في خضم الطلب المتزايد على الأطباء، قد يكون من السهل تصور أن تقليل اعتماد العالم بأسره على الوقود الأحفوري هو من قبيل المطالبة بما هو أكثر من اللازم.
بيد أن الوقاية من الأمراض وتفادي الوفاة المبكرة هي من المهام الأولى والرئيسية للأطباء في كل مكان. ومن المنتظر حدوث زيادة معتبرة في الأمراض والوفيات في المستقبل المنظور مع استمرار اعتماد العالم على منتجات الوقود الأحفوري الذي يؤدي إلى زيادة تلوث الهواء، والأمراض المعدية، وسوء التغذية، وحرائق الغابات، والارتفاع الكبير في درجات الحرارة، والكوارث المناخية القوية والقاسية على نحو متزايد.
لذلك، فإن مكافحة التغيرات المناخية هي، وبكل وضوح، جزء لا ينفصم عن التوصيف الوظيفي للأطباء، كما ورد في مقالين منشورين في عدد الأسبوع الماضي من دورية «نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسن». فإن كان هناك إخفاق في التصرف على النحو المنشود، فإن ما يُقدر بنحو ربع مليون نسمة حول العالم سوف يفقدون حياتهم على أساس سنوي بين عامي 2030 و2050. وذلك وفقا للتقديرات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية.
وكتبت الدكتورة كارين جي. سولومون من مستشفى بريغهام للنساء في بوسطن، وكذلك الدكتورة ريجينا سي. لاروك من مستشفى ماساشوستس العام، وكلاهما من الأطباء الخبراء في مجال الصحة العامة «إن العمل السريع على تقليص انبعاثات الغازات الدفيئة هو من الأمور الضرورية واللازمة في مهامنا العلاجية».
وينبغي على الأطباء استغلال ثقتهم وصلاحياتهم في تثقيف الزملاء، والمرضى، والطلاب بشأن العواقب الصحية للتغيرات المناخية والحاجة الماسة إلى الانخفاض السريع في الاعتماد على الوقود الأحفوري. وقالت الطبيبتان سولومون ولاروك: «يمكننا المساعدة في تحفيز المواطنين على العمل من خلال توضيح الروابط بين التدهور البيئي والمشكلات القائمة».
وعلى صعيد متصل، نشرت الدورية الطبية واسعة الانتشار مراجعة للنتائج البحثية الحالية بغية مساعدة الأطباء على إحراز السرعة المطلوبة في مساعيهم. وفي استعراض شامل للأمر، عمد اختصاصي علم الأوبئة أندرو هاينز مع اختصاصية الصحة العالمية كريستي إيبي إلى مراجعة قرابة 20 عاما من الأبحاث حول الآثار المترتبة على ظاهرة الاحتباس الحراري وعلاقتها بالأمراض ذات الصلة بدرجات الحرارة، والأمراض ذات الصلة بسوء جودة الهواء المستنشق، والمرتبطة بإنتاج الغذاء، والأمراض المنتشرة بواسطة الحشرات مثل البعوض والقراد.
ولا يأخذ أي من ذلك في الاعتبار حقيقة مفادها أن استخدام قطاع الرعاية الصحية في الولايات المتحدة هو نفسه المحرك الرئيسي للاحتباس الحراري. وتلقي بعض التقديرات اللوم في ذلك على المستشفيات، وعيادات الأطباء، والمختبرات الطبية الحيوية، وصناعة الأدوية والمستحضرات الطبية لما يقرب من عُشر (واحد على عشرة) من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في البلاد. فإن اعتبرنا قطاع الرعاية الصحية في الولايات المتحدة دولة قائمة بذاتها، فسوف تحتل المرتبة السابعة على العالم وفقا لتلك الحسابات المطروحة.
وفيما يلي مجموعة من العلل ذات الصلة بالصحة العامة التي تنشأ ثم تتدفق من واقع الاعتماد المطلق على الوقود الأحفوري في جميع أرجاء العالم.
- التغذية: مع ارتفاع درجات الحرارة وتغير الظروف الزراعية، سوف تعاني كثير من محاصيل الخضراوات والبقوليات. وبالإضافة إلى ذلك، سوف يؤثر التأثير المركز لثاني أكسيد الكربون سلبيا على الجودة الغذائية لمحاصيل الحبوب الرئيسية مثل القمح والأرز، مما يؤدي إلى انخفاض مستويات البروتين، وفيتامين ب. وتشير التقديرات المنشورة عام 2016 في مجلة «لانسيت» إلى أنه بحلول عام 2050، فإن التغيرات المناخية غير الخاضعة للرقابة سوف تسفر عن تقليل المحتوى المتوفر من الغذاء إلى الشخص العادي بنسبة 3.2 في المائة، وسوف يؤدي ذلك إلى الوفاة المبكرة لنحو 529 ألف نسمة على مستوى العالم مقارنة بالعالم الذي لا يعاني من مشكلات الاحتباس الحراري.
