إلى أين تتجه بنغلاديش بعد الفوز الرابع للشيخة حسينة؟

وسط تنامي دورها الاستراتيجي والاقتصادي في جنوب آسيا

إلى أين تتجه بنغلاديش بعد الفوز الرابع للشيخة حسينة؟
TT

إلى أين تتجه بنغلاديش بعد الفوز الرابع للشيخة حسينة؟

إلى أين تتجه بنغلاديش بعد الفوز الرابع للشيخة حسينة؟

أدت الشيخة حسينة واجد القسم للمرة الرابعة رئيسة لوزراء بنغلاديش، ثالث أكبر دول العالم من حيث تعداد السكان المسلمين، وذلك خلال الانتخابات التي أجريت مؤخراً. غير أن نتائج الانتخابات العامة تظهر سيطرة من جانب واحد على البلاد، ذلك أنه لم يمثل أي من قادة المعارضة البارزين في البلاد تهديدا حقيقيا لزعيمة حزب «رابطة عوامي» وابنة مؤسس البلاد الراحل الشيخ مجيب الرحمن، بل أعيد انتخاب كتلتها الحزبية التي فازت بـ287 مقعدا من إجمالي عدد مقاعد البرلمان البالغ عددها 298.
في هذه الأثناء، ما زالت البيغوم خالدة ضياء، منافسة الشيخة حسينة الدائمة ورئيسة الوزراء السابقة وزعيمة «حزب بنغلاديش الوطني» المعارض، مسجونة بتهم فساد، ويزعم مؤيدوها أن تلك الاتهامات ذات دوافع سياسية.
الجدير بالذكر أن «حزب بنغلاديش الوطني» المحافظ لديه سجلّ من الإخفاقات في بناء الدولة، وكذلك فشل في وضع خطة بشأن ما عليه تقديمه في حال فوزه بالانتخابات. ذلك ومؤسسة السلطة بأكملها، من القوات المسلحة إلى الإدارة المدنية، بدت وكأنها تدعم «رابطة عوامي» (يسار الوسط) التي ترأسها الشيخة حسينة. وعليه، يمكن القول إن المعارضة ستغيب فعليا عن البرلمان الحالي في بنغلاديش، في حين زعمت بعض وسائل الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان أن الانتخابات شابها تزوير فضلا عن ممارسات ترهيب.

لافت جداً كيف تمكنت الشيخة حسينة واجد من تحقيق صعودها السياسي وتثبيتها إياه بكثير من «المهارة السياسية»، وهذا، على الرغم من أنها تتمتع بإرث كبير من البريق والمكانة ورثته عن والدها الشيخ مجيب الرحمن، الأب المؤسس لبنغلاديش وأول رئيس للبلاد.
بعد اغتيال الشيخ مجيب، عام 1975 اتخذ المشهد السياسي في بنغلاديش منحى غريباً، وتحوّلت البلاد إلى ساحة معركة. ومن المفارقة، أن حسينة وغريمتها البيغوم خالدة ضياء - ويشير لقب «البيغوم» إلى المرأة التي تنتمي إلى طبقة أرستقراطية - قد ناضلتا معا من أجل خلع الجنرال حسين إرشاد، الحاكم العسكري المستبد، لإرساء الديمقراطية في البلاد. ومع ذلك، فإن السيدتين الغريمتين استخدمت كل منهما ما تملك لمحاربة الأخرى من أجل تحقيق النجاح السياسي. ولقد تناوبت ابنة مجيب الرحمن وأرملة خلفه الجنرال ضياء الرحمن (زوج خالدة) على حكم البلاد، لكن الشيخة حسينة في السلطة بشكل متواصل منذ 2009. ومع بداية فترتها الرئاسية الثالثة من المقدّر لها أن تصبح من أطول من حكموا البلاد عهداً، بل، إذا جُمعت فترتها الرئاسية منذ 1996 حتى 2001 ستصبح الشيخة حسينة واحدة من القادة السياسيين الذين بقوا في سدة الحكم لأطول فترة في جنوب آسيا وخارجها. المحرر الصحافي الهندي السابق سي راجاموهان، قال: «في الوقت الذي واتى الحظ كثيرين من القادة الآخرين في المنطقة للبقاء في السلطة لمدة طويلة، لم يتسن سوى لقليلين تحقيق تقدم في بلادهم مثلما كان الحال مع حسينة. كذلك لم تسنح الفرصة سوى لعدد أقل للمساهمة في إعادة إعمار منطقتهم. وشهد الوضع الاقتصادي للبلاد خلال العقد الماضي تطورا ملحوظا، وكان ما حققته حسينة من استقرار واستمرار ضروريا من أجل إحداث ذلك التحوّل».

نمو اقتصادي لافت

وحقاً، رغم اتهام خصوم حسينة الزعيمة البنغلاديشية بإدارة حكومة «سلطوية مستبدة»، فإنها نجحت بتطبيق سياسات أسفرت عن نمو اقتصادي واستقرار سياسي لافتين. كذلك أولت حسينة، التي تُعرف بأسلوبها الصارم في التعامل مع التطرف الديني، تمكين المرأة اهتماما كبيرا، فأصبحت بنغلاديش في ظل قيادتها واحدة من البلدان ذات الاقتصادات الأسرع نموا على مستوى العالم، وتضاعف دخل الفرد في البلاد خلال العقد الماضي، ما أهّل البلاد للخروج من تصنيف «الدول الأقل تقدما». وراهناً، تطمح حسينة إلى تحفيز زيادة معدل النمو الاقتصادي السنوي من 7 في المائة إلى 10 في المائة تقريبا بحلول الذكرى الخمسين لتأسيس بنغلاديش في 2021. وحول هذا الأمر يعلق آصف نازرول، أستاذ القانون في جامعة دكا، وهو من معارضي حكومة حسينة وحزبها: «تقول إننا سنحقق لك التقدم، لكن عليك التضحية بحقوقك وصوتك. ولكننا إذا نظرنا إلى دستور كل من الهند وبنغلاديش وسريلانكا ونيبال، لن نجد أي نص دستوري يشير إلى تحقيق التقدم لكن شرط تناسي الحقوق السياسية والمدنية».ولكن، ورغم وجود مثل هذه الأصوات المنتقدة، تحظى الشيخة حسينة بدعم كبير، خاصة من الأقليات الدينية بنغلاديش، الدولة ذات الأغلبية المسلمة الضخمة، حيث يقولون إنها لطالما حافظت على حقوقهم.

