«العلم التضليلي» يضرب ميدان البحث الغذائي

نتائج متضاربة بين الأبحاث التسويقية والرصينة

«العلم التضليلي» يضرب ميدان البحث الغذائي
TT

«العلم التضليلي» يضرب ميدان البحث الغذائي

«العلم التضليلي» يضرب ميدان البحث الغذائي

هل تشعرون بالحيرة حول ما يجب أن تأكلوه وتشربوه لحماية صحتكم؟ هذا الأمر ليس مفاجئاً، فبعد عقود من النصائح الغذائية المدعّمة بالأبحاث الداعية للتقليل من استهلاك الدهون المشبعة لتقليص خطر الإصابة بأمراض القلب والجلطات الدماغية، خرجت دراسة وصفية جديدة شملت 136384 شخصاً في 21 دولة، لتربط استهلاك الدهون الكاملة (المشبعة) ومنتجات الألبان بتراجع خطر الموت الناتج عن أمراض القلب!
- نتائج متضاربة
ولكن لا شكّ أنّ أحداً لا يمكنه أن يقول لكم ما تخبئه هذه النتائج المفاجئة خلفها، أو أن يسمح لكم بإضافة القشدة إلى قهوتكم، والحليب الكامل الدسم إلى وعاء حبوب الفطور دون إجراء مراجعة تفصيلية لكلّ دراسة شملها هذا التحليل الإحصائي، لأن هذه الدراسة قد تعني ببساطة أنّ تناول ما يعادل ثلاث حصص غذائية من منتجات الألبان في اليوم هو أمر صحي، وليس تناول الدهون المشبعة بحدّ ذاتها.
الحذر واجب دائماً، خاصة وأنّ دراسة أخرى حديثة تضمّنت تجربة إكلينيكية (عيادية) عشوائية، وجدت أن ثلاثة أسابيع من النظام الغذائي المشبع بالدهون سببت زيادة في دهون الكبد ومقاومة الإنسولين أعلى بكثير من تلك التي تسببها الأنظمة الغذائية الغنية بالسكر أو الدهون غير المشبعة. أو لعلّكم أيضاً انجررتم خلف الحماس السائد لتناول عصير الرمان الذي بات يعرف كغذاء ممتاز غني بمضادات الأكسدة... إلا أنّنا علمنا من كتاب صدر حديثاً أنّ هذا الدليل الذي يروّج للحصول على صحة أفضل بواسطة هذا العصير الباهظ يعتمد بشكل رئيسي على بحث مموّل بـ20 مليون دولار من قبل شركة تجارية.
في هذا الكتاب، الذي يحمل عنوان «الحقيقة المرّة: كيف تشوّه الشركات الدعائية علم غذائنا»، أشارت ماريون نستله، أستاذة محاضرة بالتغذية والدراسات الغذائية والصحة العامة في جامعة نيويورك، إلى أن «الرمّان قد يتمتّع فعلاً بنشاط فعال في مقاومة الأكسدة»، ولكنّها تعود وتسأل «مقارنة بماذا؟» هل هو أكثر فائدة من العنب (الفاكهة الأرخص ثمناً)؟
من جهتها، ردّت شركة «بوم واندرفول» التي تصنع عصير الرمان، بأنّ مقارنة الفوائد الصحية لمنتجها بعصائر أخرى ليس هدفاً رئيسياً لبرنامجها البحثي الشامل. وبدورها سألت الباحثة الشركة: «في حال كان ما تبيعونه مفيداً حقاً للصحة، لماذا لا تكون المقارنة هي هدفكم الأول؟»
والجواب هو، بحسب بحث الأستاذة نستله المطوّل، أنّ خلاصة البحث فقط هي التي تمثل المصلحة غير المعلنة لغالبية الأبحاث الممولة من قبل الشركات التجارية. واعتبرت الأستاذة في إحدى المقابلات التي أجرتها «هذه أبحاث تسويقية، وليست علمية». فلا يهمّ ما إذا كان الطعام موضوع البحث صحياً فعلاً، كالتوت والأفوكادو، أو ما إذا كان محمّلاً بالسعرات الحرارية الناتجة عن الدهون والسكريات والنشويات المكررة المضرّة بالصحة.
- تحليل وتقييم
وبعد أن اعتبرت أنّ البحث الغذائي، وخصوصاً الممول من جهات تجارية، يتطلّب تحليلاً حذراً، اقترحت الأستاذة نستله مقاربة أي منطلقات حكيمة يمكن للمستهلكين اعتمادها: «عندما أقرأ دراسات تروّج لفوائد نوعٍ واحدٍ من الغذاء، أسعى لمعرفة ثلاثة أشياء: ما إذا كانت النتائج ممكنة من الناحية البيولوجية؛ وما إذا تحكّمت بالدراسة عوامل غذائية أو سلوكية أو حياتية أخرى من شأنها أن تؤثر على النتائج؛ ومن هي الجهة التي موّلت هذه الدراسة».
على سبيل المثال، قادت صناعة المشروبات الغازية، دراسة مارست فيها شركة كوكا كولا نفوذاً كبيراً لنسف مساهمة المياه الغازية الغنية بالسكر في انتشار وباء السمنة في الولايات المتحدة. فقد موّلت الشركة دراسة حول سمنة الأطفال، خلصت أخيراً ودون البحث في رابط محتمل بين زيادة الوزن والمشروبات السكرية الخفيفة، إلى أن قلّة الحركة البدنية واضطرابات النوم ومشاهدة التلفاز لساعات طويلة كانت العوامل الأبرز المسببة لهذه السمنة. ولإضفاء المزيد من المصداقية على هذه النتائج، أدرجت كوكا كولا مشاركة علماء جامعيين حققوا أرباحاً مالية مقابل مشاركتهم في هذا البحث.
