قطاع السياحة يبحث عن طرق جديدة تحفظ حق السائح والساكن

بعد معاناة طويلة من بعض التصرفات غير المسؤولة... مطالبات بحلول إيجابية ومستدامة

TT

قطاع السياحة يبحث عن طرق جديدة تحفظ حق السائح والساكن

تشير الفقرة الأولى من «المدونة العالمية لأخلاقيات السياحة» إلى أهمية التقليل من الأثر السلبي للسياحة على البيئة وعلى التراث الثقافي، مع الاستفادة إلى أقصى حد من مزايا السياحة في تعزيز التنمية المستدامة والتخفيف من الفقر وتعزيز التفاهم فيما بين المدن. وتهدف المدونة لترسيخ حق الإنسان في السياحة والترفيه دون تفرقة، مؤكدة في الوقت نفسه على دور السائح في الحفاظ على نظام سياحي مسؤول ومستدام.
ورغم أن السياحة قطاع لا يمكن الاستغناء عنه لما يدره على الخزانة المالية من أرباح، فإن سلوكيات بعض السياح السلبية تثير القلق. وهذا ليس أمراً جديداً، بدليل أن الجمعية العامة للأمم المتحدة أقرت في 21 ديسمبر (كانون الأول) 2001 اتفاقا بشأن التعاون والعلاقات التي تحكم دولها الأعضاء ومنظمة السياحة العالمية. وقبلها في عام 1991، كانت منظمة السياحة العالمية قد أجمعت على أهداف مشتركة من أجل تنشيط السياحة وتنميتها بما لا يتعارض وحق السائح في الاستمتاع بالتجربة، وفي الوقت ذاته يحمي المواطن المحلي من أي سلوكيات مؤذية أو عدوانية من شأنها أن تضر بثرواته السياحية وبيئته المحلية.
الملاحظ أن تدفق حشود من السياح على بعض المدن وضعها في مأزق بسبب عدم قدراتها الاستيعابية، الأمر الذي تسبب في ازدحامها وصخبها.
ولا تقتصر هذه الشكاوى على السكان المحليين؛ بل على السياح أنفسهم ممن أصبحوا يبحثون عن وجهات أخرى بعيدة لا يصل إليها أي كان.
سكان مدينة البندقية مثلا خرجوا في مظاهرات كبيرة ضد الزيادات المفرطة في عدد السياح. وحسب معلومات رسمية، فقد تقلص عدد السكان المحليين بالبندقية منذ 1980 من 120 ألفا إلى 60 ألفا، مقارنة بـ80 ألف سائح يزورنها سنويا، فيما يمكن اعتباره عددا يفوق طاقتها الاستيعابية.
بدورها، بادرت مدن إيطالية أخرى كالعاصمة روما وفلورنسا وجزيرة سردينيا بسن قوانين سياحية صارمة ضد «الفوضى السياحية»، مشددة على أهمية التعاون من أجل سياحة تنموية متوازنة ومستدامة. وكانت روما قد زادت من أعداد مفتشين سياحيين منحتهم صلاحيات ضد من يجلسون على حافة نافورة «تريفي» التي يعود تاريخها لعام 1762 مثلا. وعم القرار بقية النوافير ومجمل المواقع الأثرية. كما حظرت فلورنسا الأكل في مثل تلك المواقع، وفرضت غرامات مالية ضد المخالفين.
أما جزيرة سردينيا ذات الرمال الذهبية والمياه الكريستالية فقد عدّت المساس برمالها جريمة يعاقب عليها القانون، وفرضت هي الأخرى غرامات مالية قد تصل إلى آلاف اليوروات.
وتحذر لافتات موزعة في الجزيرة ممن تسميهم «لصوص الرمال»، وتقصد بهم الزوار الذين يعبئون زجاجات برمال من الجزيرة للاحتفاظ بها ذكرى. كما أن منهم من يحمل حصى ويجمع أصدافا فتترصدهم السلطات في مطارها.
لا تقتصر الشكاوى على مدن سياحية تقليدية؛ بل تشمل مدنا توسعت حديثا، مثل مدينة دوبرفينك الكرواتية. فهي الآن وجهة سياحية تجذب الملايين صيفا وشتاء، بعد تصوير السلسلة التلفزيونية «صراع العروش» فيها. فقد كشفت السلسلة عن مناظرها الخلابة التي تتباين بين السهول والبحيرات والجبال، مما زاد من الإقبال عليها. لكن نظرا لعدد سكانها مقارنة بعدد السياح المزداد، بدأت أصوات التذمر تتعالى، خصوصا بعد الارتفاع الفجائي في السكن والأسعار وكمية النفايات والتلوث.