تحديات أمام الرئيسة

لقد أوضح هذا الدعم الشعبي الكبير الذي حظيت به الشيخة حسينة ثقة شعبها في قدرتها على زيادة وتعزيز الازدهار والرخاء في البلاد. إلا أن قطع الوعود يظل أسهل من تنفيذها والوفاء بها، ولا سيما، عندما يتعلق الأمر بكثير من العوامل مثل بناء المؤسسات، وإجراء إصلاحات إدارية وسياسية. ووفق عاشق عبد الرحمن، المحلل السياسي والخبير الاقتصادي في «معهد الأبحاث السياسية» في العاصمة دكا: «سيكون الاختبار الرئيسي بالنسبة لحسينة هو إبلاغ الشباب أننا نسعى لتحقيق فرص اقتصادية أفضل ومجتمع أكثر عدالة. ينبغي أن تكون الأولوية لتوفير الوظائف وسيادة القانون».
وبالفعل، اصطدم آلاف العمال في قطاع صناعة الملابس في بنغلاديش، ومنهم الذين يصنعون ملابس لعلامات تجارية عالمية، مع قوات الشرطة، ودخل إضرابهم على خلفية تدني الأجور أسبوعه الثاني. وكانت مصانع النسيج والملابس في بنغلاديش، البالغ عددها 4.500 قد شحنت بضائع تزيد قيمتها على 30 مليار دولار أميركي خلال العام الماضي. وتعد هذه الاحتجاجات أول اختبار مهم بالنسبة لرئيسة الوزراء منذ فوزها بفترة رئاسية جديدة. وتشير حالتا اضطراب كبيرتان على الأقل خلال 2018، إحداهما بقيادة طلبة ضد الإجراءات التفضيلية في الهيئات الحكومية، والثانية احتجاج شعبي للمطالبة بتوفير السلامة على الطريق، إلى أن الحكومة لا يمكنها التقاعس رغم غياب المعارضة في مجتمع يتمتع بوعي سياسي واجتماعي، حيث تحتاج البلاد إلى إصلاحات سياسية.
وفي هذا الاتجاه، ذكر الإعلامي مانوج ميشرا، في عموده الصحافي «في الوقت الذي لدى حسينة كل الأسباب التي تدعوها إلى الفخر والاعتزاز بهذا النصر، عليها تذكّر أن هدف تحقيق التقدم في البلاد سيظل بلا قيمة إلا إذا جرى فصل الإدارة عن السياسة. كذلك عليها محاولة التخلص من الوصف الاستبدادي الذي ألصقه خصومها بها».
ومن ناحية أخرى، رغم أنه حتى هذه اللحظة ينظر إلى قضية لاجئي الروهينغا البالغ عددهم 1.1 مليون باعتبارها التحدي الأكبر أمام رئيسة الوزراء، فما زالت بنغلاديش تواجه خطر أكبر كثيرا من جهة الهند. إذ شطبت الحكومة الهندية في يوليو (تموز) 2018 أكثر من 4 ملايين شخص من مسودة قائمة المواطنين الموجودين في ولاية آسام الهندية الواقعة على الحدود مع بنغلاديش، وأكثرهم من المسلمين الذين يتكلمون اللغة البنغالية. وللعلم، يعتبر الحزب الهندي اليميني الحاكم الذين شطبهم «مهاجرين غير شرعيين من بنغلاديش»، ولمّح إلى ترحيلهم إلى «دولة الجوار». وبالتالي، من المتوقع بمجرد بدء السلطات الهندية عملية ترحيل هؤلاء إلى بنغلاديش في غضون 72 ساعة سواء عن طريق البر أو البحر، أن تشهد بنغلاديش تدفقاً هائلاً للاجئين، وهو ما سيمثل بالتأكيد تحديا خطيرا أمام رئيسة الوزراء وحكومتها.
وفي تقدير الخبير الاستراتيجي راجيش بوشان، فإنه «بمجرد اندلاع هذه الأزمة، ستبلغ المشاعر المعادية للهند داخل بنغلاديش الذروة، وهو ما لن يكون في صالح الحزب الحاكم في البلاد. وفي الوقت عينه قد تقوم الأكثرية المسلمة داخل بنغلاديش بأعمال عنف ضد الأقليات الدينية، وبخاصة الهندوس، ومن ثم اضطهادهم ومضايقتهم أو اندلاع أعمال شغب أو كلا الأمرين».
ويستطرد بوشان: «تواجه حسينة أيضا تحديا كبيرا آخر من جانب (حزب بنغلاديش الوطني) المقرّب من باكستان والجماعة الإسلامية، اللتين قد لا تلتزمان الصمت وتتقبلان تلك الخسارة المهينة المخزية. سيكون هناك سلسلة من المؤامرات ضد بنغلاديش وضد حسينة من جانب الاستخبارات الباكستانية وكذلك الجهات الأخرى المناهضة للهند. وقد نجت حسينة منذ بضعة أعوام من محاولة اغتيال نفذتها تلك الجهات. وقد تكثف باكستان والجماعة الإسلامية جهودها الدبلوماسية في الغرب... وتزيد ميزانيتها للاستعانة بجماعات ضغط، بل وحتى تشتري سياسيين».

تزايد هيمنة بنغلاديش

لقد حافظت بنغلاديش على حضورها القوي في المحافل الدولية مع تركيز الجزء الأكبر من دبلوماسيتها بنجاح على قضية الروهينغا خلال عام 2018، ما اضطر المجتمع الدولي إلى التعاون مع البلاد وزيادة الضغط على ميانمار. ومع أن خطة ترحيل الروهينغا، التي اتفقت عليها كل من بنغلاديش وميانمار - التي كان من المفترض أن تبدأ في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي - فشلت، تمكنت بنغلاديش، من خلال جهودها الدبلوماسية المباشرة وغير المباشرة، من إنهاء هذا الوضع من خلال جديتها في بدء عملية الترحيل.
وفي هذا الشأن، ينبغي القول إنه كان يجري النظر، في هذه الأثناء، إلى الوضع الجيوسياسي لجنوب آسيا لمدة طويلة من منظور العلاقات الهندية - الباكستانية، إلا أنه مع صعود بنغلاديش تبدّل ميزان القوى في جنوب آسيا من خلال تحفيز تعاون إقليمي يتضمن بنغلاديش وبوتان والهند ونيبال.
كذلك يزداد صخب ونشاط «منتدى خليج البنغال للتعاون التقني والاقتصادي المتعدد القطاعات» (بيمستيك)، الذي يسعى إلى تحقيق تعاون إقليمي بين تكتل من خمس دول جنوب آسيوية يضم بنغلاديش وبوتان والهند ونيبال وسريلانكا، من جانب، وكل من ميانمار وتايلاند من جانب آخر. وهنا، كما يلاحظ، اختفت باكستان من الصورة وحلت محلها بنغلاديش.

العلاقة مع الهند

الجدير بالذكر، هنا، أنه بعد استقلال بنغلاديش عن باكستان بمساعدة الهند عام 1971، أبرمت القيادة البنغالية في دكا «اتفاق صداقة» مع القيادة الهندية في نيودلهي، أتاح فرصا وإمكانيات لإقامة علاقات ثنائية قوية، مع أنه لم يكن اتفاقا متكافئا... ولذا أثار انتقادات معارضين داخل بنغلاديش. ومن ثم، مرت العلاقات بين دكا ونيودلهي بمشكلات وعقبات كثيرة، غير أنها بقيت مستقرة وراسخة إلى حد كبير. ولطالما اعتبر كثيرون بنغلاديش تحت قيادة حسينة وحزبها «رابطة عوامي» موالية للهند. بل إن ناريندرا مودي، رئيس الوزراء الهندي اليميني المتشدد، أول زعيم يتصل بالشيخة حسينة لتهنئتها بفوزها في الانتخابات، وبدورها أعربت الشيخة حسنة عن شكرها وامتنانها للزعيم الهندي. والواقع أن المحللين يرون أن وجود حكم سياسي قوي في دكا يعتبر في مصلحة الهند، وبالأخص، إذا كان على رأس هذا الحكم شخصية متعاونة مع نيودلهي.
وفي هذا النطاق، نشير إلى أن حكومة الشيخة حسينة كانت قد ألقت القبض على بعض قيادات المنظمات المسلحة وسلمتهم إلى الهند، كما شهدت الأعمال المسلحة في المناطق الحدودية تراجعا كبيرا أثناء فترة حكمها لبنغلاديش. ومن جانبها، تدرك نيودلهي أن دكا لا تمثل فقط «حلقة وصل» استراتيجية بين الكتلة الأكبر من أراضي الهند وولايات شمال شرقها، بل تشكل أيضاً المنفذ البحري السريع لهذه الولايات الداخلية. كذلك، فإن دور بنغلاديش حيوي أيضا للتعامل مع المشكلات الأمنية المزمنة في بعض تلك الولايات.

... ودور الصين

مع هذا، بينما يهم نيودلهي احتفاظ حسينة بالسلطة، فإنها واجهت تنامي النفوذ الصيني في بنغلاديش، التي تمثل حالياً جزءاً من مبادرة «حزام واحد طريق واحد» التي دشنتها بكين. ولم يمر عرض الصين بمنح قروض بقيمة 24 مليار دولار أميركي إلى بنغلاديش من أجل مساعدتها في إقامة مشروعات بنية تحتية، في إطار المبادرة المذكورة خلال زيارة الرئيس الصيني التاريخية للبلاد عام 2016، مرور الكرام بالنسبة لنيودلهي، لا سيما أن لدى الهنود شكوكاً إزاء طموحات بكين الاستراتيجية في منطقة جنوب آسيا والمحيط الهادي - المحيط الهندي. أيضاً، أصبحت بنغلاديش، حسب تقرير صادر عن «معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام» عام 2017، ثاني أكبر مستورد للأسلحة الصينية، بعد باكستان، في منطقة جنوب آسيا. وهنا يعلّق مانوج ميشرا قائلا: «الأهم من ذلك هو أنه مع بسط الصين نفوذها في منطقة جنوب آسيا والمحيط الهادي - الهندي، من شأن أي تحسن في العلاقات بين الهند وبنغلاديش أن يساعد في تهدئة مخاوف الهند بشأن الحصار الاستراتيجي الصيني». ثم يردف: «من التحديات الأخرى التي تواجهها الشيخة حسينة تحقيق توازن بين الدولتين الصديقتين الصين والهند.
وكانت الشيخة حسينة قد ذكرت خلال مقابلة مع صحافيين في دكا قبل انتخابات 30 ديسمبر (كانون الأول)، أن البلاد تتطلع إلى الحفاظ على موقعها في مساري (ببين) الذي يضم بنغلاديش - بوتان - الهند - نيبال، و(بسيم) الذي يضم بهوتان - الصين - الهند - ميانمار. هذا الأمر قد لا يروق لنيودلهي التي لا تهتم بمسار (بسيم)، الذي كان اجتماعه في مدينة كلكتا الهندية عام 2017 أقل إبهارا من المتوقع. وعلى العكس، أكدت الصين أهمية المسار مما يجعل من الصعب بالنسبة لبنغلاديش تحقيق التوازن الذي تأمله».
وثمة أمر آخر، هو أنه رغم تقديم نيودلهي مساعدة إنسانية عاجلة، فقد منعتها إيماءاتها ولفتاتها المتوازنة تجاه كل من ميانمار وبنغلاديش من دعم مطالبات حكومة دكا صراحة وبوضوح بإعادة نحو 700 ألف من لاجئي الروهينغا الفارين من ميانمار إلى بلادهم. بل، وبات هذا الأمر مصدر إزعاج مؤقت لدكا. وللعلم، تنطلق اعتبارات نيودلهي السياسية هنا من محاولاتها تطوير ميناء سيتوي في ولاية راخين (آراكان) بميانمار، وتنفيذ «مشروع نقل كالدان» بقيمة 484 مليون دولار بهدف توصيل ولاية راخين بولاية ميزورام في شمال شرقي الهند.

