في متجره الكائن بالشارع الرئيسي في مدينة عين العرب (كوباني)، يتابع قادو الرجل الستيني نشرات الأخبار عبر شاشة مسطحة وضعت في زاوية محله. فالشريط العاجل يشير إلى أن تركيا عازمة على إنشاء منطقة آمنة على حدودها الجنوبية مع سوريا، ويقول: «في حال فرضت تركيا منطقة آمنة تكون قد أعلنت الحرب على أكراد سوريا».
قادو الذي يعمل في مجال بيع وتصنيع الأدوات الموسيقية التي توارثها عن والده وأجداده، لم يخف خشيته من التهديدات التركية، وأضاف: «تجربة عفرين ومناطق جرابلس والباب شاهدة على الانتهاكات والتجاوزات التي نسمع عنها يومياً، تركيا لا تريد مصلحة السوريين وخصوصاً أكراد سوريا».
فالمنطقة الآمنة التي تطالب بها أنقرة تقع على طول الحدود مع سوريا وبعمق 30 كيلومتراً تضم مدناً وبلدات كردية تتبع ثلاث محافظات سورية وهي الحسكة والرقة وحلب، تمتد على مسافة 460 كيلومتراً، وتنظر تركيا بريبة إلى «وحدات حماية الشعب» الكردية وتتهمها أنها امتداد لحزب العمال الكردستاني الذي يقود تمرداً عسكرياً منذ 34 سنة.
وعبر سيامند (33 سنة) الذي يعمل محاسباً في مطعم للوجبات السريعة ويقع بالسوق المركزية، عن عدم ثقته بالطرح التركي، وقال: «لا أثق بتركيا ولا بالمنطقة الآمنة، كيف ستكون هذه الدولة ضامنة وهي تهدد بعمل عسكري في مناطق شرقي الفرات، هذه المنطقة لن تكون آمنة إلا برعاية الأمم المتحدة والتحالف الدولي».
وتقع مدينة كوباني على بعد نحو 160 كيلومتراً شرق محافظة حلب، استقطبت هذه المدينة الملاصقة للحدود السورية - التركية اهتمام العالم بعد هجوم واسع نفذه تنظيم داعش في محاولته للسيطرة عليها في 2 يوليو (تموز) 2014. وباتت محوراً للصراع في سوريا مع مشاركة طائرات التحالف الدولي بقيادة واشنطن الذي تشكل لقتال «داعش»، ونفذت أولى ضرباتها على المدينة الكردية، دعماً للمقاتلين الذين دافعوا عنها وألحقوا الهزيمة بالتنظيم المتشدّد بعد معارك عنيفة استمرت 6 أشهر بين يوليو وديسمبر (كانون الأول) 2015. وتتالت هزائم التنظيم في سوريا وانحسر انتشار مقاتليه في جيب حدودي صغير شرقي سوريا.
وأعرب شرطي مرور يدعى سيبان وهو في بداية عقده الثالث، عن خشيته من الهجوم التركي وإنشاء منطقة عازلة، وبينما كان يقف في تقاطع ساحة آرين ميرخان ينظم السير، تحدث قائلاً: «سنحمي المكتسبات التي حققناها خلال الأعوام الماضية، نحن لم نعتدِ على تركيا، ولا نريد أن تعتدي علينا، لكن إذا شنوا هجوماً سندافع عن أنفسنا».
وبعد عقود من التهميش، تصاعد نفوذ أكراد سوريا تدريجياً في شمال سوريا، خصوصاً بعد انسحاب قوات النظام السوري من مناطقهم نهاية عام 2012. وتمكنوا من إقامة إدارات ذاتية وتأسيس قوات عسكرية وأمنية، فضلاً عن إنشاء مؤسسات عامة وإعادة إحياء لغتهم وتراثهم، وافتتاح مدارس يتم فيها تدريس مناهج باللغة الكردية.
سيلين (28 سنة) التي كانت طالبة جامعية تدرس التاريخ في جامعة حلب، ذكرت أنها لم تكمل تعليمها بسبب الحرب الدائرة في بلدها منذ 8 سنوات. تعمل اليوم مدرسة لغة كردية في إحدى مدارس كوباني، لم تخف قلقها من مجريات الأحداث المتسارعة، وقالت: «كل يوم نسمع خبراً جديداً وقراراً يزيد من مخاوفنا... حرمنا من نعمة الاستقرار»، وعن رأيها بالطرح التركي وإنشاء منطقة عازلة على طول الحدود مع سوريا، وتشمل مدينتها ، وأضافت قائلة: «لست مع قيام هذه المنطقة، تركيا من تهدد الأكراد وليس العكس، هذا سيناريو مخيف، ستدخل المنطقة برمتها في نفق طويل وكارثي».
فيما أشار كوبان (47 سنة) ويمتلك محلاً لبيع الفاكهة والخضراوات يقع في الشارع الرئيسي للمدينة، إنّ تركيا ومنذ ثمان سنوات تتدخل في شؤون سوريا، «تدخلت في حلب وريفها وإدلب وريف دمشق، ماذا حدث لتلك المناطق، تم تهجير سكانها واستقدموا سكاناً جدداً من مناطق ثانية مهجرة»، واتهم تركيا بتغير ديمغرافية المناطق الكردية في سوريا، وشدّد قائلاً: «بحجة المنطقة الآمنة ستجلب قوات عسكرية موالية لها، ومستوطنين من مناطق ثانية لإسكانهم وتكرار تجربة مدينة عفرين الكردية».
وإذ نقل شرفان (45 سنة)، الذي يعمل في تصليح السيارات، إنه مع قيام منطقة منزوعة السلاح، وقال: «عند الإعلان عنها تفاءلت خيراً وقلت في قرارة نفسي ستضع حداً للحرب المستعرة»، وبعد تتالي تصريحات المسؤولين الأتراك ونشر قوات عسكرية على غرار مناطق درع الفرات وعفرين، تابع شرفان حديثه بنبرة صوت صاحبها التوتر والقلق: «ستكون شرارة حرب مرتقبة، لأن الوحدات الكردية لن تقبل بالخروج من كوباني، وقدمت آلاف الضحايا بالدفاع عنها عند هجوم (داعش) قبل 5 سنوات». وتعد «وحدات حماية الشعب الكردية» أبرز التشكيلات المنضوية في «قوات سوريا الديمقراطية»، كثاني جهة عسكرية مسيطرة على الأرض بعد القوات الحكومية الموالية للأسد، وتسيطر على نحو 30 في المائة من مساحة البلاد تقع في شمال شرقي سوريا تتضمن آبار نفط وحقول غاز مهمة.
ويروي مامو المتحدر من مدينة عفرين بريف حلب الشمالي ويبلغ من العمر 55 عاماً، كيف فر من مسقط رأسه في شهر مارس (آذار) العام الماضي بعد أن شن الجيش التركي وفصائل سورية معارضة موالية؛ هجوماً واسعاً وسيطروا عليها نهاية الشهر نفسه، وقصد مدينة كوباني وافتتح محلاً لبيع الموالح والمكسرات باسم «بزوريات عفرين» عبر عن مشاعره المشوشة بالقول: «ينطبق المثل الشعبي القائل: (البحر من أمامكم والعدو من خلفكم)، أين سأذهب بنفسي وأسرتي في حال فرضت تركيا منطقة آمنة أو شنت هجوماً، سنهرب من جديد إلى بلاد الله الواسعة»، وشدّد رفضه العيش في منطقة تخضع للنفوذ التركي، الأمر الذي دفعه للنزوح، وقال: «لن أبقى لحظة واحدة أعيش تحت راية العلم التركي».
أهالي عين العرب قلقون من «منطقة آمنة» تركية
«الشرق الأوسط» تستطلع آراء المدينة المرشحة للوقوع ضمن خطط أنقرة
أهالي عين العرب قلقون من «منطقة آمنة» تركية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة