سوريا غاضبة من إصرار عون على استضافة القمة الاقتصادية

خلاف يضاف إلى قضايا عالقة مع الأسد إثر إحجام الرئيس اللبناني عن زيارة دمشق

TT

سوريا غاضبة من إصرار عون على استضافة القمة الاقتصادية

لا يعني بالضرورة أن خفض مستوى التمثيل العربي في القمة الاقتصادية التي يفتتحها غداً الرئيس اللبناني ميشال عون يشكل انتصاراً للنظام في سوريا، على خلفية أن لا قمة عربية مكتملة النصاب من دون مشاركته، بمقدار ما إن انعقادها لا يلقى ارتياحاً لديه من زاوية أنه كان يحكم لبنان قبل خروج جيشه منه في أعقاب اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري.
فالنظام في سوريا كان يتصرف في السابق، كما تقول مصادر وزارية لبنانية لـ«الشرق الأوسط»، انطلاقاً من أنه يحتفظ بالورقة اللبنانية بلا منازع، وأنه الأقدر على المجيء ببرلمان يتناغم مع طموحه في السيطرة على السلطة في لبنان، وأنه وحده الآمر الناهي في تشكيل الحكومة.
أما اليوم، فقد اختلفت الأمور، وبدأ الأسد يكتشف أن الرئيس عون ليس كرئيس الجمهورية الأسبق إميل لحود. وبالتالي، بات يفتقد إلى أدوات اللعبة في الداخل اللبناني التي كانت تعطيه حق الإمرة في القضايا ذات الشأنين الإقليمي والدولي، أو النطق بالنيابة عن لبنان في المحافل الدولية.
بكلام آخر، فإن النظام في سوريا لم يرق له إصرار الجامعة العربية على أن يستضيف لبنان، وفي ظل غياب سوريا، القمة الاقتصادية العربية، وأن يبادر الرئيس عون إلى إعطاء الضوء الأخضر للبدء في التحضير اللوجيستي والإداري لانعقادها.
وفي هذا السياق، تقول المصادر الوزارية اللبنانية إن النظام السوري كان يراهن على مبادرة عون، بدعم من حلفائه، بطلب تأجيل انعقاد القمة، لأن تأجيلها يشكّل انتصاراً له، لكنه سرعان ما اكتشف أن رهانه لم يكن في محله، وأن إدارته للشأن اللبناني بكل تفاصيله من دمشق أصبحت من الماضي. وتؤكد المصادر أن الرئيس عون الذي ينظر إليه «التيار الوطني الحر» على أنه «الرئيس القوي» لن يفرّط باستضافته للقمة الاقتصادية العربية، باعتبارها تشكل أول منبر عربي له منذ انتخابه رئيساً للجمهورية، يتوجّه من خلاله لمخاطبة أشقائه العرب.
وتلفت المصادر ذاتها إلى أن تصرف محازبي حركة «أمل»، ولو من دون قرار مركزي، برفض دعوة ليبيا لحضور القمة قبل أن تعلق اعتذارها عن الحضور، أدى إلى استحضار إشكالية بين الرئيس عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري ما زالت تداعياتها تتفاعل بصمت، وهذا ما يتناقله عدد من النواب المنتمين إلى «التيار الوطني»، بقولهم إن عون لم يكن مرتاحاً إلى أسلوب التعبير الذي قام به هؤلاء في رفضهم حضور ليبيا القمة.
وتضيف المصادر أن قضية إخفاء السيد موسى الصدر هي قضية وطنية بامتياز، وكان من الأفضل أن يبادر من يعترض على حضور ليبيا إلى تنظيم اعتصام في أثناء انعقاد القمة، يتخلله إعداد مذكّرة تتعلق بهذه القضية، وتُسلّم إلى الرئيس عون.
وتلفت المصادر إلى أنها لا تؤيد الرأي القائل، في مجال تبرير تأجيل انعقاد القمة، إنه من غير الجائز للبنان أن يستضيفها وحكومته مستقيلة، وتعتبر أن هناك مبالغة في تقديم موقف النظام في سوريا من انعقادها على أنه انتصر، وتعزو السبب إلى أنه لا قيمة لأي انتصار معنوي لدمشق، ما دام أن القمة انعقدت في ظل غيابها.
وترى أن بعض حلفاء سوريا أخطأوا عندما راهنوا على أن عون ليس ضد أن «يبيع» سوريا موقفاً خارجياً يمكنه «تقريشه»، أي أن يقبض ثمنه في الداخل، خصوصاً في تشكيل الحكومة الجديدة التي يصعب عليها أن ترى النور في المدى المنظور، إلا إذا حصلت معجزة سياسية. فالرئيس عون أظهر حتى الآن أنه ضد مقايضة أي أمر يتعلق بسياسة لبنان الخارجية بمواضيع داخلية يمكن أن ترتد عليه إيجابياً في مسألة تشكيل الحكومة التي ما زالت عالقة، ولا شيء يوحي بأن هناك قدرة في التغلب على التعقيدات التي تعيق ولادتها.
لذلك، يقف لبنان أمام مشهد سياسي جديد جراء الأجواء غير المريحة بين رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي، مع أن الرئيس عون لا يتحمّل تبعات خفض التمثيل في القمة الاقتصادية، إضافة إلى ضرورة التريُّث لمراقبة المسار الذي يحكم علاقته بالنظام السوري.
وعليه، فإن مجرد استضافة لبنان للقمة الاقتصادية سيضيف بنداً على ملف الأمور العالقة بين الرئيس عون والرئيس بشار الأسد الذي يأخذ عليه امتناعه حتى الآن عن القيام بزيارة دمشق، في سياق جولته التي قام بها إلى عدد من الدول العربية فور انتخابه رئيساً للجمهورية.
وتتوافق طهران مع دمشق في عدم رضاها عن الرئيس اللبناني الذي لم يشملها حتى الآن في جولاته على دول عربية وغربية.
ويبقى السؤال، هل ما زالت الفرصة قائمة أمام إعادة ترتيب علاقة الرئيس عون بنظيره السوري؟ لأن السياسة في لبنان علمتنا أن لا شيء يمنع الوصول إلى تسوية لتفادي الوقوع في المحظور، وأن هناك من يحاول، استباقاً لانعقاد القمة، الدخول على خط التواصل بين الرئيسين، وهو على ثقة بأنه سينجح في تنقية الأجواء، وتبديد الشوائب التي أحدثها الخلاف حول القمة بغياب سوريا عنها.
كما أنه من السابق لأوانه التعاطي مع التباين الطارئ بين عون والأسد على أنه بداية لتبدل جذري في العلاقة، وأن لبنان يتجه للسير في لعبة الأحلاف الخارجية، وهو أول من اتخذ قراره بأن ينأى بنفسه عن حضور لقاء وارسو، بدعوة من الولايات المتحدة التي تنتظر منه المشاركة في تشكيل أكبر حشد عربي ودولي لمواجهة الأنشطة الإيرانية التي تزعزع الاستقرار في المنطقة، لأن وضعه الداخلي لا يسمح له بالانضمام إلى هذا الحلف أو ذاك، لما يترتب عليه من تهديد للاستقرار من جهة، وتغطيته لتكاليف ثمن فاتورة سياسية وأمنية هو في غنى عن تحمل كلفتها الباهظة.



19 مليون يمني يحتاجون إلى مساعدات غذائية في العام المقبل

ملايين الأسر اليمنية خصوصاً في مناطق الحوثيين ستواجه فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء (الأمم المتحدة)
ملايين الأسر اليمنية خصوصاً في مناطق الحوثيين ستواجه فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء (الأمم المتحدة)
TT

19 مليون يمني يحتاجون إلى مساعدات غذائية في العام المقبل

ملايين الأسر اليمنية خصوصاً في مناطق الحوثيين ستواجه فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء (الأمم المتحدة)
ملايين الأسر اليمنية خصوصاً في مناطق الحوثيين ستواجه فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء (الأمم المتحدة)

أفادت بيانات دولية حديثة بأن عدد المحتاجين للمساعدات الإنسانية في اليمن سيرتفع إلى 19 مليون شخص مع حلول العام المقبل، مع استمرار الملايين في مواجهة فجوات في انعدام الأمن الغذائي.

تزامن ذلك مع بيان وقَّعت عليه أكثر من 10 دول يحذر من آثار التغيرات المناخية على السلام والأمن في هذا البلد الذي يعاني نتيجة الحرب التي أشعلها الحوثيون بانقلابهم على السلطة الشرعية منذ عام 2014.

الأطفال والنساء يشكلون 75 % من المحتاجين للمساعدات في اليمن (الأمم المتحدة)

وأكد البيان الذي وقَّعت عليه 11 دولة، بينها فرنسا وبلجيكا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، على وجوب التعاون مع المجتمع الدولي في السعي إلى معالجة آثار تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي، وتعزيز الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية في اليمن بوصفها جزءاً من جهود المساعدات الإنسانية، وبناء السلام الأوسع نطاقاً.

وطالب بضرورة تعزيز تنسيق الجهود العالمية لبناء القدرات المحلية على الصمود في مواجهة المخاطر المناخية، وتعزيز إدارة الكوارث والاستجابة لها.

ومع تنبيه البيان إلى أهمية تنفيذ أنظمة الإنذار المبكر، وتحسين مراقبة موارد المياه الجوفية، دعا منظومة الأمم المتحدة إلى دعم جهود إيجاد أنظمة غذائية أكثر استدامة، واستخدام المياه والطاقة بكفاءة، فضلاً عن زيادة استخدام الطاقة المتجددة.

وذكر البيان أن الصراع المزمن في اليمن أدى إلى إلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية وانهيار اقتصادي، وجعل أكثر من نصف السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وفي حاجة إلى مساعدات إنسانية للبقاء على قيد الحياة، 75 في المائة منهم من النساء والأطفال.