حملة تشكيك وتحذيرات غربية

> هنأت كل من الهند والصين الشيخة حسينة واجد بفوزها بفترة رئاسية ثالثة في بنغلاديش. وكذلك يبدو أن مراقبي «منظمة التعاون الإسلامي» يدعمون الانتخابات أيضا. مع ذلك شكّكت عدة جهات غربية بنتيجة الانتخابات، ما منح بعض الصدقية لمزاعم المعارضة بأنه لم تتوافر «مساحة عادلة من التنافس» لهم. إذ صرح روبرت بالادينو، نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية قائلا: «نراقب بقلق وجود تقارير ذات مصداقية عن مضايقات وترهيب وعنف خلال فترة ما قبل الانتخابات جعلت من الصعب على كثير من مرشحي المعارضة ومؤيديهم الاجتماع أو تنظيم مؤتمرات جماهيرية وتنظيم حملتهم الانتخابية بحرية». وذكّر بنغلاديش بأن التقدم الاقتصادي واحترام الديمقراطية وحقوق الإنسان من الأمور «المترابطة» فيما يتعلق بأي ضغط مستقبلي من واشنطن، الذي لا يمكن تخفيفه سوى بمنح الشركات الأميركية فرصا لإقامة الأعمال والسماح بوجود الأسطول الأميركي في جزيرة سانت مارتن.
على الجانب الآخر، جاءت ردود فعل بريطانيا والاتحاد الأوروبي أقوى، إذ اعتبر الاتحاد الأوروبي الانتخابات «معيبة» بناء على اتهامات مزعومة بممارسة الترهيب والتزوير والتدخل الإداري من خلال التلاعب بالنتيجة. وصاحب التصريح البريطاني قدر من التهديد، فتضمن الدعوة إلى «بذل جهود للتعامل مع الاتهامات بوجود تجاوزات ومخالفات وقت إجراء الانتخابات». كذلك زعمت هيئة الإذاعة البريطانية (البي بي سي) وجود تزوير للانتخابات بعرض صور لمسؤولين يحملون صناديق اقتراع غير ممتلئة بالأصوات بالكامل إلى لجان الاقتراع في مدينة تشيتاغونغ (جنوب شرقي البلاد) قبل بدء عملية التصويت.


مقالات ذات صلة

حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

حصاد الأسبوع من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)

حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

طوال فترة الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة، حرص الرئيس المنتخب دونالد ترمب على تأكيد قدرته على كسر كل الحواجز، وإعادة تشغيل العلاقات مع موسكو عبر تفاهمات

رائد جبر (موسكو)
حصاد الأسبوع صورة مركبة لبوتين وترمب (أ.ف.ب)

لقاءات بوتين وترمب... كثير من الوعود وقليل من التقارب

فور إعلان الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب استعداده لعقد لقاء سريع مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين فور توليه السلطة، برزت ردود فعل سريعة تذكر بلقاءات سابقة

حصاد الأسبوع تشابو يواجه تحديات عدة... من التمرد في منطقة كابو ديلغادو إلى السعي لتحقيق تنمية اقتصادية واستغلال موارد الغاز الطبيعي وإدارة تأثيرات التغير المناخي

دانيال تشابو... رئيس موزمبيق الجديد الطامح إلى استعادة الاستقرار

أدَّى دانيال تشابو، الأربعاء الماضي، اليمين الدستورية رئيساً لموزمبيق، مركِّزاً على اعتبار استعادة الاستقرار السياسي والاجتماعي «أولوية الأولويات».