- الأمراض المعدية والميكروبية: من شأن الميكروبات والحشرات الناشرة للأمراض أن تزداد مع تزايد سخونة ورطوبة وفقر بعض الأماكن في العالم. وسوف يساهم ارتفاع مستوى سطح البحر والفيضانات الساحلية في إغراق الناس والمحاصيل الزراعية، كما سوف تسرع كذلك من انتشار وباء الكوليرا، والملاريا، والإسهال، وحمى الضنك، والتهاب الدماغ، وفيروس زيكا. وسوف تعاني شركات المياه الحكومية من زيادة كبيرة في الطحالب القاتلة (كما شوهد في فلوريدا العام الماضي) ويزداد التلوث في كثير من الأحيان بواسطة داء البويغات، والكوليرا، مما يؤدي إلى إصابة كثير من الناس بالأمراض.
- الأمراض المزمنة: سوف يتسبب الهواء الملوث غير المنضبط، وارتفاع درجات الحرارة في تفاقم مرض الربو، والحساسية، وأمراض القلب والأوعية الدموية. وعلى الصعيد العالمي، تعتبر الملوثات الهوائية مسؤولة عن نحو 6.5 إلى 10 ملايين حالة وفاة مبكرة سنويا. وفي الولايات المتحدة وحدها، تشير التقديرات إلى أن ما يقارب 58 في المائة من الوفيات المرتفعة ترجع إلى استخدام الوقود الأحفوري، وتنشأ بوجه خاص من حركة المرور، وإنتاج الطاقة، والصناعة.
- التعرض للحرارة: إن التعرض المفرط للحرارة المرتفعة للغاية سوف تكون آثاره مهلكة في جميع أرجاء أميركا الجنوبية، وأفريقيا، وشرق آسيا. وأظهرت إحدى الدراسات النموذجية التي استخدمت البيانات من 451 موقعا في 23 بلدا أن الوفيات الناشئة عن ضربة الشمس باتت شائعة الوقوع بالفعل، وبحلول نهاية القرن الحالي يمكن لتلك التقديرات الارتفاع بنسبة تتراوح بين 3 إلى 12 في المائة داخل المناطق الأكثر حرارة. وأسفر ارتفاع درجات الحرارة عن فقدان 153 مليار ساعة عمل في عام 2007، بواقع 80 في المائة منها في القطاع الزراعي.
ولا تأخذ هذه القائمة في اعتبارها الإصابات والوفيات الناجمة عن الأعاصير، والانهيارات الطينية، وحرائق الغابات، والظواهر المناخية الشديدة، وكلها من المتوقع زيادتها مع استمرار تراكم غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي لكوكب الأرض.
وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أنه ما لم تستعد الحكومات والمجتمعات لاستيعاب آثار الصدمات المناخية، فمن شأن الاحتباس الحراري أن يدفع أكثر من 100 مليون شخص تحت خط الفقر المدقع بحلول عام 2030. وينطوي هذا القدر من الحرمان على آثار شديدة الخطورة على صحة الناس.
صدرت مقالات دورية «نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسن» في اليوم نفسه الذي تعهد فيه مرشح إدارة ترمب لتولي رئاسة وكالة حماية البيئة بمواصلة تخفيف القوانين الصادرة في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما التي تهدف إلى التعامل مع ومعالجة التغيرات المناخية.
وبسؤاله حول ما إذا كان يعتقد أن تحذيرات العلماء بشأن عواقب التغيرات المناخية من صنع البشر، أجاب أندرو ويلر أمام لجنة مجلس الشيوخ المعنية بالأمر أنه يعتبر قضية التغيرات المناخية من القضايا ذات الأهمية الكبيرة التي لم يتم التعامل معها على المستوى العالمي بعد. ولكنه استطرد قائلا: «لا يمكنني وصفها بالأزمة الكبرى حتى الآن».
قالت الطبيبتان سولومون ولاروك في مقالتهما إن الدراسات الموسعة، والأرقام المذهلة، والحجم الهائل للاعتماد العالمي الحالي على الوقود الأحفوري والمواد التي تسبب انبعاث الغازات المسؤولة عن الاحتباس الحراري، هي من الأمور المخيفة بدرجة كبيرة. ولكنهما تغلبتا على حالة اليأس والإحباط الظاهرة بغية العمل من كثب مع طلاب الطب في العمل المناخي، وتشجيع المنظمات المختلفة (ومن بينها الجمعية الطبية الأميركية) لوقف الاستثمارات في شركات الوقود الأحفوري، وتوعية وتثقيف المشرعين بشأن التغيرات المناخية، ولماذا تعتبر من أهم قضايا الصحة العامة في البلاد.
وقالت الطبيبتان في النهاية، إن «أفعالنا مهمة للغاية. وعندما يسألنا الجيل القادم ماذا فعلنا بشأن التغيرات المناخية وآثارها؟ فلا بد أن تكون لدينا إجابات جيدة».
- «لوس أنجليس تايمز: خدمات تريبيون ميديا»
دراسة أميركية: التغيرات المناخية تهدد ربع مليون نسمة حول العالم
دراسة أميركية: التغيرات المناخية تهدد ربع مليون نسمة حول العالم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة