«دويتشه بنك» بين قرارات تجارية متخبطة وفرص اندماج مع «كوميرس بنك»

أحد مقرات «دويتشه بنك» في ألمانيا (رويترز)
أحد مقرات «دويتشه بنك» في ألمانيا (رويترز)
TT

«دويتشه بنك» بين قرارات تجارية متخبطة وفرص اندماج مع «كوميرس بنك»

أحد مقرات «دويتشه بنك» في ألمانيا (رويترز)
أحد مقرات «دويتشه بنك» في ألمانيا (رويترز)

تتعاظم إمكانية اندماج مصرفي «دويتشه بنك» و«كوميرس بنك» الألمانيين في عام 2019، الذي سيكون عاماً مصيرياً بالنسبة لـ«دويتشه بنك» المتهم بعمليات غسل أموال لم يتوقعها المراقبون الماليون الحكوميون الألمان. وفضلاً عن هذه الفضيحة المالية، يواجه المصرف انهياراً في قيمة أسهمه في البورصات، وغياباً لاستراتيجية عمل فعَّالة.
وفي هذا الصدد يقول الخبير المالي يورغ تريتيباخ، في العاصمة برلين، إن انكشاف مصرف «دويتشه بنك» على سوق المشتقات، وهي سوق مالية للعقود الاشتقاقية، وأدوات مالية تشتق قيمتها من أصل أساسي يمكن أن يكون حقيقياً (مادياً) أو نقدياً (مالياً) مثل الأسهم والسندات والذهب، تعادل قيمته الإجمالية اليوم 20 مرة الدين العام الإيطالي، وتصل حالياً إلى 48 تريليون دولار. إلا أنه يضيف أن «مسألة انكشاف (دويتشه بنك) على سوق المشتقات يمكن اعتبارها هامشية حتى اليوم. فوجود مشتقات الأسهم داخل موازنة هذا المصرف الألماني لا يختلف كثيراً عن وجود المشتقات نفسها في مصارف أخرى عملاقة، وبالحجم نفسه».
في هذه الأثناء هوى سعر سهم «دويتشه» إلى مستوى غير مسبوق ليبلغ 7 يوروات، بعدما كانت قيمته تعادل 34 يورو في عام 2014، «ما يعني أن إدارة المصرف عليها مراجعة استراتيجيتها التجارية في أقرب وقت ممكن، لتفادي الانهيار الشامل».
ويردف بالقول: «عندما تولى جون سيران إدارة مصرف (دويتشه بنك) طوال ثلاثة أعوام، خضع المصرف لثلاث خطط متتالية لإعادة هيكلته، باءت جميعها بالفشل. فالخسائر توالت، وغطَّت عهد جون سيران من أول يوم تسلم فيه منصبه حتى آخر يوم عمل في المصرف. وحقَّق قسم الخدمات المصرفية الاستشارية، المتعلقة بإنشاء رأس المال للشركات الأخرى والحكومات والكيانات الأخرى، نتائج مخيبة للآمال. علماً بأن إدارة المصرف راهنت بشدة على هذا القسم للوصول إلى القمة المصرفية العالمية. لكن، ومع مرور الشهور، اشتدت المنافسة الدولية، لا سيما من مصارف الدول النامية التي ساهمت في تحجيم طموحات (دويتشه بنك)».
وبرأي الخبير تريتيباخ، لا تكمن مشكلة «دويتشه بنك» في الموازنة؛ لأنه نجح في تحقيق الأرباح في الربع الثالث من عام 2018. إنما تتمحور حالياً حول خططه التجارية الاستراتيجية، «فقراراته تتخبَّط بين محاولة إعادة التمركز الصعبة في الخدمات المصرفية الاستشارية، ورغبة بعض رؤسائه في سلوك الطرق التجارية التقليدية لتقليص الأخطار».
من جانبه، يشير المراقب المصرفي الألماني ريكو فريكر في فرانكفورت، إلى أن غياب الاستراتيجية وتفكك المصداقية لدى مصرف «دويتشه بنك» يعيدان إحياء ملف اندماج الأخير مع مصرف «كوميرس بنك» في الشهور القليلة القادمة، «صحيح أن إفلاس (دويتشه بنك) غير وارد أبداً؛ لكن وصول قيمة سهمه إلى مستويات متدنية مخيفة قد يعرِّضه لضغوط عدائية خارجية، ترفضها حكومة برلين جملة وتفصيلاً».
ويضيف أن غالبية أسهم المصرف لا تزال في أيادٍ ألمانية، وهي تتراوح بين 56 و57 في المائة من إجماليها. مع ذلك قد يحاول الصندوق السيادي التابع للأسرة القطرية الحاكمة زيادة حصة أسهمه في «دويتشه بنك»؛ لكن لم يعلن أحد من المسؤولين ترحيبه بالمبادرة القطرية حتى الآن.
وقال فريكر، إن اندماج مصرفي «دويتشه بنك» و«كوميرس بنك»، قد يكون إيجابياً لتوطيد السيطرة الألمانية عليهما. وبذلك ستتراجع وتيرة التنافس بينهما، تمهيداً لتناغم مالي وطيد وصديق. لكن من جانب آخر، سيؤول هذا الاندماج إلى تسريح آلاف الموظفين من المصرفين. ما سينجم عنه تداعيات سياسية على حكومة برلين، تجب دراستها بدقة قبل تقرير مصير عملية الاندماج هذه.


