طالب مصري يوثق جماليات حي الزمالك العريق في مشروع وثائقي

يتضمن صوراً وكتاباً ومعرضاً... والبنايات القديمة والحدائق أبطاله

بدأ يوسف مشروعه بعملية بحث تعرف خلالها على تاريخ حي الزمالك وأبرز معالمه وبناياته
بدأ يوسف مشروعه بعملية بحث تعرف خلالها على تاريخ حي الزمالك وأبرز معالمه وبناياته
TT

طالب مصري يوثق جماليات حي الزمالك العريق في مشروع وثائقي

بدأ يوسف مشروعه بعملية بحث تعرف خلالها على تاريخ حي الزمالك وأبرز معالمه وبناياته
بدأ يوسف مشروعه بعملية بحث تعرف خلالها على تاريخ حي الزمالك وأبرز معالمه وبناياته

عندما تطأ قدميك حي الزمالك، أحد الأحياء الراقية في القاهرة، لا تملك إلا أن ترفع رأسك متأملاً جماليات معمارها القديم، ومُنقلاً نظراتك بين حدائقها المميزة المكسوة بالخضرة والأشجار، وهو ما حدث مع الطالب المصري يوسف زكريا، الذي سلب الحي العريق وجدانه، رغم سنه الصغيرة (16 عاماً)، فقرر أن يستلهمه بطلاً لمشروعه الوثائقي المصّور.
غاص يوسف في شوارع الزمالك بعدسته، محاوراً هذه الجماليات والمساحات الخضراء، في رحلة فنية على مدار عدة أشهر، ليخرج في النهاية بتوثيق التاريخ الحضاري لهذا الحي العريق بالصور الفوتوغرافية.
عن حكايته مع رحلة التوثيق، يقول يوسف لـ«الشرق الأوسط»: «أقطن بحي الدقي، المجاور لحي الزمالك، وأتردد كثيراً على نادي الجزيرة الكائن به، وبالطبع أمرُ من شوارع هذا الحي، فكنت أنبهر بما تضمه من بنايات وفيلات ذات طرز معمارية رائعة، وحدائق قديمة، فأحببت هذا الحي لأنه لا يزال محتفظاً برونقه، ولم يفقده مثل غيره من أحياء القاهرة».
ويضيف: «دائماً ما كنت أُخرج هاتفي لأصور ما يروق لي بهذا الحي لأني أيضاً أحب التصوير. ومع تكليف مدرستي لي ولزملائي بإنتاج مشروع توثيقي، اخترت أن يكون مشروعي عن حي الزمالك، بهدف نقل تراثه الحضاري للأجانب والمصريين، وأقول لمن يفقد الأمل في استعادة جمال القاهرة إنه لا يزال لدينا أماكن جميلة، علينا أن نبرزها ونحافظ عليها كتراث؛ ومن هذا المشروع كان دخولي مجال التصوير لأول مرة».
بدأ الشاب المصري مشروعه بعملية بحث مطولة لمدة 3 أشهر، تعرف خلالها على تاريخ حي الزمالك، وأبرز معالمه وبناياته، مع النزول للحي عدة مرات لمشاهدة ما بحث عنه، ووضع خريطة لنفسه لتسهيل مهمته، ثم كان النزول للتصوير لمدة 3 أشهر أخرى، حيث اختار صباح الجمعة أسبوعياً للتصوير، التي يكون فيها الحي هادئاً، وشوارعه خالية من المارة.
يكمل يوسف: «كانت نقطة انطلاقي تصوير قصر الجزيرة (فندق الماريوت حالياً)، ذو الطراز الجمالي الفريد، الذي تعود فكرة بنائه إلى عام 1863، بأمر من الخديوي إسماعيل، لاستقبال ضيوف حفل افتتاح قناة السويس، ثم تجولت في حدائق الزمالك المختلفة: الأندلس، والحرية، والأسماك، والمسلة؛ وجميعها تعطي إحساساً جميلاً بالمتعة والبهجة، وهو ما حاولت التعبير عنه بعدستي، ثم كان انتقالي لتصوير بنايات ومعالم الزمالك».
ويتابع: «لم أركز فقط على المعمار، بل أقوم بتصوير كل ما أراه جميلاً، حيث أمسك كاميرتي وأفكر في الزوايا التي تبرز هذه الجماليات، كما أنني في أثناء سيري في الشوارع، تعرفت على أماكن لم أسمع عنها، ولم أصادفها في أي عملية، مثل أول بناية بنيت في حي الزمالك، وتسمى (جزيرة بيلدنغ)، وكذلك أن الحي يضم 65 مكاناً دبلوماسياً، و4450 شجرة».
لم تكن الصور، التي وصلت لنحو 900 صورة، هي حصيلة المصور الشاب من مشروعه الوثائقي، حيث إنه تعرف على تاريخ الحي عن قرب، وأصبح خبيراً فيه، كما اكتشف موهبته في التصوير، وذلك بعد ثناء المحيطين به على صوره وزوايا لقطاته، مطالبين إياه بنشر مشروعه والترويج له، وهو ما دعاه لطباعة كتاب يضم أهم 100 صورة من تصويرة، مع شرح لها. ومن المزايا الأخرى تعرف يوسف على بعض الجهات التي ساعدته في مشروعه، مثل القائمين على جمعية تنمية حي الزمالك، الذين ساعدوه على إتمام مشروعه، وكذلك مركز «لوتس» للتدريب والإبداع، الذي عرض عليه أن يستضيف معرضاً لأهم صور مشروعه عن حي الزمالك، وهو ما تم بالفعل قبل أيام، حيث نظّم المصور الشاب أول معارضه الفنية، وضم 25 صورة لأهم صور مشروعه، تحت عنوان: «جماليات حي الزمالك»، مزودة بالمعلومات التاريخية، الذي حضره عدد من كبار التشكيليين في مصر، مشيدين بقدرات وموهبة المصور الشاب الوثائقي.
ولا يتوقف الطموح الوثائقي للمصور الشاب عند ذلك، فهو يأمل أن يواصل احتراف التصوير، مبيناً أنه يستعد لاستكمال توثيق حي الزمالك، وإصدار كتاب آخر للبيع للجمهور، كما يسعى لرحلات خارج مصر، يمارس فيها التصوير واستغلال عشقه للسفر في مشروعات توثيقية أخرى تتخطى حدود بلاده.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».