبب، قد تشكّل نقطة التحوّل الأهمّ هذه بداية نهاية قانون «مور»، (وهو قانون استند على ملاحظة أن عدد الترانزستورات الموضوعة داخل رقيقة إلكترونية يزداد مرتين كل سنتين تقريباً). ولعقود، اعتدنا مشهد صدور جيل جديد من الرقائق كلّ بضعة أعوام بضعف طاقة الرقائق السابقة، وكان كلّ تقدّم في سرعة المعالج يفتح الباب على احتمالات جديدة. ولكنّ هذه العملية تشهد اليوم بعض التباطؤ ويمكننا أن نتوقّع توقفها بشكل كامل في السنوات المقبلة.
يبدو واضحاً أنّ المستقبل لن يكون رقمياً. ولضمان استمرار التطوّر في العقود المقبلة، سنعتمد على هندسات كومبيوترية جديدة مثل «الحوسبة الكوانتية» والرقائق الشبيهة بالشبكات العصبية الدماغية. بدورها، لا تتطلّب هذه التقنيات الحاجة إلى آلات جديدة فحسب، بل إلى لغات كومبيوتر ومقاربات خوارزمية جديدة.
عصر جديد من الابتكار
مع كلّ الأهمّية التي تتمتّع بها الثورة الرقمية، تصبح باهتة جدّاً عند مقارنتها بالابتكار الذي أوصلت إليه نقطة التحوّل التي اصطدمنا بها عام 1920. فقد قادت الطاقة الكهربائية ومحركات الاحتراق الداخلي ازدهاراً إنتاجياً دام لخمسين عاماً، مقابل نشاط إنتاجي نسبي قدّمته لنا الحوسبة الرقمية بين نهاية التسعينيات وأوائل الألفية الثالثة. لهذا السبب، يجب أن نشعر بالتفاؤل من فكرة أنّ الاختراقات التقنية الجديدة في مجالات كالطاقة والأحياء الصناعية، دون أن ننسى علم المواد، متجذّرة في العالم الحقيقي وليس الافتراضي. وبقدر ما نشعر بأن الهواتف الذكية اكتشاف عظيم، يجب ألا ننسى أنّه لا يمكننا تناولها، أو الحياة فيها، أو ارتداءها.
كما أنّ الهندسات الحاسوبية التي يمكننا توقع تصدرها للمشهد التقني في العقد القادم ستكون مختلفة بشكل كبير. إذ ستتيح لنا «كومبيوترات الكوانتية» التي ستكون قادرة على توفير مساحات حاسوبية هائلة، محاكاة الأنظمة الفيزيائية. أمّا الرقائق المطوّرة على شكل شبكات عصبية، والتي ستكون أكثر فعالية على صعيد إنتاج الطاقة من الرقائق الرقمية بمئات المرات، فستمكننا من وضع الحوسبة في مقدّمة الأنظمة بدل وضعها في قلب السحابة. باختصار، يمكن القول إنّ نقاط التحوّل هذه ستقودنا إلى عصر جديد من الابتكار سيكون مختلفاً كلياً عمّا اعتدنا عليه في العقود القليلة الماضية، وهذا في الحقيقة ما يضفي على نقاط التحوّل هذه أهمية وقوّة كبيرتين. ولا شكّ أنّ ما سنراه في المستقبل، سيكون مختلفاً كلياً عما رأيناه سابقاً.

- «مانسويتا فنترز» خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

إشادة بانفتاح السعودية على تقديم الفن الراقي

نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
TT

إشادة بانفتاح السعودية على تقديم الفن الراقي

نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»