تشكّل معضلة «من الذي موّل الدراسة» صلب الموضوع في كتاب الأستاذة نستله، خاصة وأنّه سؤال جوهري يجب طرحه، ليس في موضوع الغذاء فحسب، بل أيضاً في مواضيع أخرى كالأدوية، والمكملات الغذائية، وأنظمة التمارين الرياضية ومنتجات وخدمات أخرى قد تؤثر أو لا تؤثر على صحة المستهلكين.
من جهة ثانية، يجذب تضارب مصالح قائمة أو محتملة، وعوامل أخرى من شأنها أن تؤثر عمداً أو دون قصد على نتائج البحث، اليوم انتباه الرأي العام بشكل متزايد. ففي سبتمبر (أيلول) الماضي، تخلّى مدير البحث العيادي في مركز «ميموريال سلون كيترينغ» للسرطان Kettering Cancer Center عن منصبه بعد عجزه عن التصريح عن ملايين الدولارات التي تلقاها من الشركات المنتجة للأدوية المخدرة التي شكلت موضوع بحثه. وكان تحقيق أجري في هذه القضية قد كشف أنّ المدير أضاف ملاحظات إيجابية على نتائج وجدها باحثون آخرون، ناقصة.
وفي سبتمبر أيضاً، تحدّث مقال نشر في قسم «آبشوت» في صحيفة نيويورك تايمز عن نوع آخر من التضارب في التبليغ عن اختبارات الأدوية، وما تنشره الدراسات (النتائج الشديدة السلبية لا تخرج إلى النور)، وكيف يصار إلى عرض نتائجها، والتلاعب بالخلاصات السلبية أو غير الواضحة بشكل يضفي عليها إشارات إيجابية. وغالباً ما ينتهي أمر هذه التجاوزات بالطمر بعد استعانة باحثين آخرين بهذه النتائج مرّات كثيرة ومتكررة.
- تأثير الشركات المدمر
وقالت الباحثة نستله: «أثبتت خمسون عاماً من البحث تأثير الشركات المصنعة للدواء على سلوك الأطباء. إذ يكفي تقديم المناديل أو الأقلام المطبوعة باسم العلامة التجارية لإحدى الشركات لدفع الأطباء إلى تجاهل علامة منافسة أو مؤثرة».
في المقابل، أكدت نستله وجود آلاف الدراسات التي تناولت موضوع تضارب المصالح في الأبحاث الدوائية، مقابل 11 دراسة فقط ركزت على تأثير التمويل التجاري على نتائج الأبحاث المتعلقة بالغذاء المرتبط بالصحة.
وتوثق نستله في كتابها كيف أصبحت الجهات التجارية الممولة شريكة في منظمات يعتمد عليها الناس، أو حتى صحافيون متخصصون في العلوم، للحصول على تقييم غير منحاز لنتائج البحث. ووجدت أيضاً أنّ الخبراء في المنظمات أو اللجان التي تصيغ النصائح الصحية للعامة حتى يمكن أن يرضخوا للتأثيرات التجارية.
وأخيراً، أشارت الباحثة إلى وجود تضارب كامن في قلب وزارة الزراعة الأميركية مثلاً، التي تتمتع بصلاحيتين متعارضتين. فهذه الوكالة التي يفترض بها أن تدعم إنتاج جميع أنواع المنتجات الزراعية ومنها اللحوم والدواجن ومنتجات الألبان إلى جانب الفواكه والخضراوات، تشارك في الوقت نفسه وزارة الصحة والخدمات البشرية في صياغة الإرشادات الغذائية الوطنية والشروط الغذائية للوجبات المحضّرة في المدارس وغيرها من برامج التغذية العامة.
- تعاون «مشبوه» بين الشركات والجامعات
> يمكن لنتائج الدراسات أن تضلل المستهلكين، وخصوصا عندما تصدر عن مؤسسة مرموقة أو هيئة متخصصة. وترى نستله أنّ هذا النوع من الجمعيات يجب أن يبدي اهتماماً أكبر لمسألة تضارب المصالح للحيلولة دون اتهامها بالترويج للعلم التضليلي.
واستشهدت نستله بدراسة ممولة من إحدى الشركات أجريت عام 2015 في جامعة ماريلاند حول منتج «فيفث كوارتر فريش»، حليب بالشوكولا، خال من الدسم يحتوي على الفيتامينات و42 غراماً من السكر.
وعلى الرغم من أن الدراسة لم تُعرض أو تنشر في أي دورية مهمّة، ادعى بيان صادر عن الجامعة أن الشراب قد يزيل تأثير الارتجاجات الدماغية التي يتعرض لها طلاب المدارس الثانوية جرّاء الوقوع أثناء لعب كرة القدم. وبعد الانتقادات التي تعرّضت لها على خلفية السقوط الأخلاقي، اضطرت الجامعة إلى إرجاع ما يقارب 230 ألف دولار أميركي للجهات التجارية الراعية.


مقالات ذات صلة

القضاء على الجوع هدف مؤجل إلى 2050 بسبب الحروب والصراعات والتغير المناخي

الاقتصاد فتاة تتفاعل مع تجمع الفلسطينيين لتلقي الطعام الذي تعده جمعية خيرية وسط أزمة الجوع (رويترز)

القضاء على الجوع هدف مؤجل إلى 2050 بسبب الحروب والصراعات والتغير المناخي

سيطرت السياسة على نقاشات قمة توفير الغذاء ومحاربة الجوع في أسبوع الغذاء العالمي الذي أقيم في العاصمة الإماراتية أبو ظبي.

هبة القدسي (أبوظبي)
المشرق العربي أفراد من القوات المسلحة الأردنية يسقطون مساعدات جوية على غزة 9 أبريل 2024 (رويترز)

طائرات عسكرية أردنية تسقط مساعدات على شمال قطاع غزة

قال مصدر رسمي إن طائرات عسكرية أردنية أسقطت، الثلاثاء، مساعدات على شمال غزة لأول مرة في خمسة أشهر للمساعدة في تخفيف وطأة الوضع الإنساني المتردي في القطاع.

«الشرق الأوسط» (عمّان)
الاقتصاد جانب من الاستعدادات في العاصمة السعودية قبل استقبال مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر (صفحة «كوب 16» على منصة «إكس»)

«فاو»: نطمح إلى مخرجات مهمة من «كوب 16» بالسعودية

قال الدكتور عبد الحكيم الواعر، المدير العام المساعد لمنظمة الفاو، إنه يتوقع مخرجات مهمة من مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر الذي ينعقد في السعودية.