مقالات ذات صلة

«الحرب» الكورية الجديدة تعيد إلى الأذهان ما جرى في 25 يونيو 1950

تحليل إخباري رجل يقف أمام الشرطة ويحمل لافتة كُتب عليها: «يون سوك يول... ارحل» في سيول (أ.ف.ب)

«الحرب» الكورية الجديدة تعيد إلى الأذهان ما جرى في 25 يونيو 1950

فجأة اصطخبت مياه البحيرة الكورية الجنوبية وعمّت الفوضى أرجاء سيول وحاصر المتظاهرون البرلمان فيما كان النواب يتصادمون مع قوات الأمن.

شوقي الريّس (بروكسل)
أوروبا روسيا تعتزم تنظيم أكبر احتفال في تاريخها بمناسبة الذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية (رويترز)

روسيا تنظم «أكبر احتفال» بالذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية

أعلنت روسيا اليوم (الثلاثاء) أنها تعتزم تنظيم «أكبر احتفال في تاريخها» بمناسبة الذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية، في سياق تمجيد القيم الوطنية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أميركا اللاتينية «لاهوت التحرر» يفقد مؤسّسه الكاهن الكاثوليكي البيروفي غوستافو غوتيرّيس عن 96 عاماً

«لاهوت التحرر» يفقد مؤسّسه الكاهن الكاثوليكي البيروفي غوستافو غوتيرّيس عن 96 عاماً

مطلع العقد السادس من القرن الماضي شهدت أميركا اللاتينية، بالتزامن مع انتشار حركات التحرر التي توّجها انتصار الثورة الكوبية.

شوقي الريّس (هافانا)
أوروبا رجل يلتقط صورة تذكارية مع ملصق يحمل صورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقول: «لماذا نريد مثل هذا العالم إذا لم تكن روسيا موجودة فيه؟» (رويترز)

«فليحفظ الرب القيصر»... مؤيدون يهنئون بوتين بعيد ميلاده الثاني والسبعين

وصف بعض المؤيدين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بـ«القيصر»، في عيد ميلاده الثاني والسبعين، الاثنين، وقالوا إنه أعاد لروسيا وضعها، وسينتصر على الغرب بحرب أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم جندي أوكراني يجلس داخل دبابة ألمانية الصنع من نوع «ليوبارد 2 إيه 5» بالقرب من خط المواجهة (أ.ف.ب)

هل انتهى عصر الدبابات «ملكة المعارك» لصالح الطائرات المسيّرة؟

رغم أن الدبابات ساعدت أوكرانيا في التقدم داخل روسيا، تعيد الجيوش التفكير في كيفية صنع ونشر هذه الآليات القوية بعد أدائها المتواضع خلال الفترة الأخيرة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

كوريا الجنوبية تتعهد بالحفاظ على استقرار الأسواق بعد عزل يون

مشاركون في مظاهرة يحملون لافتات تطالب المحكمة الدستورية بإقالة الرئيس يون سوك-يول في سيول (رويترز)
مشاركون في مظاهرة يحملون لافتات تطالب المحكمة الدستورية بإقالة الرئيس يون سوك-يول في سيول (رويترز)
TT

