ماذا لو أتيحت لك الفرصة للعودة إلى الوراء واستعادة أيام الشباب؟ فالعمر يمر بلمح البصر، ومرات كثيرة نتمنى أن يتوقف لبرهة، لنستعيد أنفاسنا، ونحقق ما فوّتناه علينا من أحلام وتمنيات. وفي مسرحية «زمن»، لطلاب الدفعة الخامسة لمسرح «شغل بيت»، نتابع عملاً فنياً تتخلله حوارات ثنائية ومونولوجات، وأخرى لمجموعة من الممثلين (عددهم 10) يتحدثون مع الزمن، بعد أن صاروا في سن متقدمة، ليخلعوا عنهم أعمارهم الحقيقية، ويستعيدون شبابهم لنحو 90 دقيقة.
يستقبلك الممثلون أنفسهم على باب المسرح وهم عجائز، يوجهون إليك النصائح ويعطونك وجهة نظرهم في موضوع العمر. ومن ثم ستلتقيهم على الخشبة وقد غيروا أشكالهم ومظهرهم الخارجي، ليعودوا شباباً بعد أن يعلقوا عمرهم المتقدم على حاملة ثياب تتوسط الخشبة، ويبدأون بمعاتبة الزمن، ويطالبونه بأمانيهم.
«سيتحاورون مع الزمن، ويحققون ما عجزوا عن القيام به في فترة شبابهم، إذ مر العمر وكأنه لحظة بالنسبة لهم».. يوضح شادي الهبر مخرج العمل في حديث لـ«الشرق الأوسط»، ويضيف: «ترتكز المسرحية على ضرورة إجراء التغيير في حياتنا، وعلى ضرورة تسلحنا دائماً بالحب في أي زمان ومكان نوجد فيه. فلماذا علينا أن نمارس مهنة لا تشعرنا بالشغف؟ ولماذا علينا غض النظر عن أمور كثيرة لأن المجتمع والتقاليد تمنعنا عنها؟ هذه المواضيع، إضافة إلى أسئلة كثيرة أخرى، يطرحها الممثلون في العمل، وتترك أثرها لدى الحضور، حتى بعيد مغادرته المسرح، فهي تحمل كثيراً من الوجع والمشاعر المدفونة التي تخنقنا في أعماقنا، ولا نلاقي فرصة للتعبير عنها».
وتأتي هذه المسرحية، التي ستعرض على مدى يومين متتاليين (اليوم وغداً (الأحد)؛ 5 و6 يناير الجاري) على مسرح بيريت في الجامعة اليسوعية (طريق الشام) في بيروت، لتكون بمثابة فسحة أمل ووسيلة لإجراء التغيير، بعد أن يفرّغ هؤلاء المسنون ما في داخلهم على خشبة المسرح. «اليوم بات المسرح بشكل عام يشكل منصة توعية يتفاعل معها الناس بعيداً عن الناحية الترفيهية الملتصقة به عادة. ففي الماضي، وعبر التاريخ، كان هذا الفن منبراً يستخدم لإجراء التغيير في نواحٍ اجتماعية كثيرة، وكذلك على أنفسنا، فيقوي خصال كثيرة فينا، كالثقة بالنفس وحرية التعبير والاستقلالية».. يعلق شادي الهبر في سياق حديثه.
وكتب سيناريو العمل الممثلون أنفسهم، بعد أن أجروا تمرينات مكثفة استمرت لـ7 أشهر. ويقول شادي الهبر «إننا نعلمهم الأداء والكتابة، بحيث يصبح الممثلون متمكنين من مهمتهم، فهم جاؤوا من خلفيات مختلفة بعيدة كل البعد عن فنون المسرح، لأنهم كانوا يحلمون بالوقوف على خشبته يوماً ما. ومن هذا المنطلق، يجتهد فريق مسرح (شغل بيت) على تخريج دفعات من طلاب فنون المسرح، وعلى مدى أشهر قليلة». وعن كيفية اختيار موضوع المسرحية، يرد الهبر: «لقد قاموا خلال خضوعهم لفترة التدريب (5 أشهر) بأبحاث عن المسنين وحاجاتهم ومطالبهم، وعن أمنيات لم يحققوها طيلة عمرهم. بعدها، قرروا أن يتناولوهم في (زمن)، ويعبروا عن المعاناة التي يعيشها هؤلاء، اجتماعياً ونفسياً».
ويشرف على إدارة الممثلين مايا سبعلي، التي حرصت على أن تتضمن المسرحية لوحات تعبيرية بالجسد وحركات راقصة ومشهدية معاصرة، لتشكل عملاً مسرحياً متكاملاً. ومن المواضيع التي سيتم تناولها حالات الانتظار بأشكالها المختلفة، وفرص حياة مرت من دون أن يغتنموها، وعلاقة الموت بالحياة، وتعنيف المرأة والعناد، وتأثير الأهل على قرارات أولادهم. كما تسلط الضوء على محرمات اجتماعية يعيش كثيرون في كنفها خوفاً من البوح بها أمام مجتمع لا يرحم تأثيرها على الهوية الجنسية.
ومع فانيسا مراد، وبوب جريج، وحسين قنبر، وألفت خطار، وإبراهيم خليل، وغيرهم من الطلاب الممثلين، سنتعرف إلى ردود فعل مسنين عادوا شباباً يقاومون ممنوعات الماضي، ويبحرون في حب التغيير وأوجاع الكبت التي عاشوها.
ويتراوح أعمار المشاركين في هذا العمل بين 19 و45 عاماً، وقد جاؤوا من بيروت ومناطق أخرى من لبنان لإيصال رسالة أساسية من خلال «زمن»، وهي أن نقوم بما نحبه لتحسين ظروف حياتنا، شرط أن تكون على المستوى المطلوب، ولو تطلّب منا الأمر بعض الجرأة.
مسرحية «زمن»... عندما نستعيد أيام الشباب في العقد الثالث
تتناول التغييرات التي يمكن أن نحققها مع الوقت
مسرحية «زمن»... عندما نستعيد أيام الشباب في العقد الثالث
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة