«داعش» و«القاعدة»... من الافتراق إلى الاندماج

{كارثة إرهابية} في الطريق

حسب الخبراء الأميركيين تُعد «طالبان» أفضل مكان للاتحاد بين مقاتلي «القاعدة» و«داعش» (أ.ف.ب)
حسب الخبراء الأميركيين تُعد «طالبان» أفضل مكان للاتحاد بين مقاتلي «القاعدة» و«داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» و«القاعدة»... من الافتراق إلى الاندماج

حسب الخبراء الأميركيين تُعد «طالبان» أفضل مكان للاتحاد بين مقاتلي «القاعدة» و«داعش» (أ.ف.ب)
حسب الخبراء الأميركيين تُعد «طالبان» أفضل مكان للاتحاد بين مقاتلي «القاعدة» و«داعش» (أ.ف.ب)

المؤكد أن هناك فارقاً واضحاً في أهداف اثنتين من أكبر الجماعات الإرهابية حول العالم في الوقت المعاصر؛ ففيما توجه وتثبت «القاعدة» أنظارها دائماً وأبداً على الولايات المتحدة الأميركية، ومحاولة إلحاق أكبر ضرر بها، فإن «داعش» يسعى في سياق مفاهيمي آخر يتصل ببناء دولة وتوسيع مداراتها الجغرافية والديموغرافية.
غير أن ذلك في واقع الحال لا ينفي أن لدى الجماعتين روابط مشتركة، فكلتاهما تستخدم العنف المسلح، وتسعى لإيجاد أرضية قوية في مناطق «البطن الرخوة» حول العالم، لا سيما في أماكن مثل أفغانستان والعراق، وبعض النقاط الملتهبة في أفريقيا، فهل يعني ذلك أن اندماجهما قد يكون خطوة قريبة على الطريق، لا سيما أن التشابهات الآيديولوجية بين «القاعدة» و«داعش» تظل أكبر بكثير من الفوارق؟
منذ عام ونصف العام تقريباً بدأ السؤال المتقدِّم يشكل عامل إزعاج لكثير من الخبراء الأمنيين حول العالم، وبات البحث عن الجواب شغلهم الشاغل، وقد طرح أول الأمر في أبريل (نيسان) 2017 خلال مؤتمر «موسكو الدولي السادس للأمن»، وفيه تحدث فاليري ميميوريكوف أمين عام منظمة معاهدة الأمن الجماعي بالقول: «حسب المعطيات المتوفرة، هناك محاولات أخيراً تعمل على تجاوز الخلافات عبر المفاوضات بين (داعش) و(القاعدة)، وضم هذين التنظيمين الإرهابيين في اتحاد واحد، ما النتيجة المتوقعة حال جرت الأقدار على هذا النحو؟»، يؤكد الخبير الروسي أنه «في حال تنفيذ هذه المبادرة، سينمو التهديد الإرهابي في العالم بأضعاف مضاعفة».
تبدي الاستخبارات الروسية بنوع خاص مراقبة دقيقة ولصيقة لـ«داعش» و«القاعدة»، ربما لأنها الأقرب لوجيستياً من أفغانستان، وهناك أخبار كثيرة متواترة عن بلورة كيان إرهابي جديد بين الجماعتين، في كنف «طالبان» بنوع خاص، وربما هذا ما أدى لإعلان مدير مصلحة الأمن الفيدرالية الروسية ألكسندر بورتنيكوف في أوائل شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي عن أن هناك بوادر لتقارب بين تنظيمي «القاعدة» و«داعش» الإرهابيين، محذراً من المخاطر الناجمة عن احتمال دمج قدراتهما.
يذهب الخبير الروسي إلى أن هزيمة الإرهابيين على ساحات القتال دفعتهم إلى البحث عن إمكانيات جديدة لمواصلة نشاطاتهم الدموية، بما في ذلك توسيع رقعة وجودهم في دول «آمنة» سابقاً، إضافة إلى رصد حوادث تنقل مسلحين من وإلى أوطانهم في دول أوروبا وشمال أفريقيا وجنوب شرقي آسيا، وكذلك إلى أفغانستان، مما يزيد من خطورة اختراقهم منطقة آسيا الوسطى.
ولعل المتابع للمراكز البحثية الفكرية المهتمة بجماعات الراديكالية السياسي والإرهابي، حول العالم، يدرك أن الحديث يدور عن تنظيمين متشابهين آيديولوجيا، ويعتمدان على موارد بشرية مشتركة لتجنيد مسلحين جدد، وعلى الرغم من وقوع صدامات مسلحة أحياناً بين التنظيمين الإرهابيين، فإن ثمة حالات كثيرة من انضمام عناصر أحدهما إلى صفوف الآخر، سواء أكان ذلك بدوافع نفعية أو جراء تغيير الأوضاع الميدانية أو لأسباب أخرى.
ثم إن المتابع لـ«القاعدة» و«داعش»، وبنوع خاص من خلال تحليل خطاباتهما الإعلامية، وطرائق تواصلهما مع العالم الخارجي، يلحظ بالفعل نمواً مطرداً ومتشابهاً في التقارب الإعلامي، فكلاهما يحاول ترسيخ الأفكار الراديكالية عينها، وتجنيد أنصار جدد، مع استخدام أساليب وسبل متشابهة للتأثير الآيديولوجي، وإنشاء مجال إعلامي موحد وظيفته التعامل مع القاعدة المشتركة من مستخدمي الإنترنت.
تبدو المخاوف جدية، ويمكن للمرء القطع بأن هناك شيئاً ما يتخلَّق وراء الكواليس، الأمر الذي دعا سيرغي كوجيتيف النائب الأول لرئيس مركز الأغراض الخاصة التابع للمخابرات الخارجية الروسية، للتصريح لأول مرة وبشكل علني في أوائل سبتمبر (أيلول) الماضي بأن «قوة تدميرية إرهابية هائلة في الطريق، من جراء تأسيس مسلحي تنظيمي (داعش) و(القاعدة) الإرهابيين لكيان مؤسسي مقبل؛ كيان سيكون هجيناً، وستكون له موارده الخاصة، سواء البشرية أو المادية، ما يعني أن العالم أمام تحدٍّ قاتل وخطير ومزعج»، بحسب وصفه.
هل كانت عيون الاستخبارات الأميركية المختلفة منشغلة أو غافلة عما يجري من هول كبير مقبل؟
لا يمكن بالقطع أن تكون الولايات المتحدة الأميركية منشغلة عن متابعة الأمر، لا سيما أنّ الرئيس ترمب يضع في مقدمة أهدافه محاربة الإرهاب والقضاء عليه في أي بقعة أو رقعة حول العالم، وهذا ما يتجلَّى في الاستراتيجية الأميركية الأخيرة لمحاربة الإرهاب حول العالم، بما فيها من عودة إلى أفكار الضربات الاستباقية أو الحرب الوقائية، لقطع الطريق على عودة الجماعات الظلامية مرة أخرى.
ولعل المطالع للصحافة الأميركية في الأشهر الأخيرة يدرك بما لا يدع مجالاً للشك أن هناك نقاشات محمومة دائرة في كواليس المؤسسة العسكرية الأميركية بشأن اتحاد مقبل، وربما قائم بين «داعش» و«القاعدة».
يكتب أخيراً بروس هوفمان البروفسور في جامعة جورجتاون الأميركية العريقة، المعروف بعلاقاته الوثيقة مع «البنتاغون»، في مقال تحليلي عبر الصحافة الأميركية يقول إن تحالف المجموعتين أمر لا مفر منه، وبحسب رأيه، فإن التقارب بين المجموعتين في سوريا لم يحصل منذ بداية النزاع، بل كانت تدور بينهما اشتباكات مسلحة، وذلك بسبب التنافس والاختلاف الفكري بينهما، ولكن مسألة تحالفهما تصبح مرجحة جداً حالياً، نتيجة للهزائم المستمرة وفقدان السيطرة على مساحات واسعة في سوريا.
مدير مركز التحليل السياسي - العسكري في معهد هدسون الأميركي، ريتشارد وايتس الخبير العسكري المعروف، يرى أن الضغط المستمر من جانب روسيا والولايات المتحدة على المجموعات الإرهابية يجبرهم على إنشاء تحالفات، وأن الخلافات توضع خلفهما، ويمكنهما تجاوزها فقط في حال بروز خطر القضاء عليهما نهائياً، على الرغم من أنه نادراً ما تنشئ المجموعات الإرهابية تحالفات، لأنها لا تميل إلى ذلك في الأصل.
لم تكن إشكالية الاتحاد المرتقب بين «داعش» و«القاعدة» لتغيب كذلك عن المراقبين التابعين للأمم المتحدة، وقد وصفوا في تقرير مطوَّل لهم في شهر أغسطس (آب) الماضي أحوال ومآلات التنظيمين الإرهابيين، ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية بعض ما جاء فيه، كالقول على سبيل المثال إن تنظيم القاعدة لا يزال صامداً بشكل لافت، وإنه يشكل خطراً أكبر من تنظيم «داعش» في بعض المناطق، فيما حذروا من إمكانية تعاون مشترك بين التنظيمين لشن هجمات إرهابية على بلدان مختلفة.
التقرير الذي نحن بصدده، والذي تم رفعه لمجلس الأمن الدولي، يميط اللثام عن حقيقة مثيرة للغاية، تبين إخفاق كل الاستراتيجيات السابقة لمحاربة التنظيمات الإرهابية الكبرى حول العالم، وبنوع خاص «القاعدة»، على الرغم من الحروب الظاهرة والخفية التي سنَّتها الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق، في الصومال والنيجر، بل على العكس تماماً فربما جاءت مثل تلك الحروب بردات فعل عكسية، فقد نشأ «داعش» في العراق وسوريا، جراء الغزو الأميركي، وليس قبله.
يذهب المراقبون في هذا التقرير تحديداً إلى أن المجموعات المرتبطة بـ«القاعدة» لا تزال تشكل التهديد الإرهابي الأبرز في بعض المناطق، مثل الصومال واليمن، والدليل على ذلك الهجمات المتواصلة والعمليات التي يتم إفشالها باستمرار.
هل يُفهم من هذا التقرير أن «القاعدة» لا تزال أخطر من «داعش» رغم كل المشاهد الدموية التي أقدمت عليها الأخيرة؟
التقرير يخبرنا بأن المجموعات المرتبطة بـ«القاعدة» في غرب أفريقيا وفي جنوب آسيا، تشكل خطورة أكبر من مقاتلي تنظيم «داعش» العاجزين حالياً عن فرض أنفسهم في موقع قوة، ويحذر من احتمالات حدوث تعاون بين مجموعات مرتبطة بتنظيم «داعش» وأخرى تابعة لـ«القاعدة» في بعض المناطق، ما يمكن أن يشكل تهديداً جديداً وجدياً حول العالم.
والثابت أن حديث الأرقام لا يكذب ولا يتجمل، ففي سوريا على سبيل المثال، لا تزال «جبهة النصرة» أحد أقوى وأكبر فروع تنظيم «القاعدة» في العالم، ومقاتلوها يلجأون إلى التهديد والعنف والحوافز المادية لضم مجموعات مسلحة صغيرة، ويبلغ عدد مقاتلي هذه الجبهة بين 7 و11 ألف شخص، من بينهم آلاف المقاتلين الأجانب، وهي تتخذ إدلب شمال غربي سوريا معقلاً لها.
ما الذي يجعل الدواعش يستعينون برجالات «القاعدة» ويغفلون الخلافات البينية بينهم، ويدخلون في شراكة استراتيجية معهم؟
الشاهد أن تنظيم «القاعدة» لديه ميزة نسبية، وهي قدرته على تحقيق التوازن الفعال بين الأهداف المحلية والعالمية، وهذا ما يشير إليه الباحث المتخصص في الشؤون الإرهابية دانيال بيمان، بقوله: «لقد حافظ المتطرفون على علاقات جيدة مع القبائل المحلية، وكانوا مرنين في فرض الشريعة، وما زال تنظيم (القاعدة) في شبه الجزيرة العربية قادراً على لعب دور مثل هجمات (شارلي إيبدو) في باريس أوائل عام 2015، كما يحافظ التنظيم على علاقة وثيقة بشكل متزايد مع (حركة الشباب) في الصومال و(جبهة النصرة)».
وثمة من يسأل: «هل من موقع أو موضع بعينه حول العالم مرشح لأن يضحى أرض المعسكر الجديد، لظهور وارتقاء حلف الإرهاب الأخطر المنتظر من جراء الشراكة بين (القاعدة) و(داعش)؟».
المؤكد بلا جدال أن المكان المقصود هو أفغانستان، وأن الساتر الأعلى الذي يمكنه أن يوفر للفصيل الجديد الحياة والمأوى هم جماعة «طالبان»، تلك التي بقيت صامدة رغم الضربات القوية التي تعرضت لها الحركة طوال ثماني عشرة سنة، فإرهابها حاضر، وعملياتها مستمرة في مناطق مختلفة من البلاد، الأمر الذي انعكس على التصريحات التي أدلى بها رئيس هيئة الأركان الأميركية الجنرال جوزيف دنفورد في 18 نوفمبر الماضي وقال فيها: «إن (طالبان) لا تخسر في الميدان»، مشيراً إلى تقدمها في الأراضي الأفغانية، وعدم خسارتها الحرب التي شنتها ضد القوات الأفغانية والأجنبية.
لماذا «طالبان» هي أفضل مكان للاتحاد بين مقاتلي «القاعدة» و«داعش»؟
ربما لسببين رئيسيين: الأول يتعلق بكون أفغانستان نقطة مشتركة للحضور الأميركي والروسي؛ الأول بالوجود والثاني من خلال الحدود.
بينما السبب الثاني هو وجود مساحات واسعة وشاسعة مسيطَر عليها من قِبَل «طالبان» في دولة متسعة، حيث تسيطر ميليشيات «طالبان» على 14 إقليماً بما يمثل 4 في المائة من مساحة الدولة، وتوجَد في 263 إقليماً آخر بما تصل نسبته إلى 66 في المائة من هذه المساحة، كما أن خبراتها الميدانية، وسيطرتها التنظيمية، وتجربتها التاريخية في مواجهة الأميركيين والروس، تجعل منها الأستاذ والمعلِّم الأكبر في ساحات القتال لكل الجماعات الإرهابية شرقاً وغرباً.
ولعل أحد أهم الذين التفتوا إلى تلك الحقيقة التي باتت شِبهَ واقعٍ سكوت ستيوارت الباحث في مركز «ستراتفور» الأميركي، الذي يُعتبر استخبارات الظل للمخابرات المركزية الأميركية؛ ففي مارس (آذار) 2017 تساءل: «هل تستطيع (القاعدة) و(داعش) العثور على أرضية مشتركة»؟
التحليل يلفت إلى مناطق البطون الرخوة حول العالم، حيث الدول الفاشلة التي ينعدم فيها الأمن، وهنا تأتي أفغانستان في المقدمة، وخلاصة رؤية ستيوارت أن قدرات «القاعدة» و«داعش» معاً ستشكل خطراً كثيراً وداهماً على العالم، أكثر بكثير مما يشكلانه وهما منقسمان.
إن تعميق الخلافات بين الأقطاب الكبرى، لا سيما بين موسكو وواشنطن، وبدرجة أخرى بكين، سوف يسهم في نجاحات مقبلة تؤدي بـ«القاعدة» و«داعش» إلى تخليق وحش إرهابي جديد، سيكون من الصعوبة بمكان مواجهته.
وعليه، فإنه كلما تباعدت المواقف، وتلاعبت الأطراف الدولية بالجماعات الأصولية الإرهابية، سيجد الإرهاب والإرهابيون بيئة ملاءمة لنموهم والسعي بالفساد في الأرض، وعليه لا بد من بناء حالة من حالات «الثقة الأممية»، إن جاز التعبير، لملاقاة الموت المقبل، لا سيما أن الأفكار التي يعتنقها الطرفان تجد انتشاراً واسعاً حول العالم، كلما ازدادت حالة اللاعدالة الاجتماعية، والتفاوت الطبقي، والصراع الأممي في وقت تنصهر فيه الطبقات التكتونية للنظام العالمي القائم، ودون ملامح لآخر مقبل.


مقالات ذات صلة

باكستان: جهود لتطهير المناطق الاستراتيجية على الحدود الأفغانية من المسلحين

آسيا جندي باكستاني يقف حارساً على الحدود الباكستانية الأفغانية التي تم تسييجها مؤخراً (وسائل الإعلام الباكستانية)

باكستان: جهود لتطهير المناطق الاستراتيجية على الحدود الأفغانية من المسلحين

الجيش الباكستاني يبذل جهوداً كبرى لتطهير المناطق الاستراتيجية على الحدود الأفغانية من المسلحين.

عمر فاروق (إسلام آباد)
أفريقيا وحدة من جيش بوركينا فاسو خلال عملية عسكرية (صحافة محلية)

دول الساحل تكثف عملياتها ضد معاقل الإرهاب

كثفت جيوش دول الساحل الثلاث؛ النيجر وبوركينا فاسو ومالي، خلال اليومين الماضيين من عملياتها العسكرية ضد معاقل الجماعات الإرهابية.

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا سيدة في إحدى قرى بوركينا فاسو تراقب آلية عسكرية تابعة للجيش (غيتي)

تنظيم «القاعدة» يقترب من عاصمة بوركينا فاسو

أعلنت «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، الموالية لتنظيم «القاعدة»، أنها سيطرت على موقع عسكري متقدم تابع لجيش بوركينا فاسو.

الشيخ محمد ( نواكشوط)
أفريقيا رئيس تشاد يتحدث مع السكان المحليين (رئاسة تشاد)

الرئيس التشادي: سنلاحق إرهابيي «بوكو حرام» أينما ذهبوا

قال الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي، في مقطع فيديو نشرته الرئاسة التشادية، إنه سيلاحق مقاتلي «بوكو حرام» «أينما ذهبوا، واحداً تلو الآخر، وحتى آخر معاقلهم».

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا آثار هجوم إرهابي شنَّته «بوكو حرام» ضد الجيش التشادي (إعلام محلي)

«الإرهاب» يصعّد هجماته في دول الساحل الأفريقي

تصاعدت وتيرة الهجمات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي، خصوصاً بعد أن أعلنت تشاد أن أربعين جندياً قُتلوا في هجوم إرهابي.

الشيخ محمد (نواكشوط)

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.