كوريا الجنوبية تتعهد بالحفاظ على استقرار الأسواق بعد عزل يون

مشاركون في مظاهرة يحملون لافتات تطالب المحكمة الدستورية بإقالة الرئيس يون سوك-يول في سيول (رويترز)
مشاركون في مظاهرة يحملون لافتات تطالب المحكمة الدستورية بإقالة الرئيس يون سوك-يول في سيول (رويترز)

تعهدت وزارة المالية في كوريا الجنوبية، يوم الأحد، بمواصلة اتخاذ تدابير استقرار السوق بسرعة وفعالية لدعم الاقتصاد، في أعقاب إقالة الرئيس يون سوك-يول، بسبب فرضه الأحكام العرفية بشكل مؤقت.

وأكدت الوزارة أنها ستستمر في التواصل بنشاط مع البرلمان للحفاظ على استقرار الاقتصاد، مشيرة إلى أنها تخطط للإعلان عن خطتها السياسية نصف السنوية قبل نهاية العام الحالي، وفق «رويترز».

وفي هذا السياق، دعا زعيم الحزب الديمقراطي المعارض، لي جاي-ميونغ، إلى تشكيل «مجلس استقرار وطني» يضم الحكومة والبرلمان لمناقشة القضايا المالية والاقتصادية وسبل تحسين مستوى معيشة المواطنين. وأشار إلى أن التحدي الأكثر إلحاحاً هو تراجع الاستهلاك بسبب الطلب المحلي غير الكافي، وتقلص دور الحكومة المالي. وأضاف لي أن معالجة هذا الأمر تتطلب مناقشة عاجلة لموازنة إضافية يمكن أن تشمل تمويلاً لدعم الشركات الصغيرة، بالإضافة إلى استثمارات في الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية، لمواجهة تحديات نقص الطاقة.

وكان البرلمان الذي يسيطر عليه الحزب المعارض، قد مرر مشروع موازنة 2025 بقيمة 673.3 تريليون وون، متجاوزاً اقتراح الحكومة الذي بلغ 677.4 تريليون وون، وذلك دون التوصل إلى اتفاق مع حزب «قوة الشعب» الذي ينتمي إليه الرئيس يون والحكومة.

من جهته، أعلن بنك كوريا -في بيان- أنه سيعتمد على كافة الأدوات السياسية المتاحة بالتعاون مع الحكومة، للرد على التحديات الاقتصادية، وتفادي تصاعد التقلبات في الأسواق المالية وأسواق العملات الأجنبية. وأكد البنك ضرورة اتخاذ استجابة أكثر نشاطاً مقارنة بالفترات السابقة من الإقالات الرئاسية، نظراً للتحديات المتزايدة في الظروف الخارجية، مثل تصاعد عدم اليقين في بيئة التجارة، وازدياد المنافسة العالمية في الصناعات الأساسية.

كما أكدت الهيئة التنظيمية المالية في كوريا الجنوبية أن الأسواق المالية قد تشهد استقراراً على المدى القصير، باعتبار الأحداث السياسية الأخيرة صدمات مؤقتة؛ لكنها ستوسع من الموارد المخصصة لاستقرار السوق إذا لزم الأمر.

من جهة أخرى، شهدت أسواق الأسهم في كوريا الجنوبية ارتفاعاً للجلسة الرابعة على التوالي يوم الجمعة؛ حيث بدأ المستثمرون يتوقعون تراجع حالة عدم اليقين السياسي بعد تصويت البرلمان على إقالة الرئيس يون. كما لم يتوقع المستثمرون الأجانب أن تؤثر الاضطرابات السياسية الأخيرة بشكل كبير على نمو الاقتصاد أو تصنيفه الائتماني لعام 2025، إلا أنهم أشاروا إلى تأثيرات سلبية محتملة على معنويات السوق، مما قد يؤدي إلى زيادة في سعر صرف الوون مقابل الدولار الأميركي، واستمرار عمليات بيع الأجانب للأسواق المحلية.

