وسائل للتفوّق على دهاء روبوتات التواصل الاجتماعي

وسائل للتفوّق على دهاء روبوتات التواصل الاجتماعي
TT

وسائل للتفوّق على دهاء روبوتات التواصل الاجتماعي

وسائل للتفوّق على دهاء روبوتات التواصل الاجتماعي

قبل أكثر من عامين، وفي الصيف الذي سبق انتخابات 2016 الرئاسية في الولايات المتحدة، كشف جون سيمور وفيليب تولاي، الباحثان في شركة «زيرو فوكس» المتخصصة بالأمن في بالتيمور، النقاب عن نوع جديد من بوتات الإنترنت (روبوتات الويب) العاملة بنشاط في شبكة «تويتر». ومن خلال تحليل أنماط النشاط على شبكات التواصل الاجتماعي، تعلّمت هذه البوتات كيف تخدع المستخدمين وتدفعهم إلى النقر على روابط تنقلهم إلى مواقع خطرة.

تصيد إلكتروني آلي
بوت «سناب - آر» (SNAP_R)، هو عبارة عن نظام تصيّد إلكتروني قادر على توجيه أهواء أفراد معينين وإرشادهم لتحميل برامج تجسس على آلاتهم دون أن يعرفوا. كتب هذا البوت على حساب أحد مستخدمي «تويتر»، التغريدة التالية مرفقة برابط: «يعتقد خبراء الآثار أنّهم عثروا على تابوت الإسكندر الأكبر للمرة الأولى في الولايات المتحدة: «goo.gl-KjdQYT».
ورغم الأخطاء النحوية الواردة في تغريدته، نجح «سناب - آر» في الحصول على النقرة التي يريدها في 66 في المائة من الحالات، أي نسبة النجاح نفسها لدى القراصنة الإلكترونيين البشر الذين يكتبون رسائل التصيد بأنفسهم.
لقد كان هذا البوت غير مجهز، وبالكاد يشكّل إثباتاً على فاعلية الفكرة التي صُمم لأجلها. ولكنّ في أعقاب موجة المخاوف من القرصنة السياسية، والأخبار الكاذبة، والجانب المظلم من التواصل الاجتماعي، قدّم هذا البوت صورة عن التزييف المتزايد الذي سنعيشه في المستقبل.
بنى هذان الباحثان ما يعرف بالشبكة العصبية، وهي نظام رياضي مركّب يمكنه تعلّم مهام معينة من خلال تحليل كمية هائلة من البيانات. وتستطيع هذه الشبكة العصبية أن تتعلّم التعرّف إلى كلب مثلا، عبر رصد الأنماط من آلاف صور الكلاب. كما يمكنها أن تتعلّم تعريف الكلمات المنطوقة من خلال غربلة الاتصالات القديمة المدعومة بالتقنية.
وأثبت هذان الباحثان أنّ الشبكة العصبية تستطيع أيضاً كتابة رسائل التصيّد الإلكتروني من خلال تصفّح التغريدات، ومنشورات «ريديت» إلى جانب الاستفادة من حيل إلكترونية قديمة.