لمياء نبيل (القاهرة)
يوميات الشرق النظام الغذائي النباتي يعتمد بشكل أساسي على الأطعمة النباتية (جامعة كولومبيا)

التحول للنظام النباتي يوفر 650 دولاراً للفرد سنوياً

أظهرت دراسة أميركية أن اتباع نظام غذائي نباتي منخفض الدهون يمكن أن يخفض تكاليف الطعام للفرد بنسبة 19%، أي ما يعادل 1.80 دولار يومياً أو نحو 650 دولاراً سنويا.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي نزوح سكان شمال غزة في ظل تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية (أ.ف.ب)

المنسق الأممي للسلام: الوضع في غزة «كارثي» مع بداية الشتاء ونزوح سكان الشمال

قال منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط تور وينسلاند اليوم الاثنين إن الوضع في قطاع غزة «كارثي» مع بداية فصل الشتاء.

«الشرق الأوسط» (غزة)

«البنزول» مادة مسرطنة تنتشر في منتجات العناية الشخصية

«البنزول» مادة مسرطنة تنتشر في منتجات العناية الشخصية
TT

«البنزول» مادة مسرطنة تنتشر في منتجات العناية الشخصية

«البنزول» مادة مسرطنة تنتشر في منتجات العناية الشخصية

​يبدو أن مركب «البنزول» المسمَّى أيضاً «البنزول الحلقي» ظهر في كل مكان خلال السنوات الأخيرة.

معقِّمات بمواد مسرطنة

أولاً، كانت معقمات اليدين التي تحتوي على «مستويات غير مقبولة» من هذه المادة المسرطنة. ثم كانت هناك عمليات سحب من السوق لرذاذات القدم المضادة للفطريات، إضافة إلى ظهور تقارير مثيرة للقلق عن وجوده في مزيلات العرق والشامبو الجاف وكريمات الوقاية من الشمس الملوثة، كما كتب كنفول شيخ، وجانا مانديل*.

وأدت بعض هذه النتائج إلى ظهور عناوين الأخبار المذعورة، ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي؛ إذ حذَّر المؤثرون في مجال العافية - على «تيك توك» - الناس من التوقف عن ارتداء واقيات الشمس. وذهب أحد الأطباء على المنصة إلى مقارنة استخدام الشامبو الجاف المنتج بمادة البنزول بعملية التدخين. كما تم رفع كثير من الدعاوى القضائية الجماعية بشأن تأثيراته.

رُصد البنزول في واقيات الشمس

«تسلل» البنزول الطبيعي

يوجد «البنزول» (Benzene)، بشكل طبيعي في النفط الخام. ولا يضاف عمداً إلى هذه المنتجات؛ بل إنه يُستخدم لتصنيع المواد الكيميائية، مثل الأصباغ والمنظفات والدهانات والبلاستيك. وقد ينتهي به الأمر إلى التسلل إلى منتجات العناية الشخصية، عندما لا تتم تنقية المواد الكيميائية التي يوجد البنزول فيها بشكل كافٍ، أو عندما تتفاعل بعض المكونات النشطة في المنتجات بعضها مع بعض أو تتحلل.

لا توجد بيانات حتى الآن تشير إلى أن المستويات المنخفضة من التعرض للبنزول من منتجات العناية الشخصية تحمل مخاطر صحية كبيرة. وحذَّر بعض الخبراء من أن كثيراً من النتائج الأكثر إثارة للقلق حول البنزول، جاءت من مختبر واحد تعرّض لانتقادات؛ لانحرافه عن طرق الاختبار القياسية.

ومع ذلك؛ ونظراً لارتباط مستويات عالية من التعرض للبنزول بالسرطان، يقول الخبراء إنه من الجدير إلقاء نظرة فاحصة على الشامبو الجاف وواقي الشمس، وغيرهما.