شهدت الرياض وجدة فعاليات مسرحية وغنائية عقب انتهاء شهر رمضان، انطلقت مع عيد الفطر واستقطبت مشاركات مصرية لافتة، منها مسرحية «حتى لا يطير الدكان»، من بطولة الفنانَيْن أكرم حسني ودرة، في موسمها الثاني على مسرح «سيتي ووك جدة»؛ إلى عرض ستاند أب كوميدي «ذا إيليت» المقام على «مسرح محمد العلي» بالرياض، بينما شاركت الفنانة المصرية أنغام بحفلات «عيد القصيم»، والفنان عمرو دياب بحفلات «عيد جدة».
وتشهد العاصمة السعودية حفل «روائع الموجي»، الذي تحييه نخبة من نجوم الغناء، بينهم من مصر، أنغام وشيرين عبد الوهاب ومي فاروق، بالإضافة إلى نجوم الخليج ماجد المهندس وعبادي الجوهر وزينة عماد، مع صابر الرباعي ووائل جسار، بقيادة المايسترو وليد فايد وإشراف فني يحيى الموجي، ومشاركة الموسيقار رمزي يسى.
عن هذا الحفل، يعلّق الناقد الفني المصري طارق الشناوي لـ«الشرق الأوسط»: «نشجّع تكريس الكلمة الرائعة والنغم الأصيل، فحضور نجوم مصر في فعاليات المملكة العربية السعودية، يشكل حالة تكامل من الإبداع»، معرباً عن غبطته بمشهدية الزخم الفني، التي يواكبها في الرياض وجدة.
ووفق «جمعية المؤلفين والملحنين الرسمية» في مصر، ورصيد محمد الموجي، صاحب مقولة «أنا لا أعمل كالآلة تضع فيها شيئاً فتخرج لحناً؛ إنها مشاعر وأحاسيس تحتاج إلى وقت ليخرج اللحن إلى النور»، قد وصل إلى 1800 لحن، ليعلّق رئيسها مدحت العدل لـ«الشرق الأوسط» بالتأكيد على أنّ «الاحتفاء بالرموز الفنية من (الهيئة العامة للترفيه)، كاحتفالية الموجي، أمر غاية في الرقي ويدعو للفخر»، موجهاً التقدير للجميع في المملكة على النهضة الفنية الكبيرة.
واستكمالاً لسلسلة الفعاليات الفنية، فإنّ مدينة جدة على موعد مع حفلين للفنان تامر عاشور يومي 5 و6 مايو (أيار) الحالي، بجانب حفل الفنانَيْن محمد فؤاد وأحمد سعد نهاية الشهر عينه. وعن المشاركات المصرية في الفعاليات السعودية، يشير الناقد الموسيقي المصري محمد شميس، إلى أنّ «القائمين على مواسم المملكة المختلفة يحرصون طوال العام على تقديم وجبات فنية ممتعة ومتنوعة تلائم جميع الأذواق»، مؤكداً أنّ «ما يحدث عموماً في السعودية يفتح المجال بغزارة لحضور الفنانين والعازفين والفرق الموسيقية التي ترافق النجوم من مصر والعالم العربي». ويلفت شميس لـ«الشرق الأوسط» إلى أنّ «هذا التنوع من شأنه أيضاً إتاحة مجال أوسع للمبدعين العرب في مختلف الجوانب، التي تخصّ هذه الحفلات، وفرصة لاستقطاب الجمهور للاستمتاع بها بشكل مباشر أو عبر إذاعتها في القنوات الفضائية أو المنصات الإلكترونية»، معبّراً عن سعادته بـ«الحراك الفني الدائم، الذي تشهده المملكة، بخاصة في الفن والثقافة وتكريم الرموز الفنية والاحتفاء بهم».
وشهد «مسرح أبو بكر سالم» في الرياض قبيل رمضان، الحفل الغنائي «ليلة صوت مصر»، من تنظيم «الهيئة العامة للترفيه»، احتفالاً بأنغام، إلى تكريم الموسيقار المصري هاني شنودة في حفل بعنوان «ذكريات»، شارك في إحيائه عمرو دياب وأنغام، بحضور نخبة من نجوم مصر، كما أعلن منذ أيام عن إقامة حفل للفنانة شيرين عبد الوهاب بعنوان «صوت إحساس مصر».
مسرحياً، يستعد الفنان المصري أحمد عز لعرض مسرحيته «هادي فالنتين» في موسمها الثاني، ضمن فعاليات «تقويم جدة» على مسرح «سيتي ووك‬» بين 3 و6 مايو (أيار) الحالي. وعنه كان قد قال في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»، إنّ «الحراك الثقافي الذي تشهده المملكة يفتح آفاقاً وفرصاً متنوعة للجميع لتقديم المزيد من الفن الراقي».