غرفة تداول بأحد البنوك في سيول (رويترز)

وفي استطلاع أجرته «بلومبرغ»، أفاد 18 في المائة فقط من المشاركين بأنهم يعتزمون تعديل توقعاتهم بشأن نمو الاقتصاد الكوري الجنوبي لعام 2025، بسبب الأحداث السياسية الأخيرة، بينما أكد 82 في المائة أن توقعاتهم ستظل دون تغيير. كما توقع 64 في المائة من المشاركين أن يظل التصنيف الائتماني السيادي كما هو، في حين توقع 27 في المائة خفضاً طفيفاً. ووفقاً للاستطلاع، يُتوقع أن يتراوح سعر صرف الوون مقابل الدولار الأميركي بين 1.350 و1.450 وون بنهاية الربع الأول من 2025.

أما فيما يتعلق بأسعار الفائدة، فقد زادت التوقعات بتخفيضات مسبقة من قبل بنك كوريا؛ حيث توقع 55 في المائة من المشاركين عدم حدوث تغييرات، بينما توقع 27 في المائة تخفيضاً في الأسعار قريباً. وتوقع 18 في المائة تخفيضات أكبر. وأشار كيم سونغ-نو، الباحث في «بي إن كي للأوراق المالية»، إلى أن تحركات السوق ستعتمد بشكل كبير على قرارات لجنة السوق الفيدرالية الأميركية في ديسمبر (كانون الأول)؛ حيث قد يسهم أي تخفيض لأسعار الفائدة من جانب الولايات المتحدة في تعزيز توقعات تخفيض الفائدة في كوريا الجنوبية في الربع الأول من 2025.

وقد أكد كيم أن العوامل السياسية ليست المحرك الرئيسي للأسواق المالية؛ مشيراً إلى أن الاضطرابات السياسية عادة ما تكون لها تأثيرات قصيرة الأجل على الأسواق. وأضاف أن الركود الاقتصادي -وليس الأحداث السياسية- هو المصدر الرئيس للصدمات المالية الكبيرة.

كما أشار كثير من المسؤولين الماليين إلى أن إقالة الرئيس يون قد تعود بالفائدة على الاقتصاد الكوري الجنوبي. وفي مقابلة إعلامية، أكد محافظ هيئة الرقابة المالية، لي بوك هيون، أن عزل الرئيس سيكون خطوة إيجابية للاستقرار الاقتصادي في البلاد، معرباً عن اعتقاده بأن القضاء على حالة عدم اليقين السياسي أمر بالغ الأهمية لتحقيق استقرار الاقتصاد، وفق صحيفة «كوريا تايمز».

وفيما يخص التوقعات المستقبلية، أشار صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير في نوفمبر (تشرين الثاني) إلى أن النمو الاقتصادي في كوريا الجنوبية من المتوقع أن يصل إلى 2.2 في المائة في 2024 بدعم من صادرات أشباه الموصلات، في حين يُتوقع أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي نمواً بنسبة 2 في المائة في 2025 مع اقتراب الاقتصاد من إمكاناته الكاملة. وأكد الصندوق أن حالة عدم اليقين لا تزال مرتفعة، والمخاطر تميل إلى الاتجاه السلبي.

وبينما يظل التضخم قريباً من هدف بنك كوريا البالغ 2 في المائة، شدد الصندوق على ضرورة تطبيع السياسة النقدية تدريجياً في ظل هذه الظروف، مع الحفاظ على تدخلات محدودة في سوق الصرف الأجنبي لمنع الفوضى. كما أشار إلى أهمية تعزيز التوحيد المالي في موازنة 2025 لمواجهة ضغوط الإنفاق الطويلة الأجل، مع التركيز على السياسات المتعلقة بمخاطر العقارات.

كما أشار إلى أهمية الإصلاحات الاقتصادية على المدى المتوسط والطويل لدعم النمو وسط التحولات الهيكلية؛ مشيراً إلى ضرورة معالجة تراجع القوة العاملة من خلال تحسين الخصوبة، وزيادة مشاركة النساء في العمل، وجذب المواهب الأجنبية، بالإضافة إلى تعزيز تخصيص رأس المال، وتحسين مرونة المؤسسات المالية.