ويشعر الباحثون بالقلق من أن المكونات التي تساعد المستحضرات الواقية من الشمس على الذوبان في الجلد، قد تسرّع من امتصاص الجسم له.

تنشُّق البنزول

نظراً لأن البنزول يمكن أن يتبخر بسهولة؛ فقد يستنشق الأشخاص أيضاً بعض المواد الكيميائية أثناء وضع المنتج موضعياً، ما يعني أنهم قد يتعرّضون له من خلال الطريقتين كلتيهما، كما قال لوبينغ تشانغ، عالم السموم في جامعة كاليفورنيا، بيركلي. لكن حقيقة تبخره بسرعة تشير إلى أن التعرُّض الجلدي ليس مصدر قلق كبيراً مثل تعرض العمال للبنزول بانتظام في الهواء.

أبحاث محدودة

ولا تشير الأبحاث المحدودة حول هذا الأمر حتى الآن إلى أي خطر كبير. في إحدى الدراسات، فحصت مجموعة من الباحثين الأكاديميين بيانات من أكثر من 27 ألف شخص استخدموا كريمات طبية تحتوي على «بيروكسيد البنزويل» (benzoyl peroxide) الذي يعمل مطهِّراً. وعندما قارنوها ببيانات من مرضى لم يتعرضوا لبيروكسيد البنزويل، لم يجد الباحثون أي خطر متزايد للإصابة بالسرطان المرتبط بالبنزول بين أولئك الذين يستخدمون الكريمات.

ومع ذلك، قال بعض الخبراء إنهم قلقون بشأن هذه التعرضات المحتملة؛ نظراً لأن هذه المنتجات يتم استخدامها مباشرة على الجسم – يومياً عادةً - وفي أماكن صغيرة سيئة التهوية، مثل الحمامات.

ارتفاع مستويات البنزول في الجسم

وفي حين تظهر الدراسات الاستقصائية الأميركية أن مستويات البنزول في الهواء قد انخفضت - بفضل القيود الأكثر صرامة على البنزول - فقد زادت مستويات البنزول في عيّنات البول من الأميركيين في العقود الأخيرة. في الوقت نفسه، وجد العلماء أن مزيداً من المنتجات قد تحتوي على البنزول، بما في ذلك الحفاضات والمناديل التي تستخدم لمرة واحدة، والسدادات القطنية، والفوط الصحية.

وقالت إمي زوتا، الأستاذة المساعدة في علوم الصحة البيئية في كلية ميلمان للصحة العامة بجامعة كولومبيا، إن اكتشاف البنزول في هذه المنتجات يسلّط الضوء على الفجوات في الرقابة التنظيمية على سلامة منتجات العناية الشخصية. وأضافت أن كثيراً من اختبارات سلامة المنتجات طوعية: «لذا؛ فإن الصناعة تضع معاييرها الخاصة».

تلوث منتجات العناية بالبنزول

كان كثير من الاهتمام حول التلوث بالبنزول في منتجات العناية الشخصية مدفوعاً بشركة اختبار مخدرات صغيرة، مقرّها في نيوهافن بولاية كونيتيكت. فقد أفادت شركة «فاليشور» (Valisure)، بالعثور على تلوث بالبنزول في معقمات اليدين، وبخاخات الجسم، وكريمات الوقاية من الشمس، والشامبو الجاف، وأدوية حب الشباب التي تحتوي على بيروكسيد البنزويل. وانتشرت بعض هذه النتائج على نطاق واسع على منصات التواصل الاجتماعي، مثل «تيك توك» و«تروث سوشيال».

لكن بعض العلماء شكّكوا في منهجية شركة «فاليشور»، زاعمين أن بروتوكول الاختبار الخاص بها ينطوي في كثير من الأحيان على تسخين المنتجات إلى درجات حرارة تتجاوز درجات الحرارة التي قد تصل إليها في الحياة العادية؛ وهو ما قد يؤدي إلى تسريع تحلل المكونات، ويشير إلى خطر أعلى للتعرّض للبنزين مما قد يواجهه المستهلكون بالفعل.