فتحية الدخاخني (القاهرة)
حصاد الأسبوع لقطة للعاصمة الموزمبيقية مابوتو (رويترز)

موزمبيق و«فريليمو»... لمحة تاريخية وجيو ـــ سياسية

منذ ما يقرب من خمسين سنة يتربع حزب «فريليمو»، أو «جبهة تحرير موزمبيق»، على سدة الحكم في موزمبيق، مرسّخاً نظام الحزب الواحد، مع أن دستور البلاد المعدل عام 1992

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع الزعيم الكندي جاستن ترودو يعلن أن لا رغبة لبلاده في أن تصبح ولاية أميركية (أ.ب)

ألمانيا تعيش هاجس التعايش مع مطامح ترمب وماسك

لم يدخل الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب البيت الأبيض بعد... ومع ذلك تعيش أوروبا منذ أسابيع على وقع الخوف من الزلزال الآتي. وكلما اقترب موعد الـ20 يناير

راغدة بهنام (برلين)

حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
TT

حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)

طوال فترة الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة، حرص الرئيس المنتخب دونالد ترمب على تأكيد قدرته على كسر كل الحواجز، وإعادة تشغيل العلاقات مع موسكو عبر تفاهمات سريعة وفعالة لوقف القتال في أوكرانيا، ووضع خريطة طريق لمعالجة الملفات الخلافية المتراكمة مع الكرملين. وقبل أيام قليلة من تسلم صلاحياته رسمياً، برزت اندفاعة جديدة من الرئيس الجمهوري نحو روسيا، عندما أعلن استعداده لتنظيم لقاء عاجل مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين يرسم ملامح العلاقة المستقبلية ويضع خطط إنهاء الحرب وتخفيف التوتر على مسار التنفيذ. لكن اللافت أن هذه التصريحات لم تُقابَل بشكل حماسي في روسيا. بل فضَّل الكرملين التزام لهجة هادئة تؤكد الانفتاح على الحوار، مع التذكير في الوقت ذاته، بعنصرين ضروريين لنجاح أي محاولة لكسر الجليد بين البلدين، أولهما اتضاح الملامح الأولى لرؤية الرئيس الأميركي الجديد لتسوية الملفات الخلافية المتراكمة، والآخر التذكير بشروط الكرملين لإنهاء الحرب في أوكرانيا. وبالتوازي مع ذلك، بدت تعليقات الأوساط المقربة من الكرملين متشائمة للغاية، حيال فرص إحراز تقدم جدّي على أي مسار... لا في الحرب الأوكرانية ولا العلاقات مع «ناتو»، ولا ملفّات الأمن الاستراتيجي في أوروبا.

لا ينظر أحد في روسيا بجدية إلى إمكانية تحقيق قفزات سريعة تؤدّي إلى تحسّن العلاقات مع الولايات المتحدة، وتضع إطاراً واقعياً للحوار حول الملفات الخلافية. وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب صرّح مرّات عدة بأن موقف روسيا يمكن فهمه، وأن سبب الصراع كان إلى حد كبير السياسة المناهضة لروسيا التي تنتهجها «الدولة العميقة» الأميركية، فإن الأوساط الروسية تنظر بريبة إلى قدرة ترمب، العائد بقوة إلى البيت الأبيض، في تجاوز الكثير من «المطبّات» التي تعترض طريق إعادة تشغيل العلاقات بين موسكو وواشنطن.

رسائل روسية واضحة

في هذا الصدد، كان لافتاً أن موسكو تعمّدت توجيه رسائل واضحة إلى الإدارة الأميركية الجديدة، عبر إطلالتين إعلاميتين لشخصيتين تعدّان من أبرز المقربين لبوتين، هما وزير الخارجية سيرغي لافروف والمستشار الرئاسي وعضو مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف. وفي الحالتين كان التوقيت وشكل التعامل مع «اندفاعة ترمب» يحظيان بأهمية خاصة.

جوهر كلام المسؤولين ركّز على قناعة بأن العالم قد يكون أمام «فرصة حقيقية للسلام» في عهد ترمب، بيد أن الانفتاح الروسي على الحوار مرتبط باستناد هذا الحوار إلى أسس «مبادرات ملموسة وخطوات ذات معنى بشأن الاتصالات على أعلى مستوى»، والأهم من ذلك، أن تتوافر لدى ادارة ترمب «اقتراحات محددة» بشأن أوكرانيا، وفق تعبير لافروف.

والاقتراحات المحددة المطلوبة روسياً، ينبغي أن تنعكس - كما قال الوزير – بـ«جدية في الاستعداد لحل المشاكل المتراكمة عبر الحوار لا عبر الضغوط والتهديدات» التي لم ينجح سلف ترمب في معالجتها.

وفي إشارة ذات مغزى، قال لافروف إنه «من المفيد أن نرى ما هي الأساليب التي سيستخدمها ترمب لجعل أميركا أعظم». وهذه عبارة أكملها باتروشيف بقوله: «هل سيكون ترمب قادراً على ترجمة نواياه بالكامل؟ وكما أظهرت ولايته الأولى، فإن (الدولة العميقة) السيئة السمعة في الولايات المتحدة... قوية للغاية».

أوكرانيا «رأس الأولويات»

الموقف الذي أعرب عنه المسؤولان الروسيان ينطلق من «الاستعداد للمناقشة والاتفاق على أي شيء باستثناء شيء واحد - أوكرانيا. (...) لقد عبّرنا عن موقفنا مراراً وتكراراً، وهو موقف لا يمكن تغييره». وفي هذا الإطار، لوّح لافروف بأنه إذا توصّلت روسيا إلى استنتاج مفاده أن واشنطن ستواصل دعم «النظام النازي المعادي في كييف» فإنها (أي موسكو) ستضطر إلى اتخاذ قرارات صعبة. في حين قال باتروشيف إن أوكرانيا «قد تختفي عن الخريطة خلال هذا العام» إذا استمرت السياسات الغربية السابقة.

الرسالة الروسية الثانية لترمب كان فحواها أن أي تسوية أو ضمانات لأوكرانيا، يجب أن تكون مرتبطة باتفاقيات أوسع نطاقاً. وهنا قال لافروف إن «روسيا مستعدة لمناقشة الضمانات الأمنية لأوكرانيا، لكنها يجب أن تكون جزءاً من اتفاقيات أكبر». بينما أوضح باتروشيف أنه بالإضافة إلى التوصل إلى ترتيبات أمنية في القارة الأوروبية «يجب وقف التمييز ضد السكان الروس في عدد من البلدان، وبالطبع، في دول البلطيق ومولدوفا».

أما النقطة الثالثة التي تحدّد شروط الحوار، فتنطلق من ضرورة البدء بمنح روسيا ضمانات كاملة عبر ملفي: وقف مسار ضم أوكرانيا إلى حلف شمال الاطلسي (ناتو) وتأكيد حيادها لعشرات السنوات، وتقليص القدرات العسكرية لهذا البلد ومنع تسليحه مجدداً.

هكذا، ترى موسكو المدخل الصحيح للحوار، الذي يجب أن يتأسس - كما قال الرئيس الروسي سابقاً - على قاعدة الإقرار بالتغييرات الميدانية التي وقعت خلال سنتين، بما يضمن الاعتراف الغربي بضم شبه جزيرة القرم والمناطق الأربع التي ضمتها روسيا خلال عام 2022.

تشكل هذه القاعدة التي تنطلق منها موسكو سبباً وجيهاً للتوقعات المتشائمة حول فرص إحراز تقدم، تضاف إلى الشكوك المحيطة بقدرة ترمب الفعلية على تجاوز كل العقبات والضغوط الداخلية والانطلاق نحو تقديم تنازلات مهمّة للروس.

يرى خبراء روس أن ترمب لن ينجح في قلب الموازين الداخلية،

لصالح إطلاق تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الأميركية

التداعيات على أوكرانيا

كيف يتأثر الوضع في أوكرانيا؟

في هذا الإطار، وضع أحد أبرز خبراء السياسة في «المجلس الروسي للسياسة والأمن»، وهو مؤسسة مرموقة ومقربة من الكرملين، التصور التالي لشكل العلاقة مع ترمب في ملفات رئيسة:

بدايةً، في أوكرانيا ستفشل محاولة ترمب للتوصل إلى وقف إطلاق النار على طول خط التماس. وذلك لأن المخططات الأميركية لـ«وقف الحرب» تتجاهل تماماً المصالح الأمنية الروسية، كما تتجاهل الأسباب التي أدت أولاً إلى الأزمة ثم إلى الصراع العسكري واسع النطاق في أوكرانيا.

في المقابل، لن تقبل واشنطن الشروط الروسية لبدء المفاوضات ومعايير السلام التي أعلن عنها الرئيس فلاديمير بوتين في يونيو (حزيران) الماضي؛ لأنها تعني في الواقع استسلام كييف وهزيمة استراتيجية للغرب. وخلافاً لتوقعات التهدئة، فإن ترمب «المهان»، رداً على رفض خطته، سيعلن دعمه لأوكرانيا ويجمع حزمة أخرى من العقوبات على موسكو. لكنه في الوقت نفسه، سيمتنع عن التصعيد الجدي للصراع؛ كي لا يستفز روسيا ويدفعها إلى ضرب أراضي دول «ناتو»، بما في ذلك القواعد الأميركية الموجودة هناك. ومع هذا، ورغم غطاء الخطاب القاسي المعادي لروسيا، فإن المساعدات الأميركية لنظام كييف ستنخفض، وسيتعيّن على الأوروبيين تغطية العجز الناتج من ذلك. ومن حيث المبدأ، فإن الاتحاد الأوروبي مستعدٌ لذلك، وبالتالي لن يكون هناك خفض كبير في الدعم المادي لأوكرانيا من الغرب في العام الجديد على الأقل.

إلى جانب ذلك، قد تحاول واشنطن، وفقاً للخبير البارز، بدعم من بريطانيا وحلفاء آخرين، تعزيز الموقف السياسي الداخلي لنظام كييف من خلال المطالبة بإجراء انتخابات في أوكرانيا، وبالتالي استبدال فولوديمير زيلينسكي وفريقه المكروهين بشكل متزايد بمجموعة أخرى بقيادة رئيس الأركان السابق فاليري زالوجني. لكن التأثير السياسي المحلي لمثل هذا الاستبدال سيكون قصير الأجل.

العلاقة مع أوروبا

أيضاً، يرى خبراء روس أن ترمب لن ينجح في قلب الموازين الداخلية، لصالح إطلاق تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الأميركية. وهذا يعني أنه لن يحقق وعوده حيال علاقة الولايات المتحدة مع «ناتو»، وبدلاً من ذلك، سيرفع السعر الذي يتوجب على الأوروبيين دفعه للانضمام إلى التكتل.

ووفقاً لبعض الخبراء، سيكون لزاماً على الأوروبيين، الذين كانوا يخشون عودة ترمب، أن يقسموا يمين الولاء له. وبالتالي، «لن تكون هناك معارضة ضد ترمب بأي شكل من الأشكال؛ لأن دول الاتحاد الأوروبي تحتاج إلى أميركا زعيمةً: ليس فقط حاميةً عسكريةً، بل وأيضاً زعيمةً سياسيةً ــ لا تقل عن حاجتها إلى روسيا باعتبارها «تهديداً مباشراً على الأبواب».

بهذا المعنى، تتطابق آراء الخبراء في مسألة أن «العداء لروسيا سيظل العامل الحاسم في توحيد أوروبا في عام 2025».

ويضيف بعضهم القناعة بأنه خلافاً للفكرة الرائجة بأن الأوروبيين متردّدون في مواجهة روسيا، بشكل رئيس بسبب الضغوط الأميركية، فإن الحقيقة أن روسيا، باعتبارها عدواً، تشكل عاملاً قوياً في توحيد النخب الأوروبية ودولها. بمعنى أنه كان لا بد من «اختراع التهديد الروسي»، وتقديم الحرب في أوكرانيا باعتبارها المرحلة الأولى من «الاختطاف الروسي لأوروبا».

في السياق ذاته، ينظر إلى الانتخابات المقبلة في ألمانيا، بأنها ستحمل إلى السلطة ائتلافاً جديداً، سيعمل أيضاً على تشديد السياسة تجاه موسكو. ولكن في الوقت نفسه، من غير المرجح إرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا بناءً على دعوة من فرنسا، لأن أوروبا تنظر إلى خطر الصدام العسكري المباشر مع روسيا على أنه مفرط في المخاطرة.

وداخلياً، ينتظر أن تواصل أوروبا الاستعداد بنشاط للحرب مع روسيا - وفقاً لأنماط الحرب الباردة في النصف الثاني من القرن العشرين، لكن على حدود جديدة، تحولت بشكل كبير نحو الشرق. كذلك، سيزداد الإنفاق العسكري للدول، ويتوسع الإنتاج العسكري، وتتحسن البنية التحتية العسكرية، وبخاصة، على الجانب الشرقي لـ«ناتو». وبناءً عليه؛ سيصبح المناخ الاجتماعي والسياسي أكثر صعوبة أيضاً.

وهكذا، بشكل عام، يقول خبراء روس إن عام 2025 عموماً سيكون مليئاً بالصراعات، الممتدة من عهد ولاية الرئيس جو بايدن حول روسيا وفي أوروبا، كما سيكون محفوفاً بالمنعطفات غير المتوقعة والخطيرة.

ومع القناعة بأن الاضطراب الاستراتيجي يتزايد باطراد، فإن نتيجة المعركة من أجل النظام العالمي الجديد ليست مُحددة مسبقاً بأي حال من الأحوال. إذ إن نقطة التوازن الافتراضية في النظام العالمي لا تزال بعيدة كل البعد عن الأفق. وفي هذا الصدد، يرون أن روسيا ستواجه في عهد الإدارة الجديدة تحدّيات جديدة في العديد من المجالات... ولا بد أن تكون مستعدة لها.