> تجربة أمستردام
بدورها؛ لم تعد مدينة أمستردام الهولندية تتحمل، وأعرب سكانها والسلطات على حد سواء عن خوفهم من السياحة العشوائية، التي باتت تحرم مواطنيها، وعددهم 850 ألفاً فقط، من حريتهم ومن أسلوب حياة تعودوا عليه. وتجري المدينة منذ فترة أبحاثا عن إجراءات تنظيمية جذرية تستهدف توجيه السياح لوجهات أخرى غير أمستردام، التي يفوق عدد السياح إليها الملايين سنويا. ويتوقع أن يصل هذا العدد إلى 30 مليون سائح بحلول 2025. وكان نائب عمدة أمستردام قد شبه مؤخرا حال المدينة ليلا بـ«غابة حضارية» تفتقد شرطتها إلى القوة اللازمة للحد من الجريمة والعنف وتجارة المخدرات، ناهيك بأصوات من يتصرفون دون وعي. كما أشار إلى أنه بات صعبا على عمال النظافة القيام بواجباتهم على أحسن وجه. وأضاف أيضا أن المدينة أضحت تعاني من واحد من أشكال التلوث السياحي.
ورغم ما تجنيه ميزانية المدينة من دخل مرتفع بفضل هؤلاء، فإن مكتبها للتسويق اضطر هذا العام إلى خفض ميزانيته من 4.6 مليون يورو إلى 3.8 مليون يورو للحد من الصرف الترويجي. في المقابل عملوا على تمويل حملة مدتها 6 أشهر بـ225 ألف يورو لدراسة الوضع والخروج بمزيد من الخطط والبرامج التي يمكن أن تساعد على تقنين عدد السياح وتوزيعهم بشكل صحيح يحفظ للمدينة وسكانها المستوى الحضاري الذي يرتضونه، من النظافة والأمن إلى الحرية.

> حسب الإحصاءات التي أجرتها معظم السلطات، فإن أسوأ أنواع السياح ممن لا يلتزمون بالقانون أو يبالون بالحفاظ على نظافة المدينة، هم من الشباب، من بريطانيا وألمانيا تحديداً. أغلبهم من الفئات العمرية بين 18 و34، وينظمون حفلات لتوديع العزوبية فيها. ويصلون إلى المدينة في رحلات جماعية رخيصة ويسكنون حيثما توفر، لأن هدفهم الأساسي هو الاستمتاع بالحرية الليلية التي تشتهر بها المدينة.
ومما قاله نائب عمدة أمستردام لوسائل الإعلام، إن مدينتهم لا ترغب في زوار يأتونها فقط للعربدة والمخدرات، مشيرا للإجراءات التنظيمية التي لجأوا إليها للحد من عدد السياح ونوعيتهم. من هذه الإجراءات ذكر فرض غرامات فورية وقدرها 95 يورو على كل من يتبول في الطرقات والقنوات المائية، وغرامة 140 يورو لمواجهة السلوكيات السيئة مثل رمي القمامة في غير مواقعها أو الازعاج.
من جانب آخر حظرت السلطات بناء أي فنادق جديدة بمركز المدنية، حتى تخفف من الكثافة السياحية، كما تعمل على تنظيم خدمات الحافلات السياحية، ونقل الرحلات المائية بعيدا عن المركز.
وبالطبع لا يخلو الأمر من سجال سياسي واتهام للحكومة بالبطء في التصرف. كما لم يسلم مجلس بلدية أمستردام الائتلافي الأسبق من الانتقادات لترويجه للمدينة سياحيا خلال فترته لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي عاصرها. واتهم بأن ما وضعه من تدابير كان مجرد قطرة في محيط سياحي مـتأزم.
من المقترحات الأخرى لتقنين الظاهرة، خفض ساعات عمل المتاجر، وفرض قوانين أكثر صرامة على من يؤجرون شققهم عن طريق «إير بي إن بي»، خصوصا أنهم يحصلون على أرباح لا يدفعون عليها ضرائب، عدا أنهم يوسعون من نطاق الازعاج في مناطق سكنية.

> من الأفكار المقترحة من قبل بعض الدول للحد من الافراط السياحي:
- سن ضوابط سياحية، وخلق تعاون مع شركات الطيران والسفن السياحية ووسائل النقل المختلفة.
- تقنين السكن عبر نظام الـ«Airbnb».
- فرض مزيد من الضرائب على بطاقات السفر الرخيصة، التي تتسبب في تدفق السياح غير المرغوب فيهم، لتعجيزهم ماديا.


مقالات ذات صلة

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

سفر وسياحة أسواق العيد في ميونخ (الشرق الاوسط)

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

الأسواق المفتوحة تجسد روح موسم الأعياد في ألمانيا؛ حيث تشكل الساحات التي تعود إلى العصور الوسطى والشوارع المرصوفة بالحصى

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من المنتدى التاسع لمنظمة الأمم المتحدة لسياحة فن الطهي المقام في البحرين (الشرق الأوسط) play-circle 03:01

لجنة تنسيقية لترويج المعارض السياحية البحرينية السعودية

كشفت الرئيسة التنفيذية لهيئة البحرين للسياحة والمعارض سارة أحمد بوحجي عن وجود لجنة معنية بالتنسيق فيما يخص المعارض والمؤتمرات السياحية بين المنامة والرياض.

بندر مسلم (المنامة)
يوميات الشرق طائرة تُقلع ضمن رحلة تجريبية في سياتل بواشنطن (رويترز)

الشرطة تُخرج مسنة من طائرة بريطانية بعد خلاف حول شطيرة تونة

أخرجت الشرطة امرأة تبلغ من العمر 79 عاماً من طائرة تابعة لشركة Jet2 البريطانية بعد شجار حول لفافة تونة مجمدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق أشخاص يسيرون أمام بوابة توري في ضريح ميجي بطوكيو (أ.ف.ب)

اليابان: اعتقال سائح أميركي بتهمة تشويه أحد أشهر الأضرحة في طوكيو

أعلنت الشرطة اليابانية، أمس (الخميس)، أنها اعتقلت سائحاً أميركياً بتهمة تشويه بوابة خشبية تقليدية في ضريح شهير بطوكيو من خلال نقش حروف عليها.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق سياح يصطفون للدخول إلى معرض أوفيزي في فلورنسا (أ.ب)

على غرار مدن أخرى... فلورنسا الإيطالية تتخذ تدابير لمكافحة السياحة المفرطة

تتخذ مدينة فلورنسا الإيطالية التاريخية خطوات للحد من السياحة المفرطة، حيث قدمت تدابير بما في ذلك حظر استخدام صناديق المفاتيح الخاصة بالمستأجرين لفترات قصيرة.

«الشرق الأوسط» (روما)

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

أسواق العيد في ميونخ (الشرق الاوسط)
أسواق العيد في ميونخ (الشرق الاوسط)
TT

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

أسواق العيد في ميونخ (الشرق الاوسط)
أسواق العيد في ميونخ (الشرق الاوسط)

الأسواق المفتوحة تجسد روح موسم الأعياد في ألمانيا؛ حيث تشكل الساحات التي تعود إلى العصور الوسطى والشوارع المرصوفة بالحصى، المسرح المثالي للاحتفال بأعياد الميلاد ورأس السنة.

تنطلق هذه الأسواق في أواخر شهر نوفمبر (تشرين الثاني) وتستمر حتى 24 ديسمبر (كانون الأول)، وأحياناً حتى شهر يناير (كانون الثاني)، وتنبض بسحر محلي خاص، حيث تقدم الزينة اليدوية الصنع، المعجنات الموسمية، والهدايا الحرفية، إلى جانب الموسيقى التقليدية، مما يغمر الزوّار في أجواء رائعة من التقاليد العريقة والبيئة الاحتفالية.

اسواق العيد مناسبة للعائلات (الشرق الاوسط)

تنتشر في ألمانيا أسواق كثيرة تتميز بتنوع حيوي إليكم أجملها:

سوق أعياد كريسكنيدل ميونيخ

تقع سوق الأعياد البافارية في قلب ساحة مارينبلاتز، وتعد نموذجاً للأجواء الاحتفالية البافارية، حيث تجمع بين التقاليد التي تعود إلى قرون مضت والروح الاحتفالية لمدينة ميونيخ. هنا، يمكن للزوار استكشاف صفوف من الأكشاك الخشبية التي تعرض الحرف اليدوية المحلية والزخارف الدقيقة والمأكولات الموسمية اللذيذة، مثل خبز الزنجبيل والمكسرات المحمصة. كما يمكن للعائلات الاستمتاع بمجموعة متنوعة من الأنشطة الخاصة، بما في ذلك العروض الموسيقية و«ورشة العمل السماوية»، حيث يمكن للأطفال صنع الحرف اليدوية الخاصة بموسم الأعياد.

أسواق دريزدين (الشرق الاوسط)

سوق دريسدنر – دريسدن

يعود تاريخ سوق دريسدنر شتريزيلماركت إلى عام 1434، وهي أقدم سوق أعياد في ألمانيا ومن بين الأكثر شهرة فيها. تُقام السوق في ساحة التماركت بالمدينة، وتعرض الزخارف الخشبية المصنوعة يدوياً، وزخارف الزجاج المنفوخ في ساكسونيا، مع عروض وأنشطة للأطفال في قلعة القصص الخيالية ليستمتع بها الجميع.

أسواق العيد المفتوحة في برلين (الشرق الاوسط)

سوق الأعياد في ساحة ألكسندر - برلين

يُعد ميدان ألكسندر بلاتز من أشهر الساحات في برلين، وهو ذائع الصيت بعجلة فيريس الشهيرة التي توفر إطلالات بانورامية على معالم المدينة التاريخية، بينما تقدم حلبة التزلج وألعاب الترفيه أنشطة ممتعة لجميع أفراد العائلة. تضم السوق بائعين دوليين يعرضون أطعمة موسمية، مثل الكستناء المشوية، وخبز الزنجبيل، والوافل على الطراز البرليني، إضافة إلى هرم موسم الأعياد الشاهق المزدان بشخصيات تقليدية ليكون نقطة جذب مثالية للصور.

أسواق فرانكفورت (الشرق الاوسط)

سوق الأعياد في فرنكفورت

مع خلفية ساحرة تجمع بين ساحة رومربيرغ وساحة سانت بولس، تُعرف سوق الأعياد في فرنكفورت بزخارفها الاحتفالية وعروضها الموسيقية. تقدم السوق زينة يدوية الصنع، وألعاباً خشبية، وحلويات موسمية مثل بسكويت المارزيبان «بيتماينشن»، بينما تضفي الشجرة الضخمة المُزينة والموسيقى الاحتفالية من جوقات وأوركسترا محلية، المزيد من السحر والأجواء الاحتفالية.

سوق رايترلسماركت في مدينة روتنبورغ أوب در تاوبر (الشرق الاوسط)

رايترلسماركت - روتنبورغ أوب دير تاوبر

تقع سوق رايترلسماركت في مدينة روتنبورغ أوب در تاوبر التي تعود إلى العصور الوسطى، وتوفر أجواءً فريدة لقضاء العطلات في واحدة من أفضل مدن العصور الوسطى في ألمانيا. وبينما يتجول الزوار في شوارع المدينة المتعرّجة، يمكنهم الاستمتاع بالعطلات الفرنكونية والعروض التقليدية ورواية القصص، فضلاً عن جولات المشي على ضوء الشموع التي تسهم في إحياء تاريخ المدينة، مثل جولة روتنبورغ الأسطورية التي تُعد محور احتفالات رايترلسماركت.

أسواق دريزدين (الشرق الاوسط)

سوق نورنبيرغ الاحتفالية

تُعدّ سوق الأعياد في نورنبيرغ، المعروفة باسم «كريست كيندلس ماركت»، من أشهر أسواق العيد في العالم، وتُقام في ساحة «هاوبت ماركت»؛ حيث تقدم هدايا يدوية الصنع مثل خبز الزنجبيل التقليدي من نورنبيرغ، وكسّارات البندق الخشبية، وشخصيات «نورنبيرغ بلام بيبول» من نورنبيرغ التي ترتدي الأزياء التقليدية.

اسواق هامبورغ (الشرق الاوسط)

سوق هامبورغ للأعياد التاريخية

تشتهر سوق الأعياد التاريخية، التي تُقام أمام مبنى راتهاوس العريق في هامبورغ بـ«سانتا الطائر» الفريد من نوعه، الذي يقوم برحلات يومية فوق ساحة السوق، مما يُسعد الأطفال والكبار على حدٍّ سواء. هذا ويتم تسليط الضوء على تاريخ هامبورغ البحري في عروض العطلات والأكشاك الاحتفالية؛ حيث يمكن للزوار العثور على الهدايا ذات الطابع البحري والاستمتاع بالأطباق الإقليمية مثل الكستناء المحمصة ومعجنات العطلات، فيما تجعل قرية الأطفال والعربة الدائرية من السوق، وجهة مفضلة لدى العائلات.