أدلة تاريخية حول «سرطان البنزول»

ينظر كثير من الأبحاث حول البنزول بشكل خاص - حتى الآن - إلى التعرّض المنتظم لمستويات عالية من المادة الكيميائية في البيئات المهنية.

تأتي الأدلة على أن البنزول قد يسبب السرطان لدى البشر، من ملاحظات العمال في الصناعات الدوائية والبترولية التي تعود إلى عشرينات القرن العشرين. في عام 1987، قالت الوكالة الدولية لأبحاث السرطان، إن هناك «أدلة كافية» على أن البنزول مسبب للسرطان لدى البشر والحيوانات. واليوم، تتفق منظمة الصحة العالمية، ووكالة حماية البيئة الأميركية، وبرنامج علم السموم الوطني الأميركي، على أن البنزول يمكن أن يسبب السرطان، وخصوصاً سرطان الدم.

هناك أيضاً أدلة على أن استنشاق مستويات عالية من البنزول لفترات طويلة من الزمن يرتبط بسرطانات الدم الأخرى، وسرطان الرئة، فضلاً عن فقر الدم، وانخفاض القدرة على محاربة العدوى، وعدم انتظام الدورة الشهرية.

توصيات دولية

يوصي مسؤولو السلامة المهنية في جميع أنحاء العالم عموماً، بأن يقتصر التعرض في مكان العمل على جزء واحد من البنزول لكل مليون جزء من الهواء، أو جزء واحد في المليون على مدار يوم عمل مدته 8 ساعات.

ويتعرض كثير منا للبنزول أيضاً - من خلال انبعاثات المركبات ودخان السجائر ومواقد الغاز - ولكن بمستويات أقل بكثير.

وقد قدَّرت إحدى الدراسات أن التعرض البيئي للشخص العادي ينبغي أن يكون أقل من 0.015 جزء في المليون في اليوم، أو أقل بنحو مائة مرة من الحد المهني المذكور أعلاه.

خطوات لتقليل التعرض للبنزول

أظهرت حفنة من الدراسات المختبرية أن كمية معينة من البنزول على الأقل يمكن أن تخترق حاجز الجلد.

أكد الخبراء أنه لا داعي للذعر بشأن البنزول في منتجات العناية الشخصية؛ لكن اقترح كثير منهم التأكد من تخزين هذه العناصر بشكل صحيح لتجنب تحللها.

وفيما يلي بعض الخطوات البسيطة لتقليل تعرضك:

- واقي الشمس: لم يقترح أي من الخبراء الذين تمت مقابلتهم التخلص من واقي الشمس خوفاً من البنزول. حتى في الاختبارات التي أجرتها شركة «فاليشور»، لم يكن لدى غالبية واقيات الشمس مستويات يمكن اكتشافها. وقال تشانغ: «فوائد واقيات الشمس معروفة جيداً». ولكن إذا كنت تريد أن تكون حذراً، فيجب عليك تجنب تخزين واقي الشمس في سيارتك، والابتعاد عن الهباء الجوي. فكثير من المنتجات التي وُجد أنها تحتوي على البنزول هي عبارة عن رشاشات للرذاذ.

- الشامبو الجاف: إذا كنت قلقاً بشأن التعرض المحتمل للبنزين، فحاول التبديل إلى الشامبو الجاف الذي يأتي في تركيبات مسحوقة بدلاً من منتجات مرشاشات الرذاذ.

- كريمات حب الشباب: إذا كنت ترغب في الاستمرار في استخدام منتجات بيروكسيد البنزويل، فخزِّنها في مكان بارد ومظلم، مثل خِزانة أو ثلاجة، فسيساعد ذلك في بقاء مكوناتها مستقرة لفترة أطول. يمكنك أيضاً التحدث مع طبيب حول بدائل بيروكسيد البنزويل التي قد تناسبك. ويجب عليك دائماً التحقق من منتجاتك من خلال قائمة إدارة الغذاء والدواء القابلة للبحث للمنتجات التي تم سحبها من الأسواق، وتنبيهات السلامة.

* خدمة «نيويورك تايمز»