خداع الجموع
اليوم، تجتاح التقنية الإلكترونية الرياضية نفسها الآلات مع مجموعة واسعة من القوى الشبيهة بالطاقات البشرية، ابتداء من التعرف إلى الكلام إلى ترجمة اللغات. وفي كثير من الحالات، يعتبر هذا الجيل الجديد من الذكاء الصناعي أيضاً وسيلة مثالية لخداع مجموعة من الأشخاص عبر الإنترنت، حيث أصبح التلاعب بالجموع اليوم أسهل من أي وقت مضى.
قال شاهار آفين، باحث من مركز «دراسات المخاطر الوجودية» في جامعة كمبريدج، إن «عدم سير الأمور في هذا الاتجاه سيكون مفاجئاً جداً. جميع النزعات التقنية ذاهبة في هذا الاتجاه».
وعبّر كثير من المراقبين التقنيين عن مخاوفهم من توسع الذكاء الصناعي الذي يبتكر ما يعرف بـ«الديب فيكس»، أي الصور المزيفة التي تبدو كالحقيقة. فما بدا كوسيلة لوضع رأس أي كان على جسد نجم إباحي تطوّر ليصبح أداة تتيح وضع أي صورة أو تسجيل صوتي في أي مقطع فيديو ودون أن يلاحظ أحد.
في أبريل (نيسان)، أطلق الكوميدي جوردان بيل بالتعاون مع «بازفيد» مقطع فيديو وضع كلمات كـ«يجب أن نكون حذرين مما نثق به على الإنترنت» على فم الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.
يتّجه هذا الخطر إلى التوسّع مع تطوير الباحثين لأنظمة قادرة على المعالجة والتعلّم عبر رصد مجموعات كبيرة من البيانات. وهذه الشبكات العصبية قادرة على إنتاج أصوات وصور قابلة للتصديق، أي يمكنها أن تضفي سمة البشرية على المساعدين الرقميين كـ«سيري» أكثر من أي وقت مضى.
بنت «غوغل» نظاماً يسمّى «دوبليكس» يستطيع الاتصال بمطعم محلّي، وتثبيت الحجوزات، وخداع الطرف الآخر أثناء الاتصال بإقناعه أنّ من يخاطبه إنسان حقيقي. ومن المتوقع أن تصل هذه الخدمة إلى الهواتف الذكية قريبا.
امتلك الخبراء قوة معالجة التسجيلات الصوتية ومقاطع الفيديو منذ زمن طويل، ولكن مع تحسّن أنظمة الذكاء الصناعي هذه، ستصبح صناعة المحتوى الرقمي من صور ومقاطع فيديو وتفاعلات اجتماعية أقرب للحقيقية، أكثر سهولة وأقلّ كلفة لأي شخص.
وفي إطار مفهوم الثقافة الأكاديمية، تحرص مختبرات الذكاء الصناعي الكبرى والشركات العملاقة كـ«غوغل» على نشر أبحاثها مع رمزها البرمجي لتصبح متاحة للجميع.

مهارات الآلات
تتيح هذه التقنيات للآلات تعلّم القراءة والكتابة أيضاً. لسنوات، بحث الخبراء فيما إذا كان يمكن للشبكات العصبية أن تفكّك رمز اللغة الطبيعية. ولكنّ هذه الفرصة تغيّرت في الأشهر الأخيرة.
بنت منظمات كـ«غوغل» ومختبر «أوبن إيه آي». (OpenAI) المستقل في سان فرانسيسكو، أنظمة تتعلّم التغيّرات اللغوية على أوسع نطاق، بتحليل كلّ شيء من مقالات ويكيبيديا والروايات الرومانسية الشخصية، قبل تطبيق هذه المعرفة في مهام محددة. يتمتع هذا النظام بالقدرة على قراءة مقطع والإجابة عن الأسئلة حوله، ويمكنه أيضاً تحديد ما إذا كانت النبرة المعتمدة في تحليل فيلم ما إيجابية أم سلبية.
يمكن لهذه التقنية أن تطوّر مهارات بوتات الصيد الإلكتروني كـ«سناب -آر». اليوم، تبدو معظم بوتات «تويتر» كالبوتات، وخاصة عندما تبدؤون بالردّ عليها. ولكنّها في المستقبل، ستصبح قادرة على إجابتكم بالمثل.
قد تساهم هذه التقنية أيضاً في ابتكار روبوتات صوتية قادرة على المشاركة في حديث حقيقي، لتدفعكم وتقنعكم في يوم من الأيام بالبوح ببيانات بطاقتكم المصرفية.
تعمل هذه الأنظمة اللغوية اليوم بفعل موجة جديدة من القوة الحاسوبية. صمم مهندسو «غوغل» رقائق كومبيوتر خاصة لتدريب الشبكات العصبية. وتعمل شركات أخرى على بناء رقائق مماثلة، ستؤدي مع نضجها إلى تسريع بحث الذكاء الصناعي.
يرى جاك كلارك، رئيس قسم السياسة في «أوبن إيه آي». أن المستقبل الذي ستطور فيه الحكومات أنظمة تعلّم آلي تسعى من خلاله إلى تعبئة شعوب دول أخرى أو إجبار شعوبها على تبني آراء معينة، أصبح قريباً.
وقال كلارك في حديث إلى وسائل الإعلام الأميركية، إنه «نوع جديد من التحكّم الاجتماعي أو البروباغندا. يمكن للحكومات أن تبدأ بابتكار حملات تستهدف أفراداً، ولكن تعمل في الوقت نفسه على استهداف عدّة أشخاص خدمة لهدف أكبر».
يستطيع الذكاء الصناعي أيضاً أن يوفّر وسائل لرصد وإيقاف هذا النوع من التلاعب الجماعي. يعشق مارك زوكربيرغ مؤسس «فيسبوك» الحديث عن الاحتمالات، ولكن بالنسبة للمستقبل، نحن دون شكّ أمام سباق تسلّح في مجال التعلّم الآلي.
لنأخذ مثلاً نظام «الشبكات الزوجية التوليدية» أو ما يعرف بالـ«GANs»، الذي يتألف من شبكتين عصبيتين تفبركان صوراً مقنعة أو تتلاعبان بالصور المتوفرة.
تؤدي هذه الشبكات مهمتها عبر ما يشبه لعبة القطّ والفأر: تجري الشبكة الأولى ملايين التغييرات الصغيرة في الصورة، فيضاف الثلج مثلاً إلى الشوارع الصيفية، ويتحول الدب الرمادي إلى باندا، وتبدو الوجوه المزيفة مقنعة جداً إلى درجة عدم التمييز بين الأشخاص الموجودين فيها والمشاهير، سعياً منها لخداع الشبكة الأخرى.
أمّا الشبكة الأخرى، فتقدّم أفضل ما لديها كي لا تتعرض للخداع. وفي المعركة الدائرة بين الشبكتين، تصبح الصورة أكثر إقناعاً، ويكون الذكاء الصناعي الذي يحاول رصد التزييف هو الخاسر.
ولكنّ رصد الأخبار الكاذبة أصعب، إذ بالكاد يستطيع الناس التوافق على ما يمكن تعريفه بالخبر الكاذب؛ فكيف يمكننا أن نتوقع من آلة أن تفعل ذلك؟ وفي حال استطاعت، هل نريدها فعلاً أن تحدّد هذا الخبر؟
لعلّ الطريقة الوحيدة لوقف انتشار المعلومات الخاطئة هي تعليم الناس التشكيك فيما يقرؤونه أو يرونه على الإنترنت. ولكنّ هذا الحلّ قد يكون الأصعب من بين جميع الحلول المتوفرة. وختم آفين قائلاً: «يمكننا أن نوظّف تقنية تصلح أنظمة حواسيبنا، ولكن لا يمكننا أن نستعين بتقنية تصلح عقول البشر».


مقالات ذات صلة

رئيس «مايكروسوفت»: السعودية تنتقل من تصدير النفط إلى تصدير الذكاء الاصطناعي

خاص تعدّ المهارات البشرية الشابة العنصر الأكثر حسماً في تحويل الاستثمارات التقنية إلى قدرة وطنية مستدامة (شاترستوك)

رئيس «مايكروسوفت»: السعودية تنتقل من تصدير النفط إلى تصدير الذكاء الاصطناعي

يشهد المشهد التقني السعودي تحولاً تاريخياً مع استثمارات ضخمة في الذكاء الاصطناعي والسحابة والمهارات، ما يضع المملكة على مسار ريادة عالمية متقدم.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا نصف الموظفين في السعودية فقط تلقّوا تدريباً سيبرانياً ما يخلق فجوة خطرة في الوعي الأمني داخل المؤسسات (غيتي)

دراسة: نصف الموظفين في السعودية تلقّوا تدريباً سيبرانياً

ذكرت دراسة «كاسبرسكي» أن نصف موظفي السعودية تلقوا تدريباً سيبرانياً ما يجعل الأخطاء البشرية مدخلاً رئيسياً للهجمات الرقمية.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا شكل تسارع التحول الرقمي واتساع تأثير الذكاء الاصطناعي ملامح المشهد العربي في عام 2025 (شاترستوك)

بين «غوغل» و«يوتيوب»... كيف بدا المشهد الرقمي العربي في 2025؟

شهد عام 2025 تحوّلًا رقميًا واسعًا في العالم العربي، مع هيمنة الذكاء الاصطناعي على بحث غوغل وصعود صنّاع المحتوى على يوتيوب، وتقدّم السعودية في الخدمات الرقمية.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا أطلقت «يوتيوب» أول ملخص سنوي يمنح المستخدمين مراجعة شخصية لعادات المشاهدة خلال عام 2025

«ملخص يوتيوب»: خدمة تعيد سرد عامك الرقمي في 2025

يقدم الملخص ما يصل إلى 12 بطاقة تفاعلية تُبرز القنوات المفضلة لدى المستخدم، وأكثر الموضوعات التي تابعها، وكيفية تغيّر اهتماماته على مدار العام.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا الأوتار الاصطناعية قد تصبح وحدات قابلة للتبديل لتسهيل تصميم روبوتات هجينة ذات استخدامات طبية واستكشافية (شاترستوك)

أوتار اصطناعية تضاعف قوة الروبوتات بثلاثين مرة

الأوتار الاصطناعية تربط العضلات المزروعة بالهياكل الروبوتية، مما يرفع الكفاءة ويفتح الباب لروبوتات بيولوجية أقوى وأكثر مرونة.