وضع مُزرٍ

رأت الدول العشر الموقِّعة على البيان أن الوضع «المزري» في اليمن يتفاقم بسبب المخاطر المرتبطة بتغير المناخ، مثل ارتفاع درجات الحرارة والجفاف والتصحر، فضلاً عن أنماط هطول الأمطار غير المنتظمة والفيضانات المفاجئة. وقالت إن هذا البلد يعد واحداً من أكثر البلدان التي تعاني من نقص المياه في العالم، ويُعد الحصول على مياه الشرب أحد أهم التحديات التي تواجه السكان.

وعلاوة على ذلك، أعاد البيان التذكير بأن الأمطار الغزيرة والفيضانات أدت إلى زيادة المخاطر التي تشكلها الألغام الأرضية وغيرها من الذخائر غير المنفجرة، وزاد من خطر انتقال الكوليرا من خلال تلوث إمدادات المياه.

الفيضانات في اليمن أدت إلى زيادة مخاطر انتشار الكوليرا (الأمم المتحدة)

كما أدى استنزاف احتياطات المياه الجوفية، وزيادة وتيرة وشدة الأحداث الجوية المتطرفة إلى تدهور الأراضي الزراعية، ويؤدي هذا بدوره - بحسب البيان - إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي، وهو محرك للنزوح والصراع المحلي، خصوصاً مع زيادة المنافسة على الموارد النادرة.

ونبهت الدول الموقعة على البيان من خطورة التحديات والأزمات المترابطة التي تؤدي إلى تفاقم الأوضاع في اليمن. وقالت إنها تدرك «الارتباطات المتعددة الأوجه» بين تغيُّر المناخ والصراع والنزوح وزيادة الفقر والضعف، والتي تسهم جميعها في تدهور الوضع الأمني والإنساني. وأضافت أنها ستعمل على معالجتها لضمان استمرار تقديم المساعدات الإنسانية الفورية وغير المقيدة جنباً إلى جنب مع تحقيق مستقبل مستقر ومستدام للبلاد.

وجددت هذه الدول دعمها لتحقيق التسوية السياسية الشاملة في اليمن تحت رعاية المبعوث الأممي الخاص؛ لأنها «تُعد السبيل الوحيد» لتحقيق السلام المستدام والاستقرار الطويل الأمد، ومعالجة هذه التحديات، مع أهمية تشجيع مشاركة المرأة في كل هذه الجهود.

اتساع المجاعة

توقعت شبكة نظام الإنذار المبكر بالمجاعة أن يرتفع عدد المحتاجين للمساعدات الإنسانية في اليمن إلى نحو 19 مليون شخص بحلول شهر مارس (آذار) من العام المقبل، خصوصاً في مناطق سيطرة الحوثيين، وأكدت أن الملايين سيواجهون فجوات غذائية.

وفي تقرير لها حول توقعات الأمن الغذائي في اليمن حتى مايو (أيار) عام 2025؛ أشارت الشبكة إلى أن الأسر اليمنية لا تزال تعاني من الآثار طويلة الأمد للحرب المستمرة، بما في ذلك الأوضاع الاقتصادية السيئة للغاية في مختلف المحافظات.

وبيّنت الشبكة أن بيئة الأعمال في البلاد تواصل التدهور، مع نقص العملة في مناطق سيطرة الحوثيين، بينما تشهد المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دولياً انخفاضاً في قيمة العملة وارتفاعاً في التضخم.

أعداد المحتاجين للمساعدات في اليمن زادت بسبب التغيرات المناخية والتدهور الاقتصادي (الأمم المتحدة)

وتوقعت أن تستمر الأزمة الغذائية في اليمن على المستوى الوطني، مع بلوغ احتياجات المساعدة ذروتها في فترة الموسم شبه العجاف خلال شهري فبراير (شباط) ومارس المقبلين، وأكدت أن ملايين الأسر في مختلف المحافظات، خصوصاً في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، ستواجه فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء.

وأوضحت الشبكة أن ذلك يأتي مع استمرار حالة انعدام الأمن الغذائي الحاد في مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من انعدام الأمن الغذائي) أو مرحلة الطوارئ، وهي المرحلة الرابعة التي تبعد مرحلة وحيدة عن المجاعة. وحذرت من أن استمرار وقف توزيع المساعدات الغذائية في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين سيزيد من تفاقم أزمة انعدام الأمن الغذائي.

إضافة إلى ذلك، أكدت الأمم المتحدة أن آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات، والتي يقودها صندوق الأمم المتحدة للسكان بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وغيرهما من الشركاء الإنسانيين، تلعب دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات العاجلة الناشئة عن الصراع والكوارث الناجمة عن المناخ في اليمن.

وذكرت أنه منذ مطلع العام الحالي نزح نحو 489545 فرداً بسبب الصراع المسلح والظروف الجوية القاسية، تأثر 93.8 في المائة منهم بشدة، أو نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 6.2 في المائة (30198 فرداً) بسبب الصراع.