نسيم رمضان (لندن)

تقرير: المؤسسات السعودية تجني مكاسب مبكرة من الذكاء الاصطناعي رغم تحديات التأسيس

يتوقع 91 في المائة من قادة الأعمال أن الذكاء الاصطناعي سيعيد تشكيل الوظائف خلال عام عبر انتقال الموظفين إلى أدوار تحليلية واستراتيجية (شاترستوك)
يتوقع 91 في المائة من قادة الأعمال أن الذكاء الاصطناعي سيعيد تشكيل الوظائف خلال عام عبر انتقال الموظفين إلى أدوار تحليلية واستراتيجية (شاترستوك)
TT

تقرير: المؤسسات السعودية تجني مكاسب مبكرة من الذكاء الاصطناعي رغم تحديات التأسيس

يتوقع 91 في المائة من قادة الأعمال أن الذكاء الاصطناعي سيعيد تشكيل الوظائف خلال عام عبر انتقال الموظفين إلى أدوار تحليلية واستراتيجية (شاترستوك)
يتوقع 91 في المائة من قادة الأعمال أن الذكاء الاصطناعي سيعيد تشكيل الوظائف خلال عام عبر انتقال الموظفين إلى أدوار تحليلية واستراتيجية (شاترستوك)

تشهد المملكة العربية السعودية مرحلة فارقة في رحلتها نحو بناء اقتصاد رقمي متقدم؛ إذ بات الذكاء الاصطناعي يشكّل ركيزة استراتيجية ضمن مسار التحول الوطني.

ويكشف تقرير شركة «كيندريل» حول «جاهزية الذكاء الاصطناعي 2025» عن أن المؤسسات في المملكة أصبحت في موقع متقدم إقليمياً من حيث الوعي والأهداف.

ويشير التقرير إلى أن المملكة تواجه تحديات، لكنها تحديات تأسيسية تتطلب تسريع خطوات البنية التحتية وبناء المهارات، فيما تستمر الرؤية السعودية في دفع مسار التطور التقني.

نضال عزبة المدير التنفيذي لدى «كيندريل» في السعودية متحدثاً لـ«الشرق الأوسط» (كيندريل)

عوائد تسارع النضج

يسجل التقرير أن المؤسسات السعودية بدأت تجني فوائد واضحة قبل الكثير من نظيراتها عالمياً. وتشمل أبرز المكاسب تحسين الكفاءة التشغيلية، وتسريع اتخاذ القرار، وتعزيز تجربة العملاء. ويؤكد المدير التنفيذي لـ«كيندريل» في السعودية، نضال عزبة، خلال لقاء خاص مع «الشرق الأوسط» أن هذه النتائج ليست صدفة.

ويضيف: «بدأت المؤسسات السعودية تحقق عوائد ملموسة من استثماراتها في الذكاء الاصطناعي، لا سيما في مجالات الكفاءة التشغيلية وتسريع عملية اتخاذ القرارات وتحسين تجربة العملاء». ويربط هذه المكاسب بعوامل ثلاثة؛ وهي: التزام القيادة السعودية، وزيادة التجارب التطبيقية، ومواءمة المشاريع التقنية مع مستهدفات «رؤية 2030».

ومع ذلك، يحذر عزبة من المبالغة في التفاؤل، موضحاً أن «العالم كله لا يزال في مرحلته المبكرة، وأن القيمة المستدامة تتطلب أسساً رقمية أقوى، وبنية تحتية مرنة وقوى عاملة مهيّأة لتوسيع نطاق تطبيق الذكاء الاصطناعي».

وتدعم الأرقام هذا التوجه؛ إذ يشير التقرير إلى أن أكثر من 90 في المائة من المؤسسات الإقليمية تتوقع تأثيراً كبيراً للذكاء الاصطناعي على نماذج أعمالها خلال عام واحد، فيما ترى غالبية الشركات السعودية أن الاستثمارات الحالية تمهّد لمرحلة توسع أكبر تبدأ خلال 2026 وما بعدها.

يعتمد النجاح المستقبلي على تحقيق التوازن بين الأتمتة وتنمية المهارات البشرية عبر إعادة التأهيل المستمر وتصميم وظائف تتكامل مع الأنظمة الذكية (شاترستوك)

تحديات المرحلة المقبلة

تُعد العقبة الأكثر وضوحاً التي تواجهها المؤسسات السعودية -كما يوضح التقرير- هي صعوبة الانتقال من مرحلة إثبات المفهوم إلى الإنتاج.

ويوضح عزبة أن «أكثر من نصف المديرين التنفيذيين في المؤسسات السعودية أفادوا بأن الابتكار يواجه غالباً صعوبات بعد مرحلة إثبات المفهوم، بسبب تحديات تقنية عند الانتقال إلى مرحلة الإنتاج».

وتُعد الأنظمة القديمة والبيئات التقنية المجزأة من أبرز مصادر التعطيل، بالإضافة إلى غياب التكامل الجيد بين السحابة والأنظمة المحلية، ونقص الجاهزية في إدارة البيانات.

كما يبرز عامل آخر وهو الضغط لتحقيق عائد سريع على الاستثمار، رغم أن طبيعة مشاريع الذكاء الاصطناعي تتطلب بناء أسس طويلة المدى قبل حصد النتائج.

ويشير عزبة إلى أن تجاوز هذه المرحلة يعتمد على «تحديث البنية التحتية الأساسية، وتعزيز بيئات السحابة والبيانات، والاستثمار في مهارات القوى العاملة»، مؤكداً أن هذه الخطوات ليست ترفاً، بل هي شرط لتمكين التوسع المؤسسي.

أرقام تعكس حجم الفجوة

جاء في التقرير أن 53 في المائة من المديرين التنفيذيين في السعودية يواجهون تحديات تقنية رئيسية، تشمل أنظمة قديمة يصعب تحديثها، وبيئات تشغيل معقدة تُبطئ عمليات التكامل.

كما أشار 94 في المائة من المؤسسات إلى عدم قدرتها على مواكبة التطور التقني المتسارع، وهو رقم يعكس عبئاً تشغيلياً واستراتيجياً كبيراً.

ويقول عزبة إن هذه التحديات ليست دائماً مرئية للقيادات؛ إذ «يعتقد العديد من القادة أن بيئات عملهم قوية استناداً إلى الأداء الحالي، إلا أن عدداً أقل منهم يقيّم الجاهزية المستقبلية في ظل تطورات الذكاء الاصطناعي أو تهديدات الأمن السيبراني».

وتبرز أهمية التقييمات التقنية المستقلة وخرائط الطريق التي تحدد الثغرات وتعيد توجيه الاستثمارات نحو الأسس المهملة مثل البيانات والمرونة والأمن السيبراني.

تعاني السوق من نقص ملحوظ في المهارات التقنية والمعرفية وأن 35 في المائة من القادة يرون فجوات في القدرات الأساسية المطلوبة لتوسيع الذكاء الاصطناعي (غيتي)

معادلة الجاهزية الحقيقية

يرى التقرير أن الفجوة بين الثقة الذاتية والجاهزية الفعلية تمثّل أحد أخطر التحديات. فالقادة يعدون مؤسساتهم مستعدة، لكن الأرقام تُظهر هشاشة في البنية التحتية أو ضعفاً في التكامل أو نقصاً في القدرات التنبؤية.

وتُعد المرونة والامتثال للمعايير السيادية والاستعداد للأمن السيبراني عناصر أساسية في تقييم الجاهزية المستقبلية، خصوصاً في سوق تتجه فيها السعودية بسرعة نحو بناء بنى وطنية للذكاء الاصطناعي.

ويشير عزبة إلى أن «البيئات الجاهزة للمستقبل تتميز بالقدرة على دعم ابتكارات الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع، وليس فقط نشر حلول معزولة».

انتقال وليس استبدالاً

تتوقع 91 في المائة من المؤسسات السعودية أن تشهد سوق العمل تحولاً كبيراً خلال 12 شهراً. وتعكس هذه النسبة إدراكاً متزايداً بأن الذكاء الاصطناعي لن يستبدل الوظائف بشكل مباشر، بل سيعيد صياغتها.

ويشير عزبة إلى أن الموظفين «سينتقلون إلى أدوار أكثر تحليلية واستراتيجية وإشرافية، فيما تُؤتمت المهام المتكررة»، مؤكداً أن الذكاء الاصطناعي «سيعمل بوصفه شريكاً تعاونياً، مما يجعل جاهزية الأفراد أمراً أساسياً لتحقيق أقصى قيمة».

وتواجه المؤسسات تحدياً إضافياً يتمثّل في ضرورة إعادة تصميم الوظائف وسير العمل وإعادة تأهيل القوى العاملة على نطاق واسع. وتبرز الحاجة إلى برامج تعليمية متواصلة ترفع من القدرة الرقمية، وتعمّق فهم الموظفين لكيفية التعاون مع الأنظمة الذكية.

تشير الأرقام إلى فجوات كبيرة في الجاهزية التقنية حيث أكد 53 في المائة وجود تحديات أساسية و94 في المائة عدم القدرة على مواكبة التطور السريع (غيتي)

فجوات المهارات

يشير التقرير إلى أن 35 في المائة من القادة السعوديين يرون فجوة واضحة في المهارات التقنية الأساسية المطلوبة لتوسيع الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك هندسة البيانات والأمن السيبراني وإدارة النماذج. كما عبّر 35 في المائة عن قلقهم من نقص المهارات المعرفية، مثل التفكير النقدي وحل المشكلات.

ويرى عزبة أن تجاهل هذه الفجوات يجعل أي توسع في الذكاء الاصطناعي محفوفاً بالمخاطر. فالتكنولوجيا تتقدم بوتيرة أسرع من قدرة المؤسسات على إعداد الموظفين، مما يتطلب استثماراً مسبقاً في التدريب والتعليم المستمر.

الأتمتة وبناء القدرات البشرية

يُعد دمج الأتمتة مع المهارات البشرية عنصراً حاسماً لتحقيق أقصى قيمة من الذكاء الاصطناعي. ويشير التقرير إلى أن 31 في المائة من القادة السعوديين يشعرون بالقلق إزاء كيفية إعادة تأهيل الموظفين المتأثرين بالتغيرات التقنية.

ويسلط عزبة الضوء على ضرورة «دمج التعلم المستمر، وإطلاق برامج لمحو أمية الذكاء الاصطناعي، وتوفير وظائف جديدة في الأدوار التقنية والأدوار عن بُعد».

ويؤكد أن الأتمتة يجب أن تُرى بوصفها دعماً لقدرات الإنسان وليست بديلاً عنها، فالمؤسسات التي تحقق هذا التوازن ستتمكن من رفع الإنتاجية وتعزيز الابتكار دون تعطيل القوى العاملة.

الجاهزية لقيادة المرحلة المقبلة

تكشف نتائج التقرير عن أن السعودية تتحرك بسرعة نحو جاهزية متقدمة، لكنها في الوقت نفسه تدرك حجم العمل المطلوب لتسريع تبني الذكاء الاصطناعي بطريقة آمنة ومستدامة.

وتمنح مبادرات البنية التحتية الوطنية، وتطوير المهارات، وتحديث الأنظمة دفعة قوية للقطاع الخاص، كي يواكب التحول ويستفيد من الزخم التنظيمي.

ويختتم عزبة رؤيته بتأكيد أن «الفرصة واضحة للمؤسسات التي تبادر اليوم، فمع الزخم الوطني للتحول الرقمي يمكن للشركات تحويل التحديات الحالية إلى فرص تنافسية تُسهم في تشكيل معايير القطاع وموقع المملكة في اقتصاد الذكاء الاصطناعي العالمي».


ماسك ينفي تقارير عن تقييم «سبيس إكس» بمبلغ 800 مليار دولار

ملياردير التكنولوجيا ومالك منصة «إكس» إيلون ماسك (د.ب.أ)
ملياردير التكنولوجيا ومالك منصة «إكس» إيلون ماسك (د.ب.أ)
TT

ماسك ينفي تقارير عن تقييم «سبيس إكس» بمبلغ 800 مليار دولار

ملياردير التكنولوجيا ومالك منصة «إكس» إيلون ماسك (د.ب.أ)
ملياردير التكنولوجيا ومالك منصة «إكس» إيلون ماسك (د.ب.أ)

نفى الملياردير ورائد الأعمال الأميركي إيلون ماسك، السبت، صحة تقارير إعلامية أفادت بأن شركة «سبيس إكس» للفضاء ستبدأ بيع أسهم ثانوية من شأنها أن تقدر قيمة الشركة بنحو 800 مليار دولار، واصفاً إياها بأنها غير دقيقة.

وأضاف ماسك على منصة «إكس»: «لقد كانت تدفقات (سبيس إكس) النقدية إيجابية لسنوات عديدة وتقوم بعمليات إعادة شراء أسهم دورية مرتين في السنة لتوفير السيولة للموظفين والمستثمرين».


بـ40 ألف زائر و25 صفقة استثمارية... «بلاك هات» يُسدل ستار نسخته الرابعة

شهد المعرض مشاركة أكثر من 500 جهة (بلاك هات)
شهد المعرض مشاركة أكثر من 500 جهة (بلاك هات)
TT

بـ40 ألف زائر و25 صفقة استثمارية... «بلاك هات» يُسدل ستار نسخته الرابعة

شهد المعرض مشاركة أكثر من 500 جهة (بلاك هات)
شهد المعرض مشاركة أكثر من 500 جهة (بلاك هات)

اختُتمت في ملهم شمال الرياض، الخميس، فعاليات «بلاك هات الشرق الأوسط وأفريقيا 2025»، الذي نظمه الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز، وشركة «تحالف»، عقب 3 أيام شهدت حضوراً واسعاً، عزّز مكانة السعودية مركزاً عالمياً لصناعة الأمن السيبراني.

وسجّلت نسخة هذا العام مشاركة مكثفة جعلت «بلاك هات 2025» من أبرز الفعاليات السيبرانية عالمياً؛ حيث استقطب نحو 40 ألف زائر من 160 دولة، داخل مساحة بلغت 60 ألف متر مربع، بمشاركة أكثر من 500 جهة عارضة، إلى جانب 300 متحدث دولي، وأكثر من 200 ساعة محتوى تقني، ونحو 270 ورشة عمل، فضلاً عن مشاركة 500 متسابق في منافسات «التقط العلم».

كما سجّل المؤتمر حضوراً لافتاً للمستثمرين هذا العام؛ حيث بلغت قيمة الأصول المُدارة للمستثمرين المشاركين نحو 13.9 مليار ريال، الأمر الذي يعكس جاذبية المملكة بوصفها بيئة محفّزة للاستثمار في تقنيات الأمن السيبراني، ويؤكد تنامي الثقة الدولية بالسوق الرقمية السعودية.

وأظهرت النسخ السابقة للمؤتمر في الرياض تنامي المشاركة الدولية؛ حيث بلغ إجمالي المشاركين 4100 متسابق، و1300 شركة عالمية، و1300 متخصص في الأمن السيبراني، في مؤشر يعكس اتساع التعاون الدولي في هذا القطاع داخل المملكة.

إلى جانب ذلك، تم الإعلان عن أكثر من 25 صفقة استثمارية، بمشاركة 200 مستثمر و500 استوديو ومطور، بما يُسهم في دعم بيئة الاقتصاد الرقمي، وتعزيز منظومة الشركات التقنية الناشئة.

وقال خالد السليم، نائب الرئيس التنفيذي لقطاع الأعمال في الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز لـ«الشرق الأوسط»: «إن (بلاك هات) يُحقق تطوّراً في كل نسخة عن النسخ السابقة، من ناحية عدد الحضور وعدد الشركات».

أظهرت النسخ السابقة للمؤتمر في الرياض تنامي المشاركة الدولية (بلاك هات)

وأضاف السليم: «اليوم لدينا أكثر من 350 شركة محلية وعالمية من 162 دولة حول العالم، وعدد الشركات العالمية هذا العام زاد بنحو 27 في المائة على العام الماضي».

وسجّل «بلاك هات الشرق الأوسط وأفريقيا» بنهاية نسخته الرابعة، دوره بوصفه منصة دولية تجمع الخبراء والمهتمين بالأمن السيبراني، وتتيح تبادل المعرفة وتطوير الأدوات الحديثة، في إطار ينسجم مع مسار السعودية نحو تعزيز كفاءة القطاع التقني، وتحقيق مستهدفات «رؤية 2030».